ما هو الهدف من تربية الأولاد؟ الهدف من التربية هو مساعدة الطفل كي ينمو ليصبح إنساناً لائقاً، وبالغاً، شخصاً يتمتع بالإحساس، بالالتزام، والاهتمام. كيف يستمر الشخص بأنسنة ولده؟ فقط باستعمال وسائل إنسانية، وبالاعتراف بأن العملية هي في الطريقة، وبأن الغايات لا تبرر الوسائل، وأنه في محاولتنا لنكون فعّالين في تحسين سلوك أطفالنا، يجب علينا أن لا ندمرهم عاطفياً.
يتعلم الأطفال ما يجربونه. إنهم مثل الترابة المبللة. أية كلمة تسقط على أسماعهم تترك أثراً. لذلك من الضروري أن يتعلم الوالدان كيفية التكلم مع الأطفال بطريقة غير غاضبة، ولا تلحق الأذى، ولا تقلل من ثقة أولادهم بأنفسهم أو تتسبب بخسارتهم الإيمان بقدراتهم وقيمتهم الذاتية.
يحدد الآباء النغمة في البيت. رد فعلهم على كل مشكلة تحدد ما إذا كانت ستتفاقم أو تتقلص. هكذا على الآباء أن يتخلوا عن لغة الرفض ويتعلموا لغة القبول. حتى أنهم يعرفون الكلمات. سبق أن سمعوها من آبائهم وهم يستخدمونها مع الضيوف والغرباء. إنها لغة تحفظ المشاعر، ولا تنتقد السلوك.
كان طالب جامعي يرتدي سروال جينز، يقطع الشارع عندما أوشكت سيارة أن تصدمه. بدأ السائق بإهانته وهو يموج بالغضب: “لماذا لا تنتبه لاتجاهك، يا متسكع! هل تريد أن تموت؟ لعلك تحتاج لأمك كي تُمسك بيدك!”.
نهض الشاب من الأرض واقفاً وسأله بهدوء، “هل هذه هي الطريقة التي تكلم فيها طبيبك؟” بدا الندم على وجه السائق ثم اعتذر.
عندما يعتاد الأهل التكلم مع أولادهم كم لو أنهم أطباء، فلن يقدموا على إثارتهم أو إغضابهم.
قال توماس مان، الحائز على جائزة نوبل للآداب، “إن الحديث هو الحضارة نفسها”. مع ذلك فبإمكان الكلمات أن تؤدي إلى التوحش كما بإمكانها أن تؤدي إلى التحضر. بإمكانها أن تجرح، كما بإمكانها أن تشفي. يحتاج الآباء إلى لغة من الحنان، اللغة التي تتسرب بمحبة. تحتاج هذه اللغة إلى كلمات تنقل المشاعر، واستجابات تغير الأمزجة، عبارات تشجع النوايا الحسنة، إجابات تجلب التبصر، وأجوبة تُشّع بالاحترام. إن العالم يُخاطب العقل. الأهل يتكلمون بحميمية أكثر، إنهم يتخاطبون مع القلوب عندما يتبنون لغة من الاهتمام، تكون حساسة لاحتياجات الأطفال ومشاعرهم. إن ذلك لا يُساعد فقط على تطوير صورة إيجابية عن أنفسهم تكون واثقة ومطمئنة لكنها تعلمهم أيضاً معاملة والديهم باحترام واعتبار.
عموماً، ليس من السهل استبدال طريقتنا المعتادة بالكلام بلغة الاهتمام. مثلاً، كان السيد أحمد يحضر اجتماع مجموعة إرشاد عُقدت للآباء الذين أرادوا أن يتعلموا طريقة أكثر فعالية ومع ذلك متعاطفة في طريقة تواصلهم مع أولادهم. بعد عدة اجتماعات كان الحوار التالي:
السيد ب: “يبدو أن كل شيء كنت أقوله لأولادي كان خاطئاً. مع هذا أجد من الصعب جداً أن أغيّر من طُرُقي التأديبية”.
الدكتور ج: “ليس من السهل أن يغيّر واحدنا موقفه ويتعلم مهارات جديدة”.
السيد ب: “ليس هذا فقط لكنك إن كنت عندما أكون على حق فإنني كنت أعامل أولادي بدون احترام أو كرامة. ليس من المستغرب بأنهم لا يحترمونني ولا يُصغون لي”.
الدكتور ج: “تعني بأنك تلوم نفسك على نقص معرفتك؟”.
السيد ب: “أظن بأنك على حق. كلما استمريت بلوم نفسي، فإنني سألوم أولادي أيضاً، بدلاً من تغيير طريقتي بالكلام معهم. حسناً، أعرف الآن ما يتوجب عليّ عمله. عليّ إيقاف اللوم وأحاول أن أجرب إن كانت لغة التعاطف هذه التي تناصرونها تنجح حقاً”.
عندما يبذل الآباء جهدهم بالاستجابة لأولادهم بتعاطف، تكون النتائج مجزية، خصوصاً في الوقت الذي يلمس الأولاد فيه الفرق ويتعلمون أن يتكلموا مع أولادهم بنفس الطريقة.
اصطحب السيد أحمد ابنته ناديا، وهي في التاسعة، إلى مكان عمله الذي كان يخضع لعملية دهان. روى السيد أحمد الحوار التالي.
السيد أحمد: “لا أستطيع احتمال رائحة الدهان وكل هذا الغبار. كل شيء في فوضى”.
ناديا: لا بد أن الاضطرار للعمل هكذا هو شيء مهول. يا للفوضى”.
السيد أحمد: “نعم، إن الأمر كذلك”.
