التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

صفات الأسرة المترابطة | الترابط الأسري

كانت عضلات فخذي اليسرى قد بدأت تؤلمني. كان الألم ينبعث من ركبتي عند وصولي لعلامة الخمسة عشر ميلاً. كنت أجري منذ ساعتين كاملتين، وكان ما جعلني أواصل حتى تلك المرحلة هو حماسي لهذا العدو لكونه أول سباق ماراثون بالنسبة لي. ولكن الآن، بدأت الشكوك الناتجة عن تلك العضلة العجوز الضعيفة في التسلل إلى عقلي مع تخطي الكثير من العدائين لي. وبدأت أتساءل ما إذا كان بإمكاني الاستمرار حتى خط النهاية.

بدت وجوه الجماهير المصطفين على جانبي طريق سكوتسدال مشوشة وغير واضحة. وكان وعيي لصيحات التشجيع الصادرة من المشاهدين ضبابياً غائماً. ثم سمعت الكلمات: “انطلق يا أبي!” وسط الضجيج. فقد كانت أسرتي بالكامل -نورما، كاري، جريج، ومايكل-يصرخون ويلوّحون لي. وبمجرد مروري بهم، انضموا إليّ بتناغم، وملأني حماسهم بدفعة جديدة من الطاقة. ركضت نورما ومعها كاري خطوات قليلة، ثم قالا لي إنهما ستقابلاني عند خط النهاية، وأراد مايكل وجريج أن يستمرا في مرافقتي.

تلاشى الألم الذي كنت أشعر به في ساقي عند استمتاعي بتلك اللحظة المميزة مع أولادي. كنت منهكاً لدرجة أنني لم أستطع قول أي شيء أثناء جرينا، ولكن رفقتهم جعلتني أشعر بأنني على ما يرام. وبعد ثلاثة أميال أخرى، كان من الواضح أن مايك -الذي كان لا يزال في التاسعة من عمره فقط- متعب للغاية ولا يستطيع الاستمرار في العدو. فتركته عند زاوية وأخبرته أن ينتظر والدته لتأخذه.

وبعد مرور ساعتين تقريباً، أنهيت السباق مع جريج الذي لم يكن يبعد عني كثيراً. استلمت القميص الخاص بي والشهادة وتقبلت التهاني والأحضان من نورما وكاري وأنا أشعر بالسعادة لإنجازي. استغرق مني الأمر دقائق قليلة لألاحظ أن وجوههم ممتلئة بالقلق. فقلت لهم: “أشعر أنني بخير”، ولكن لم تكن تلك هي المشكلة.

أخذتني نورما من ذراعي بعيداً عن طفلينا وقالت: “لقد فقدنا مايكل. إنه مفقود منذ أكثر من ساعتين”.

بدأت التفكير في آلاف الأشخاص الذين كانوا مصطفين في الشوارع، وفي الحال أصابني القلق على طفلنا الأشقر ذي العينين الزرقاوين. كما تذكرت قصص الصحف عن خاطف للأطفال ومتحرش بهم في المنطقة وبدأتُ أتساءل ما إذا كان مايكل هو الضحية التالية.

اتجهنا إلى أقرب سيارة شرطة وملأنا تقريراً عن شخص مفقود. وبمجرد أن انتهيت من الوصف، طلب مني جريج أن يتحدث معي بمفردنا. نظر جريج إلى عيني وقال برفق شديد: “أبي، إن لم نجد مايكل، هل يمكنني أن آخذ حجرته؟”.

لقد كان جريج يمتلك دوماً القدرة على تهدئتنا في المواقف العصيبة. إلا أنني كنت سعيداً لأن نورما لم تسمع هذا التعليق، لأنها على الأرجح ما كانت لتتلقاه بمرح. ولكن هذا التعليق جعلني أسترخي. وبعد دقائق قليلة وجدنا مايكل ، حيث كان مع بعض العدائين المتأخرين الذين ينهون السباق.

في ذلك المساء، ضحكنا جميعاً على الحدث بأكمله، وأدركت أن هذا كان مثالاً آخر على سر أسرتنا المترابطة. وهذا السر هو عامل شائع لدى كل الأسر المترابطة التي رأيتها.

