لطالما كانت الحياة مثيرة للضغوط. ومنذ آلاف السنين، ربما كان مجرد البقاء على قيد الحياة أمرًا مثيرًا للضغوط. وكان هذا يتضمن التعرض للغزو، أو الوقوع ضحية للأمراض، أو التعرض للمجاعات أو الجفاف. وفي وقت لاحق، أصبحت ضغوط الحياة تتضمن اكتساب متطلبات العيش الضرورية، ومحاولة العيش في عالم تتدنى فيه مستويات النظافة الشخصية وتسيطر عليه حكومة الطغاة المستبدين، بما كان يؤثر على حياته. ولقد تغيرت هذه الضغوط بطريقة بطيئة، ولكن أكيدة، في القرنين الـ20 والـ 21، مع الضغوط التي لا تزال تستطيع التأثير عليك على أساس يومي. وربما تتضمن تلك الضغوط الآن التعامل مع التهديدات الإرهابية، وظاهرة الاحتباس الحراري، والانفجار السكاني، ومجتمع يعج بالتقنيات ولكن يخلو من المهارات الاجتماعية.
التحدي
من المحتم أن نتعرض لتوترات الحياة الحديثة ونتأثر بها، إلا إذا كنا نرغب في العيش في كهف. ولقد تغيرت هذه التوترات مع مرور الوقت، ولكنها دائمًا ما كانت تظهر نفسها كتحديات أمام التعامل مع الحياة اليومية بطريقة إيجابية. وفي بعض الأوقات، نسمح لتلك التوترات، التي يخرج معظمها عن سيطرتنا تمامًا، بابتلاعنا والتسبب في نشأة الضغوط التي يصعب تخفيف حدتها. على سبيل المثال، لا يستطيع معظمنا القيام بالكثير حيال الأعمال الإرهابية أو الدبلوماسية العالمية، ورغم ذلك ربما تتسبب هذه التوترات في أن نشعر بأننا فقدنا التحكم في حياتنا. ولقد أدى اعتمادنا على الوسائل الإلكترونية، والحاسب الآلي، والإنترنت إلى تحسين حياتنا بشكل كبير، ولكن هذه الوسائل جعلتنا أيضًا عرضة لسرقة هوياتنا؛ مما جعلنا نشعر بالشك في كل شخص حولنا. ولسوف تظل الحياة الحديثة مليئة بالتوترات التي يجب علينا التعامل معها. ويتمثل التحدي في معرفة طبيعة التوترات الحديثة، ووضعها في إطار تاريخي يمكنه مساعدتنا على التعامل مع هذه التوترات بشكل أكثر فاعلية، ورؤية كيفية تأثير هذه التوترات على حياتنا، والتفكير في أنظمة وآليات للتعامل تتيح لنا إدارة حياتنا دون الشعور بالانسحاق أمام التوترات الحديثة. ليس هناك سبب يمنعنا من إمكانية الاستمتاع بوقتنا وتحقيق النجاح في حياتنا، حالما ندرك أن الحياة الحديثة ستستمر دومًا في إثارة الضغوط، وأنه غالبًا ما يكون التعامل معها أسهل مما نتصور.
الحقائق
تتنوع ضغوط الحياة الحديثة اعتمادًا على وضعك الاجتماعي والاقتصادي. على سبيل المثال، سوف يواجه شخص يتعامل مع نقص المال أو وظيفة غير مؤكدة، أنواعًا من ضغوط الحياة الحديثة تختلف عن الأنواع التي يواجهها شخص من رجال الأعمال أو المهنيين الناجحين، ولكن تجب معرفة أن كل نوع من أنواع الضغوط يتسم بالتأثير، ويجب تمييزه على هذا النحو. ورغم ذلك، تقدم الحياة الحديثة، بشكل عام، أنواعًا معينة من الضغوط التي يجب علينا جميعًا التعامل معها، بغض النظر عما نقوم به أو مقدار ما نملكه:
– القدرة على تسديد الفواتير، مع الوضع في الاعتبار أن العديد من الأشخاص ذوي الدخل المرتفع يميلون إلى الإسراف؛
– السخط من وسائل التكنولوجيا التي نستخدمها، والرغبة في تجديد حاسبك الشخصي أو هاتفك المحمول؛
– الضغوط الواقعة على العائلة، مثل جنوح الأحداث أو تعاطي المخدرات؛
– المشكلات الزوجية ومشكلات العلاقات؛
– القلق حيال الموقف العالمي؛
– الاهتمام بالتأثيرات البيئية التي نحدثها، والشعور بالقلق من أن العالم الذي نقدمه لأطفالنا لن يكون جيدًا مثل العالم الذي نعيشه؛
– القلق من الأمراض، بما في ذلك الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية والوبائية، مثل مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)؛
– القلق من الجرائم، سواء كانت شيئًا نتعامل معه بشكل شخصي أو ندركه في العالم من حولنا.
