يتذمر الأطفال الصغار عندما يشعرون بالإرهاق أو الانزعاج، أو عندما يكونون يجهزون أنفسهم للانخراط في نوبة غضب. ولكن هناك قلة من الأطفال يعتادون على التذمر طوال الوقت لعدة أسباب مختلفة: لأنهم يريدون الحصول على حلوى أو مزايا خاصة؛ أو لأنهم يشعرون بالملل أو الغيرة؛ أو لأن الأمور لا تسير وفقما يريدون بالضبط. هؤلاء الأطفال يبدون طوال الوقت منزعجين وغير راضين عن شيء، وهم بذلك يسببون التعاسة لمن حولهم أيضا. ويتميز تذمرهم ليس فقط بأنه ينقل مدى الانزعاج الذي يشعرون به، ولكنهم يستخدمونه أيضا كأداة للضغط؛ فهم يظلون يتذمرون حتى تعطيهم ما يرغبون به.
الطفل الذي يستخدم باستمرار أسلوب التذمر مع أحد أبويه، أمه مثلا، قد يتصرف بأسلوب أكثر نضجا مع الأب وفي المدرسة. وعلى الجانب الآخر قد يتساهل في الأغلب الأب أو الأم مع أحد أطفالهما عندما يتذمر ولا يسمح للطفل الآخر بذلك. وفي هذه الحالات قد لا يكون التذمر مجرد انعكاس لعادة أو حالة مزاجية ينخرط بها الطفل، ولكنه أيضا يعكس لنا طريقة تصرف يتبعها الطفل مع أبيه أو أمه. فالطفل يلح ويتذمر والأب (أو الأم) يقاوم ويتوسل ويصرخ ثم (في أغلب الأحيان) يستجيب لضغط الطفل، هذا التسلسل من الأحداث معروف مسبقا، ويبدو أنه لا أحد منهما يستطيع أن يكسر هذه الحلقة.
رأي الطبيب
أذكر أنني قضيت يوما مع إحدى الأسر رزقوا بأربعة أطفال، كانت الأم حازمة وجادة مع ثلاثة منهم، فقد كانوا مهذبين ومتعاونين ومعتمدين على أنفسهم، وكانوا يتسمون بطبيعتهم المرحة. أما أختهم التي كانت في الخامسة من عمرها فقد كانت مصدر إزعاج دائم لأمها، فقد كانت تشتكي من الملل والجوع والعطش والشعور بالبرد، في حين أنها كانت تستطيع أن تعثر بنفسها على حلول لهذه المشكلات البسيطة.
كانت الأم تتجاهلها لفترة من الوقت، ثم تقترح أن تنال البنت ما تريده، ولكنها كانت تعبر عن ذلك بأسلوب اعتذاري يشوبه التردد، فحتى بعد ساعة من التذمر المستمر لم تكن الأم تتصرف بحزم، وأحيانا كانت تتذمر هي الأخرى طالبة من بنتها أن تتوقف عن الشكوى، فتكون النتيجة هي حوار بين الاثنتين مفعم بالشكوى والتذمر لا يثمر عن أي شيء.
قد يرى البعض أن مثل هذا الأسلوب المتذمر لا يشكل مصدرا كبيرا للإزعاج، ولكنه بالطبع يمثل عبئا كبيرا على عاتق بقية أفراد الأسرة وأصدقائهم، ومن الممكن أن يصيب من يتعرض له أكثر من الأبوين بكم هائل من الإحباط.
كيف نتعامل مع عادة التذمر؟
هناك خطوات محددة وعملية يمكنك أن تطبقها إذا كان طفلك يعتاد على التذمر. أولا يجب أن تسأل نفسك ما إذا كان أسلوبك معه يغذي هذه العادة، فربما تستخدم تعبيرات تعكس المراوغة أو التردد أو الانصياع أو الشعور بالذنب، بالإضافة إلى مشاعر الضيق التي تتواجد بالطبع من شعورك بأنك ضحية. وهذه هي أكثر الخطوات صعوبة؛ لأن الآباء والأمهات لا ينتبهون عادة لأي شيء سوى شعورهم بالاستياء ومطالب طفلهم الدائمة.
إذا لم يكن هناك أي نوع من التردد أو التذبذب في سلوكك تجاه الطفل فعليك أن تسأل نفسك ما إذا كنت تقوم دون أن تدري بمكافأة طفلك على استخدامه لهذا الأسلوب، مثل: أن تكون مثلا تعيره الكثير من الاهتمام عندما يتذمر من شيء ما أو تستجيب لمطالبه من أجل أن توقف ملحمة التذمر والبكاء.