أشرف د. نيك ستينيت من جامعة نبراسكا على دراسة للعديد من الأسر المترابطة على مستوى الولايات المتحدة، وهي أسر كانت تحظى بقدر هائل من السعادة والرضا بين الآباء والأبناء. ولغرض الدراسة، ركز د. نيك فقط على الأسر المكونة من الزوج، والزوجة، وطفل واحد على الأقل يعيشون في منزل واحد. ومع ذلك، ينطبق سر الأسرة المترابطة أيضاً على الأسر ذات الوالد الواحد أو أي مجموعة صغيرة أخرى.

ست صفات للأسرة المترابطة

اكتشف د. ستينيت أن هناك ست صفات ثابتة لدى تلك الأسر.

أولاً، يعبر أفراد الأسرة عن قدر كبير من التقدير لبعضهم البعض. حتى أن العديد من الأسر قامت بعمل مشروعات بالمنزل لتشجيع الثناء. فعلى سبيل المثال، كان لدى أسرة مكونة من خمسة أفراد حدث خاص أطلق عليه د. ستينيت اسم “وابل الثناء”. فكل بضعة أشهر، كان أفراد الأسرة يتقابلون ويقضي كل منهم دقيقة في مدح الآخرين والثناء عليهم. أحياناً تكون تلك الجلسات مسببة للحرج، ولكن من المؤكد أنها كانت محفزة وملهمة إلى حد كبير.

ثانياً، قضت تلك الأسر الكثير من الوقت معاً. واستمتعت تلك الأسر بشكل صادق بتواجدهم معاً. وكانوا يعملون معاً على إنجاز الأشياء التي يشارك فيها جميع أفراد الأسرة.

أما الصفة الثالثة فهي أن تلك الأسر الناجحة كان لديها أنماط جيدة للتواصل. فقد كانوا يقضون الوقت في التحدث مع بعضهم البعض. وطبقاً لرأي د. ستينيت، فإن أساس التواصل الجيد هو أن أعضاء تلك الأسر كانوا ينصتون لبعضهم البعض، ويعملون على فهم بعضهم البعض.

رابعاً، كان لدى تلك الأسر إحساس قوي بالالتزام. فقد دعموا بقوة سعادة بعضهم البعض. ومن الأمثلة على هذا كيفية تعاملهم مع بعضهم عندما كان إيقاع الحياة يصبح محموماً ويصبح الوقت الذي يقضوه معاً ضيقاً. في إحدى الأسر، قام كل فرد بوضع قائمة بأنشطته الخاصة. والأشياء التي لم يرغب هذا الفرد في عملها حقاً أو التي لم تكن ذات أهمية بالغة كان يتم شطبها من القائمة لقضاء مزيد من الوقت مع الأسرة.

والعامل الخامس الشائع كان يتمثل في درجة التوجه الديني العالية. فقد شاركت تلك الأسر في الأنشطة الدينية معاً. كما كانوا ملتزمين بنمط حياة روحاني.

أما الصفة الأخيرة فهي امتلاك القدرة على التعامل مع الأزمات بطريقة إيجابية. وهذا لا يعني أنهم يستمتعون بالأزمات، ولكن حتى في أحلك المواقف، كانوا قادرين على إيجاد عنصر إيجابي -أياً كانت ضآلته- والتركيز عليه.

سر تأسيس الأسر المترابطة الحميمة:

1. قضاء الوقت معاً: مشاركة الخبرات الحياتية معاً.

منذ سنوات عديدة مضت، كنت أتحدث إلى مجموعات من أربعمائة حتى ألفي شخص في خمسين مدينة سنوياً. وقد بدأت ألاحظ أن بعض الأسر من بين المستمعين كانوا يستمتعون بتفاعل سعيد بصورة استثنائية بين بعضهم البعض. أثار هذا اهتمامي، وبدأت في إجراء دراسة عنه. كنت أقابل كل من الزوج، والزوجة، والأطفال كل منهم على حدة، وأسألهم نفس السؤال: ما الذي تعتقد أنه السبب الرئيسي في ترابطكم وسعادتكم كأسرة؟

أدهشني ما اكتشفته. فكل فرد من أفراد الأسرة أعطاني نفس مضمون الإجابة: “نحن نفعل الكثير من الأشياء معاً”.

