لعلك تعتقد أن تصلب الشرايين مجرد مرض ناتج عن تراكم الدهون على البطانة الداخلية لها، وأن الإكثار من تناول الأطعمة التي تحتوي على الدهون يؤدي إلى تراكم المزيد من الدهون داخل الشرايين، ومن ثم تتزايد احتمالات تعرّضك للأزمة القلبية. حسنًا لقد كان هذا هو الاعتقاد السائد في المجتمع الطبي سنوات عديدة، ولا تزال الأغلبية تؤمن بهذا الاعتقاد إلى يومنا هذا، ولكن هذه الرؤية تبالغ في التبسيط، فلقد بتنا الآن نعرف أن تصلب الشرايين هو عملية أشد تعقيدًا من ذلك كثيرًا.
لقد اكتشف العلماء أن الالتهابات تسهم في كل مرحلة من مراحل تصلب الشرايين بداية بتكون الطبقة الدهنية، ونهاية بتفتت اللويحة الدهنية وتسببها في تجلط الدم؛ الأمر الذي يحول دون تدفق الدم في الشريان، ما يؤدي إلى الإصابة بالأزمات القلبية. إن الالتهاب هو الطريقة التي يستجيب بها الجسم للإصابات، ونتعرف على الجزء الملتهب من الجسم باحمرار لونه، وسخونته، وتورمه، وصعوبة تحريكه بشكل صحيح، ومثال ذلك الإصبع التي اصطدمت بشيء ما، أو التواء الكاحل، وهناك أمراض تتعلق بالالتهاب، مثل التهاب المفاصل، والتهاب الكبد، والتهاب التجويف الكيسي، وغيرها الكثير. إن الالتهاب رد فعل طبيعي يقوم به جهاز المناعة تجاه العدوى أو الإصابة، ولكن مع ذلك فإن الالتهاب قد يحدث داخل أجسامنا دون أن يظهر له أي أثر، حيث لا نشعر بوجوده.
ويمكن للالتهاب أن يتسبب في إفراز مواد في مجرى الدم، تعمل على تدمير البطانة الداخلية للشرايين. وعند حدوث هذا الأمر، يمكن للكوليسترول الموجود في الدم أن يقوم بوضع غلاف واقٍ فوق الجزء المتضرر؛ حيث إن الكوليسترول له خاصية علاجية ووقائية، إذ نجد أنه موجود بوفرة في أنسجة الندبات السطحية. وعندما يتزايد الضرر الواقع على الشرايين يتراكم المزيد من الكوليسترول، ومن ثم تنمو اللويحات الدهنية، وتضيق الشرايين.
بروتين سي التفاعلي C-reactive protein
يعمل هذا البروتين على زيادة درجة الالتهاب في الجسم، وترتفع نسبته في الدورة الدموية بسبب عدد من الأمراض، وقد أظهرت دراسة حديثة أن ارتفاع مستويات بروتين سي التفاعلي في الدم يُعد أحد عوامل الخطورة الرئيسية للإصابة بأمراض القلب، ومن المحتمل أن تكون خطورته أكبر من خطورة الكوليسترول. فبروتين سي التفاعلي مؤشر مستقل بذاته، يشير إلى احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في المستقبل؛ ما يعني أن مستويات بروتين سي التفاعلي إذا كانت مرتفعة لديك، فإنك معرض بشدة للإصابة بأمراض القلب، حتى لو كانت مستويات الكوليسترول لديك منخفضة أو طبيعية. ويمكن لطبيبك أن يطلب منك، بسهولة، إجراء فحص للدم للتحقق من مستويات بروتين سي التفاعلي لديك.
نشرت مجلة نيو إنجلاند الطبية مقالًا جاء فيه أن الالتهاب يعد مؤشرًا أفضل من ارتفاع الكوليسترول في تحديد المعرضين للأزمة القلبية. وفي الدراسة التي تناولها المقال أُجريت فحوص للدم لنحو 28000 امرأة ممن تخطين سن اليأس، ويتمتعن بصحة جيدة، وجرى إخضاعهن للمراقبة مدة ثمانية أعوام، فكانت احتمالية الإصابة بالأزمة القلبية أو السكتة الدماغية لدى السيدات اللائي لديهن مستويات مرتفعة من بروتين سي التفاعلي تزيد ضعفين على النساء اللائي لديهن مستويات مرتفعة من الكوليسترول منخفض الكثافة أو الكوليسترول “الضار”. وفي دراسة أجريت على الرجال، ونُشرت في المجلة نفسها، تبين أن الأشخاص ذوي المستويات الأعلى من بروتين سي التفاعلي يتعرضون للأزمات القلبية بمعدل يزيد ثلاثة أضعاف ما يتعرض له من لديهم مستويات طبيعية من الكوليسترول، وكذلك هم عرضة للإصابة بالسكتات الدماغية الإقفارية التي يتعرض لها ذوو المستويات الطبيعية من الكوليسترول بمعدل الضعفين. والحقيقة المثيرة للاهتمام حقًّا هي أن تلك الإصابة كانت بمنأى عن عوامل الخطورة الأخرى، بما في ذلك مستويات الدهون في الدم والتدخين!
فالنظرية التي تؤكدها هذه الدراسة هي أن ارتفاع مستويات بروتين سي التفاعلي يعني وجود التهاب مزمن في جدران الشرايين التاجية. ويزيد هذا الالتهاب من احتمالية تراكم الدهون والخلايا المناعية على جدران الشريان في محاولة لمعالجة الضرر، وهو ما يمهد لتكوُّن لويحة دهنية، والإصابة بتصلب الشرايين. فارتفاع مستويات بروتين سي التفاعلي في الدم يشير إلى تزايد احتمالية تعرضك لأزمة قلبية، وكلما ارتفعت مستويات بروتين سي التفاعلي في الدم، قلت احتمالية النجاة من تلك الأزمة القلبية. وهناك دراسات حديثة أظهرت أن ارتفاع مستويات بروتين سي التفاعلي يزيد من فرصة انسداد الشريان بعد إجراء عملية لتوسعته.
