ما التركيب الداخلي للأذن؟
لفهم عدوى الأذن يتعين عليك فهم تركيب الأذن. يجمع جزء الأذن المرئي لك (صوان الأذن) الموجات الصوتية لتمريرها عبر قناة الأذن. في نهاية هذه القناة تقابل هذه الموجات طبلة الأذن التي تتسبب في اهتزازها، ولطبلة الأذن القدرة على الاهتزاز؛ لاحتوائها على هواء على كلا الجانبين، حيث يوجد هواء في قناة الأذن وفي منطقة الأذن الوسطى. تعمل العظام الصغيرة المتصلة بطبلة الأذن على تجميع الاهتزازات ونقلها عبر الأذن الوسطى إلى الأذن الداخلية حيث يوجد ذلك العضو المذهل الذي يسمى بقوقعة الأذن، والذي يحول هذه الاهتزازات إلى إشارات عصبية ويرسلها إلى المخ.
كيف تصاب الأذن بعدوى؟
يعد الهواء الموجود بالأذن الوسطى هو أساس فهم عدوى الأذن؛ فالهواء يصل لهذه المنطقة عبر قناة إستاكيوس التي تصل الأذن الوسطى بالمنطقة الخلفية للبلعوم. ويمكن لهذه القناة السماح بدخول المزيد من الهواء في الأذن. عندما تعبر الجراثيم أو الميكروبات الموجودة بالأنف والبلعوم قناة إستاكيوس يمكن لها ملء الأذن الوسطى بالصديد. وتعرف هذه الحالة بالمصطلح الطبي «التهاب الأذن الوسطى».
عادة ما يبدأ التهاب الأذن الوسطى عند الإصابة بإحدى نزلات البرد، فيقاوم الجسم الفيروس، وتتورم أنسجة الأنف والبلعوم مسببة حالة من الاحتقان تؤثر بدورها على قناة إستاكيوس؛ ونتيجة لذلك تقل قدرة قناة إستاكيوس على منع الجراثيم من الدخول في الأذن الوسطى، كما تكون أقل قدرة على طرد الجراثيم التي دخلت فيها فعليا.
عادة ما تكون الجراثيم التي تدخل أولا في الأذن مماثلة للفيروس المسبب لنزلة البرد، ويمكن لجهاز المناعة التغلب بسهولة شديدة على هذه العدوى الفيروسية للأذن، والتي تعد بالفعل جزءا من نزلة البرد– تماما مثل نزلة البرد. ولكن أحيانا ما يتبع الفيروس موجة ثانية من الهجوم فتنتهز البكتريا التي كانت مستقرة داخل الأنف فرصة انخفاض مستوى الدفاعات لتقتحم الأذن الوسطى، وتبدأ عدوى أخرى أشد وطأة. وتمتلئ الأذن الوسطى بالصديد الذي يستقر أمام طبلة الأذن مسببا الكثير من الألم، ويبدأ الجسم في إصدار استجابة مناعية أقوى تتمثل في الإصابة بالحمى.
ما يلاحظه الآباء
عادة ما تصبح الأذن ملتهبة بشكل كاف يتسبب في الإصابة بألم بعد الشفاء من نزلة البرد، ولكن بعد مرور عدة أيام. ومن المحتمل أن تدل الحمى التي تحدث منتصف فترة الإصابة بنزلة البرد مع وجود تهيج للأذن على الإصابة بالتهاب الأذن الوسطى. غالبا ما سيخبرك طفلك الذي يتجاوز عمره عامين بتلك المشكلة؛ فأذنه ستؤلمه، وقد لا يسمع جيدا؛ لأن الصديد الموجود بالأذن الوسطى سيعوق اهتزاز طبلة الأذن بشكل طبيعي، وقد يعكف الطفل على فرك أذنه، أو قد يبكي بحدة لعدة ساعات. سيشعر طفلك بالقليل من التحسن – على ما يبدو- عند حمله؛ لأن هذا الوضع الرأسي يقلل من الضغط على أذنه. الجدير بالذكر أن الطفل قد يتقيأ في بعض الأحيان.
إذا كان هناك ضغط كاف في الأذن الوسطى فقد يحدث ثقب بطبلة الأذن يخرج منه صديد، فتجدين الصديد جافا مختلطا ببعض الدماء على وسادة الطفل. قد يبدو الأمر مفزعا، ولكن غالبا ما تلتئم طبلة الأذن لدى الطفل، وسرعان ما يتماثل للشفاء. يمكنك وضع قطعة من القطن داخل الأذن لتمتص الصديد، ولكن ليس من الأمان استخدام أعواد القطن وإدخالها في القناة السمعية بالأذن لتنظيف الصديد؛ إذ قد تصطدم بالطبلة الملتهبة وتؤدي إلى إلحاق المزيد من الضرر بها وتلفها؛ لذا، تعد نقط الأذن العلاجية أيضا ذات جدوى لعلاج الحالة.
تخفيف الألم
يمكن أن تتسبب عدوى الأذن في الشعور بألم شديد؛ لذا، تقلل المحافظة على دعم رأس طفلك من الضغط الواقع على طبلة الأذن، وقد تساعد زجاجة الماء الساخن أو وسادة التدفئة الكهربية في تقليل الآلام، ولكن غالبا ما يرفضها بعض الأطفال (لا تتركي طفلك ينام على الوسادة الكهربية؛ حيث قد يترتب على ذلك إصابته بحرق).