واكتشفت أيضاً أن تلك الأسر كان لديها نشاط معين مشترك؛ وهو المعسكرات. وقد كرر رجل دين في جنوب داكوتا نفس الفكرة. أخبرني أنه عندما سأل كل طفل من أطفاله على حدة عن أفضل شيء فعلوه معاً كأسرة كانت إجابتهم جميعاً هي “معسكرات التخييم”. إنني لا أدافع عن معسكرات التخييم تحديداً. لقد أقامت أسرتنا معسكرات التخييم لما يزيد عن خمسة عشر عام ووجدنا أن التخييم ليس هو السر بذاته! ولكنني أعتقد أنه يمكن إيجاد سر الأسرة المترابطة أثناء معسكرات التخييم.

أحد أسباب ترابط أسرتنا بتلك الدرجة هو أننا نزيد من وقت تواجدنا معاً، ونقلل من الوقت الذي يقضيه كل منا بمفرده. وهذا لا يعني أنه ليس بإمكاننا أن يكون كل منا بمفرده. فأنا أعمل كل يوم، وزوجتي تدير مكتبنا، وأطفالنا يواصلون دراستهم أو اهتماماتهم الوظيفية. وتستمتع زوجتي بالسباحة والذهاب إلى صالة الجمنازيوم بمفردها. وأستمتع بقراءة الكتب أو مشاهدة برامج التليفزيون بمفردي، كما أحب الجري بمفردي. كل واحد منا يذهب في طريقه الخاص كل يوم تقريباً.

ولكننا في الغالب نحاول أن ندرب أنفسنا كأسرة على تنظيم أوقات نجتمع بها جميعاً معاً. فعلى سبيل المثال، يكون مساء كل جمعة هو مساء الأسرة عندما يكون الأطفال بالمنزل. كما أننا نمارس أنشطتنا الدينية معاً، ونزور الأصدقاء معاً. كما نقضي الصيف كاملاً معاً؛ حيث تسافر أسرتي معي إلى الكثير من المؤتمرات التي ألقي محاضرات بها، ونخطط لقضاء إجازات متميزة. ونقضي أسبوعين معاً في كل موسم من مواسم الأعياد، ونقضي إجازات نهاية الأسبوع في العديد من الأنشطة المتميزة على مدار العام. وبسبب مهنتي، فإنني قادر على مرافقة أسرتي لفترات طويلة وممتدة من الوقت، ولكن الأيام التي تقضى بالخارج توفر نفس فرص التقارب بين أفراد الأسرة. يتطلب الأمر القليل من الإبداع لإيجاد أشياء ممتعة تستمتع بها الأسرة بأكملها. ولكن هذا شيء ممكن جداً!

ينطبق هذا المبدأ أيضاً على الأزواج والزوجات الذين لم يرزقوا بالأطفال. فالزواج المترابط ينتج عن زوجين يتشاركان العديد من الخبرات. ذات صيف، طلبت مني نورما أن أصحبها إلى حديقة الحيوانات. قبلت اقتراحها بحماس واستعرت سيارة من المعسكر الذي كنت أتحدث به. وعندما وصلنا للحديقة، أعطونا دليلاً يتحدث عن الحيوانات ويشرح أنه في حالة حدوث أي شيء للسيارة، يجب علينا أن نطلق نفير التنبيه بحيث يحضر أحد الحراس لإنقاذنا.

وفي منتصف الطريق تقريباً في الحديقة، ارتفعت حرارة سيارتنا المكشوفة بدرجة مفرطة، فتنحينا على جانب الطريق وأطلقت نفير التنبيه. لم يحضر أي حارس لإنقاذنا، ولكن تجول عدد كبير من الحمير الوحشية حولنا وحاولوا قضم غطاء السيارة القابل للطي. لذا، ضغطت النفير مرة أخرى ورأيت في مرأة الرؤية الخلفية قطيع من الجاموس يقترب منا. وفي لحظات، أحاط بنا. أرادت نورما أن أضغط النفير مرة أخرى، ولكنني خشيت أن أفزع الحيوانات فتفر جميعاً وتحطم السيارة. انحنت واحدة من الجاموس بجانب السيارة من ناحيتي ودفعت رأسها نحو النافذة. كانت فتحتي أنفها تخرجان البخار على النافذة، في حين بحثت عيناها الكبيرتان البنيتي اللون عما إذا كان لدينا شيء لتأكله. أمسكت أنا ونورما بأيدي بعضنا البعض، محاولين تهدئة بعضنا. لم أستطع النظر ناحية النافذة، ولكني كنت أسأل نورما باستمرار: “هل ذهبَت؟” فتقول نورما: “لا. هلا أطلقت نفير السيارة من فضلك؟”.