ناديا: “كيف وجدت ما قلته أنا لك؟”.
السيد أحمد: “أحببته. قلت في نفسي، (ناديا تفهم مشاعري)”.
ناديا: “لاحظت أنا الطريقة التي تكلمني بها مؤخراً”.
لكن علينا تحذير الآباء بأن لا يتوقعوا أن يتقبل أولادهم طريقتهم الجديدة بالتواصل بتعاطف على الدوام. في بعض الأوقات، سيصر الأولاد أن يحل الآباء مشاكلهم بدلاً من الاعتراف بمشاعرهم، كما روت هذه الأم.
في أحد الأيام اشتكى نوح، وهو في الحادية عشرة، بشأن أخيه مروان، وهو في السابعة.
نوح: “لقد تعبت من كذب مروان وخداعه وإزعاجه لي”.
الوالدة: “بالتأكيد الأمر مزعج. إنك تصل إلى البيت بعد يوم طويل في المدرسة وتُستقبل بأخ أصغر يجعل حياتك تعيسة”.
نوح: “ها أنت مرة أخرى. أعرف كيف أشعر. لا أحتاجك كي تخبريني”.
الوالدة: (بهدوء، بلا موقف دفاعي): “عندما يخبرني أحد ما كيف يشعر، فإنني أتفهم”.
نوح: (بغضب أشد): “لكني أعرف بأنك تفهمينني. أظن بأنك تأخذين صفوفك مع الدكتور جينو بجدية أكثر من اللازم. لا أحب هذا التغيير فيك”.
الوالدة: “كيف يمكن أن أكون مساعدة لك؟”.
نوح: “أريدك أن تصرخي أكثر بوجه مروان”.
الوالدة: “لكني أتعلم بأن الصراخ لا يحل شيئاً”.
نوح: “أحتاجك كي تحلي مشكلتي مع مروان”.
الوالدة: “كنت أفعل ذلك في الماضي، لكن ليس بعد الآن. هذا هو التغيير الذي لا تحبه. لقد تعلمت أن يكون عندي إيمان بقدرتك على حل مشاكلك الخاصة”.
نوح: “ماذا بشأن كذب مروان؟ لا أستطيع احتماله”.
الوالدة: “أخبرني والدك مساء أمس بأن لديه مشاكل مع كذب مروان، لكنك يا نوح تعطيه الارتياح، لأنك تذكره بأن هذه هي مرحلة فقط. أتستطيع أن تتخيل بأن ابن الحادية عشرة يساعد والده للاستجابة بهدوء مع سوء تصرف ابنه الآخر؟”.
نوح: “أظنني ساعدته فعلاً. لربما استطعت مساعدة نفسي أيضاً”.
المهارة مطلوبة لعدم العودة للطرق القديمة عند تعرضنا للمهاجمة من قبل الأولاد. هذه الأم لم تدع ابنها نوح يقرر عنها مزاجها أو أن يقلل من تصميمها على الاستمرار بممارسة ما تعلمته. يرجع ذلك إلى أنها شعرت بتعاطف وبارتياح عندما اعترفت بمشكلة ابنها، لكنها لم تحاول أن تجد الأعذار لتلبي طلبه بحل مشكلته. بدلاً من ذلك، ساعدته على تطوير إيمانه بقدرته على حل مشاكله الخاصة وهكذا ساعدته على النضج.
الانضباط: تسامح مع المشاعر وصرامة مع التصرف
يريد الآباء أن يعرفوا ما إذا كانت الطرق التي جرى دعمها في هذا الكتاب هي صارمة أم متسامحة فيما يتعلق بالانضباط. إنها صارمة عندما يتعلق الأمر بسوء سلوك الأولاد. لكن كل المشاعر، الرغبات، المطامح، والتخيلات هي مسموحة، سواء أكانت إيجابية، سلبية أو متأرجحة. الأولاد، مثلنا كلنا لا يستطيعون السيطرة على طريقة مشاعرهم. إنهم يشعرون بالطمع، بالاشتهاء، بالذنب، بالغضب، بالخوف، بالحزن، بالسرور، وبالاشمئزاز في الوقت نفسه. في حين أنهم لا يستطيعون اختيار عواطفهم، فإنهم مسؤولون عن كيفية ووقت تعبيرهم عنها.
لا يمكن احتمال التصرف غير المقبول. إنه لمن المعجز أن نحاول إجبار الأولاد على تغيير سلوكهم غير المقبول. مع هذا يسأل العديد من الآباء أنفسهم أسئلة غير مؤثرة: كيف يمكننا إقناع أحمد القيام بأعمال روتينية؟ كيف يمكننا إجبار فريد على الانكباب على فروضه المدرسية؟ كيف يمكننا حمل ناديا على تنظيف غرفتها؟ كيف يمكننا إقناع نادين بأن لا تمكث خارجاً أطول من الوقت المحدد لها؟ كيف يمكننا فرض مظهر من الروتين على ثروت؟
يحتاج الآباء أن يقتنعوا بعدم جدوى التذمر والضغط. تنتج التكتيكات القسرية التذمر والمقاومة فقط. الضغط الخارجي يستدعي المجابهة. يستطيع الآباء أن يؤثروا على أولادهم عن طريق رؤية وجهات نظرهم وزجهم بحل مشكلة ما، أكثر مما يستطيعون ذلك عن طريق محاولة فرض إرادتهم عليهم.
هنا مثال على ذلك: “فريد، أخبرتنا معلمتك بأنك لا تنجز فروضك في البيت. هل بإمكانك أن تخبرنا ما هي المشكلة؟ هل هناك طريقة يمكن أن نساعد فيها؟”
بغض النظر عن جواب فريد، البالغ من العمر الحادية عشرة، فقد أطلق الأهل حواراً يوصل إلى مصدر المشكلة وبهذا يساعدون فريد على تحمّل مسؤولية فروضه المدرسية.