ما الذي يسبب ارتفاع مستوى بروتين سي التفاعلي؟
إن الحالات التالية هي المسببة لارتفاع مستوى بروتين سي التفاعلي على الأرجح:
• العدوى المزمنة أو الحادة.
• أمراض المناعة الذاتية.
• أمراض الحساسية.
• السمنة المفرطة.
• مرض السكر.
• تناول الأطعمة التي تحتوي على الأحماض الدهنية المتحولة ( الزيوت النباتية المهدرجة) والزيوت الغنية بدهون أوميجا 6، مثل زيت فول الصويا، وزيت الذرة، وزيت بذرة القطن، وزيت عباد الشمس، وزيت العُصفُر.
• الأنظمة الغذائية الغنية بالسكريات والكربوهيدرات المكررة، والأطعمة التي تسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم، مثل الخبز الأبيض، والبطاطس، والبسكويت، وحبوب الفطور.
• تدخين السجائر.
• خلو النظام الغذائي من الأطعمة التي تحتوي على مضادات الأكسدة.
الهوموسيستين Homocysteine
هو عبارة عن حمض أميني يتكون في الجسم نتيجة تفكك البروتين المستمد من الغذاء. وهو أيضًا جزيء وسيط في تركيب الحمض الأميني سيستين من حمض الميثيونين (وهو حمض أميني آخر). والدور الرئيسي للميثيونين في الجسم هو تزويده بمجموعات الميثيل من أجل القيام بعملية الأيض. وعندما يفقد الميثيونين إحدى مجموعات الميثيل، فإنه يتحول إلى هوموسيستين. ولكي يتحول الهوموسيستين إلى ميثيونين مرة أخرى، لا بد له من الحصول على إحدى مجموعات الميثيل، إما من حمض الفوليك (فيتامين ب9)، وإما فيتامين ب 6، كما أن فيتامين ب 12 ضروري كعامل مساعد لحدوث هذا التفاعل.
يمكن قياس مستويات الهوموسيستين في الدورة الدموية لدينا، وعندما يرتفع مستواه، فإنه يشير إلى وجود نقص في فيتامينات ب 6 أو ب 12، أو في حمض الفوليك في النظام الغذائي. وتوجد هذه الفيتامينات بكميات كبيرة في الفواكه والخضراوات الطازجة، بالإضافة إلى البروتين الحيواني مثل اللحوم الحمراء والبيض والسمك. والبيتاين هو أيضًا عنصر غذائي يفيد في إبقاء مستوى الهوموسيستين منخفضًا، ويوجد بكميات كبيرة في البيض. وغالبًا ما يفتقر النظام الغذائي الذي يعتمد على الأطعمة المعالجة بكثرة إلى تلك العناصر المغذية. ويُعتقد أن ارتفاع مستويات الهوموسيستين في الدم يُشكل أحد عوامل الخطورة الرئيسية للإصابة بأمراض القلب والعديد من الأمراض الأخرى.
وتُسمى البطانة الداخلية للشرايين بالبطانة الغشائية، وتُشكل خلايا البطانة الغشائية في الشريان السليم طبقة واقية متصلة، تحدد المواد التي يمكن أن تمر من الدورة الدموية إلى الجدار الداخلي للشريان. فإذا كانت خلايا البطانة الغشائية مصابة بضرر ما، أو ملتهبة، فإنها تجعل بطانة الشريان أكثر نفاذًا، ما يسمح للجزيئات بالمرور إلى جدار الشريان. ويعمل الهوموسيستين كمادة كاشطة؛ إذ يقوم بتقشير البطانة الداخلية للأوعية الدموية. وتكون بطانة الشرايين متضررة بصورة كبرى لدى الأشخاص الذين لديهم مستويات مرتفعة من الهوموسيستين، كما يكون لديهم قدر أكبر من اللويحات المسببة لتصلب الشرايين، كما يعمل ارتفاع مستويات الهوموسيستين على تنشيط الصفائح الدموية، وزيادة احتمالية تكوُّن التجلطات.
وهناك دراسة نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأمريكية ، أظهرت أن الرجال الذين لديهم مستويات أعلى من الهوموسيستين أكثر عرضة ثلاث مرات للإصابة بالأزمة القلبية مقارنةً بغيرهم، بصرف النظر عن مستويات الكوليسترول أو الدهون الثلاثية لديهم، كما تبين أن هناك ارتباطًا قويًّا بين ارتفاع مستويات الهوموسيستين في الدم وهذه الأمراض، وهي: مرض ألزهايمر، وهشاشة العظام، والاكتئاب، والسكر، والتصلب المتعدد، والتهاب المفاصل الروماتويدي، والعيوب الخلقية.
ما الذي يؤدي إلى ارتفاع مستوى الهوموسيستين؟
• نقص حمض الفوليك أو فيتامين ب6 أو فيتامين ب12 في النظام الغذائي، أو عدم امتصاصها.
• الأسباب الوراثية. البعض لديهم عيوب وراثية تؤثر في قدرة أجسامهم على امتصاص حمض الفوليك واستخدامه. وهؤلاء الأشخاص في حاجة إلى حمض الفوليك بكميات أعلى مما يمكن توفيره في النظام الغذائي الطبيعي، ومن المناسب لهم جدًّا أن يتناولوا المكملات الغذائية.
• التوتر. إن هرموني الأدرينالين والنورأدرينالين من هرمونات التوتر، وتتطلب عملية الأيض الخاصة بهما ما يُعرف بالمَثْيَلَة. وهو ما يزيد من الحاجة إلى فيتامينات ب6 و ب12 وحمض الفوليك. فإذا كان لدينا نقص في أي منها، فسوف يرتفع مستوى الهوموسيستين لدينا.
• تناول القهوة. كلما تناولنا المزيد من القهوة، زادت احتمالية ارتفاع مستويات الهوموسيستين.
• وسائل منع الحمل التي تؤخذ عن طريق الفم؛ إذ إن موانع الحمل التي تؤخذ عن طريق الفم تستهلك ما في الجسم من فيتامين ب6 وحمض الفوليك. وربما يكون ذلك هو أحد الأسباب التي تجعل حبوب منع الحمل تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب.