أما إذا كان طفلك يستخدم التذمر من أجل الحصول على بعض المزايا الخاصة، فالحل هو أن تضع كل القواعد اللازمة من أجل حصوله على كل طلباته المعتادة وأن تطبق هذه القواعد بحزم وبشكل ثابت. فموعد النوم يجب أن يكون في ساعة محددة دائما، ويجب أن تكون هناك برامج تليفزيونية محددة يمكنه أن يشاهدها، وأصدقاؤه يمكن أن يدعوا إلى الطعام أو إلى قضاء ليلة معه بالمنزل فقط لعدد معين من المرات. ينبغي أن تكون هذه القواعد الأسرية صارمة، وتطبق بشكل ثابت من أجل مصلحة الجميع، ولا يكون هناك مجال للجدال بشأنها. في البداية عندما تتوقف عن الاستسلام لتذمر طفلك فقد يكرر استخدامه لهذا الأسلوب أكثر وبحدة أعلى، ولكن عندما تثبت على موقفك فسيتوقف الطفل عن تلك العادة.
إذا كان طفلك يتذمر لأنه لا يجد ما يقوم به فيجب ألا يخونك ذكاؤك وتقترح عليه مجموعة من الأنشطة التي يمكنه القيام بها؛ لأن تلك الحالة المزاجية التي يكون الطفل عليها ستدفعه إلى ازدراء هذه الأنشطة ورفضها واحدا تلو الآخر. يمكنك أن تلقي بالكرة في ملعبه مرة أخرى دون أن تتورط في نقاشات عقيمة لن تثمر أي فائدة، فمن الممكن أن تقول له: «أنا لدي الكثير من العمل لأقوم به، ولكن بعدها سوف أبحث عن شيء ممتع أفعله». وكأنك تقول له: «افعل مثلي، وابحث عن شيء تقوم به بنفسك، ولا تتوقع مني أن أقوم بالترفيه عنك أو أن أجادلك».
يمكنك ببساطة أن تخبر طفلك بأنك لن تستجيب إلى طلباته التي يطلبها منك وهو يئن في تذمر. ويمكنك ببساطة أن تطلب منه أن يكف عن التذمر والشكوى على الفور، أما إذا استمر طفلك في مضايقتك بشكل قد يجعلك تشعر بالانزعاج الشديد الذي قد يغيرك بالاستسلام له فيمكنك أن تفرض عليه قضاء بعض الوقت وحده كعقاب وتأديب له.
لا ضير من أن تقدم لطفلك سببا للرفض
«لن نتناول البيتزا على العشاء؛ لأننا تناولناها في غدائنا اليوم». أو «لا بد أن نذهب إلى المنزل الآن حتى نستطيع أن نخلد إلى النوم في وقت القيلولة». ولكن أحيانا (أو دعونا نقل: غالبا!) يكون على الأبوين أن يقررا وعلى الأطفال أن يتقبلوا القرار «لن نشتري هذه اللعبة اليوم؛ لأننا لن نشتري لعبا اليوم».
الآباء والأمهات الواثقون بأنفسهم لا ينخرطون في نقاشات لا تنتهي مع أطفالهم حول الحدود التي وضعوها، فإذا سمحنا للأطفال بذلك فسوف يستمرون في هذه النقاشات إلى ما لا نهاية، وغالبا ما سيأخذون الأب أو الأم بعيدا عن الموضوع الأساسي في كل مرة، فقط عبر عن موقفك، وضع الحدود التي ترغب فيها وضع نهاية للحوار بشكل لطيف ولكن حازم في الوقت ذاته.
لا ضير من أن يطلب الأطفال شيئا خاصا بين الحين والآخر، ولا ضير من أن يوافق الأبوان على طلبهم ما داما يريانه معقولا، ولكن من المهم أيضا أن يتعلم الأطفال أن يتقبلوا إجابة طلباتهم ب«لا» أو «ليس اليوم». والإلحاح باستخدام التذمر هو مؤشر على أن الطفل لم يتعلم بعد هذا الدرس المهم. إذا وجدت أنك تشعر بالضيق من نفسك لأنك تتصرف بصرامة مع طفلك أو تسأل نفسك ما إذا كنت تؤذيه عندما لا تستسلم لمطالبه، فذكر نفسك بأن طفلك شخص قوي (قوي بما يكفي ليحول حياتك إلى حياة بائسة في بعض الأحيان)، وأن الأب الصارم (أو الأم الصارمة) هو ما يحتاجه طفلك لكي يمضي قدما في حياته، فعندما تقول له: «لا» فأنت تتصرف بدافع الحب.