يحتاج الأولاد إلى تعريف واضح للسلوك المقبول وللسلوك غير المقبول. إنهم يجدون من الصعب عليهم أن لا يتصرفوا حسب دوافعهم ورغباتهم بدون المساعدة الأبوية. عندما يعرفون الحدود الواضحة للسلوك المسموح به، فإنهم يشعرون بأمان أكثر.
من الأسهل بالنسبة للأهل أن يضعوا القواعد ويصرحوا عن الممنوعات، أن يضعوا الحدود من أن يطبقوها. يميل الآباء ليكونوا مرنين عندما يتحدى الأولاد هذه القواعد. يريد الآباء لأولادهم أن يكونوا سعداء. عندما يرفض الأهل أن يسمحوا لأولادهم بكسر القواعد، فيحتمل أن يحمل الأولاد والديهم على الاعتقاد بأنهم غير محبوبين ومذنبين.
“لا مشاهدة لبرامج التلفزيون هذه الليلة”، صرّح والد عندما أنهى ابنه، وهو في العاشرة، مشاهدة برنامجه. غضب سامر وصرخ، “أنت أناني جداً! لو كنت تحبني لسمحت لي بأن أشاهد برنامجي المفضل، الذي سيأتي تالياً”. مال الأب ليستسلم. ليس من السهل بالنسبة إليه أن يرفض مثل هذه التوسلات. لكنه قرر أن لا يسمح بسابقة. لقد نفد الحدّ الذي وضعه.
يحتمل أن يرغب الآباء بوضع أولويات لقواعدهم لأن قواعد كثيرة تكون صعبة التنفيذ وهم يحاولون حصرها بأقل عدد ممكن.
من الممكن أن تكون متعاطفاً وفعّالاً مع أولادك
إن تطبيق مبادئ التواصل المتعاطف مع الأولاد من شأنه مساعدة الأهل على أن يكونوا مهتمّين وفعّالين بعلاقتهم مع أولادهم.
1. إن بداية الحكمة هي الإصغاء. يُتيح الإصغاء المتعاطف للآباء سماع المشاعر التي تحاول الكلمات أن تنقلها، وسماع ما الذي يشعر به الأطفال ويمرون به، وأن يستمعوا لوجهات نظرهم وبهذا يتفهمون جوهر التواصل معهم.
يحتاج الأهل إلى ذهن متفتح وقلب متفتح، وهذا من شأنه أن يساعدهم على الإصغاء إلى كل أنواع الحقائق، سواء كانت مفرحة أم غير مفرحة. لكن العديد من الآباء يخافون أن يستمعوا لأنهم يخشون أن لا يحبوا ما يسمعوه. لن يكون الأولاد صادقين إلى أن يحدث الآباء مناخاً من الثقة يشجع أولادهم على مشاركة مشاعرهم المقلقة، آراءهم، شكاويهم، وأفكارهم. سيقول الأولاد لآبائهم ما يريدون أن يسمعوه فقط.
كيف يمكن للآباء أن يحدثوا جواً من الثقة؟ بطريقة استجابتهم للحقائق غير المفرحة. هذه التعليقات الأبوية غير مساعدة:
“يا للفكرة المجنونة” (مُستبعدة).
“أنت تعرف بأنك لا تكرهني” (نافية).
“تنطلق دائماً متبختراً” (انتقادية).
“ما الذي يجعلك تظن بأنك عظيم لهذه الدرجة؟” (مهينة).
“لا أريد أن أسمع حتى كلمة واحدة عن ذلك!” (الاستغراق بالغضب).
بدلاً من ذلك قم بالاعتراف: “أوه، إنني أفهم. أرحب بمشاركتك المشاعر القوية معي. إذاً هذه هي وجهة نظرك المعتبرة. شكراً على جلب انتباهي إليها”. إن الاعتراف ليس الموافقة. إنه فقط طريقة محترمة لفتح حوار بواسطة أخذ تعابير الأولاد بجدية.
2. لا تنكر نباهة ولدك، ولا تختلف مع ما يبديه من مشاعر، ولا تستبعد رغباته، ولا تستهزئ بذوقه، ولا تشوه آراءه، ولا تستصغر شخصيته، لا تجادل مع تجربته أو تجربتها. بدلاً من ذلك اعترف بها كلها.
رفض رامي، وهو في الثامنة، أن يقفز إلى بركة المسبح قائلاً وهو يبكي: “إن الماء بارد جداً، لا أشعر بالارتياح”. رد عليه أبوه، “لا بأس بالماء. البركة مدفّأة، لكن رجليك باردتان. أنت خائف كالأرنب وتبكي مثل الطفل. لديك صوت قوي لكن شخصيتك ضعيفة”.
تجاهلت كلمات الوالد نباهة الطفل، وجادلت مع تجربته، وناقضت مشاعره، واستصغرت شخصيته.
إن استجابة مساعدة تعترف بمشاعر الطفل كانت ستكون كالتالي، “إنك لست بخير ويظهر أن الماء بارد. إنك تتمنى لو لم يكن عليك القفز لبركة المسبح هذا اليوم”. من شأن مثل هذه الاستجابة أن تخفف من المقاومة. يشعر الطفل بأنه مقبول ومحترم. يتم أخذ كلماته بجدية وهو لا يتعرض للّوم.