• خلل وظائف الكلى.
تصلب الشرايين: ما الذي يحدث فعليّاً للشرايين؟
يزداد مرض تصلب الشرايين ببطء، حيث تتراكم المواد الدهنية، والكوليسترول، والكالسيوم، والأنواع المتعددة من الخلايا، والمواد الأخرى على البطانة الداخلية للشرايين. وتتحد هذه المواد جميعًا لتكوِّن لويحة على الشريان. إن كلمة atherosclerosis , التي تعني تصلب الشرايين باللغة الإنجليزية, مشتقة من الكلمتين اليونانيتين athero (التي تعني المعجون), و sclerosis (التي تعني التصلب). وتبدأ هذه العملية في سن الطفولة، ويمكنها أن تتفاقم عند سن 25 عامًا، ويتفاوت تأثير تصلب الشرايين فيك بناءً على الشريان المسدود بسبب الدهون.
ويمكن أن يؤدي تكوُّن الصفائح الدهنية في الشرايين التي تغذي القلب إلى الإصابة بالذبحة الصدرية أو الأزمة القلبية، كما يمكن أن يؤدي تكون اللويحات في الشرايين التي تغذي الدماغ إلى الإصابة بالسكتة الدماغية، أو الأزمة الإقفارية العابرة. وتعني الأزمة الإقفارية نقص الأكسجين بسبب نقص تدفق الدم. ولن تشعر بأية أعراض لتصلب الشرايين إلا عندما يكون ما يقارب ال40% من الوعاء الدموي مسدودًا.
يُعتقد أن تصلب الشرايين يحدث بسبب وجود تلف في البطانة الداخلية للشريان، التي تُسمى بالبطانة الغشائية، وقد ينتج ذلك التلف عن عدد من الأمور منها ارتفاع ضغط الدم، وتدخين السجائر، والهوموسيستين، والكوليسترول منخفض الكثافة، أو الكوليسترول “الضار”، والسكر، والعدوى، وغيرها من العوامل التي تزيد من الالتهاب داخل الجسم. وهذه هي عوامل الخطورة الحقيقية المسببة لأمراض القلب، وسوف نتناولها بمزيد من التفصيل في السطور التالية.
وعندما تتلف البطانة الغشائية، فمن السهل أن تترسب مواد، مثل الكوليسترول، والكالسيوم، وخلايا المناعة داخل جدار الشريان؛ ما يزيد من سمك الشريان، ومن ثم تتقلص مساحة قطره، ويتناقص تدفق الدم، فيقل إمداد الخلايا بالأكسجين بشكل كبير، ولكن الكوليسترول له دور في إصلاح التلف وعلاجه؛ إذ يكون موجودًا بكثرة في أنسجة الندبات، ومن ثم فإذا حدث تلف أو ضرر في جدار الشريان، فإن الكوليسترول الذي يتدفق في الدورة الدموية يعلق بالشريان، ومع مرور الوقت قد يُكوِّن غلافًا سميكًا أو لويحة. وفي النهاية قد تتمزق تلك اللويحة أو تتشكل فوقها جلطة دموية؛ ما يؤدي إلى وقف تدفق الدم، ويصبح الهدف حينئذ هو منع حدوث ضرر لجدار الشريان في المقام الأول، فالكوليسترول لا يلتصق بالأوعية الدموية السليمة التي لا تحتوي على تجلطات أو لويحات.
كل شيء يبدأ بالالتهاب
عندما يكون الالتهاب شديدًا داخل الجسم، فقد تكون البطانة الداخلية (البطانة الغشائية) للشريان متضررة، وهو ما يجعل خلايا البطانة الغشائية تفرز جزيئات لاصقة متنوعة تجذب خلايا الدم البيضاء، وتربطها بجدار الشريان. والخلايا البيضاء التي ترتبط بجدار الشريان، على وجه التحديد، هي الخلايا الأحادية والخلايا التائية. وتنتقل خلايا الدم هذه إلى عمق بطانة الشرايين، فتتحول الخلايا الأحادية إلى خلايا بلعمية، والخلايا البلعمية هي عبارة عن نوع من أنواع خلايا الدم البيضاء التي تشبه طريقة عملها لعبة باك مان؛ حيث تبتلع الخلايا الميتة والبكتيريا وبقايا الخلايا. وتبدأ الخلايا البلعمية هضم الكوليسترول منخفض الكثافة، وبمجرد أن تمتلئ بالدهون تتحول إلى ما يُسمى بالخلايا الرَّغوية. فجزيئات البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة المؤكسدة هي التي تُهضم على وجه التحديد، وهي عبارة عن جزيئات قد تلفت بفعل الجذور الحرة، وقد يكون ذلك ناشئًا عن الطريقة التي تمت بها معالجة الطعام، أو بسبب نقص مضادات الأكسدة في أجسامنا التي يمكنها أن تمنع هذا التلف. ويسبب الكوليسترول منخفض الكثافة المتأكسد، أيضًا، ضررًا مباشرًا للبطانة الغشائية.
تقوم خلايا الدم البيضاء التي دخلت جدار الشريان بإنتاج مواد كيميائية التهابية، تُسمى السيتوكينات، وتعمل هذه السيتوكينات على جذب المزيد من خلايا الدم البيضاء إلى بطانة الشريان، كما تحفز نمو الخلايا العضلية الملساء في جدار الشريان. ومع تراكم الخلايا العضلية الملساء يزيد سمك جدار الشريان؛ ما يؤدي إلى ضيق قطره. وتعمل الخلايا العضلية الملساء على إفراز إنزيمات تكسِّر الكولاجين والإيلاستين في جدار الشريان, كما تُنتج الخلايا البلعمية أيضًا إنزيمات هاضمة للبروتينات تقوم بتكسير الكولاجين، وهو ما يجعل اللويحات الدهنية غير مستقرة ويجعلها أكثر عرضة للتفتت والتمزق. وعندما تتمزق تزيد احتمالية تكون الجلطة الدموية، وانسداد الشريان تمامًا. ومع ازدياد اللويحات المسببة لتصلب الشريان تصبح أكثر عرضة للتكلس أو التصلُّب؛ لأنها تعمل على تراكم الكالسيوم، وهو ما يشار إليه بتصلب الشرايين.
