التصنيفات
صحة المرأة

داء المقوسات: مرض القطط والحمل

تعتبر صحة المرأة الحامل معياراً أساسياً في مسار رحلة تدوم تسعة أشهر، كافية لتأمين سلامة تكوين الجنين ونموه داخل بيت الرحم. وتربط الأم بجنينها وسائط بيولوجية وفيزيولوجية تتمثل من خلال المشيمة التي تشكل صلة وصل ومركز تبادل بين الاثنين، حيث تقوم بإمداد الجنين بالغذاء والمواد الضرورية لتكوينه ومن ثم نموه، وتؤمن الكمية الكافية من الأوكسجين، وتسمح له في الوقت عينه بالتخلص من المواد المضرة والسموم وذلك عبر الحبل السري.

وإذا كان الحبل السري هو بمثابة المورد الأساس للحياة عند الجنين، فإنه بالمقابل عُرضة ليكون جسر عبور لبعض الجراثيم التي تصاب بها الأم خلال فترة الحمل، وسهولة وصولها إلى الجنين، ما يشكل بالنسبة إليه عدوى حقيقية تؤدي أحياناً إلى إمكانية عدم وجوده بالأصل، إن من إمكانية حدوث الإجهاض أو الموت داخل الرحم، أو ربما تترك بصماتها المؤثرة على تكوينه أو سرعة نموه أو اختلال وظائف جسمه فيما بعد.

ومن الأمراض الكثيرة الانتشار في مختلف أنحاء العالم، يشكل داء المقوسات (Toxoplasmosis) أحد أهم وأخطر هذه الأمراض التي يمكن أن تصيب الجنين. وهو مرض طفيلي وتسببه طفيلية تدعى المقوسات القندية أو الغوندية Toxoplasma gondii التي تصيب الحيوانات المفترسة والأليفة ولاسيما العصافير، الطيور الداجنة، القطط، الخراف، الماعز، الخنازير والأبقار. وتشكل القطط الخزان الرئيس لهذه الجرثومة في أغلب الأحيان، وهي قادرة على الانتقال إلى الإنسان وبقية الحيوانات.

وتعتبر هذه الإصابة واحدة من أكثر الأمراض الكامنة التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان، وتتغير نسبتها بحسب المناطق الجغرافية. ويمكن أن يكتشف وجودها لدى الإنسان من خلال تحليل مخبري للدم يحدد نسبة الأجسام المضادة لهذا المرض والتي تتراوح بين 5 و80 %.

وتنتمي هذه الطفيلة إلى فصيلة الجراثيم «وحيدة الخلية»، وتتكاثر بسرعة تحت أشكال مختلفة أهمها شكل tachyzoite الطور النشيط الذي يغزو خلايا الإنسان ويتكاثر داخلها بسرعة هائلة مع إمكانية إبادة خلايا تقتل بدورها خلايا أخرى.

بعد أسبوعين أو ثلاثة من دخولها جسم الإنسان (عن طريق الفم والجهاز الهضمي)، تبدأ الطفيلة بالانقسام ببطء مكونة طبقة واقية حول الخلايا الطفيلية، مما يشكل الكيس. وتتكون هذه الأكياس خصوصاً في الدماغ، العيون، العضلات والقلب. ويمكن للطفيلة البقاء داخل الجسم لسنوات عديدة وفي بعض الحالات حتى موت الجسم المضيف لها.

وعند القطط تقطن الطفيلة في الأمعاء الدقيقة وتتكاثر بالانقسام غير الجنسي، وبعد بضعة أيام من التكاثر السريع تتخذ هذه الخلايا شكلاً جنسياً لتتحد وتكون كيساً خاصاً، ويمكن لهذه الأكياس أن تعيش في التراب لأشهر عديدة مشكلة مصدراً للعدوى الأكثر حدوثاً لبقية الحيوانات (الخراف، الخنازير..)، وبعد ابتلاع الكيس تنفجر الطفيليات في الأمعاء وتنتشر إلى بقية أعضاء الجسم عن طريق الدورة الدموية.

طرق انتقال العدوى

إن انتقال العدوى بالتوكسوبلازما من شخص إلى آخر لا تحدث إلا في حالة الحمل فقط (وهي تتراوح من1/1000 حتى 1/8000 حسب الإحصاءات الأميركية) وهذا ما يجري في الشكل التكويني للمرض عبر اجتياز الطفيلة الحبل السري وانتقالها إلى الجنين.

