لا تكون مدركا لضربات قلبك بشكل تام عادة، رغم التقلّص والارتخاء المستمرين لقلبك يوما بعد يوم؛ وتبقى ضربات قلبك – مثل الكثير من الأشياء – غير واضحة ولا ملحوظة ما دامت تعمل بشكل انسيابي ومتوقّع؛ وما لم تحاول اكتشاف ضربات قلبك بتحسّس النبض في معصمك، قد لا تدرك أبدا الحركة المستمرّة الحاصلة داخلك.
ويمكن أن تدرك عمل قلبك عندما تتغيّر الظروف السوية فقط؛ فإذا استلقيت على جانبك الأيسر في السرير، وجعلت أذنك على الوسادة، يمكن أن تلاحظ أنك تسمع أصوات ضربات قلبك المنتقلة عبر الوسادة من صدرك إلى أذنك؛ ويمكن أن يشعر بعض الناس الذين يلاحظون ذلك لأول مرة بالقلق، لكن كل ما تسمعه هو في الحقيقة ضربات قلبية طبيعية.
إن التكهن بضربات القلب هو معرفة متى يضرب القلب والتعوّد على ذلك؛ ورغم أنه يمكن التكهن بضربات القلب السوية، لكنها ليست بهذه الدقة تماما؛ فقد تتفاوت ضربات قلبك لسبب ما في سرعتها خلال التغيّرات الحاصلة في أثناء الأنشطة؛ حيث تتسارع خلال الجهد، لأن ذلك يمكّن القلب من ضخ المزيد من الدم إلى عضلاتك العاملة؛ وعندما تتوقف عن النشاط، يتراجع معدل الضربات القلبية ثانية إلى مستواه الطبيعي خلال الراحة؛ وإذا كان التمرين قاسيا، يمكن أن يتسارع قلبك إلى نحو 200 ضربة/الدقيقة.
تتفاوت سرعة القلب نوعا ما بشكل سوي، حتى ما بين ضربة وأخرى؛ وتكون سرعة القلب الواقعة بين 100-50 ضربة/الدقيقة خلال الراحة أمرا سويا، ويندر إدراك ضربات القلب عند هذه السرعة، ويدعى ذلك النظم القلبي الجيبـي السوي؛ وأما اضطرابات ضربات القلب التي تجعلها تخرج عن حدود السرعات السوية أو التي تتجاوز الدرجة المألوفة للتفاوت فقد تؤدي إلى مشاكل تتراوح ما بين البسيطة (من دون أعراض) إلى الشاذة جدّا والخطرة على الحياة. ويشكّل تقييم ضربات القلب الشاذة (يدعى اضطرابات النظم القلبي) ومعالجتها جزءا رئيسيا في ممارسة طب القلب.
يمكن النظر إلى جهاز التوصيل في قلبك على أنه مجموعة من الأسلاك الكهربائية التي تنقل الدفعات (الإشارات) الكهربائية عبر العضلة القلبية، وتنبّهه للتقلّص بطريقة منظّمة ومنتظمة؛ ويضمن ذلك قيام قلبك بعمله ومهمته في ضخ الدم بكفاءة. وتعدّ مشاكل الوظيفة القلبية الكهربائية مسؤولة عن حدوث اضطرابات النظم.
أعراض اضطرابات النظم
يعتمد تأثير اضطراب النظم فيك، من حيث الأعراض والصحة الإجمالية، على عدة عوامل؛ إذ يعتمد في البدء على كل نمط من أنماط اضطرابات النظم، فالأطباء يمكن أن يتعلّموا أحيانا تخمين نوع إضطراب النظم من خلال ملاحظة (أو سماع) ما يحدث لك. وهناك عامل آخر يقوم على مدى الشذوذ في اضطراب النظم، كثيرا أم قليلا؛ ومن المتوقّع أنه كلما ساء اضطراب النظم (سريع جدّا أو بطيء جدّا على سبيل المثال زادت شدة الأعراض التي تعاني منها).
وهناك أمر آخر لا بد من أخذه بالحسبان هو التواتر الذي يحدث به اضطراب النظم؛ فهل يحدث يوميا؟ فإذا كان كذلك، قد يؤدي إلى مشاكل هامة؛ أما إذا كان يظهر مرة في السنة (أو في العمر)، فقد يعدّ مشكلة بسيطة نسبيا؛ وفي الحقيقة، تكون بعض اضطرابات النظم خطيرة بحيث يعني حدوثها مرة واحدة أمرا فاجعا.