إن الضرر الذي يلحق بالبطانة الغشائية يعوق أيضًا إنتاج أكسيد النيتريك بواسطة الخلايا التي تبطن جدار الشريان. وأكسيد النيتريك هو خير صديق للشريان، فهو يوسع الشرايين، وله تأثير مضاد للالتهاب، ويحد من قدرة خلايا الدم البيضاء على الالتصاق بجدار الشريان، ويقاوم تكوُّن اللويحات.
ما الذي يسبب الالتهاب الشديد؟ عوامل الخطورة الحقيقية للإصابة بأمراض القلب
لقد بتنا الآن نعرف أن الالتهاب هو الذي يحفز زيادة اللويحات المسببة لتصلب الشرايين وتطورها، ثم ينتهي الأمر بتفتتها وتمزقها في النهاية، ولكن ما الذي يسبب الالتهاب في الأساس؟ سنرى في هذا الموضوع الأسباب المتنوعة لحدوث الالتهاب داخل الجسم. وهذه الأسباب هي عوامل الخطورة الحقيقية للإصابة بأمراض القلب.
السمنة Obesity
إن الخلايا الدهنية (الخلايا الشحمية) لا تحتل مكانًا في الجسم فحسب، بل تعمل على إفراز الكثير من الهرمونات والمواد الكيميائية المسببة للالتهاب، فكلما زادت الخلايا الدهنية، زادت تلك المواد الكيميائية التي يصنعها الجسم. وتقوم الخلايا الدهنية بتصنيع وإفراز جزيئات ناقلة نشطة بيولوجيًّا تسمى السيتوكينات. ويُعتقد أن هذه السيتوكينات تزيد بشدة من خطورة الإصابة بأمراض القلب؛ إذ بمقدورها أن تُحدث تهيُّجًا وتلفًا في جدران الشريان. وبعض النواقل الكيميائية التي تفرزها الخلايا الدهنية تحتوي على الليبتين، والأديبونيكتين، والبلازمينوجين، ومثبط منشط البلازمينوجين-1، والريزيستين، والإنترلوكين-6، والاديبسين، وعامل نخر الورم. وكل هذه المواد المذكورة قد تكون لها آثار مدمرة إن أُنتِجت بشكل مفرط.
إن زيادة الوزن تضرك بطريقتين؛ حيث تقوم الخلايا الدهنية بإفراز مواد كيميائية تحفز الالتهاب داخل الجسم، وتساعد المواد الكيميائية المسببة للالتهاب على تكوين المزيد من الخلايا الدهنية؛ ما يسبب زيادة الوزن بصورة أكبر. وعادة ما يوجد بروتين سي التفاعلي بنسب أعلى لدى ذوي الوزن الزائد.
والمواد الكيميائية التي تُنتجها الخلايا الدهنية لا يتوقف خطرها على زيادة الالتهاب، والمساعدة على الإصابة بتصلب الشريان فحسب، بل إنها تؤثر أيضًا في عملية الأيض الخاصة بالدهون وسكر الدم. وبعض هذه المواد تمنع عمل الإنسولين داخل الجسم، ومن ثم فإن وجود كميات كبيرة للغاية من الدهون داخل الجسم قد يسبب الإصابة بمتلازمة إكس ومرض السكر.
وقد توصل الباحثون في جامعة بافالو إلى أن هناك نوعين من خلايا الدم البيضاء وهما الخلايا الوحيدة، والخلايا اللمفية، و يشتد نشاطهما بصورة كبرى لدى المصابين بالبدانة. وهذه الخلايا تدخل جدار الشريان، وتبدأ التمهيد للإصابة بتصلب الشريان، حيث تقوم بتنشيط الخلايا الدهنية لإفراز المزيد من السيتوكينات المسببة للالتهاب، كما أنها تتداخل مع الوظيفة التي يقوم بها الإنسولين، فتسبب متلازمة إكس. ويتم إنتاج بروتين سي التفاعلي بصورة رئيسية في الكبد، فإذا كثُرت الدهون على الكبد، تُنتج خلاياها المزيد من السيتوكينات المسببة للالتهاب، ما يحفز الكبد على إنتاج المزيد من بروتين سي التفاعلي.
ويمكن للخلايا الدهنية أن تنتج مواد كيميائية تسبب انقباض الأوعية الدموية، وترفع من ضغط الدم. وتُفرز مخازن الدهون في منطقة البطن مواد مسببة للالتهاب، تذهب مباشرة نحو الكبد، وتسبب لها الالتهاب؛ ما يؤدي بدوره إلى زيادة إنزيمات الكبد، والإصابة بمرض الكبد الدهنية. وتنتقل كميات ضخمة من الأحماض الدهنية الحرة من مخازن الدهون إلى الكبد لدى الأشخاص ذوي السمنة المفرطة؛ الأمر الذي يحفز إنتاج الكوليسترول منخفض الكثافة جدًّا. وهذا هو أسوأ أنواع الكوليسترول؛ لأنه غني بالدهون الثلاثية. كما أن ارتفاع مستويات البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة جدًّا يؤدي إلى منع إنتاج الكوليسترول عالي الكثافة “الجيد”.
ويتضح مما سبق أن فقدان الوزن يعد إحدى أفضل الطرق لتقليل الالتهاب داخل الجسم؛ ما يقلل من فرص الإصابة بأمراض القلب والسكر.
الأحماض الدهنية المؤكسدة والكوليسترول المتأكسد
يعتقد كثير من الباحثين أن الكوليسترول في حد ذاته لا يسبب أمراض القلب، ولكن ما يسبب تلك الأمراض هو الكوليسترول المتأكسد. وتتأكسد الدهون لدى تعرضها للضوء، أو الأكسجين، أو الحرارة. ومعظم الأشخاص يتناولون قدرًا كبيرًا من الدهون المتأكسدة؛ نظرًا إلى اتباعهم النظام الغذائي المعتاد الذي يحتوي على الكثير من الأطعمة المُعالجة.