“لا أستطيع. فقط استمعي لها وهي تتنفس”.

“إنه ليس نفَسها. إنني أنا من يتنفس!”.

وبالتدريج، فقدت الجاموسة اهتمامها بنا وتحركت بعيداً. وبعد خمسة وأربعين دقيقة من الوقوف على جانب الطريق، استطعنا قيادة السيارة والتحرك في باقي أنحاء الحديقة. مثل تلك الخبرات هي ما نشترك بها كزوجين أو كأسرة وتمدنا بالذكريات الرائعة. فالخبرات المشتركة تقرب الناس من بعضهم البعض.

يخبرني بعض الرياضيين المحترفين أن أصعب ما في التقاعد هو افتقاد الألفة والود التي يشعرون بها مع الفريق. ويُبنى هذا الرباط الفريد خلال التدريب الجاد والمنافسة معاً عبر الشهور والسنين. وهذا الترابط يجب أن يكون جزءاً من كل أسرة.

ذات صيف، ذهبت أنا وأولادي للصيد في واشنطن. وقد وجدنا شلالاً مذهلاً هناك يصب في بركة رائعة. وبما أنني مارست الصيد منذ أن كنت في الصف الثالث، فقد كنت أعرف بالضبط كيف أمسك بسمك السلمون المرقط في هذه المياه. ولم يكن مايكل وجريج ذوا خبرة، ولكنهما أصرا على إعداد صنارة الصيد الخاصة بهما. فعل جريج كل شيء بصورة خاطئة، فقد كان خيط صنارته أطول مما ينبغي. وكان خطاف صنارته أطول مما ينبغي، ولم يكن الطُعم يغطيه. كان كل شيء لدي مهيئاً؛ حيث كانت صنارة الصيد تزن رطلين، وطول الخيط أربعة أقدام والخطاف صغير. وعلى الرغم من صعوبة ذلك، تركت الولدين وتقدمتُ ببطء أسفل الشلال بدلاً من البقاء عند الجزء الأمامي من بركة المياه، حيث لم تكن هناك احتمالية لصيد سمكة واحدة.

ألقيت خيط صنارتي محاولاً أن أكون ساكناً تماماً، وعندئذ سمعت صرخة جريج. لقد اصطاد جريج واحدة من سمك السلمون ذو الجوانب الفضية بلغ طولها خمس وعشرين إلى ثلاثين بوصة. أما أنا -الصياد “الخبير” في العائلة- لم امسك سوى بسمكة سلمون واحدة طوال حياتي. لقد حقق جريج المستحيل بصنارته المجهزة بشكل غير صحيح.

حاولت أن أتسلق للوصول إلى جريج كي أساعده على سحب صيده، ولكن كانت الصخور زلقة للغاية فحاولت أن أرشده. كان جريج يصرخ ويسحب صنارته بسرعة بالغة. وحاولت أن أقول له أن يهدأ، ولكنه كان في قمة الاثارة لدرجة منعته من أن يستمع إليّ. وعندما وصلت السمكة إلى الحافة، وكان جريج مستعداً للإمساك بها في الشبكة، انفصل الخطاف عن الخيط لأنه لم يربطه بشكل جيد. وقفزت السمكة إلى الماء مرة أخرى وفرّت. فرمي جريج صنارته أعلى التل، وسقط على الأرض، وبدأ في النحيب بطريقة هستيرية.

