إن اضطرابات الطعام مخيفة، ومحيرة، وتهدد المرء بمخاطر صحية شديدة. وعلى الرغم من أن أسباب هذه الاضطرابات معقدة وليست مفهومة بالكامل، إلا أننا جميعاً يجب أن ننتبه إلى علامات الخطر التي تنطوي عليها عادات الأكل الخارجة عن سيطرتنا.
على عكس ما هو شائع، فإن اضطرابات الطعام ليست مرضاً حديثاً، إذ ظهر منذ عقود طويلة. ولكن يبدو أن هذه الاضطرابات تتفاقم.
كثير من اضطرابات الطعام تظل طي الكتمان حتى يصبح من الواضح والجلي أن هناك مشكلة، ولذا من الصعب تحديد الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات بالأرقام. المزيد والمزيد من الناس يتقدمون لتلقي العلاج والمساعدة سواء لأنفسهم أو لأصدقائهم وأفراد عائلاتهم.
ومن الصعب فهم آلية عمل اضطرابات الطعام سواء كنت ممن يعانون منها أو تعرف شخصاً يعاني منها، ولكنني أعتقد أن الأمر شاق على الفئة الأخيرة. ما الذي يجعل شخصاً يدفع نفسه للجوع يصر بعد كل هذا أنه لا يزال سميناً؟ ما الذي يدور بعقل شخص يبدو رائعاً ومع هذا يتسلل إلى الحمام بضع مرات أسبوعياً ليتقيأ؟ كيف يمكن أن يخالجه شعور بالخجل مما تناوله والخوف من زيادة الوزن فيما أنه نحيف على ما يبدو؟
يعتقد بعض الخبراء بأن ثمة علاقة بين الحمية ونشوء اضطرابات الطعام، خاصة الشره. تقول النظرية بأن الحمية تجعلك جائعاً، الأمر الذي يجعلك تنغمس في تناول الطعام، مما يشعرك بدوره بتأنيب الضمير. بالنسبة لضعاف الشخصية، فإن عملية التطهير (وأعني بها القيء الإرادي، أو استخدام مسهلات الأمعاء) تساعد على القضاء على الشعور بالذنب، و”إزالة” السعرات الحرارية.
هناك الملايين منا ممن يتبعون حمية دون أن يصابوا بمثل هذه الأمراض. لقد اكتشف العلماء أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الطعام يشتركون في بعض السمات الشخصية أيضاً؛ فهم ينشدون الكمال، ويتوقون لإسعاد من حولهم، ولكنهم لا يثقون بأنفسهم بدرجة كبيرة. وعندما تجتمع هذه العوامل مع المشاكل العائلية (الطلاق، أو الحرمان من شخص عزيز)، أو أفكار عائلية معينة تجاه الوزن والطعام، من الممكن الانحدار سريعاً إلى هوة المرض. وأخيراً، فإن اضطرابات الطعام مرض يرتهن بسيطرة المريض عليه.
وعلاج هذا المرض متاح، ولكن النجاح رهين بالفرد الذي يقبل العلاج. وحتى بعد العلاج، نجد أن هناك نسبة من المرضى ممن لا ينفكون عن الهوس بالوزن والطعام طوال حياتهم. والأشخاص فاقدو الشهية عادة ما يتم إحالتهم إلى أخصائيين نفسيين خبراء في اضطرابات الطعام، الأمر الذي قد يكون كافياً لتعديل فكرهم تجاه الطعام والأكل. ومع هذا، نجد أن البعض الآخر من فاقدي الشهية يحتجزون بالمستشفيات لنقص السوائل والمواد الغذائية في أجسامهم، وهي حالة تبعث على المزيد من الأسى، لا بالنسبة للمعالجين فقط، بل وللمرضى أيضاً، إذ يشعرون بأنهم يفقدون القدر البسيط من السيطرة التي كانوا يمارسونها على حياتهم. وبالنسبة للمصابين بالشره، وجد أن مضادات الاكتئاب تساعد على التقليص من النهم، بيد أن العلاج النفساني لا غنى عنه أيضاً.
تحقق مما إذا كانت عاداتك وتوجهاتك الفكرية بشأن الطعام، أو عادات وتوجهات صديق أو فرد من أفراد العائلة، تظهر عليها دلالات اضطرابات الطعام. وإذا كنت قلقاً، فاستشر طبيبك، أو اتصل بإحدى جماعات العلاج النفسي الجماعي
بعض الدلائل الشائعة على وجود مشاكل أو بدء ظهورها تتضمن التالي:
– عدم تناول الطعام في حضور الآخرين، والادعاء بتناول الطعام بالفعل أو إعداد وجبة للآخرين.
– تحري السرية فيما يتعلق بالطعام.
– خوف شديد من زيادة الوزن على الرغم من تمتع الشخص بوزن مناسب أو حتى أقل من العادي.
– تصور مشوه عن المظهر الخارجي حيث يعتقد الشخص أنه سمين بينما وزنه مقبول أو أقل من الوزن الطبيعي.
– حالات نهم متكررة؛ تناول كميات كبيرة من الطعام على فترات قصيرة، أي في غضون ساعات قلائل.
– الشعور بالذنب وتأنيب الضمير الذي يفضي إلى استخدام مسهلات الطعام، أو اللجوء إلى القيء الإرادي.
– الهوس بممارسة التمارين الرياضية لدرجة التدريب عدة مرات في اليوم لمدة ساعتين لكل مرة.
– الحكم على الذات فقط من منطلق المظهر.
– التقيد بعادات أكل طقسية مثل قطع الطعام إلى قطع شديدة الصغر.
إنني أفكر في الطعام طوال الوقت، خاصة فيما تناولت وفيما سأتناول بعد ذلك. إنني لا أعاني من أية مشاكل. أليس كذلك؟
ربما لا، ولكن لا يبدو لي أن علاقتك بالطعام صحية بالقدر الكافي أيضاً. أعتذر لأنني أبدو كما الممرضة، ولكن من الأفضل أن تستعين بخبير، سواء خبير غذائي أو طبيب ودود.
تنتابني حالات نهم، ولكنني لا أتعمد القيء ولا أستخدم مسهلات الطعام. إنني لست مريضاً إذاً، أليس كذلك؟
كثير من المصابين بالنهم يأكلون لمجرد الهرب من مشاعرهم، ولكنهم يشعرون بعدئذ أن الطعام يجعلهم يفقدون السيطرة على أنفسهم. ولذا، فإذا كنت مصاباً بالنهم ولا تحاول أن تتخلص مما تناولته من طعام، فالأرجح أنك تعاني من الزيادة الشديدة بالوزن. إن المساعدة الطبية شديدة الأهمية لإخراجك من هذه الحالة. استجمع شجاعتك لالتماس الدعم الطبي، ولن تندم قط.