وتتأكسد معظم الأحماض الدهنية غير المشبعة (يوجد معظمها في الزيوت النباتية) عندما يجري تكريرها ومعالجتها في المصانع. وعندما نتناول طعامًا مقليًّا في الزيوت التي تحتوي على تلك الدهون، سواء أكان القلي خفيفًا أو عميقًا، فإننا نتناول كمية كبيرة من المنتجات التي خضعت للأكسدة السامة التي تمثلها تلك الزيوت. فالحرارة المكثفة التي تستخدم للقلي تُكوِّن مركبات تشمل البيروكسيد، والهيدروبيروكسيد، والأوزونيد، والبوليمر، والهيدروبروكسي ألدهيد؛ وهذه المركبات الخطيرة تُحدث التهابًا وتهيُّجًا في جدران الشريان، وتُدمر أغشية الخلايا، وتُضعف الجهاز المناعي، كما أن لديها قدرة على التسبب في تهيُّج خلايا الكبد، والتسبب في الإصابة بمرض الكبد الدهنية، فمتى تناولت طعامًا مقليًّا في الزيوت النباتية، فإنك بهذا تتعاطى مركبات سامة، ستسبب ضررًا داخل جسمك بفعل الجذور الحرة. ويُستثنى من هذه القاعدة زيت الزيتون البكر الممتاز، وزيت جوز الهند البكر.
ويوجد الكوليسترول المتأكسد في عدة أطعمة, مثل اللحوم الباردة المصنعة، والأطعمة التي تحتوي على مسحوق البيض، واللبن البودرة، وصفار البيض إذا كان صفار البيض قد جرى طهوه بالقلي مثلًا. وغالبًا ما يحتوي الحليب المُجنَّس على الكوليسترول المتأكسد مقارنة بالحليب غير المُجنَّس؛ لأن الكُريَّات الدهنية تكون أصغر حجمًا، ومن ثم يكون سطحها أكبر؛ ما يجعلها أكثر عرضة للتلف بسبب الضوء والأكسجين والحرارة.
ويمكن أن تتأكسد الأحماض الدهنية والكوليسترول داخل أجسامنا أيضًا. فنحن قد نتناول دهونًا غير مكررة وطازجة، ولكن إذا كان هناك نقص في مضادات الأكسدة داخل أجسامنا، فإن هذه الزيوت قد تفسد أيضًا. فأية عوامل تزيد من كمية الجذور الحرة داخل أجسامنا تجعلنا أكثر عرضة لتأكسد الدهون. ومن هذه العوامل التوتر وعدم الحصول على قسط كافٍ من النوم، والتعرض للتلوث، والتعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية، وافتقار النظام الغذائي إلى الفواكه والخضراوات الطازجة.
فإذا تناولنا الكوليسترول المتأكسد، أو تم تصنيعه داخل أجسامنا، فإنه سيتحول إلى بروتينات دهنية، مثل البروتينات الدهنية عالية الكثافة، والبروتينات الدهنية منخفضة الكثافة، وغيرها. ونحن نعرف أن الكوليسترول منخفض الكثافة هو النوع “الضار” من الكوليسترول، ولكنه عندما يتأكسد يصبح أشد سوءًا. ويُعتقد أن البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة تُلحق بجدران الشريان ضررًا أكبر كثيرًا؛ لأنها قادرة على الالتصاق بجدران الشريان بسهولة أكبر. ويساعد الليسيثين على حماية الكوليسترول من التأكسد، وهو يوجد بكثرة في البيض والأطعمة التي تحتوي على فول الصويا.
مرض السكر Diabetes
قد يكون مرض السكر هو أكبر عوامل الخطورة المسببة لأمراض القلب، فهناك ما يزيد على 50% من المصابين بمرض السكر من النوع الثاني يموتون بمرض الشريان التاجي، وعادة ما تكون الإناث بمنأى عن الإصابة بأمراض القلب والشريان إلى حد ما قبل بلوغهن سن اليأس، ولكن المصابات منهن بالنوع الثاني من مرض السكر معرضات للإصابة بأمراض القلب شأنهن في ذلك شأن الرجال. فالمصابون بمرض السكر تقل فرصتهم في النجاة من الموت بسبب الأزمة القلبية مقارنة بغيرهم.
فكل عوامل الخطورة المتعلقة بزيادة الوزن تكون أكثر حدة لدى مرضى السكر. ومعظمهم تكون لديهم زيادة في الوزن، وتُنتج مخازن الدهون الخاصة بهم كميات كبيرة من السيتوكينات المسببة للالتهاب. وتكون الشرايين لدى مرضى السكر عاجزة عن إنتاج مستويات كافية من أكسيد النتريك الذي يعمل على توسعة الأوردة الدموية، وتقليل الالتهاب، كما أن جدران الشرايين لدى مرضى السكر تنتج المزيد من الجذور الحرة التي تزيد الالتهاب سوءًا، وتساعد على عملية تأكسد الكوليسترول منخفض الكثافة. ويؤدي ارتفاع سكر الدم وارتفاع مستويات الإنسولين إلى جعل بطانة الشريان تنتج كميات أكبر من مادة قوية قابضة للأوعية الدموية، وتسمى إندوثيلين-1. وتسبب انقباضًا في الأوعية الدموية يؤدي بدوره إلى ارتفاع ضغط الدم.
والسكر ذو طبيعة غروية، وعندما يزيد في الدورة الدموية، يلصق نفسه بالبروتينات ليكوِّن المنتجات المتقدمة النهائية لعملية اتحاد السكريات بالبروتينات. وترتبط تلك النواتج النهائية بالبطانة الداخلية للشرايين، وتحفزها على إنتاج المواد الكيميائية المسببة للالتهاب؛ ما يُتلف جدران الشريان، ويساعد على ظهور تصلب الشرايين، كما تعزز النواتج المذكورة تكوُّن الجذور الحرة بالجسم. أضف إلى ذلك أن أجسام مرضى السكر تُنتج المزيد من المواد الكيميائية التي تحفز التجلطات الدموية. وتزيد احتمالية تمزق اللويحات الموجودة في الشرايين، والمسببة لتصلبها؛ ما يؤدي إلى جلطة دموية وانسداد تام في الشريان بالنسبة إلى مرضى السكر.