أما نسبة التعرض للإصابة بالمرض وخطورة العدوى فهي تختلف باختلاف فترة الحمل التي جرت فيها، إذ إنها نادرة الحصول وخطيرة في الفصل الأول من الحمل (الأشهر الثلاثة الأولى)، وتشكل واحداً بالمائة فقط من الإصابات مما يعرض الجنين للإجهاض، الموت داخل الرحم أو الولادة قبل الأوان (أي خديج) في الفصل الثاني.

وفي حال اكتمال الحمل حتى النهاية تزداد نسبة العدوى لتشكل 80 % من الإصابات، ويتعرض خلالها الجنين لمضاعفات أو تشوهات منها: إصابة شبكة العين وصولاً إلى فقدان البصر؛ اضطرابات في القلب، الدماغ (منها استسقاء الدماغ).

أما في شكله المكتسب، وهو الأكثر شيوعاً (70 % حسب الإحصاءات الكندية)، لا تظهر في غالبية الحالات علامات للمرض، ولكن بعد فترة وجيزة يبدأ المرض بالإعلان عن نفسه من خلال ارتفاع في حرارة الجسم وآلام في العضلات، أوجاع في الحنجرة وصداع، يصطحب كل ذلك انتفاخ في الغدد اللمفاوية وتضخم في الطحال، كلها علامات مرضية لا توحي بإصابة نوعية. وغالباً ما تشخص الحالة على أنها أنفلونزا، إلا إذا أجريت فحوصات مخبرية نوعية (قياس نسبة الأجسام المضادة للتوكسوبلاسموز في الدم) وفي هذه المرحلة من المرض يتم تثبيت التشخيص وترفض حالة الأنفلونزا. وبعد فترة طويلة من التطور يمكن للمرض أن يظهر على شكل كيس في الدماغ أو في العضلات.

أما طرق العدوى الأخرى، وهي الأكثر شيوعاً، فتتم بواسطة لحم الحيوان المتناول نيئاً أو غير المطهي بشكل كاف (يحتوي لحم البقر من صفر إلى 9 % من طفيليات التوكسوبلاسما، ولحم الخنزير من 5 إلى 35 % والخراف من 9 إلى 60 %. وينتقل بيض الطفيلة عن طريق المأكولات الملوثة بواسطة براز القطط (والسنور خصوصاً)، أو بواسطة تناول الحليب غير المعقم ومن خلال الطيور والحشرات الطائرة، كما تنقله الأيدي الملوثة بالطفيلة (عدم غسل الأيدي عند ملامسة اللحم النيئ المصاب أو لمس غذاء ملوث). ويمكن في حالات نادرة حدوث العدوى عن طريق نقل الدم أو زرع الأعضاء.

وسائل الوقاية من المرض

1. بالنسبة إلى الشكل التكويني من المهم العمل على وقاية المرأة الحامل من الإصابة أو تخفيض نسبة الظواهر المرضية عند الجنين وذلك من خلال:

• تحديد النساء الحوامل شديدي العدوى من خلال تحليل مخبري لمصل الدم.

• معالجة المرأة الحامل خلال فترة الحمل مما يساعد على خفض نسبة انتقال العدوى إلى الجنين بمقدار60 %.

• اكتشاف الأجنة المصابة بواسطة تحليل السائل الأمنيوتيكي الذي يسبح فيه الجنين، الصورة الصوتية للجنين على يد طبيب متخصص في هذا العلم، تحليل دم الجنين.

•إمكانية معالجة الجنين داخل الرحم، لمنع أو محاولة التخفيف من خطورة المرض.

2. الانتباه إلى نظافة اللحوم والبيض والحليب من خلال طهي اللحم جيداً، عدم تناول اللحوم النيئة، عدم لمس أغشية الجسم (العين، الأنف، الفم..) خلال تحضير طعام يتكون من اللحم قبل طهيه، غسل اليدين بعد التعاطي مع اللحوم من خلالها، غسل وشطف أقسام المطبخ التي وضعت عليها اللحوم النيئة، عدم تناول البيض النيئ والحليب غير المعقم.

3. الانتباه إلى عدم العدوى في المختبرات (نقل دم، زرع أعضاء..)، عدم نقل دم من مريض مصل إيجابي (حامل مرض التوكسوبلاسموز) إلى مريض مصل سلبي.

4. اتقاء العدوى بالبويضات المفروزة في براز القطط من خلال: غسل الخضار والفاكهة جيداً قبل استهلاكها في تحضير الطعام، منع وصول الحشرات الطائرة والصراصير إلى الطعام، اتقاء اللمس أو التعاطي مع أدوات خاصة بالقطط والعمل على تطهير الأمكنة والأدوات التي ترتادها وتستعملها القطط لمنع انتقال العدوى.