كل السرطانات الجلدية تنشأ عن خلايا معطوبة في مستوى الحمض النووي DNA. يؤدي هذا الضرر إلى نشوء وانتشار خلوي مستقل عن باقي خلايا الجسم يمكنه أن يتسلّل إلى الأنسجة الأخرى.
إن التطور الفوضوي لهذه الخلايا المعطوبة لا يثير أضراراً في الجلد فحسب بل يتعداه إلى الدورة الدموية اللمفاوية التي تحمل تلك الخلايا إلى مناطق مختلفة من الجسم وتجتاحها بدورها كالرئتين والكبد والدماغ أو أنها تحرم الجسم من عناصره الضرورية.
إن العوامل المسببّة للأضرار في مستوى الـ DNA تدعى “مُسرطنِة” ولها بنية كيميائية معروفة منها التبغ والكحول وبعض الأطعمة والمواد المشعّة وبعض الفيروسات، وفيما يخص الجلد الأشعة فوق البنفسجية A و B.
أنواع سرطان الجلد
يوجد ثلاثة أنواع بينّة من سرطانات الجلد:
- السرطان الخلوي القاعدي (أو الورم السرطاني قاعدي الخلايا)
- السرطان الخلوي الملتَفَ (أو الورم السرطاني وسْفّي أو شائك الخلايا)
- سرطان الخلايا الصبغية الخبيث (أو الورم القتاميني الخبيث)
تعتبر سرطانات الجلد من السرطانات الشائعة في العالم.
80% منها من النوع الأول في حين لا تشكل الأورام الخبيثة أكثر من 20%.
إن جلّ السرطانات هذه يمكن تفاديها ويمكن كذلك الشفاء منها عموماً عندما يتم الكشف عنها مبكراً.
سرطان الجلد الخلوي القاعدي Basal cell cancer
وهو سرطان الجلد الأكثر شيوعاً والأقل شراسة.
يبدأ في الطبقة القاعدية للبشرة لتنتشر آثاره تدريجياً، وغالباً ما يظهر على هيئة حبّة أو عقدة على الوجه أو النقرة أو الكتفين وظهور المسنيّن.
تبدأ هذه المرحلة ببطء ثم تتقرّح في مراكز الندبات ويصعب التآمها.
تلعب أشعة الشمس دوراً واضحاً في ظهور هذه التقرحات ولمكان تموضعها وعمر المصاب أهمية أيضاُ. علاج هذا السرطان ناجع في حالة التشخيص المبكر.
التهابات الطبقة المتقرّنة keratosis
تنتج هذه الالتهابات جرّاء بعض المجموعات من الحويصلات الجلدية القرنية في الجلد بصورة مبكرة وفوضوية وتحدث على الأغلب عند الأشخاص المعرضين لأشعة الشمس مدة طويلة.
تتوضع هذه الحويصلات على الوجه والأذنين وظهر اليدين وفروة الرأس (لا سيما لدى الصلع من الرجال). يُصاب ما يزيد على الثلث من ذوي البشرة البيضاء والذين تجاوزوا الستين من العمر في المناطق المشمسة. لا يتعدى قطر هذه الحويصلات الجلدية السنتيمتر وتكون حمراء أو سمراء، مُنْتبجة أو خشنة ومقزّزة بعض الشيء باللمس.
تشجّع هذه الالتهابات أحياناً على نشوء السرطان الخلوي (القتاميني) وتتراوح نسبة الإصابة بين الناس من 1- 20%.
وغالباً ما يكون تجريف هذه الحويصلات الجلدية مبكراً حلاً وقائياً ناجعاً.
سرطان الخلية الحرشفية / سرطان الجلد الشائك Squamous cell carcinoma
وهو الأكثر شيوعاً. يتطور في مستوى الحويصلات الجلدية في الطبقة الخارجية للبشرة وتغلب الإصابة لدى من هم دون الخمسين من العمر ذوي البشرة الفاتحة والمعرضة باستمرار لأشعة الشمس وعلى فترات طويلة، ويغلب كذلك لدى من يعتادون الاصطياف على الشواطىء المشمسة. تتمثل هذه الإصابة بانتفاخ متقرّح أو مجرد خدوش سطحية على الجلد أو الشفة السفلى. يتم الشفاء عادة خلال أسابيع أو أشهر ويُنصح بالاستشارة الفورية عند ظهورها.
سرطان الخلايا الصبغية / سرطان القتامين الخبيث malignant melanoma
وهو أندرها ولا يمثل أكثر من 10% من الحالات ولكنه أخطرها ومسؤول عن وفاة حوالي 75% من المصابين، ويبقى التشخيص المبكر السبيل الأمثل للشفاء.