السجائر والسموم الأخرى
تحتوي السجائر على آلاف المواد الكيميائية السامة، وكثير منها لديها القدرة على إلحاق ضرر مباشر ببطانة الشرايين، وذلك من خلال تأثيرها المسبب للتهيُّج؛ وهذا ما يزيد من فرصة تراكم الدهون والكالسيوم وغيرهما من الفضلات في الشرايين.
إننا نُخلف الكثير من المواد السامة داخل أجسامنا. والقولون المليء بالسموم سيملأ الجسم بالسموم. فإذا زاد عدد البكتيريا الضارة على عدد البكتيريا النافعة في الأمعاء (وتعرف هذه الحالة بمرض دسباقتريوز، وهو داء ناتج عن عدم التوازن البكتيري في الأمعاء)، فإن تلك البكتيريا الضارة ستنتج أحد السموم الداخلية (أي السموم التي تتكون داخل الجسم) يسمى عديد السكاريد الدهني، وهو أحد أكثر المواد المسببة للالتهاب في الجسم، وعندها يستخدم الجسم الكوليسترول عالي الكثافة، أو الكوليسترول “الجيد”، للارتباط بالسموم الداخلية وتحييدها، ومن ثم، فإن كثرة تلك السموم سوف تؤدي إلى استهلاك الكوليسترول عالي الكثافة؛ ما يقلل من مستويات الكوليسترول المفيد الذي يحمينا.
إننا نتعرض في بيئتنا إلى الكثير من المواد السامة، مثل: البلاستيك والتلوث، والمعادن الثقيلة، والمبيدات بأنواعها. وإذا لم تقم الكبد بتنقية هذه المواد من السموم بشكل جيد، فسوف تصاب الأنسجة، ويصاب مجرى الدم بقدر كبير من تلك السموم. وهذه السموم جميعها تولد جذورًا حرة في الجسم، وتستهلك مضادات الأكسدة المفيدة، وتساعد على إحداث الالتهاب الجهازي، فإذا كنت تشعر بأنك تعاني زيادة السموم، فعليك أن تتبع حمية القضاء على السموم التي تستغرق أسبوعين.
التوتر
عندما يصيبنا التوتر تفرز الغدة الكظرية هرمون الأدرينالين، وهو هرمون يساعد على إنتاج مادتي إنترلوكين-6, وإنترلوكين-10، وهما من المواد الكيميائية المسببة للالتهاب، كما أن الأدرينالين يستنزف فيتامين ب6 و ب12 وحمض الفوليك الموجود في الجسم، ومن ثم يزيد من إمكانية ارتفاع مستويات الهوموسيستين، ويؤدي ارتفاع مستويات الهوموسيستين إلى حدوث تهيُّج في جدران الشريان، ويساعد على الإصابة بتصلب الشرايين.
وعندما نصاب بالتوتر، تقوم الغدة الكظرية أيضًا بإفراز هرمون الكورتيزول، ولكنه ينخفض مرة أخرى عند زوال التوتر، غير أن هناك الكثيرين منا يعيشون في توتر مستمر؛ ما يعني بقاء مستويات الكورتيزول مرتفعة لديهم. ويتداخل الكورتيزول مع عمل الإنسولين، وقد يؤدي أحيانًا إلى ظهور متلازمة إكس، وارتفاع ضغط الدم. وزيادة مستويات الكورتيزول على الحد المطلوب، تؤدي إلى زيادة الوزن في منطقة البطن. وزيادة سِمنة البطن تشكل أحد عوامل الخطورة الرئيسية للإصابة بالسكر وأمراض القلب.
وعندما يطول أمد التوتر، فإنه غالبًا ما يؤدي بنا إلى حالة من الاكتئاب. ويُعتقد أن الكورتيزول هو حلقة الوصل بين الاكتئاب وأمراض القلب. وهناك دراسة حديثة أُجريت على ما يزيد على 2800 من الرجال والسيدات الذين تخطوا 55 عامًا من العمر. وقد أظهرت الدراسة أن القدر اليسير من الاكتئاب يزيد من خطر الإصابة بالأزمة القلبية بنسبة 60%، وأن الاكتئاب الشديد يزيد خطر الإصابة بأزمة قلبية مميتة إلى ثلاثة أضعاف، ويولد التوتر الكثير من الجذور الحرة في الجسم، ويجعلنا نستنزف الفيتامينات والمعادن بمعدل متسارع.
العدوى
تزيد العدوى من مقدار الالتهاب في الجسم بسبب السموم التي تنتجها الفيروسات والبكتيريا، وبسبب المواد الكيميائية التي تنتجها الخلايا المناعية استجابة للعدوى. والأشخاص الذين يعانون وجود عدوى عادةً ما تكون لديهم مستويات مرتفعة من بروتين سي التفاعلي، الذي يعد أحد عوامل الخطورة الرئيسية للإصابة بالأزمة القلبية. وهناك دراسة نشرتها مجلة نيو إنجلاند الطبية ، قامت بتحليل السجلات الطبية ل40000 حالة، وتبين أن بعض حالات العدوى في الجهاز التنفسي، والمسالك البولية، قد تحفّز الإصابة بأزمة قلبية أو سكتة دماغية. وكان التهاب المثانة، والالتهاب الرئوي، هما الحالتين اللتين تناولتهما الدراسة، حيث تبين أن المرضى كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأزمة القلبية أو السكتة الدماغية خلال الأيام الثلاثة التي أعقبت إصابتهم بعدوى في الجهاز التنفسي.
