يقصد بالسلوك الاجتماعي اكتساب الفرد معايير وأساليب السلوك المقبول في مجتمعه الصغير والكبير، فضلا عن القدرة على تكوين علاقات متبادلة مع الآخرين قائمة على المودة والاحترام. ويتم هذا في ثنايا عملية التنشئة الاجتماعية. كما أن عملية التعلم لا تقتصر فقط على الجوانب العقلية المعرفية في الشخصية، وإنما تمتد إلى الجوانب الاجتماعية باعتبار الفرد منذ أن يولد كائنا اجتماعيا.
السلوك الاجتماعي عند الطفل
يتمثل السلوك الاجتماعي المقبول في قدرة الطالب على القيام بالمهارات أو الكفايات الاجتماعية التالية:
1. القدرة على تكوين علاقة إيجابية مع الزملاء والأقران والوالدين والمعلمين في المواقف الاجتماعية في المنزل والمدرسة والحي والنادي.
2. الإلمام بقواعد السلوك الاجتماعي المرعية في جماعة الأسرة والمدرسة والأقران، وهي قواعد قائمة على الأخذ والعطاء دون تجاوز أو خطأ أو عدوان.
3. الإتيان بسلوك توافقي قائم على تقبل الذات وتقبل الآخرين والتعاون معهم لتحقيق الهدف المشترك “توافق اجتماعي”.
4. اكتساب المهارات الاجتماعية الفعالة أو الإيجابية التي تتمثل في الكفاية في الاتصال بالآخرين، والتعاون البناء معهم، والتكاتف في تحقيق الهدف المنشود.
أسباب صعوبة اكتساب السلوك الاجتماعي
1. ضعف أو سوء الإدراك الاجتماعي: يقصد به صعوبة إدراك وتفسير المواقف الاجتماعية مع الأخوة والوالدين والأقارب داخل الأسرة، ومع الزملاء والأقران والمعلمين في الصف والمدرسة نتيجة عدم النضج الاجتماعي الذي يرجع إلى عدم استفادتهم من التنشئة الاجتماعية، أو سوء تقديمها، ولذا نجدهم يأتون بتصرفات غير ملائمة وغير مقبولة.
2. سوء التقدير والحكم: يقصد به الافتقار إلى القدرة على الحكم على ما يجري في المواقف الاجتماعية بسبب قصور المعلومات الشخصية عن تلك المواقف من حيث ابعادها، والعلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفراد في إطارها، والأهداف التي ترنو إلى تحقيقها. ومن ثم نجدهم يفشلون في الحكم عليها والإلمام بمضمون الأمر الذي يؤدي بهم إلى سلوكيات خارجة عن أهداف الجماعة.
3. صعوبة استقبال مشاعر الآخرين: يقصد به صعوبة إدراك مشاعر الآخرين داخل الجماعة المدرسية أو الأسرية، وعدم تقدير الحالة النفسية للآخرين، أو عدم الإلمام بالمناخ الاجتماعي السائد. ولذلك نجد تصرفاتهم تلاقي رفضا من الأقران والآباء والمعلمين.
4. صعوبة تكوين الصداقات: حيث ينزعون إلى الوحدة، ويميلون إلى العزلة، ويفضلون قضاء أوقات فراغهم أو أداء مهامهم أو ممارسة هواياتهم بمفردهم بسبب الفشل في تكوين الصداقات.
5. مشكلات وصعوبات في إقامة العلاقات الأسرية: سواء مع الأخوة أم الوالدين أو الأقارب، بسبب سوء إدراكهم للمواقف الاجتماعية وعدم حساسيتهم لها والافتقار إلى الحكم السليم عليها.
6. الصعوبات الاجتماعية في المواقف المدرسية: تتمثل فيما يلي:
• مقاطعة الآخرين “زملاء ومعلمين” في مواقف الدراسة والنشاط.
• عدم مشاركة الآخرين في المواقف التي تتطلب مشاركة فعالة.
• عدم الالتزام بالدور الاجتماعي المكلف به، وتجاوز مقتضياته وواجباته.
• تخطي الآخرين وتجاوزهم دون مراعاة لحقوقهم.
• عدم تقبل التعليمات والالتزام بها.
السلوكيات التي تؤدي إلى صعوبة اجتماعية
أولا. في الجانب الفعلي المعرفي:
انخفاض المستوى التحصيلي للطالب، وفشله في أداء المهام الدراسية المكلف بها. مما يؤدي به إلى تكوين مفهوم ذات دراسي سالب يصيبه بنوع من العجز.
ثانيا. في الجانب الدافعي الانفعالي
ضعف دوافع التعليم والتحصيل بسبب خبرات الفشل المتكررة في الدراسة، والافتقار إلى الدوافع الاجتماعية بسبب الرفض الاجتماعي من جانب الأقران والمعلمين والوالدين لفشلهم، وبسبب الميل للعزلة الراجعة إلى تكوين مفهوم ذات سالب. ثم نجدهم يفشلون في الحكم عليها والإلمام بمضمون الأمر الذي يؤدي بهم إلى سلوكيات خارجة عن أهداف الجماعة.
ثالثا. في الجانب الاجتماعي
نجد جملة من الأعراض غير السوية، وتتمثل في:
• ضعف المهارات الاجتماعية: يقصد به الفشل في تكوين علاقات مع الآخرين بكفاءة ودون توتر لتحقيق هدف مشترك.
• ضعف التوافق الشخصي والاجتماعي: أي عدم تقبل الذات بسبب خبرات الفشل، وعدم تقبل الآخرين للفرد وتقبله لهم بسبب نشوء المشكلات الناتجة عن عدم الحساسية الاجتماعية وسوء الإدراك الاجتماعي.