عندما اشتكت مريم، وهي في العاشرة، قائلة لأمها، “الحساء مالح جداً”، نفت الأم على الفور نباهة ابنتها وأجابت، “لا إنه ليس كذلك. بالكاد وضعتُ فيه أي ملح”. لو كانت الأم تعلمت الاعتراف بنباهة ابنتها، لكانت أجابت، “أوه، إنه مالح جداً بالنسبة لك!” الاعتراف لا يعني الموافقة. إنه يعبّر فقط عن احترام رأي الطفل، وفي هذه الحالة حاسة الذوق عنده.
3. استعمل التوجيه بدلاً من النقد. صرّح عن المشكلة والحل الممكن لها. لا تقل أي شيء سلبي للطفلة عن نفسها. لاحظت أم بأنه قد حان وقت إرجاع كتاب ابنتها. انفجرت، وهي تغلي غضباً ومنتقدة، “أنت عديمة المسؤولية. دائماً تؤجلين وتنسين. لماذا لا ترجعي الكتاب للمكتبة في الوقت المحدد؟” باستعمال التوجيه، كان يمكن للأم أن تحدد المشكلة وتعطي حلاً: “يجب إرجاع الكتاب إلى المكتبة. لقد تخطيت وقت إرجاعه”.
4. عندما تغضب، قم بوصف ما تراه، ما تشعر به وما الذي تتوقعه، مبتدءاً بالضمير أنا: “أنا غاضب، أنا منزعج، أنا ثائر، أنا ساخط، أنا مذهول”. تجنب مهاجمة الولد. عندما رأى والد باسم، وهو في الرابعة، ابنه وهو يرمي الحجارة على صديقه، لم يقم بإهانة أو تخجيل ولده بتعليقات مثل، “هل أنت مجنون؟ كان بإمكانك أن تؤذي صديقك للغاية. هل هذا ما تريده؟ أنت ولد قاسٍ”. بدلاً من ذلك قال بصوت عالٍ، “أنا غاضب وخائف. نحن لا نرشق الناس بالحجارة. يجب أن لا نؤذي الناس”.
5. المديح، عندما تريد أن تخبر أولادك كم تقدّرهم أو كم تقدر مجهوداتهم، قم بوصف التصرفات المحددة. لا تقم بوصف خصائص شخصيّاتهم. ساعدت نادين، وهي بعمر الثانية عشرة، أمها على إعادة ترتيب خزائن المطبخ. تجنبت الأم استعمال الصفات، وذلك كي تكون تقييمية: “لقد قمت بعمل جيد. أنت عاملة جيدة. ستصبحين سيدة بيت عظيمة”. بدلاً من ذلك قامت بوصف ما أنجزته نادين: “الأطباق والأكواب كلها مرتّبة الآن. سيكون من السهل بالنسبة لي أن أجد ما أحتاجه. لقد كان عملاً شاقاً، لكنك أنجزته. شكراً لك”. سمحت كلمات الأم المعترفة بجهدها للابنة كي تصرّح بدورها: “أحبت أمي ما قمت به. إنني عاملة جيدة”.
6. تعلم أن تقول “لا” بأقل الطرق تسبباً للأذى بواسطة المنح بالخيال ما لا تستطيع إعطاؤه بالحقيقة. يلاقي الأطفال صعوبة في التمييز بين الحاجة والرغبة. بالنسبة إليهم، أي شيء يطلبونه، فهم بحاجة إليه: “هل أستطيع الحصول على دراجة جديدة؟ أحتاجها فعلاً. أيمكنني ذلك، من فضلك؟” وفي متجر للألعاب: “أريد هذه الشاحنة. رجاءً اشترها لي”. كيف يجدر بوالدة أن تجيب؟ من الأفضل أن لا تجيب باقتضاب “لا! تعرف إننا لا نستطيع تحمل ذلك”. إن الجواب الأقل تسبباً للأذى هو أن نعترف على الأقل برغبات الطفل عن طريق وصفك لتفهمك رغباته: “كم كنت أتمنى لو أنني أستطيع شراء دراجة جديدة لك. أعلم كم تستمتع بالتجول بالدراجة بالمدينة ومن البيت إلى المدرسة. إنها ستسهل الحياة كثيراً بالنسبة لك. في الوقت الحاضر، ميزانيتنا لا تسمح بذلك. دعني أكلم أباك ونرى ماذا بإمكاننا أن نفعل في العيد”. أو أن يكون الجواب على هذا النحو، “كم كنت أتمنى لو كان معي المال اللازم لشرائها لك”. بدلاً من، “إنك تريد كل الأشياء التي تراها. لا، ليس بإمكانك أن تمتلكها، إذاً توقف عن الطلب”.
طلبت ناديا، وهي في السابعة عشرة، من أمها، “أحتاج أقراط أذنك الماسية في الحفلة الراقصة. هل أستطيع أخذها؟” أجابت أمها بغضب، “إطلاقاً لا! تعرفين بأني لا أسمح لأي شخص أن يستعير أقراط أذني الماسية. ماذا لو أضعتها؟” إن استجابة أقل إيلاماً كانت ستعترف برغبة البنت: “كنت أتمنى لو أنني أملك زوجاً إضافياً من الأقراط كي أعطيك إياها. هل أستطيع إعطاءك شيء آخر تحبينه من صندوق مجوهراتي؟”.
من الصعب على الأهل رفض طلبات أولادهم. إنهم يتمنون لو أنهم يستطيعون تحقيق كل رغباتهم. إنهم يريدون أن يرونهم سعداء. حين لا تتم تلبية الطلبات الأولاد يخيب أمل الأولاد ويغضبون وأحياناً يضطر الأهل لقول كلمة “لا” بقسوة. يُسهل الآباء على الأولاد التعبير عن مشاعرهم بواسطة الاعتراف بالرغبة وعدم الغضب.
