هناك مراكز لعلاج أطفال التوحد وتعليمهم، والأطفال المعاقين من حيث القدرة على التواصل، وتقع هذه المراكز في شمال كارولينا في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تدار هذه المراكز بواسطة مركز متخصص للعلاج النفسي في كلية الطب في جامعة شمال كارولينا يسمى (Division TEACCH).
ويدير هذا المركز الأساتذة إريك سكوبلر (Eric Schopler) وكاري ميزيبوف (Gary Mesibov) وهما من كبار الباحثين في مجال التوحد، ويجري التدريب على هذا البرنامج في (54) ولاية أمريكية وعشرين دولة أخرى معتمدة في تشخيص حالات التوحد بدقة علمية عالية.
وطريقة تيتش هي طريقة تعليمية شاملة لا تتعامل مع جانب واحد مثل اللغة، أو السلوك، بل تقدم تأهيلاً متكاملاً للطفل، وطريقة العلاج هذه مصممة بشكل فردي، وذلك حسب احتياجات كل طفل، ويشمل الفصل الدراسي الواحد (5 – 7) أطفال توحد، مقابل معلمة واحدة ومساعدة معلمة. ولما كان هناك فروق فردية بين حالات التوحد من حيث شدة الأعراض، ونمو القدرات والمهارات فإن التعليم الجمعي يصبح عديم الجدوى، ويتطلب الأمر إعداد برنامج تعليمي فردي لكل طفل وبالاعتماد على التقييم الدقيق لكل مهارات الطفل وسلوكياته، ونقاط القوة والضعف لديه، بحيث يمكن تحديد الأولويات، واستخدام أنشطة نواحي القوة في تنمية نواحي الضعف لدى الطفل، ومركز تيتش يضم كل الاختصاصيين، وكلهم يعمل بشكل متكامل من مرحلة التأهيل والتدريب إلى مرحلة البدء بأنشطة التعليم المدرسي من مبادئ قراءة وكتابة وحساب، ومعالجة بتعديل السلوك، مع أنشطة مساندة للبرنامج التعليمي مثل الموسيقا، والرياضة، والفنون، والحاسوب… وعادة تشمل الخطة الفردية المهارات التي ذكرناها سابقاً مثل مهارات تعديل السلوك (Behavior Modification)، والمهارات الاجتماعية (Social skills)، ومهارات اللغة (Language skills)، والمهارات الحركية، ومهارات الاعتناء بالذات (Self care skills)، ومهارات السلامة والأمن، والمهارات الترفيهية، والمهنية، والدراسية، والموسيقى والفن… والرياضة وغيرها. وهذا البرنامج يقدم إلى نحو (5000) فرد مصاب بالتوحد وعائلاتهم ويحتاج البرنامج إلى مرحلة هامة وهي التنظيم المادي للبيئة الصفية لتلبي احتياجات الأطفال.
التنظيم المادي لبيئة الصف حسب برنامج تيتش (Physical Structure):
يتطلب برنامج تيتش (Treatment and Education of Autistic and Related Communication Handicapped Children – TEACCH) تعديل البيئة الصفية لتلبي احتياجات الأطفال الذين يعانون التوحد (الصعوبات التي يواجهونها في معرفة المكان الذي يفترض أن يكونوا فيه) كما أن تنظيم البيئة يتماشى مع خصائص الأفراد التوحديين، وإعداد حدود بصرية واضحة في البيئة الصفية (تقسيم الغرف مثلاً)، يجعل الطفل التوحدي في وضوح من أمره عند أداء المهام المطلوبة منه، مما يقلل من جهد المعلم، مع نقصان المتابعة للأطفال التوحديين، بالإضافة إلى الإحساس بالأمان العاطفي، ويقلل من عمليات التشتيت الذهني، وقد وجد سكوبلر أن أهم الأعمال في تنظيم بيئة الصف المادية هي ما يلي:
أولاً: اختيار بيئة الصف، ويجب أن تكون غرفة الصف واسعة لتستوعب الأدوات والألعاب، ووسائل التعليم، وأن لا تحتوي غرفة الصف على مخارج متعددة للحد من هروب الأطفال، ويفضل أن تكون دورة المياه داخل غرفة الصف، أو قريبة منه، ويمكن استغلالها في تعليم الأطفال مهارة الاعتناء بالذات.