انفطر قلبي من أجله، فقد كان لكل منا رؤيته الخاصة في الإمساك بهذا الصيد. وخلال السنوات التالية لتلك التجربة، لم يمسك جريج بسمكة مثلها مطلقاً. وما زلنا نتذكر تلك التجربة ونحزن عليها، على الرغم أنه بإمكاننا الآن أن نرى الجانب المرح منها أيضاً.

ووقع حدث آخر قرّب أفراد أسرتنا من بعضهم في جبال الحديقة الوطنية بكاليفورنيا. لقد صنع الجدول الصغير الذي يجري على منطقة كبيرة من الجرانيت بطول مجمعين سكنيين منزلقاً مائياً طبيعياً عملاقاً. وفي النهاية، يصب في بركتين من المياه. وعلى الفور حاولت أنا والأولاد تجربة هذا المنزلق.

بعد أن قام كل منا بالعديد من المنعطفات، سأل جريج ما إذا كان بإمكانه أن ينزلق عند أحد المنعطفات إلى بركة أصغر من المياه. فنظرت إلى المنحدر والزاوية وقلت له: “بالتأكيد، يمكنك هذا”، فذهب وانطلق بسرعة أكبر مما توقعنا. لقد طار من على حافة المنحدر الصخري المرتفع ستة أقدام، ولكن من المكان الذي كانت تجلس به نورما، كان يبدو وكأنه سقط من قمة جبل. سقط في وادٍ ضيق، وارتطم بحافة الجرانيت، وتدحرج عشرين أو ثلاثين قدماً في بركة كبيرة من المياه. وعندما ارتطم بالمياه، لم يكن يحرك ساكناً.

وقفت أنا ومايكل متجمدين من الخوف، وصرخت كاري ونورما أنني قد تسببت في مقتل جريج. وفي النهاية، اندفعت إليه بالأسفل وسمعت تمتمته بأنه يشعر أن ظهره قد كُسر. كنت مندهشاً لكونه حياً. وبعد حوالي عشرين دقيقة، كان يستطيع الوقوف والمشي ببطء إلى أعلى الجبل. وفي غضون ساعة، أصبح على ما يرام.

لقد فعلت تلك التجربة شيئاً ما بنا كأسرة. أولاً، لقد كنا معاً. فالتواجد معاً هو أساس الخبرات المشتركة التي تصبح ذكريات غالية. ثانياً، مواجهة الصعاب تصنع أسرة أكثر ترابطاً. لقد جعلتنا هذه الخبرة على وجه التحديد نقدّر تواجدنا معاً، حيث أننا كنا مجبرين على التفكير في فكرة الحياة دون جريج. فذكريات التواجد معاً في الإجازات عندما تسير الأمور على غير ما يرام أو عند مشاركتنا للمغامرات هي ما يربط أفراد الأسرة معاً. وأثناء متابعتك للقراءة، سترى بوضوح أكبر كيف تصبح الأسرة مترابطة عندما تتعلم التعامل مع المواقف الصعبة.

2. التعامل مع المصاعب بطريقة إيجابية

عندما نخرج للتخييم، عادةً ما نتوقع حدوث أمور مزعجة، كهطول المطر، أو هجوم الباعوض، أو نفاد الوقود، أو فقد أحد الإطارات، أو فقد الشيكات السياحية، أو نسيان المكون الرئيسي لوجبة ما. وعندما تتشارك العائلات فيما بينها في تلك المشكلات، من الممكن أن يؤدي هذا لتقاربها وترابطها ببعضها البعض.

لقد قضينا قدراً هائلاً من الوقت معاً كأسرة، وليست كل أوقاتنا صعبة. فهنالك العديد من المرات التي يحدث بها كل شيء بسلاسة. ولكن عندما يحدث شيء ما -شيء بفعل قوى خارجية خارجة عن نطاق سيطرتنا- يمكننا إدراكه و تقبله كعنصر أساسي من شأنه أن يقربنا من بعضنا البعض.