7. إسمح للأولاد بالاختيار والتعبير عن القضايا التي تؤثر على حياتهم. يعتمد الأولاد على والديهم، والاعتماد ينتج العنف. لتقليل المشاحنات، يوفر الآباء الفرصة للأولاد لتجربة الاستقلال عنهم. كلما زادت الاستقلالية كلما قلت المشاحنات. كلما زاد الاعتماد على النفس من قبل الأولاد، كلما قل تذمر الأهل.
حتى الطفل الصغير يمكن أن يُسأل، “هل تفضل المربى أو الزبدة على خبزك المحمص؟” أو أن نخبره، “إن وقت النوم هو بين السابعة والثامنة. قرر أنت عندما تتعب كفاية لتذهب وتنام”. ما هو الفرق بالنسبة للطفل أن يُعطى خياراته؟ إنه سيقول أو ستقول، إن أهلي يأخذون رغباتي بعين الاعتبار. إن لي كلمة في حياتي. أنا شخص. أنا مهم.
استلمت الرسالة التالية كرد على عمود حررته وناقشت فيه إعطاء الخيارات للطفل:
في إحدى مقالاتك ذكّرتنا بأنه حتى الأطفال الصغار يحتاجون لإمكانية أخذ بعض الخيارات. هذا هو الشيء الذي أريد شكرك عليه بشكل خاص، وأريد أن أقول أن هذا يصدق أيضاً على الجانب الآخر من الحياة، عندما يصبح الشخص عاجزاً مرة أخرى مثل طفل صغير.
كنت مع والدي البالغ الثمانين من عمره، وهو يموت بسبب السرطان. إن مشاهدة كآبته بسبب اعتماده الكامل على الآخرين ذكرتني بكلماتك المدويّة والواضحة. كم من المهول أن لا تملك تحكماً في حياتك. فكّرت بتقليل إحباطه وذلك بتقديم بعض الخيارات القيمة إليه. كان هناك عدد مفاجئ من الحالات التي يمكنه الاختيار فيها، مثل هل يريدني أن أساعده بالذهاب إلى المرحاض (يختفي الخجل في نقطة معينة، لكن يتعيّن عليه أن يقرر متى)؟ هل يريدني أن أحادثه أم أنه يفضل الجلوس بهدوء؟ هل يحب أن يتناول طعام العشاء؟ هل يريد أن يزوره أحفاده؟
كانت بعض هذه الأشياء بسيطة، لكن شعرت بأن عليه أن يأخذ قراراً فيها كلها. شعرت أيضاً بأن هذا ساهم بإيجاد نوع من الوفاق معه لدرجة أكره معها أن أفكر بأنه كان من الممكن أن لا يتحقق. آمل أيضاً، بأن أكون قد ساهمت بقدر ما على تقليل ليس آلامه فقط، لكن للأسف، عبء موته.
كيف يمكن مساعدة الأطفال
حتى الأطفال الذين لم ينزعجوا يستجيبون باضطراب عاطفي للظروف الضاغطة أو للصراعات الداخلية. من الممكن أن يكون لديهم مخاوف وكوابيس، ويقومون بقضم أظافرهم، ويرهقون إخوانهم وأخواتهم، ويعانون من الاختلاجات ونوبات الغضب، ويتصرفون بطرق مربكة أخرى. إنهم أطفال مرغوبون من قبل أهلهم، يترعرعون وسط أهل محبون، في بيوت ثابتة، كل هؤلاء يمكن أن يستفيدوا من علاجات الأطفال.
الصدمة الحديثة
الأطفال الذين تعرضوا لكارثة مفاجئة يمكن أن تتطور لديهم اضطرابات ضغط ما بعد الصدمة. يمكن أن يتفاعل الطفل بقلق عارم ويطوّر عوارض دراماتيكية خصوصاً عندما يواجه حريقاً، حادث سيارة أو هجوماً إرهابياً. إن موت شخص يحبه يمكن أن يكون مدمراً بشكل خاص.
عندما هوجمت، الولايات المتحدة باستعمال الطائرات كأسلحة، ودمر البرجين التوأمين في وسط مدينة نيويورك في الحادي عشر من أيلول، 2001 وقع الكبار والأولاد تحت تأثير الصدمة. فقد العديد من الأطفال أحد أبويهم وآخرون فقدوا كلا الأبوين. بقي الآباء أو الأمهات الذين نجوا أو حتى أحد الأقارب في حالة حداد ليواجهوا الحياة مع أطفال محرومون ومرتبكون.