وربما تتسبب الضغوط المزمنة – مقرونة بالتغيرات الكيميائية في المخ – في الشعور بالاكتئاب؛ الذي يمثل مرضًا موهنًا يصعب تشخيصه أو فهمه. ويمكن الحفاظ على صحة عقلية جيدة وتجنب الاكتئاب الذي يحدث بسبب توترات الحياة الحديثة، من خلال الحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول الطعام بشكل معقول، والتدرب بشكل مناسب، والابتعاد عن تناول المواد الإدمانية، مثل الكحوليات أو المخدرات. علاوة على ذلك، يجب عليك أيضًا التفكير في زيارة أحد الأطباء أو المعالجين للحصول على الاستشارة والأدوية الفعالة لعلاج الاكتئاب.
وربما يكون النوم علاجًا شافيًا رائعًا لكل المواقف المثيرة للضغوط. فكر في درجة جودة نومك، وتذكر ما تشعر به عندما تحصل على نوم هانئ بالليل. وفجأة، لا تبدو مشكلاتك مربكة للغاية، وربما تستيقظ مع أفكار جديدة حول كيفية التعامل مع ضغوط الحياة الحديثة، أو كيفية تناول المشكلات التي تثير لديك الشعور بالتوتر.
وحسبما ترى الدكتورة “جاكي بولفين” في جامعة كارديف، فإن ضغوط الحياة الحديثة تتسبب في افتقاد الجسم والتغيرات الحياتية للحيوية. فإذا كنت تفكرين في إنجاب طفل، وتخشين وقوع مشكلات في أثناء الحمل، فربما ترغبين في استشارة طبيبك حول مستوى الضغوط في حياتك، وكيفية تسببه في عجزك عن الحمل، الذي يمكن أن يرجع أيضًا إلى قلة أعداد الحيوانات المنوية لدى الرجال بسبب الضغوط أيضًا.
الحلول
في بعض الأوقات، من الممكن أن تشعر بالضغوط بسبب الحياة الحديثة، ولكنك لا تدرك بالفعل ماهية هذه الضغوط. وهناك مواقع إلكترونية يمكنها مساعدتك على تحديد الأمور المثيرة للضغط لديك وتصنيفها. ويقدم لك الجدول التالي خطة لتتبع الضغوط، تسمى “مقياس هولمز وراهي”، الذي يقوم المعالجون المتخصصون كثيرًا باستخدامه وتفسيره، من أجل فهم ضغوطك. ضع علامة على الحدث الذي وقع في حياتك على مدار العامين الماضيين، واجمع نتيجتك لكي ترى مقدار الضغوط التي ربما تتعرض لها ومصدرها.