التعامل مع مثل هذه الأزمات عادةً لا يقربنا من بعضنا البعض على الفور. فغالباً ما يكون هنالك الكثير من الضغط. فيمكن أن نشعر بالاهتياج والغضب والحنق على بعضنا البعض بسهولة. والنقطة المهمة التي ينبغي تذكرها أنه إذا كان الصراع نابعاً من داخل الأسرة؛ إذا ما أصبحت قاسياً وصرخت في وجه أبنائي أو زوجتي أو صرخوا هم بوجهي، فمن الممكن لذلك أن يفرقنا. إن قدراً معيناً من الغضب أو الضغط أمر طبيعي في الصراعات أو المصائب. ولكن أفراد الأسرة يحتاجون لإدراك ذلك وعليهم ألا يقوموا بإغلاق أرواح بعضهم البعض. وإذا كان الصراع نابعاً من خارج الأسرة ولم نقم بالإساءة إلى بعضنا البعض، فإننا ندرك ببساطة أنه في غضون عدة أيام أو أسابيع قليلة سنتذكر تلك التجربة وندرك، ضاحكين عادة، كيف أنها قربتنا من بعضنا البعض.

لقد مررنا بتجربة قربتنا من بعضنا البعض بصورة مذهلة ذات صيف في معسكر بجنوب ويسكونسن حيث كنت أدرِّس هناك. ساهم كل من كاري وجريج في قسم رعاية الأطفال كمعلمين للأبناء الصغار للآباء الذين حضروا المؤتمر. وبعد مرور اليوم الأول قالت لي كاري: “إنني لا أحتمل هذا المعسكر. أريد أن أمكث معك أنت ووالدتي في الحجرة”. استسلمت أنا و نورما وقلنا إنه بإمكانها التواجد معنا غير مدركين أن مكوث الأطفال معنا في الوحدة المخصصة لنا ضد قوانين المعسكر.

علمت مديرة قسم المعسكر الذي كانت كاري وجريج يعملان فيه بتلك المشكلة وتحدثت إلى كاري لبضع ساعات. وأخيراً طلبت من كاري أن تمنح نفسها فرصة لترى إن كانت الظروف ستتغير بحيث يصبح المعسكر ذا قيمة بالنسبة لها. ووافقت كاري على ذلك بتردد.

وفي اليوم التالي مباشرة، تغيرت التجربة بأسرها بالنسبة لها. حيث قابلت أحد أذكي الرفاق في المعسكر وأصبحا صديقين حميمين خلال ذلك الأسبوع. وقامت كذلك بتكوين صداقات حميمة مع العديد من البنات واكتسبت خبرة عظيمة بتعليمها للأطفال الصغار. لقد تعلمت درساً قيماً: وهو أن الظروف يمكن أن تتغير حتى في أكثر المواقف صعوبة.

مازالت تجربة المعسكر هذه ترسم الضحكة على وجوهنا وتصيبنا بالدهشة من التغير التام في حالة كاري و توجهها الذهني. لقد أصبحت تدخر المال للذهاب مرة أخرى إلى نفس المعسكر الذي أرادت أن تغادره.

وبعد فهم الحميمية التي يمكن أن تجلبها مشاركة الصعاب، يكاد يكون من المحبط أن تسير كل الأمور على ما يرام. فإذا وقع خطأ ما، فإننا ندرك أنه من الممكن أن يكون مثيراً إلى جانب ما يسببه من توتر وإحباط. ونعلم أن الفائدة ستظهر بعد مرور بضع أيام أو أسابيع.

هذا الجزء الثاني من سر الترابط الأسري يشبه إلى حد ما تجربة الخنادق. حيث يميل كل الناس الذين يواجهون العدو ذاته أن يكونوا مترابطين على مدار السنوات المتبقية من حياتهم. كيف يحدث هذا؟ تربطنا الذكريات السعيدة والحزينة ببعضنا البعض، حيث تكون مادة غنية للحوار. تخيل أنك عالق في أحد المصاعد لمدة يومين مع خمسة أشخاص آخرين. سيمر كل منكم بنفس الجوع، والعطش، والخوف، والظروف السيئة، والشك، وما إلى ذلك. وإذا جمعتكم الحياة مرة أخرى بعد مرور عدة سنوات، فإنكم ستضحكون وتتبادلون الحديث عن تلك التجربة الفريدة: “هل تذكر ما حدث في اليوم الثاني؟”، ” بالطبع! لقد كان أمراً مريعاً”. فكلما كانت تجاربنا صعبة، وخطيرة، ومحفوفة بالمخاطر، زدادت درجة ارتباطنا بأولئك الذين شاركونا تلك التجارب.