سببت رؤية البرجين التوأمين وسط ألسنة النيران على التلفزيون أو من مسافة آمنة صدمة أيضاً بالنسبة لكل الأولاد والبالغين، لكن الصدمة النفسية كانت أسوأ بكثير بالنسبة للأطفال الذين شهدوا الحادث عن قرب أو نجا أحد أبويهم من الحريق. بناءً لدراسة أعدت في صحيفة نيويورك تايمز، كلما قرُب الطفل من مكان الكارثة، كلما كان تعرّضه للصدمة أكبر. نادراً ما يتكلم الأطفال الصغار الذين يعايشون تجارب تسبب صدمات عنها. تتكشف مخاوفهم وتوترهم خلال لعبهم. المعالجة النفسية للأطفال توفّر مناخاً مناسباً، وأدوات مناسبة، ورجل بالغ لمساعدة الأطفال في ساعة احتياجهم الشديد. المحلل النفسي يعطيهم القدرة على إعادة معايشة الأحداث المخيفة من خلال اللعب والكلمات، وذلك حتى يجيد استيعاب وفهم فزعهم وقلقهم. يقوم المحللون النفسيون ببناء بيوت من المكعبات ويلقون عليها القنابل. وسط صفارات الإنذار، ولهيب النيران، تقوم سيارات الإسعاف بإخلاء الجرحى والقتلى. تستمر اللعبة لأسابيع ويعيد الأطفال تمثيل مشاعرهم حيال الصدمة والرعب. يستطيع الأطفال بعد إعادة تمثيل رمزي للأحداث أن يتحدثوا حول مشاعرهم وذكرياتهم بدون خوف أو قلق. يتقلص القلق الشديد الذي تكون قد سببته كارثة قريبة عندما يستطيع الطفل أن يمثّّل بواسطة الألعاب، ويخبر بواسطة الكلمات عن الأحداث والذكريات المخيفة، كل ذلك بوجود وتفهم شخص بالغ. تمكنت مدينة نيويورك بمساعدة العديد من المتطوعين المختصين من جعل المساعدة النفسية بمتناول يد الذين يحتاجون إليها.
الأطفال الخائفون
تماماً مثل اللحم والبيض، يتماشى الأطفال مع الخوف. تمثل الكلاب الخوف الرئيسي للأطفال الذين هم بعمر الثالثة، ويخاف الأطفال الذين هم بعمر الرابعة من الظلمة. تتقلص هذه المخاوف مع العمر، وتختفي كلياً بعمر الثامنة. من بين المخاوف الأخرى التي أبلغ عنها الأطفال كانت سيارات الإطفاء، صفارات الإنذار، الهزات الأرضية، الخطف، القيادة السريعة، الأفاعي، والأماكن العالية. منذ الحادي عشر من أيلول فإن الخوف الأكثر انتشاراً هو من العمليات العسكرية ضد المدنيين. أبدى بعض الأطفال بعض الرهبة، لكنهم لم يتخلصوا من الحالة كلياً إن كانوا مع واحد من آبائهم. شعر آخرون بعدم ارتياح أكبر، يريدون إبقاء النور خلال الليل في غرفهم أو أنهم أظهروا توتراً عندما تمرّ سيارة إطفاء أو عندما يذكر شيء عن حادث سرقة.
يستفيد الأطفال الذين يعانون من خوف مستمر من المساعدة المتخصصة. إن مقدار شدة رد الفعل عندهم هو الدليل المبلّغ عن حالتهم. إنهم مشلولون وعاجزون بسبب قلقهم: يُحتمل أن تسقط السماء أو أن تنزل صاعقة بالبيت، والعائلة بكاملها يُمكن أن تُجرف وسط إعصار هائل. ليس هناك نهاية لتشكيلتهم من الأشخاص والأشياء التي يخافون منها: الأصوات العالية، الأماكن العالية، المياه الجارية، الزوايا المعتمة، الحشرات الصغيرة، والحيوانات الكبيرة. إنهم يحاولون الفرار من قلقهم عن طريق تجنب الأماكن والنشاطات التي تبدو مهددة بالنسبة إليهم. بهذه الطريقة يُمكنهم تجنب المياه، وصعود السلالم، والبقاء وحيدين في غرفة معتمة.
أثناء المعالجة النفسية الجماعية، يميل الأطفال للانشغال بأنشطة تتطلب منهم التعاطي مع مخاوفهم. يُحتمل أن يصوبوا بنادق تطلق قذائف صوتية، ويستعملوا أصبغة أو يغطوا وجوههم بالوحل أو يطفئوا الأضواء. تجعل المجموعة من المستحيل على الأطفال أن يهربوا من مواجهة مشكلتهم. يستطيع المعالج النفساني أن يتعامل مع ردود الفعل المخيفة حالما تظهر. يلقى الأطفال مساعدة على اللعب والتنفيس عن مخاوفهم المحمومة والتقليل من والسيطرة على قلقهم الغامض.
التنافس الأخوي الشديد
الأطفال الذين تطغى غيرتهم من أخوتهم على كامل شخصيتهم وتلوّن حياتهم يحتاجون للمساعدة النفسية. إنهم يسيئون معاملة إخوانهم وأخواتهم بدنياً وكلامياً. إنهم يلاحظون أن إخوانهم مفضلون عند والديهم ولهذا فإنهم يبحثون عن الاهتمام الضمني ويحاولون بشتى الطرق الممكنة أن يصبحوا الأولاد المفضلين عند معلميهم، قائد كشافتهم أو مستشار مخيمهم. بسبب أنهم تنافسيون، فإن لديهم الحاجة الملزمة للتفوق ولا يحتملون الفشل بشكل جيد. إن لم يجرِ تقليل الغيرة عند هؤلاء الصغار في فترة الطفولة، فمن الممكن أن ينقلوا غيرتهم إلى الحياة الخارجية وكأنها أخت وأخ بديل. من الممكن أيضاً أن يستمروا في جعل الحياة تعيسة لإخوانهم وأخواتهم.
من الطبيعي بالنسبة للأولاد أن يغاروا من إخوانهم وأخواتهم، لكنهم بالاختلاف عن الأطفال الذين يحتاجوا للمساعدة، فإن غيرتهم هي ذات نمط غير منحرف. من الممكن أن يشعروا بأن إخوانهم يتلقون حباً أكثر، ومن الممكن أن يتنافسوا وإياهم على كسب الإعجاب. لكنهم عندما يتلقون الحب، فإنهم يطمئنون بسرعة. إنهم يسعون وراء التنافس والتفوق أيضاً، لكن باستطاعتهم أن يستمتعوا بألعاب بقصد اللعب والتسلية. إضافة لذلك، فإنهم يتقبلون الهزيمة دون توتر وألم شديدين.