ثانياً: ضرورة تنظيم أقسام غرفة الصف، وتقسيم الغرفة إلى أقسام أو مساحات محددة لغايات هادفة؛ فالجزء المخصص للأنشطة التعليمية يفترض أن لا يكون قريباً من النوافذ لكي نبتعد عن التشويش أو تشتيت الانتباه، وأن تكون الغرفة قريبة من الرفوف أو الخزائن بحيث يسهل الوصول إلى الأدوات المطلوبة للأنشطة الصفية، ويفضل وجود حواجز من البلاستيك على جدران الصف بمستوى طول أفراد التوحد؛ لكي لا يصيبوا أنفسهم في حالة ضرب رؤوسهم؛ لأنهم يحاولون إيذاء ذواتهم، كما أنهم لا يشعرون بالألم مثل أقرانهم من الأطفال غير التوحديين. ويمكن استخدام الفرش وتغطية الأرض لمنع الأصوات والتقليل من المثيرات السمعية والبصرية، ويمكن أن نغطي المعدات البصرية، كجهاز الحاسوب والتلفاز، ورفوف الكتب والطاولات، وتغطية مكان الراحة بالسجاد، كما يوضع فرش صغير أمام المغسلة لكي يعرف الأطفال المكان الذي يجب أن يقفوا فيه عند غسيل أيديهم، كما يوضع شريطان متوازيان يؤديان إلى دورة المياه، وتوضع إرشادات ودلائل بصرية واضحة، إن كل ذلك يجعل طفل التوحد مستقلاً قلّما يعتمد على الآخرين. أما الأقسام والتجهيزات فيجب أن تتوافر في غرفة الصف الأقسام التالية:
1 – منطقة لأوقات الراحة يبتعد فيها الطفل عن الإثارة وتشتيت الانتباه.
2 – منطقة مخصصة للمعلم.
3 – وجود أماكن للعب وتوضع فيها ألعاب هادفة.
4 – منطقة حلقات دراسية تكون محددة لوضع الأدوات، كما تتوافر طاولات للعمل محاطة بالرفوف.
5 – وجود مطبخ مصغّر لأداء بعض المهارات المنزلية.
6 – وجود مكان للجلوس على الأرض مع المعلم وعلى شكل حلقة.
7 – تهيئة جزء من الصف لاستخدامه في تنمية المهارات المهنية المختلفة.
8 – وضع كراسٍ للانتظار في كل قسم لمنع الأطفال من التجوال أو التنقل، عند انتهاء الطفل من المهمة التعليمية أو عدم إكمالها.
تنظيم الجداول:
إن الجداول تمثل جزءاً هاماً من النظام الصفي يحتاج إليه أطفال التوحد، وهي تمثل الأنشطة التي سوف يقوم بها كل منهم، وذلك لتذليل الصعوبات التي يعاني منها طفل التوحد في تنظيم الوقت والذاكرة التتبعية، واللغة الاستقبالية. إن هذه الجداول تعرض بشكل يسهل فهمها، ومراعية لحاجات الطفل، وتساعد الطفل على الانتقال من نشاط إلى آخر، ويمكن أن تكون هذه الجداول بمنزلة معزز ذاتي تزيد من دافعية الطفل، وهناك نوعان من الجداول، الجدول العام الذي يشترك فيه جميع الأطفال ويشمل أوقات العمل، وأوقات الراحة، والطعام، وتكتب بشكل واضح، وبمكان مميز، وقد تعزز بصور أو رسومات توضيحية، والجدول الثاني هو الجدول الفردي الخاص، حيث يكون لكل طفل جدوله الخاص وذلك حسب الخطة التعليمية الفردية لكل طفل؛ إذ تراعى الفروق الفردية. ويتضمن الجدول اسم الطفل وصورته، والأنشطة التي يفترض القيام بها على شكل بطاقات حيث تنقل هذه البطاقة بعد الانتهاء وتوضع في جيب مخصص لذلك، ثم يعاد وضعها حسب الترتيب في نهاية اليوم، ويمكن استخدام الكلمات والصور أو الأشياء الحسية لكي يفهم الطفل وبالطريقة التي تناسبه، ويمكن أن توظف الجداول في تنفيذ المبادئ السلوكية، وخاصة التي تعتمد على الإشراط الإجرائي التي تركز على نتائج السلوك من خلال إضافة المعزز، أو الصورة بوصفها معززاً أو الأداء المميز على الجدول.