يصيب هذا السرطان الخلايا المولّدة لصبغة الجلد في مستوى الطبقة القاعدية للبشرة وقد يظهر على شكل ” شامة ” 7 قطرها بحدود 6 ميلليمتر تتسّع بعدها تدريجياً ويغْمقُّ لونها. يُمكن لهذا السرطان أن ينتشر اعتباراً من شامات موجودة أصلاً في جلد صاحبها.
يتعرض لهذه الإصابات أكثر من غيرهم ذوو البشرة الفاتحة المُرقّطة بالبقع الحمراء ومن لديهم شامات عديدة (حبّات سوداء).
يظهر هذا السرطان عند الرجل على الجذع في حين يتموضع على أسفل الساقين عند المرأة، ويظهر عند المسنّين على الوجه.
يبدأ هذا السرطان عادة على هيئة تلوّنات سمراء غير منتظمة وغير مؤلمة لمدة أشهر بل سنين قبل أن يتطور إلى سرطان خبيث، ونادراً ما يصاب به من هم دون السادسة عشرة.
وتكون الاستشارة الطبية فورية في الحالات التالية:
1- إنْ تطور مظهر الشامة إلى غامقة أو أصبحت غير منتظمة.
2- إنْ أصبحت الشامة تثير الحكة وتدمى لمدة تزيد على الأسبوع.
3- إذا تغير لون الشامة بين الأحمر والأسود والأبيض خلال أسابيع أو أشهر.
4- قطر الشامة المصابة لا يقل عادة عن 6 ميلليمتر.
5- عندما تكبر الشامة في غضون أسابيع أو أشهر.
أسباب سرطان الجلد
لاشك أن التعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية هو السبب الرئيسي والمباشر في نشوء سرطان الجلد لا سيما عند ذوي البشرة البيضاء.
ومن المؤكد أن الأشعة B هي التي تثير التخريب في الحمض النووي DNA وتُعتبر العامل المسبب الأول لحدوث الإصابة.
إن التعرض للأشعة فوق البنفسجية B يحدّ من قدرة الجهاز المناعي على صدّ أو تثبيط تطور بعض السرطانات المبكّرة كالتي تحدث من جراء التعرض المتكرر للشمس منذ الطفولة.
وقد يقول بعض ممن أصيبوا بسرطان الجلد أنهم لم يعرضوا أنفسهم في حياتهم لأي حمّام شمسي أو أنهم لم يخرجوا للشمس أصلاً وهم على الأغلب من ذوي البشرة البيضاء الحساسة.
وتفسير ذلك شدة حساسية الجلد عندهم ولا شك أنهم كانوا قد تعرضوا مراراً في طفولتهم الأولى أو مراهقتهم لأشعة الشمس في رحلة أو نزهة.
كما أن الكثيرين ممن يزاولون أعمالاً في الهواء الطلق يتعرضون لذلك ولا يشعرون.
ومن المهم أن نعلم أن سرطان الجلد يبدأ مبكراً جداً ومن الحصافة الحد ما أمكن من التعرض لأشعة الشمس لكافة الأعمار.
إن العلاقة الوثيقة بين التعرض لأشعة الشمس وظهور سرطان الجلد توحي بأن 90% منها يمكن الوقاية منه في وقت مبكر.
الأشخاص الأكثر تعرضاً هم ذوي البشرة البيضاء.
ويعتبر بعض الباحثين أن التدخين يزيد من خطر نشوء السرطان الجلدي ولا توجد نتائج موثقة بهذا الخصوص حتى الآن.
وللوراثة أخيراً دور لا يمكن إغفاله.
في الوقت الذي تُعتبر فيه صرعة الاسمرار بالأشعة الاصطناعية إشعال لفتيل سرطان الجلد ولا بد من الانكفاء عنها.
الوقاية من سرطان الجلد
الوقاية من سرطان الجلد ممكنة جداً وحوالي 90% منها كما أسلفنا قابلة لذلك بتخفيض فترة التعرض للأشعة فوق البنفسجية.
وإليكم أفضل إجراءات الوقاية اللازمة بحسب الأولوية:
– في الصيف وفي المناخ الاستوائي وعلى المرتفعات وقف أي نشاط خارجي ما بين الساعة 11- 15 أي عندما تكون الشمس في السمت، حتى ولو كانت الأيام تبدو منعشة والسماء مغطاة بالغيوم أو السماء صافية بوجود الثلج أو سطوح عاكسة أخرى أو قرب سطوح الماء.
ولا بأس عند اللزوم من التمّرخ بالكريمات الشمسية ” الجيدة “.
– يُغطّى الجسم بالألبسة كلما كان ذلك ممكناً وتوضع القبعات كذلك وتُفضّل الألبسة غير الشفافة، الملابس القطنية الخفيفة توفر وقاية كاملة.
توجد في بعض البلدان ثياب خاصة تحمي من الأشعة فوق البنفسجية..
– عندما يكون المرء خارج البيت ما بين الساعة 11- 15 في المناطق الاستوائية أو على المرتفعات يجب أن يتعود على استعمال بعض الكريمات الشمسية باستشارة أخصائي لذلك لا سيما في السباحة.