الأولاد المتواضعون بشدة
هؤلاء هم الأطفال الذين يرتعبون إن اُمسكوا بدون ثيابهم. إنهم واعون ذاتياً بشكل زائد بالنسبة لأجسامهم. إنهم لا يرتاحوا لدروس الثقافة الطبيعية ويشعرون بالخجل الشديد عند الفحص الطبي. باستطاعتهم أن يفيدوا من المساعدة المختصة.
يوجد أطفال آخرون لا يحبون خلع ملابسهم لفحص طبي أو في النادي الرياضي. يمكن أن يثيروا الضجة ويعترضوا، لكنهم لا يرتعبون.
الأطفال العدوانيون بتطرف
يحتاج الأطفال المتميزون بالعنف الشديد إلى مساعدة مختصة. إن معنى العنف يجب أن يقيّم بشمولية وأن يُفهم. بما أن العنف يمكن أن يأتي من مصادر مختلفة، يصبح من الضروري أن نجد سبب العدوان في كل حالة محددة، وذلك لكي تكون المعالجة مطابقة لسبب الحالة.
نلتقي في بعض الأحيان بأطفال لا تتقلص عدوانيتهم عند التنفيس عنها ولا يكون تخريبهم مصاحباً لذنب ظاهر. بعض هؤلاء الأطفال قادرون على القسوة المتطرفة بدون انزعاج ظاهر أو ندم. إنهم يظهرون أنهم يفتقدون للقدرة على التعاطف، ولا يُظهرون اهتماماً بمصلحة الآخرين. تملك الرقابة والنقد القليل من التأثير عليهم وكأنهم لا يكترثون بما يقوله الآخرون عنهم. حتى العقوبات لا تجبرهم على القيام بتعديلات. إنهم يخافون من الكبار، ولا يثقون بلطفهم، ويرفضون عطاياهم. إن إقامة علاقات مع مثل هؤلاء الأولاد ليست بالمسألة البسيطة. يستفيد الأطفال الذين يملكون مثل هذا السجل من المعالجة فقط عندما يتمكن المُعالج من كسب ثقتهم وإقامة علاقة مبنية على الاحترام المتبادل.
ليس من غير المعتاد بالنسبة للأطفال أن ينشغلوا بسلوك عدواني ومخرّب أحياناً. يرجع معظم هذا السلوك إلى خيبة الأمل والتذمر. يمكن أن يبدأ السلوك العدواني بالبيت ولكن ليس في خارجه أو بالعكس، بالبيت لكن ليس بالمدرسة. يمكن للأطفال أن يخربوا ألعابهم الخاصة، نتيجة الفضول أو الغضب، لكنهم يكونون أكثر حذراً بالنسبة لممتلكات الآخرين.
عادة السرقة
السرقة المتكررة هي مشكلة جدية. بعض الأطفال ينشغلون بأعمال نشل صغيرة أو متوسطة كلما سنحت لهم الفرصة. من الممكن أن يسرقوا في البيت، بالمدرسة، في المخيم، في المتاجر الكبيرة أو من عند الجيران. باستطاعة الأولاد الذين يملكون سجلاً طويلاً بالسرقة أن يستفيدوا من المعالجة النفسية الجماعية. بعض هؤلاء الأولاد، وعادة الأكبر من بينهم، يقدمون على شراء المخدرات. ينصح بمراكز التأهيل من المخدرات بالنسبة لهؤلاء الأولاد.
الأطفال الذين يسرقون من البيت فقط لا ينتمون لهذه الفئة. من الممكن أن يتورطوا بحوادث سرقة خفيفة عارضة خارج البيت. يمكن أن يأخذوا فواكه أو قطع حلوى أو أنهم لا يرجعون الأشياء “المستعارة” أو التي “وجدت”. على العموم فإن هذه الصرعة أو السلوك لا يدومان طويلاً. كلما كبر هؤلاء الأطفال، كلما اعترفوا بحقوق الملكية واحترموها.
الطيبون لما وراء حدود التصديق
يظهر بعض الأطفال بطيبة أكثر من أن تُصدّق. إنهم مطيعون، ومرتبون. إنهم يقلقون على صحة أمهم، ويهتمون بأعمال أبيهم، وحريصون على الاهتمام بشقيقتهم الصغيرة. تظهر حياتهم كلها على أنها موجهة لإرضاء والديهم. كما أنه يبقى لديهم القليل من الطاقة للمرح مع الأولاد الذين هم من سنهم.
سواء في المدرسة أو في الجوار، يحتمل أن يستمر مثل هؤلاء الأولاد في سلوكهم المتكلف الطيبة. سوف يظهرون التواضع واللطف ويقدمون أوقاتهم وطاقتهم لاسترضاء المعلمة التي يخشونها. من الممكن أن يقدموا لها التفاحة الأسطورية أو يتبرعوا لتنظيف اللوح في الصف، تختبئ دوافع شر مصطنعة تحت قناع الطيبة المتكلفة هذا. إن مجهود تحويل الدوافع العدوانية إلى سلوك ملائكي، والحذر الأبدي اللازم لإبقاء القناع الواجهة، يستهلك طاقة الحياة لهؤلاء الأطفال. ليس من غير المعتاد أن نقرأ حول طفل ارتكب جريمة خطيرة، فقط لنكتشف جيرانه يبلغون كيف كان هذا الطفل مطيعاً، هادئاً، ومساعداً.