فإذا كان لديك ارتفاع في مستوى بروتين سي التفاعلي، دون أن تعرف سببه، فهناك احتمال كبير بأن يكون لديك التهاب خفي في جسمك. ويمكن للبكتيريا والفيروسات وغيرهما من أشكال العدوى أن تنتج سمومًا تؤدي إلى إحداث تهيُّج جدران الشرايين وإصابته، وهذا بدوره يمهد للإصابة بتصلب الشرايين. ولقد مكَّنت تقنيات التصوير المتنوعة الأطباء من اكتشاف الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في اللويحات الدهنية المترسبة على الشرايين. وتوجد السيتوكينات والسموم البكتيرية، وغيرهما من المواد الكيميائية التي تفرزها خلايا الدم البيضاء في أثناء وجود العدوى لدى المرضى الذين أُصيبوا مؤخرًا بأزمة قلبية، أو بسكتة دماغية.
إن الكائنات الدقيقة التي قد يكون بمقدورها أن تساعد على الإصابة بأمراض القلب, تشمل بكتيريا الملوية البوابية (جرثومة المعدة)، وهي بكتيريا مرتبطة بقرحة المعدة، وبكتيريا المتدثّرة الرئوية التي يمكنها أن تسبب الالتهاب الرئوي والتهاب الشُّعب الهوائية, وفيروس الهربس البسيط من النوع الأول، والأنواع المتعددة من البكتيريا التي قد تسبب أمراض اللثة، والفيروس المُضخِّم للخلايا، وهو عبارة عن عدوى فيروسية معروفة لا تظهر لها أية أعراض في العادة.
ومن المهم أن يكون جهازك المناعي قويًّا؛ لأنه هو الذي سيحميك من العدوى. والعدوى الأكثر ضررًا هي العدوى المزمنة التي تستمر فترة طويلة.
اختلال وظائف المناعة
إن أمراض الحساسية والمناعة الذاتية تترك جهازك المناعي في حالة من التحفز الشديد. والاحمرار والتورم، والإفرازات، والحكة، والألم تعد أعراضًا تقليدية لهذه الحالات، وتشير إلى وجود قدر كبير من الالتهاب داخل الجسم؛ لذا من المهم لك أن تعمل على تقوية جهازك المناعي؛ لأن الالتهاب المزمن يعيش على ضعف المناعة، ويولِّد كمية ضخمة من الجذور الحرة. وسيكون جسمك في حالة من الإجهاد الدائم إذا كان منهمكًا دائمًا في محاربة الحساسية، أو أمراض المناعة الذاتية؛ فالمواد الكيميائية التي تُفرز داخل الدورة الدموية لدى من يعانون الحساسية، أو أمراض المناعة الذاتية، تتضمن السيتوكينات، والبروستاجلاندين، والليوكوترين، والثرومبوكسان؛ وهي مواد تساعد على حدوث الالتهاب في جدران الشريان، وتزيد من احتمالية تكوُّن الجلطات الدموية.
إن كنت تعاني أحد أمراض الحساسية، مثل الإكزيما، أو حمى القش، أو التهاب الجيوب الأنفية، أو أحد أمراض المناعة الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، أو التهاب الغدة الدرقية المزمن، أو مرض الذئبة الجلدي، فقد تكون أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب مقارنةً بمن لا يعانون أيًّا من هذه الحالات المرضية آنفة الذكر. وقد أظهرت دراسات عديدة أن من يعانون داء الذئبة أو التهاب المفاصل الروماتويدي معرضون بصورة كبرى لخطر الإصابة بأمراض القلب. ومن يعانون مرض الذئبة الحمراء أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالأزمة القلبية بنسبة تتراوح بين 7 و50 مرة. وهذا الخطر المتزايد مستقل عن عوامل الخطورة التقليدية، مثل ارتفاع الكوليسترول والتدخين.
ارتفاع ضغط الدم
يعد هذا أحد عوامل الخطورة المعروفة، والقديمة، التي تسبب الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية؛ لأن ضغط الدم يسبب إجهادًا أكبر للشرايين، ويعمل على إضعافها. ومع ذلك، فقد بتنا الآن نعرف أن الارتفاع المفرط لضغط الدم يساعد على حدوث الالتهاب في الجسم. والأنجيوتنسين 2 يعد أحد أنواع البروتينات التي يصنعها الجسم، وترفع ضغط الدم من خلال إحداث انقباض في الأوعية الدموية، بالإضافة إلى احتباس الصوديوم في الكليتين. والعديد من أدوية ضغط الدم الشائعة تعمل من خلال تثبيط الإنزيم الذي يعمل على تحويل الأنجيوتنسين، وهو الإنزيم المسئول عن إنتاج الأنجيوتنسين 2. وقد اكتُشف مؤخرًا أن الأنجيوتنسين 2 قادر أيضًا على التسبب في التهاب البطانة الداخلية للشرايين (البطانة الغشائية). كما يعمل على إنتاج الجذور الحرة من خلال الخلايا التي تغطي الشرايين، ويجعل كذلك تلك الخلايا تفرز جزيئات غروية؛ ما يزيد من احتمالية إنتاج الكوليسترول منخفض الكثافة، وغيره من المواد، من أجل الارتباط بالجزيئات الغروية.
كما أننا نعرف أن ارتفاع مستويات بروتين سي التفاعلي في الدم يزيد من احتمالية ارتفاع ضغط الدم؛ لأن بروتين سي التفاعلي يقلل من إنتاج الخلية البطانية لأكسيد النتريك (وهي الخلايا التي تبطن جدران الشريان). ويعمل أكسيد النتريك على توسيع الأوعية الدموية، وتقليل الالتهابات الموجودة فيها.