ومن العوامل الأخرى طول اضطراب النظم ومدته عندما يحدث؛ فبعض اضطرابات النظم تدوم بقدر ضربة واحدة فقط، رغم أنها قد تحدث ثانية بعد بضع ثوان أو دقائق أو ساعات؛ بينما تدوم اضطرابات النظم الأخرى ساعات أو أياما أو حتى مدى الحياة. وأخيرا، تعتمد نتائج اضطراب النظم على كونه المشكلة الوحيدة في القلب فقط أم لا، وعلى وجود مشاكل أخرى مثل اعتلال العضلة القلبية أو النوبة القلبية الحديثة؛ فاضطرابات النظم في حالة وجود مرض قلبي آخر تكون مقلقة أكثر مما لو حدثت في قلب سليم نوعا ما.
تشخيص اضطرابات النظم
يمكن أن نفكّر بتقييم وجود اضطراب في النظم عندما تحدث أعراض قد تكون ناجمة عن مثل هذا الاضطراب، أو عند اكتشاف شذوذ على مخطّط كهربائية القلب خلال فحص روتيني؛ وتشتمل الأعراض التي قد تدفع إلى البحث عن اضطراب النظم على الخفقان والتعب وضيق التنفّس وخفة الرأس (الدوخة) والغشي والموت القلبي المفاجئ (والإنعاش الناجح بالطبع)؛ وسندرس اضطرابات النظم النوعية التي قد تؤدي إلى ذلك في الفقرات اللاحقة.
ولمعالجة اضطراب النظم بكفاءة (أو لتحديد مدى الحاجة الفعلية إلى المعالجة) والسيطرة على الأعراض الناجمة عنه، يجب تحديد نمط هذا الاضطراب؛ ويبدي تخطيط كهربائية القلب المكوّن الكهربائي لضربات القلب بشكل واضح؛ وقد يبدو أنه من السهل الحصول على مخطط لكهربائية القلب ECG ووضع التشخيص والبدء بالمعالجة.
ولكن للأسف، هناك عقبات تقف أمام ما يبدو بسيطا؛ فمثل أصوات القعقعة التي تظهر تحت غطاء سيارتك والتي تزول عندما تذهب إلى محل الميكانيكي، تكون اضطرابات النظم والأعراض الناجمة عنها صعبة الاكتشاف كثيرا؛ وقد وضعت اختبارات معقّدة عديدة للتغلّب على هذه العقبة، لكنها ما تزال موجودة؛ فعندما يكتشف اضطراب النظم، تكون العقبات الأخرى هي معرفة ما إذا كان هو السبب في الأعراض وما إذا كان متقطّعا أو معاودا للظهور بشدة وكثيرا إلى درجة من الخطورة تستلزم المعالجة.
تصنيف اضطرابات النظم
تصنّف مشاكل جهاز التوصيل والنظم إلى أربعة أصناف عامة؛ ويتألف الصنف الأول من شذوذات يشاهدها الطبيب على مخطط كهربائية القلب، لكنها لا تؤدي بصفة مباشرة إلى اضطراب نظم، وبكلمة أخرى لا تلاحظ أية أنماط غير متوقّعة لضربات القلب عند تحري النبض، كما لا تشكو من أية أعراض؛ ويدعى هذا الصنف «شذوذات جهاز التوصيل». أما الصنف الثاني فهو بطء ضربات القلب (بطء القلب). ويمكن أن نطلق على الصنف الثالث اسم عدم انتظام ضربات القلب؛ بينما يشير الصنف الرابع إلى ضربات القلب السريعة (تسرّع القلب).
تتداخل بعض اضطرابات النظم النوعية في أصناف مختلفة؛ فمثلا، يكون الرجفان الأذيني سريعا وغير منتظم عادة؛ كما يتألّف ما يدعى بمتلازمة العقدة الجيبية المريضة Sick Sinus Syndrome من نظم بطيء وآخر سريع في أوقات مختلفة؛ وهكذا، لا تقع كافة اضطرابات النظم ضمن صنف واحد، ويؤكد ذلك مدى تعقيد هذا الموضع.
شذوذات جهاز التوصيل
تبلغ بونيه من العمر 78 سنة، وهي مستخدمة متقاعدة في شركة ائتمان، وقد كانت بصحة تامة طوال حياتها؛ ولكن أظهر فحص طبي عام لها وجود «حصر حزيمي Bundle Branch Block» على مخطط كهربائية القلب؛ وعدا عن نصحها بالفحص السريري الدوري المألوف، لم يطلب منها الطبيب مزيدا من الإجراءات.