توفر المعالجة النفسية الجماعية بيئة فعالة لتعديل السلوك الطيب المتكلف. تشجع البيئة، التي تتضمن أطفالاً أكثر صراحة بالنسبة لدوافعهم العدوانية، هؤلاء الأطفال ذوي الطيبة المتكلفة لأن يكفّوا عن الطاعة الخانعة ويستأنفوا تصرفاتهم الواقعية الطبيعية. عن طريق الملاحظة والخبرة يتعلمون بأنه لا حاجة لأن يكونوا ودودين وينكرون ذاتهم. إنهم يتعلمون ببطء السماح لدوافعهم العدوانية بأن تكسب بعض التعبير عنها. إنهم يأخذون باكتشاف احتياجاتهم الخاصة، ويتعرفوا على مشاعرهم الخاصة، ويؤسسوا هويتهم الخاصة بهم.
الأولاد غير الناضجين
يندرج تحت هذا العنوان الأولاد المرغوبين والمحبوبين كأطفال صغار، ولكن ليس كأفراد يكبرون والذين يملكون أفكارهم واحتياجاتهم الخاصة. هؤلاء الأطفال المحميون بصورة مبالغ فيها هم غير مهيئين لحقائق الحياة خارج كنف العائلة. لدى هؤلاء القليل من الفرص لتطوير قبول مشاعر واحتياجات الآخرين، ويجدون صعوبة باحتمال خيبات الأمل. بدلاً من بذل مجهودهم الخاص، يريدون من الآخرين الاهتمام بهم.
إن المعالجة النفسية ضمن مجموعات مختارة بعناية هي ذات قيمة للأولاد غير الناضجين. توفر المجموعة الدوافع والدعم لعملية النمو، كما توفر مضماراً آمناً لتجربة أنماط جديدة من السلوك. يتعلم الأولاد ضمن المجموعة مظاهر سلوكهم غير المقبولة اجتماعياً، والسلوك المتوقع منهم. نتيجة لذلك، فإنهم يبذلون جهداً للتأقلم مع معايير أترابهم. يتعلم الأطفال في المجموعة أيضاً مجموعة منوعة من التقنيات الاجتماعية، مثل مشاركة المواد والنشاطات وكسب اهتمام أصدقاء كبار. إنهم يتعلمون المنافسة والتعاون، العراك وتسوية العراك، وعقد الصفقات والمساومة. تحضّر هذه التقنيات الأولاد للتعامل مع أترابهم على قدم المساواة.
الأطفال الانطوائيون
يمكن وصف هؤلاء الأطفال بالمستسلمين، والكاظمين لمشاعرهم والمتواضعين. نجد عندهم صعوبة في التعبير عن مشاعرهم العادية المتعلقة بالإعجاب والعدوانية، يملكون القليل من الأصدقاء، ويتجنبون المباريات والألعاب الجماعية. هؤلاء الأولاد ليسوا جيدين في مواقف العلاقات ما بين الأشخاص، ويتجنبون لقاء أشخاص جدد. إنهم ينتظرون الآخرين كي يقوموا بمبادرة الصداقة الأولى وحتى أنه من الممكن أن لا يستجيبوا بلطف لهكذا مبادرات.
الأطفال الانطوائيون يجدون صعوبة بالاتصال بالمعلم في المدرسة أو بزملائهم في الملعب. إنهم يرتعبون حينما يطلب منهم القراءة بصوتٍ عالٍ أو الإجابة على سؤال. من الممكن أن يردوا بأجوبة “نعم” أو “لا” أو حتى أنهم لا يُجيبون أبداً. عندما يلعبون فهم يقومون باختيار أنشطة هادئة وآمنة لا تطلب أي أخذ وعطاء اجتماعيان. عندما تفرض عليهم علاقات اجتماعية، يمكن أن يتصاعد قلقهم حتى نقطة الهلع.
يمكن مساعدة الأطفال الانطوائيون بواسطة المعالجة النفسية الجماعية. الشخص البالغ الصديق، المواد الساحرة، أعضاء المجموعة المختارة كل ذلك يجعل من الصعب عليهم البقاء داخل قوقعاتهم. تسرّع البيئة عملية خروجهم من العزلة وتشجع حرية اللعب عندهم ومحادثة الأطفال الآخرين.
الحركات والتكلف
يُظهر بعض الأطفال تكلفاً دائماً بشكل مزعج للوالدين. إنهم يحدجون بأنظارهم، يشمّون، يكشرون، يرتعشون، يضعون إصبعهم بأنوفهم، يفركون أعينهم، ويصدرون أصواتاً بحناجرهم، ويقوسون أكتافهم، ويقضمون أظافرهم، ويمصون أصابعهم، ويجرحون مفاصلهم أو يطرقون بأقدامهم. يحتمل أن تكون كل هذه التصرفات التي ليست في مكانها واضحة ومتكلفة بشكل تثير الانتباه. يمكن للأصابع أن تكون مشوّهة، وللجلد أن يكون مشبعاً بالماء أو أن تكون الأظافر مقضومة كثيراً. أحياناً لا يكون هناك مفر من الأصوات المتعارضة للأنوف، الحناجر، للمفاصل، وللأقدام. يحتاج هؤلاء الأطفال لمساعدة نفسية، كما للعناية الطبية، وذلك لتحديد العلاج المناسب.
في بعض الأحيان يُصدر بعض الأطفال المتعبين، والذين يشعرون برغبة في النوم، والمنشغلون بالتفكير أو الذين هم تحت ضغط عاطفي، تشكيلة من الحركات والأشياء المتكلفة. عموماً، هذه المظاهر ليست دائمة وتختفي في النهاية.
تأليف:هايم جينو
مراجعة وتحديث: د. اليس جينو ود. والس غودارد