هذه الاحتياطات هي برسم أولياء الأطفال على التحديد لأنّ بشرة الأطفال حساسة جداً وهم لا يعون عادة تلك المخاطر المتأتية عن تعرضهم للشمس وهم يلعبون ولا يتحملّون مسؤولية في ذلك.
إن توهّج وجوه الأطفال الوردي جرّاء التعرض لأشعة الشمس مطولاً ليس علامة من علامات الصحة وهيهات أن يكون كذلك..
تشخيص سرطان الجلد
يتم تشخيص سرطانات الجلد بعد فحص خزعة من جلد المريض مجهرياً لتحديد نوعها.
يعتمد التشخيص الفعال بالدرجة الأولى على هذا الفحص.
يستغرق وقت أخذ الخزعة عادة بين 10- 30 دقيقة تحت تخدير موضعي، ولا بد من إعلام الطبيب في حال التحسّس للمُخدِّر، ولا بد أيضاً من إطلاع الطبيب المعالج في حال تناولكم لبعض الأدوية مثل الستيروئيدات أو الأسبرين أو مضادات الالتهاب لأن مثل هذه المركبات قد يزيد من النزف أثناء أخذ الخزعة.
ويجب أن يعلم الطبيب كذلك إن كنتم تعرضتم لمشاكل قلبية في السابق ليتم إعطاؤكم بعض المضادات الحيوية أثناء أخذ الخزعة.
يمكن للجراحة أن تؤدي إلى شفاء معظم أنواع سرطانات الجلد ولكنها قد لا تفي بالغرض تماماً عند المسنيّن وبعض المصابين بالأمراض الذهنية ويُفضل الطبيب في هذه الحالات المعالجة بالأشعة السينيّة.
وهناك أيضاً طريقة للمعالجة بمادة كيميائية محسِّسة ضوئياً من مشتقات البورفيرين تمتصّها (بعد حقنها في المريض) الخلايا السرطانية بتأثير الضوء المرئي ويتم تخريبها.
في حين يُفضل معالجة معظم السرطانات الجلدية في مراحلها الأولى على البارد (بعد الفحص النسيجي المجهري) وهي طريقة سهلة وناجحة تستعمل بخاّخاً من الآزوت السائل المضغوط (لمرة أو عدة مرات) بفواصل من أسابيع عدة: هي بمثابة ” حرق ” بارد على الدرجة – 540 مئوية وهي طريقة تمتاز بسرعتها وبعدم ترك آثار جرح بعدها ولكنها لا تخترق بعمق الأماكن المصابة. ويُفضلّ اللجوء إلى المعالجة الجراحية إذا ما تمّ التأكد من ذلك.
العلاج الأولي لسرطان الجلد
إن معالجة سرطانات الجلد تكون بحسب نوعها ومكان تموضعها.
يقدر الأطباء أن معالجة الالتهابات الجلدية بصورة مبكرة يقلّص من مخاطر الإصابة بسرطان الجلد بنسبة 1- 2% لا سيما لدى الأشخاص المعرضين باستمرار لأشعة الشمس. وغالباً ما تستعمل المعالجة على البارد في هذه الحالة (بخّاخ آزوت مضغوط).
كما أن استعمال بعض الكريمات لقتل الخلايا ما قبل السرطانية مفيد أحياناً ولكنه يتسبّب في الوقت نفسه بقتل خلايا سليمة مما يسبّب إحمراراً وآلاماً في الموضع لعدة أسابيع. كما يمكن معالجة التهاب الجلد الخلوي القاعدي على البارد أيضاً إلاّ أن التجريف أو المعالجة الضوئية يبقى أنجعها.
أما التهاب الجلد الخلوي الشائك فيُعالج جراحياً على الأغلب باستثناء تموضعه في الأماكن التي يصعب الوصول إليها.
ومن النادر امتداد هذا النوع من السرطان إلى الرئتين أو العظم أو الدماغ. وإذا ما حدث ذلك فالجراحة بالاستئصال هي المعتمدة.
أما سرطان التهاب القتامين الخبيث فيُعالج (بعد الفحص المهجري) جراحياً بالتجريف تحت التخدير الموضعي وغالباً ما يؤدي ذلك إلى الشفاء النهائي.
إلاّ أن بعض الإصابات العميقة قد تنتكس لتمتد في أنسجة وأعضاء أخرى عن طريق الأوعية اللمفاوية أو الدورة الدموية.
ومن المطلوب بعد عملية كهذه مراجعة الطبيب المختص دورياً خلال خمس سنين على الأقل للتأكد من تمام الشفاء.
يُعدّ هذا النوع من السرطانات الجلدية أشدها عدائية ومميتاً في بعض الحالات وإن التشخيص المبكر أو المعالجة السريعة يحولان دون ذلك بالتأكيد.