في الظروف السوية، تنشأ الدفعة الكهربائية التي تؤدي إلى نبضان القلب في الحجرة الأذينية العلوية اليمنى، ثم تتحرّك عبر وسط قلبك إلى الحجرتين السفليتين عبر مسالك توصيل كهربائية خاصة؛ ويؤدي الانتشار السريع لهذه الإشارة الكهربائية إلى تفعيل الحجرتين السفليتين معا، والسماح لقلبك بضخ الدم بكفاءة إلى جسمك ورئتيك؛ ويدعى بطء أو انقطاع التوصيل عبر هذا المسلك بشذوذ جهاز التوصيل.
ليس من النادر أن تصبح أجزاء من جهاز التوصيل معيبة وغير قادرة على نقل الإشارة؛ وأحيانا، تبطؤ الإشارة عندما تسير نحو الجزء المعيب من الدارة، بحيث تتأخّر في وصولها إلى هدفها؛ وقد لا تعبر الإشارة في بعض الحالات ذلك الجزء من جهاز التوصيل على الإطلاق، أي أنها «تحصر»؛ ويمتدّ جهاز التوصيل مثل الفروع من جذع الشجرة؛ فإذا حدث الإحصار في فرع واحد فقط، تستعمل الدفعة الكهربائية فرعا آخر للوصول إلى هدفها.
عندما تتخذ الدفعة فرعا بديلا، لا تتأثّر سرعة القلب ونظم ضرباته، لكن المسلك الشاذ الذي تتخذه الدفعة الكهربائية يمكن أن يكتشفه الطبيب على مخطط كهربائية القلب؛ وهناك عدة نماذج تشير إلى موضع الإحصار؛ تشتمل الأسماء الطبية للنماذج الرئيسية على حصر حزيمي أيمن وحصر حزيمي أيسر، ويمكن تقسيم هذين النموذجين إلى أصناف أدنى.
وهناك نمط آخر من الإحصار لا يغيّر فعليا سرعة ضربات القلب، وهو يحدث في الموضع الذي تسير فيه الدفعة من الأذينين إلى البطينين (العقدة الأذينية البطينية)؛ فالدفعة تتباطأ عادة بشكل سوي في هذا الموضع لتنسيق ضربات الأذينين والبطينين؛ وقد يكون هذا التباطؤ زائدا، ولا تكشف هذه الحالة إلا بتخطيط كهربائية القلب، وتدعى «الإحصار الأذيني البطيني من الدرجة الأولى» (يمكن أن تتوقّع وجود درجات أخرى من الإحصار الأذيني البطيني، وأنت في ذلك على حق – ولكن هذه الأنواع تنتمي إلى أصناف أخرى مفسّرة في مواضعها).
إذا لم تؤد شذوذات التوصيل هذه إلى أعراض، هل تكون سببا للقلق؟ رغم أنها لا تحتاج إلى معالجة، يمكن أن تكون علامة خفية دالّة على مشاكل قلبية أخرى لم تكتشف بعد، أو تكون إنذارا مسبقا بمشاكل أكثر خطورة في النظم؛ فعلى سبيل المثال، وجد الباحثون أن المصابين بحصر حزيمي أيسر لديهم فرصة كبيرة نوعا ما لحدوث مشاكل مرتبطة بالشرايين الإكليلية، مثل النوبات القلبية، بالمقارنة مع غير المصابين بهذا الإحصار (الحصر). كما قد يكون الحصر الحزيمي الأيسر العلامة الأولى لمرض خفي في العضلة القلبية (مثل اعتلال العضلة القلبية التوسّعي)؛ لكن الحصر الحزيمي الأيمن أقل ميلا بكثير إلى الترافق مع الانسداد الإكليلي أو مرض العضلة القلبية.
هناك بضعة استثناءات من الطبيعة الحميدة لشذوذات التوصيل هذه؛ فإذا حدث الحصر الحزيمي الأيسر خلال نوبة قلبية، ينصح عادة باستعمال ناظمة مؤقتة، لأن الحصر الحزيمي الأيسر في هذه الحالة الهشة قد يشير إلى أنه قد يحدث نظم قلبي بطيء جدّا بشكل مفاجئ؛ كما أنه إذا لم يبد شخص يعاني من غشي متكرّر دليلا على أية مشكلة عدا اضطراب في جهاز التوصيل (حتى بعد التقييم الشامل)، يرى الكثير من الأطباء أن سبب الغشي قد يكون بطأ متقطّعا وشديدا في ضربات القلب؛ ولذلك قد يوصى بوضع ناظمة.