هل يكمن الحل في تناول الأسبرين؟
إن الأسبرين عقار لا ستيرويدي مضاد للالتهاب، ويقع في فئة يطلق عليها الساليسيلات، ويعمل من خلال تثبيط إفراز المواد الكيميائية المسببة للألم والالتهاب في الجسم. وغالبًا ما يُستخدم الأسبرين بجرعات صغيرة لمنع الأزمات القلبية والسكتات الدماغية لدى الأشخاص المعرضين لها بشدة، بالإضافة إلى استخدامها في الحالات الحادة، مثل الصداع، أو الحمى، أو آلام الدورة الشهرية. وللأسبرين تأثير في تليين قوام الدم، وبهذه الطريقة قد يقلل من فرصة تكوُّن جلطة دموية تؤدي إلى انسداد الوعاء الدموي، والتسبب في أزمة قلبية أو سكتة دماغية. ولهذا السبب يُؤخذ الأسبرين بجرعة أصغر، عادةً ما تكون في حدود 100 ملليجرام. وأشهر العلامات التجارية له آستريكس وكارتيا وكارديبرين.
ولكن مع ذلك، للأسبرين آثار جانبية محتملة، وهناك شكوك بشأن ما إن كان يُقلل بالفعل من خطر الإصابة بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية أم لا. ومن الآثار الجانبية المحتملة للأسبرين اضطرابات المعدة، وتقلصات البطن، والطفح الجلدي، وحساسية الجلد، كما يساعد على الإصابة بمتلازمة تسرب الأمعاء؛ ما يزيد من احتمالية ظهور حساسية للطعام. ويعد نزيف الجهاز الهضمي أحد الأعراض الجانبية الخطيرة المحتملة للأسبرين. ويقول الدكتور “جون ريكليس”، رئيس مجلس إدارة جمعية القلب في المملكة المتحدة: “إذا جعلنا المرضى العاديين من كبار السن يستخدمون الأسبرين مدة عام واحد، فسيكون هناك من بين كل 262 مريضًا، مريض واحد مصاب بنزيف شديد في الجهاز الهضمي في تلك السنة”. ويعد اسوداد لون البراز، أو وجود دم به، أحد أعراض نزيف الجهاز الهضمي، فإذا ظهر لديك هذا العَرَض، يصبح من الضروري لك أن تزور طبيبك في أسرع وقت ممكن.
وأفادت الدراسة الخاصة بصحة النساء، التي استمرت عشر سنوات، بأن تناول جرعات صغيرة ومنتظمة من الأسبرين لا تقي من الإصابة بالأزمة القلبية الأولى لدى النساء اللائي تقل أعمارهن عن 65 عامًا؛ حيث إن المجموعة التي تناولت 100 ملليجرام من الأسبرين كل يومين، لم تكن أقل عرضة للإصابة بالأزمة القلبية من المجموعة التي تعاطت دواءً وهميًّا. وقد كانت هناك نحو 20000 مشاركة في كل مجموعة. وكانت الدراسات التي كشفت عن أن الأسبرين يقلل من خطر الإصابة بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية، قد أُجريت على الرجال دون النساء. أما النساء اللائي شاركن في هذه الدراسة، وتناولن الأسبرين، فقد زادت لديهن احتمالية الإصابة بنزيف الجهاز الهضمي بنسبة 40%، كما أنهن قد عانين بالفعل نزيفًا طفيفًا، وبعض الكدمات. ومن المثير للاهتمام أن عدد حالات الإصابة بالسكتة الدماغية النزفية كانت أعلى لدى من تناولن الأسبرين. وهذه السكتة تحدث نتيجة النزيف، وليس نتيجة الانسداد الناتج عن تجلط الدم. وهذا أمر منطقي؛ لأن الأسبرين يقلل من قدرة الدم على التجلط، ومن ثم فالسيدات اللاتي لا يواجهن خطرًا كبيرًا بالإصابة بأمراض القلب لا يُنصحن بتناول الأسبرين كوسيلة وقائية.
وهناك دراسة شائقة تدعى The warfarin/aspirin study in heart failure نشرتها مجلة جمعية القلب الأمريكية، وقد توصلت إلى أن المرضى المصابين بفشل القلب الاحتقاني يواجهون خطرًا متزايدًا بالإصابة بالأزمة القلبية أو السكتة الدماغية. وقد شملت هذه الدراسة 279 مريضًا مصابين بفشل في القلب، ويتطلب علاجهم مُدرات البول. وقد جرى تقسيم المرضى إلى ثلاث مجموعات، مجموعة للعلاج بالأسبرين، ومجموعة للعلاج بالوافارين، ومجموعة لا تتناول علاجًا يزيد من سيولة الدم. وقد أظهرت نتائج الدراسة عدم وجود أية فوائد صحية للأسبرين أو الوافارين لدى المرضى الذين تناولوهما. ولم يكن هناك فارق في معدل الوفيات أو الأزمات القلبية والسكتات الدماغية غير المميتة، بل كان هناك عدد أكبر من المرضى الذين تناولوا الأسبرين وأُدخلوا المستشفى؛ نظرًا إلى تدهور حالة فشل القلب لديهم. وقد انتهت الدراسة إلى أن ” علاج مرضى فشل القلب بموانع تخثر الدم لا يقوم على دليل يُعضّده، ولكنها تستخدم كأدوية مساعدة إلى جانب أدوية أخرى “. ويعني ذلك عدم ثبوت أية فوائد لتناول الأدوية المسيلة للدم لدى من يعانون فشل القلب، بل إنها تزيد من خطورة الآثار الجانبية التي تسبب تفاعلات ضارة للأدوية.
إن تناول الأسبرين بصفة يومية قد يقلل من خطر الإصابة بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية لدى البعض، ولكنَّ هناك طرقًا أخرى أكثر صحة وأمانًا لترقيق قوام الدم، ومنعه من التجلط؛ فدهون أوميجا 3 التي توجد في زيت السمك، وزيت بذرة الكتان، وثمرة الجوز لها تأثير قوي في ترقيق قوام الدم ومنعه من التجلط.
وجميع مضادات الأكسدة تساعد على ترقيق قوام الدم، ويمكنك أن تحصل عليها من الخضراوات النيئة، والعصائر، والثوم، وتناول مكملات فيتامين ه بصفة منتظمة. وإذا كنت تتعاطى دواءً لسيولة الدم، فلا تتناول فيتامين هـ، أو الثوم، أو الجنكة دون استشارة الطبيب.