الأحداث الحياتية | نقاط الأزمة الحياتية | ضع علامة إذا كانت موجودة |
وفاة الزوج/ الزوجة | 100 | |
الطلاق | 73 | |
الانفصال العائلي | 65 | |
السجن | 63 | |
وفاة أحد أفراد الأسرة المقربين | 63 | |
الإصابة أو المرض الشخصي | 53 | |
الزواج | 50 | |
الإقالة من العمل | 47 | |
التصالح الزوجي | 45 | |
التقاعد | 45 | |
التغير في صحة أحد أفراد العائلة | 44 | |
الحمل | 40 | |
مشكلات في العلاقة الحميمة | 39 | |
زيادة فرد جديد للعائلة | 39 | |
إعادة التكيف التجاري | 39 | |
التغير في الحالة المالية | 38 | |
موت أحد الأصدقاء المقربين | 37 | |
الانتقال إلى مجال مختلف من مجالات العمل | 36 | |
زيادة حدة النقاش مع الزوج/ الزوجة | 35 | |
زيادة الرهن العقاري على 100000 دولار | 31 | |
حبس الرهن أو القرض | 30 | |
تغير المسئوليات في العمل | 29 | |
مغادرة الابن أو الابنة للمنزل | 29 | |
وجود مشكلات مع الأصهار | 29 | |
تحقيق إنجازات شخصية بارزة | 28 | |
بدء الزوجة في العمل أو توقفها عن العمل | 26 | |
بداية الدراسة أو نهايتها | 26 | |
تغير الظروف المعيشية | 25 | |
مراجعة العادات الشخصية | 24 | |
وجود مشكلات مع الرئيس | 23 | |
تغير ساعات العمل أو ظروفه | 20 | |
تغيير السكن | 20 | |
تغيير المدرسة | 20 | |
تغيير وسائل الترفيه | 19 | |
تغير الأنشطة الدينية | 19 | |
تغيير الأنشطة الاجتماعية | 18 | |
رهن عقاري أو قرض أقل من 30000 دولار | 17 | |
تغير عادات النوم | 16 | |
تغير عدد مرات تجمع أفراد العائلة معًا | 15 | |
الإجازة | 15 | |
قضاء الأعياد وحيدًا | 12 | |
الانتهاكات الصغيرة للقانون | 11 | |
المجموع |
ولا تزال أجسادنا تمتلك القدرة على الانتقال إلى حالة عالية من الاستنفار، رغم أن عوامل الضغوط، التي تنشأ نتيجة الاضطرار إلى مواجهة أحد المواقف المهددة للحياة، قد تبددت في الغالب. ويحدث هذا بشكل واضح عندما تذهب لمشاهدة أحد الأفلام المرعبة، أو ركوب ألعاب الملاهي المثيرة. في العصور البدائية، كانت ردود الأفعال تجاه الضغوط مهمة للغاية من أجل البقاء، عندما كان أسلافنا يضطرون إلى حشد طاقة كافية من أجل التعامل مع أحد التهديدات من خلال إما الكر أو الفر. وربما لا تزال هذه النوعية من ردود الأفعال مهمة، إذا واجهنا حريقًا، مثلًا، ولكنها غير مناسبة للحياة الحديثة. وفي بعض الأوقات، ربما يتسبب الاختناق المروري في ساعة الذروة، ويتسبب العملاء الوقحون، وسوء عمل وسائل التكنولوجيا في تفعيل هذه النوعية من الضغوط دون فائدة. ويجب علينا أن ندرك أن معظم الأمور التي تثير الضغوط لدينا لا تهدد الحياة. كما أن الحياة الحديثة أيضًا تعني أننا ربما نواجه الضغوط المستمرة بطرق لم يكن الإنسان البدائي مضطرًّا للتعامل معها. وربما يؤدي هذا إلى الإحساس بمشاعر كريهة وغير صحية أيضًا بسبب الإرهاق الذي يصيب أجسادنا.
إن إدراك أنك ضحية إدمان العمل ربما يساعدك على التعامل مع الضغوط الحديثة؛ ففي الغالب، نقضي في العمل وقتًا أكثر مما ندركه، بسبب الاعتقاد بأن هذا يساعدنا على إنجاز العمل ويجعلنا نبدو بمظهر جيد أمام رؤسائنا في العمل. ورغم ذلك، عادة ما يؤدي إدمان العمل إلى الإحساس بالسخط من حياتك، والتساؤل حول الكيفية التي تقضي بها وقتك بالفعل. ومن الجيد أن تترك أعباء العمل قليلًا، وتدرك أنك لست إنسانًا خارقًا يستطيع إنجاز كل شيء عن طريق العمل ساعات إضافية فحسب.
ويمكنك اللجوء إلى التأمل وقوائم الأمور الواجبة من أجل المساعدة على وضع الضغوط في الإطار الصحيح، والتعامل معها على نحو إيجابي. تخيل مصدر ضغوطك، وقم باستبعاده عقليًّا. اكتب كل مهامك، وصنفها حسب الأمور التي يجب إنجازها على الفور. وربما يكون تنظيم حياتك مفيدًا في التعامل مع ضغوط الحياة الحديثة.