من المهم جداً أن نكون معاً مرات عديدة على مدار السنة كأسر، لذا دعونا نناقش بعض الطرق العملية والمهمة للتواجد معاً فعلياً.

ثلاث طرق عملية لمشاركة الحياة معاً

1. ترتيب أوقات منتظمة للتواجد معاً

لأنه لا توجد طريقة يمكن أن نطور بها علاقات أكثر عمقاً مع أبنائنا بفعالية سوى قضاء وقت معقول وذي مغزى معاً، يحتاج الآباء إلى تخصيص بضع دقائق كل شهر لتنظيم وقت الأسرة.

إن قضاء بعض الوقت معاً هو قرار لابد من اتخاذه والالتزام بتنفيذه. يمكن أن يكون هنالك أوقات نشعر فيها أننا لا نريد أن نكون مع بقية أفراد الأسرة أو أنه لا يوجد لدينا الوقت لذلك. وهنا يكون من الضروري أن نقوم بتقييم كيفية قضاء وقتنا وما هي النواحي التي يمكن التخلي عنها في سبيل تخصيص وقت للأسرة.

أحياناً نخطط للقيام برحلة كعائلة، وفي اليوم الذي يسبق ذلك يقول أحد الأبناء إنه لا يرغب في الذهاب. ولكن لأننا اتفقنا بالفعل سوياً على الذهاب، فإننا نذهب. فلقد اتفقنا كآباء على تجنب قول: “لا أرغب في الذهاب”، أو “هنالك الكثير من الأشياء التي يجب عملها. دعونا نؤجل ذلك لوقت لاحق”. إن الوعود التي لا يتم الوفاء بها تعد عاملاً أساسياً في غلق أرواح أبنائنا. فلابد أن نكون حريصين على متابعة ما قمنا بالتخطيط له معاً.

2. اكتشف النشاط الأكثـر أهمية لكل فرد

بمجرد أن يتفق الوالدان على أنه من الضروري قضاء بعض الوقت معاً كأسرة واحدة، يجب عليهم مناقشة الأمر مع أبنائهم. فمن الممكن أن يعارضوا إذا ما كانت أرواحهم منغلقة. لكن معظم الأبناء يقولون إنهم يودون القيام ببعض الأشياء معاً كأسرة.

وبعد أن يتفق جميع أفراد الأسرة على مفهوم التواجد معاً ، ينبغي على الوالدين أن يطلبا من كل ابن أن يكتب قائمة بأكثر الأنشطة التي يستمتع بها. وبإمكانكم استخدام مقياس مدرج من صفر إلى عشرة حيث يعني الرقم عشرة أن ذلك النشاط هو الأكثر إمتاعاً وإشباعاً.

عندما قمنا بتجربة ذلك في بيتنا، قالت نورما إن إجازة الرقم “عشرة” هي التي تكون في مكان يجمع بين إمكانية التسوق، والمناظر الممتعة، والشواطئ، والمطاعم الساحرة. وقالت كاري نفس الشيء تقريباً. بينما أراد جريج مكاناً يمكنه ممارسة صيد الأسماك والتنزه مشياً والغوص فيه. وعبر مايكل عن نفس الرأي باستثناء أنه أضاف لعب الكرة إلى ذلك. وكان رأيي متفقاً إلى حد كبير مع رأي الصبيين.

ومن ثم، قمنا بجمع قوائمنا معاً وبمناقشة الأماكن التي يمكننا تحمل نفقاتها مالياً، والتي يمكن أن تضم جميع الأنشطة التي تحمل رقم “عشرة” لتلبي رغبات جميع أفراد الأسرة. وقع اختيارنا على جزيرة كاتالينا الواقعة قرابة ساحل لونج بيتش في كاليفورنيا. يوجد بتلك الجزيرة محال تجارية ساحرة، ومطاعم ممتازة. ولها شاطئ خلاب، ومياه ساحرة. وهناك يمكن لي وللأولاد أن نذهب للمشي، وصيد الأسماك، والغوص. ذهبنا إلى هناك لمدة ثلاثة أو أربعة أيام على مدار صيفين متتاليين وقضينا وقتاً رائعاً معاً.