إعداد المهام:
وتشمل المهام الطرق والوسائل التي تستخدم مع الأطفال، ويتم التعليم فردياً مع تهيئة الأدوات والمواد اللازمة، وعادة يجلس المدرب على الطاولة نفسها التي يجلس عليها الطفل، إما أن يكون أمامه أو على جنبه، وهذا يتعلق بالمهمة المراد تعليمها، وتجري عملية التعليم بخطوات منتظمة حيث يبدأ المدرب من اليمين إلى اليسار، أو من فوق إلى تحت، وذلك لتحقيق أهداف تلبي احتياجات الطفل على الصعيد الشخصي والاجتماعي، ولا يشترط وضع سقف زمني ثابت للحصة التعليمية ومع كل الأطفال، وإنما تراعى قدرات الطفل وصعوباته، وعمره الزمني والعقلي والمهمة المطلوب أداؤها، ويمكن أن تتراوح المدة الزمنية بشكل عام ما بين (5 – 30) دقيقة (منعاً للملل أو التعب)، ويجب على المعلم أن لا يتبع أسلوباً واحداً، ويمكن أن يغير بما يؤثر بشكل إيجابي في نفسية الطفل، ويفترض أن يستخدم المدرب التعزيز بشكل مستمر وأن يختار المعزز المناسب للطفل؛ التعزيز بالطعام، التعزيز بالنشاط، التعزيز الاجتماعي… والمعززات الغذائية أكثر فاعلية مع الأطفال، بالإضافة إلى استخدام طريقة الحث والتلاشي (Prompting and Fading) عند تعليم أي مهارة حيث نبعد الطفل عن أي حالة فشل أو إخفاق ونجعله يحقق النجاح. ويكون الحث إما جسدياً؛ وذلك بالقيام بحركة جسدية تساعد المتعلم على أداء المهارة، وخاصة في التمارين البدنية والمهارات الأدائية، أو الحث اللفظي وهو استخدام الألفاظ لتحقيق الأداء المطلوب، أو الحث البصري ويكون باستخدام الصور البصرية لمساعدة الطفل على الأداء الصحيح، ويمكن أن يكون الحث بالنمذجة حيث يقوم المدرب بالحركة أو المهارة ويطلب من الطفل إعادتها، ويمكن أن يكون الحث بصرياً ولفظياً وجسدياً.
وبعد أداء الطفل للمهمة بشكل صحيح تبدأ عملية التلاشي بتقليل المساعدات تدريجياً، وتقدّم الإرشادات للطفل المصاب بالتوحد حول المهام التي يجب أن يقوم بها، وتكون هذه الإرشادات لفظية وغير لفظية، شريطة أن تكون موجزة ويرافق الألفاظ حركات تساعد على الفهم، كما يجب أن تقترن الإرشادات بتواصل الفرد بصرياً، ويجب استخدام الموضحات البصرية كعرض رموز أو ترتيب أدوات؛ إذ إن الترتيب من اليمين إلى اليسار يساعد المتعلم على فهم المقصود، ويفترض القيام بالأنشطة التي يمكن أن تقلل الضغوط من خلال ممارسات مثل التمارين الرياضية، والساونا، والاسترخاء، والفن، والموسيقى، والتنفس… إلخ.
كما يمكن أن تستخدم الأنشطة الترفيهية، والمهارات الاجتماعية مثل الزيارات لبعض المؤسسات، ويمكن استدعاء أطفال عاديين من مدارس أخرى للتعارف والتسلية معهم، ويمكن عمل مباريات بينهم، ويكون ذلك بشكل مشترك بين أطفال توحد وعاديين.