• السلوك العدواني والتخريبي أو الإتلافي: يقصد بالسلوك العدواني إلحاق الأذى أو الضرر بالآخرين. ويشمل العدوان المادي واللفظي والسلبي.
• السلوك الانسحابي أو الانطوائي: يتمثل في عدم الميل إلى الاشتراك في الأنشطة المدرسية سواء كانت مرتبطة بالمواد أو المقررات الدراسية أم غير مرتبطة بها. وقد يرجع هذا إلى عدم الشعور بالكفاءة الذاتية أو عدم القدرة على تكوين صداقات وعلاقات سوية مع الآخرين.
• السلوك الاتكالي والاعتماد على الآخرين: إذ تؤدي خبرات الفشل في الدراسة والمجالات الاجتماعية إلى الإحساس بالنقص، فضلا عن استجابات سوء التقدير والتوبيخ من جانب الكبار، والاستهزاء من جانب الأقران يؤدي إلى تعميق مثل هذا الإحساس. ولكي يحقق الطفل الذي يعاني من صعوبة اجتماعية أهدافه ينزع إلى طلب العون من الآخرين باستمرار، مما يعوق نمو الشخصية.
عوامل صعوبات اكتساب السلوك الاجتماعي
أولا. العوامل الفردية
تتمثل في الاضطرابات التي تصيب الجهاز العصبي المركزي الذي يتحكم في وظائف الإحساس والحركة وما يقترن بهما من نشاط عقلي معرفي وانفعالي وحركي واجتماعي، بالإضافة إلى العوامل الوراثية التي تؤثر في وظائف الجسم، خاصة نشاط الغدد الصم.
ثانيا. العوامل البيئية وتشمل:
أ. أساليب التنشئة غير الملائمة والاتجاهات الوالدية غير السوية والمناخ الأسري غير الصحي، ربما بسبب كبر حجم الأسرة، وقلة نصيب الطفل من الدخل والاهتمام، أو تفككها وسوء التوجيه، أو انخفاض مستواها الاجتماعي والاقتصادي الثقافي.
ب. المشكلات الناتجة عن الفشل الدراسي الذي يضعف مركز الطالب، فينزع إلى السلوك الاجتماعي غير السوي.
ج. سوء التوافق الشخصي والاجتماعي. ويشمل المستويات الاجتماعية المتدنية والمهارات الاجتماعية التي لا تتمتع بالكفاءة، وعدم التحرر من الميول المضادة والمجتمع، وسوء العلاقات واضطرابها سواء في الأسرة أم المدرسة أم البيئة المحلية.
البرنامج الإرشادي لعلاج صعوبة اكتساب السلوك الاجتماعي
يشمل مجموعة من المهارات التي تم تطبيقها، وأثبتت نجاحا في هذا المجال. وهي:
1. التدريب على التقليل التدريجي من الحساسية تجاه الآخرين والمواقف التي تثير القلق.
2. لعب الأدوار: تدريب الأطفال من خلال ألعابهم المختلفة على لعب الأدوار المتعددة لشخصيات الأخوة والأخوات والأقران من أصدقاء وأقارب.
3. الحديث الإيجابي عن الذات. ويتضمن عدة خطوات، أهمها: التوقف عن استخدام التعليقات السلبية المثيرة للإحباط والانسحاب. واستخدام عبارات إيجابية في الحديث مع الذات.
4. التقويم: صحيح أن الانطوائي لا يحب العلاقات الاجتماعية، لكن إذا ما أتيحت له فرصة التعبير عن الذات الداخلية وتقويم الأفكار والمشاعر وإظهارها باستطاعته بناء أقوى العلاقات الاجتماعية، ويجد نفسه أنه قادر على إحداث التغيير و التفاعل الاجتماعي.
5. التكيف الاجتماعي والنمو عند الأطفال عملية طبيعية. وهي محاولة مستمرة لتحقيق الملائمة للذات مع الآخرين. والطفل يتقبل مهمة الملائمة، وينجح فيها. ويترتب على كل خطوة أن تتم بنجاح بزيادة ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على مواجهة الحياة، مثل تعليم الطفل الذهاب إلى المدرسة الجديدة، والتعامل مع مجموعة جديدة من الأصدقاء. فهو لا يخشى مواجهة المشكلات الجديدة وطبيعي أن جميع الأطفال يمرون بخبرات الفشل بين وقت وآخر. ولكن تحقيق التوافق النفسي يشعر الطفل بالأمن والأمان والانتماء والكفاءة والتقدير فإن وسائله الدفاعية ستكون أقوى على مواجهة المواقف والعلاقات الجديدة.
التكيف مع محيط الطفل
المعنى العميق للتكيف أنه عملية سلوكية معقدة تستدعي من صاحبها حصول تغيرات بهدف تحقيق التوازن. وهذه التغيرات لها ثلاث جهات أساسية:
أ. البيئة الطبيعية: تشمل كل العوامل الموجودة في الطبيعة، مثل الحرارة والخصوبة والمياه والمناخ والتضاريس الجغرافية.
ب. البيئة الاجتماعية: تشمل أولئك الذين يعيشون معا في جماعة، ويحملون العادات والتقاليد والأنظمة الاجتماعية السائدة والثقافة نفسها. وتضم جماعة الرفاق والمدرسة والأقارب…
ج. المحيط الداخلي للفرد نفسه: فالسلوك مظهر خارجي يعبر عن الحاجات والقيم والخبرات والأفكار والمشاعر. وهي جميعها تؤلف ما يسمى بالمحيط النفسي الداخلي للفرد.
إن هذه الجهات الثلاث تتفاعل في تكوين المحيط العام للفرد. وإن التكيف الناجح مصدر ارتياح واطمئنان لصاحبة ومجتمعه.
تأليف: أنس شكشك