وفيما يلي مخطط يمكن يساعدكم كأسرة على اختيار بعض الأنشطة المعينة أو الخبرات التي يمكن أن تشتركوا فيها معاً.

ما الأنشطة التي يمكن أن نشترك فيها معاً في الحياة؟

حياتنا الدينية

  • فصول الدراسة
  • مجموعات الإنشاد الديني
  • متى؟ أين؟ كم مرة؟

الرحلات أو الإجازات

  • كيف تبدو إجازة أحلامي؟
  • ماذا ستضم؟

الأنشطة الأخرى

  • ما النشاطان المفضلان لي من بين الأنشطة؟ ارسم صورة فعلية بالتفصيل لواحد من هذين النشاطين.
  • ما النشاط الذي أشعر أنني أخشاه أو أشعر أنه من غير المناسب أن أقوم به؟ طلب المساعدة من أفراد أسرتي للتغلب على هذا الخوف.

3. صمم أوقات التواجد معاً مع وضع جميع أفراد الأسرة في الاعتبار.

بعد معرفة رغبات الجميع فيما يتعلق بأنشطة الأسرة، وخبراتها، يمكن للأسرة أن تصمم رحلة أو إجازة أو نزهة مميزة تلبي احتياجات جميع أفراد الأسرة.

كانت بعض رحلات أسرتنا كارثية لأنني أصررت على السفر إلى جبال كولورادو وإقامة معسكر تخييم في البرية إلى جانب جدول جميل؛ على بعد أميال من أي مراكز تجارية أو مطاعم. ولم يمر وقت طويل قبل أن نكتشف أن الاستمتاع بوقت أسري رائع يعني عدم إغفال احتياجات ورغبات أي فرد من أفراد الأسرة؛ خاصة الأم. لقد تمكنت من إيجاد هذا الجدول في الجبال بالقرب من قرية صغيرة يمكن لنورما المشي إليها في عدة دقائق.

وتقضي أسرتنا كل صيف شهراً أو اثنين في معسكر الرياضة في برانسون، ميسوري. وأشترك في التدريس وتقديم الاستشارات في حين يشترك الأطفال في أنشطة المعسكر، ويتدربون كي يصبحوا مستشارين في المستقبل. كما أن الصيد والتسوق بالقرب من تلك المنطقة مذهلين. يضم هذا المعسكر كل شيء يمكن أن نحتاج إليه.

ذات صيف، قضيت وقتاً مميزاً أنا ومايكل في معسكر الألعاب الرياضية هذا. فقد كان لدى مايكل حدث أخير يمكن أن يفوز فيه بجائزة التفوق، في رمي السهام. كان سيرمي سهمه الأخير، وكان بحاجة إلى سبع نقاط، وهذا يعني التصويب في المركز مباشرة أو في الدائرة المجاورة له. فقدت بعض سهامه الهدف تماماً وسقطت بين الأشجار، لذا أصابه الإحباط. وكنت قد أبليت بلاءً حسناً في رمي السهام بجامعتي وكنت أحاول تشجيعه وأوضح له ماذا يفعل. وبرغم ذلك، شعرت بالحزن من أجله لأنه كان لدي شعور داخلي أنه بعد كل هذا المجهود الذي بذله، لن يحصل على الجائزة.

سحب مايكل السهم للوراء، ثم توقف، وأرخى وتر القوس. فقد كان قلقاً للغاية، فربَّت على كتفه وقلت له أن يهون على نفسه وقلت له: “أعرف أنك قادر على أن تفعلها”. سحب السهم للوراء مرة أخرى وقربه من وجنته ثم أطلقه. وأصاب السهم مركز الدائرة! قفزنا نحن الاثنان، وصرخنا فرحاً، واحتضنا بعضنا البعض.

هذا النوع من الخبرات يشكل النسيج الرئيسي الذي ينسج الأسرة في وحدة مترابطة. ولكن هذا لا يحدث حتى ندرك قيمة التواجد معاً، ونخصص أوقاتاً لهذا مع مراعاة اهتمامات جميع أفراد الأسرة.