يمكن أن توفر جرعات الأسيتامينوفين أو الإيبوبروفين بعض الراحة في هذه الحالة بسبب تأثيرها المسكن للألم، كذلك يمكن أن يسكن عقار الأورالجان –وهو عبارة عن نقط أذن يتم صرفها تحت إشراف الطبيب– هذه الآلام. أما إذا كان الألم حادا، فسينصح الطبيب بتناول عقار الأسيتامينوفين مع الكوديين، إلا أن هذا الأمر نادرا ما يلزم. كذلك يتم تناول المضادات الحيوية لمدة اثنتين وسبعين ساعة (ثلاثة أيام) للتغلب على العدوى؛ ولذلك من الأفضل استمرار تناول الطفل لأي من المسكنات –مثل الإيبوبروفين- على مدار الساعة في الثلاثة أيام الأولى.
لم تتضح جدوى تناول أدوية السعال والبرد المتاحة بالصيدليات التي توصف دون وصفة طبية والمتضمنة مزيلات الاحتقان ومضادات الهستامين في علاج عدوى الأذن، كذلك الحال مع أي من المستحضرات العشبية أو مستحضرات الطب البديل. ولكن العلكة الخالية من السكر والمعدة من مادة الزيليتول تقلل فعليا من أعراض عدوى الأذن؛ لأنها تقتل البكتيريا التي تسبب معظم عدوى الأذن، كما يمكن أن يساعد المضغ أحيانا بقوة للعلكة في فتح قناة إستاكيوس المسدودة، مثلما هو الحال عند نفخ البالون، ودائما ما يساعد إظهار الحب والحنان عند رعاية الطفل المريض بجانب طمأنته بهدوء على تخطي محنته المرضية بكل هدوء.
نعم للمضادات الحيوية أم لا؟
لقد اعتدنا على استخدام المضادات الحيوية عند الإصابة بكل عدوى للأذن، ولكن الأمر قد تغير ولم يعد كذلك؛ حيث أصبحنا الآن على دراية بقدرة الجسم على الشفاء من معظم عدوى الأذن من تلقاء نفسه، فنادرا ما تنتشر عدوى الأذن لتشمل الأنسجة المجاورة، كما أن الملاحظة الدقيقة دائما ما تسمح لنا باكتشاف هذه العدوى مبكرا بشكل كاف ومعالجتها بنجاح.
يكمن السبب الرئيسي وراء تأجيل استخدام المضادات الحيوية في أن الإفراط في تناولها يحفز نمو البكتيريا المقاومة، وعندما تنشأ البكتيريا المقاومة –ويكون ذلك على مدار عدة سنوات– يضطر الأطباء إلى استخدام مضادات حيوية أكثر غرابة وأعلى تكلفة؛ بل ومن المحتمل أن تكون أكثر ضررا، كما تساورهم المخاوف بصدد «الجراثيم الخبيثة» التي بالكاد يستحيل علاجها، فكلما زاد تناول طفلك لجرعات المضادات الحيوية في أغلب الأحوال، زاد احتمال إصابته بالمرض بسبب البكتيريا التي لا يمكن لهذه المضادات قتلها؛ لذا، يتمثل حل هذه المشكلة في استخدام المضادات الحيوية عند الضرورة القصوى فقط، ويتعين على الأطفال والآباء تطبيق هذا الحل معا.
الجدير بالذكر أن الطبيب الذي يفحص طبلة أذن الطفل لا يكون متأكدا مما إذا كان هناك صديد فعلا خلفها أم لا. فربما تكون عدوى الأذن في بدايتها (فيروسية)، ومن المرجح جدا أن تتحسن من تلقاء نفسها، وفي هذه الحالات من الحكمة تأجيل استخدام المضادات الحيوية، والسعي لعلاج الألم وتخفيفه، والانتظار من يومين إلى ثلاثة أيام لاتخاذ قرار بصدد استخدامها؛ فالكثير من الأطفال يشعرون بتحسن بعد مرور هذا الوقت، ولكن إذا لم يكن هناك تحسن فربما يكون الوقت قد حان لبدء تناول المضادات الحيوية. سيكون استخدام المضادات الحيوية منطقيا ومجديا لدى الأطفال الصغار الذين لديهم عدوى واضحة بالأذن تكون مصحوبة بحمى وعلامات أخرى على حدة المرض، كما ستجدي المضادات الحيوية مع الأطفال الذين لديهم مشكلات أساسية في جهازهم المناعي أو مشكلات تشريحية مثل الإصابة بالحلق المشقوق (الشفة الأرنبية).
إذا وصف الطبيب لطفلك مضادا حيويا، فتأكدي من إعطائه كل جرعة من جرعات العلاج كاملة؛ فالتوقف المبكر عن استكمال الجرعات عند تحسن حالة الطفل يسمح أيضا بنمو البكتيريا المقاومة. إذا لم يبتلع طفلك جرعة المضاد الحيوي، فأعطيه الجرعة مرة أخرى. إذا تكرر عدم ابتلاع طفلك للعديد من الجرعات، أو إذا أصيب بطفح جلدي أو إسهال، أو إذا ظلت حالته دون تحسن مع استمرار الحمى لديه لمدة يومين، فاستشيري الطبيب؛ حيث قد يستلزم أحيانا تغيير المضاد الحيوي واستبداله بآخر مختلف.
سبل الوقاية من عدوى الأذن
هناك الكثير من الأمور التي بمقدورك مراعاتها لمنع الإصابة بعدوى الأذن؛ فالرضاعة الطبيعية ترفع من كفاءة الجهاز المناعي للطفل، وتمرن العضلات الملحقة بقناة إستاكيوس. بالنسبة للأطفال الذين يرضعون صناعيا، يجب أن تتم رضاعتهم وهم جالسون بين ذراعي أحد الأبوين بدلا من الاستلقاء على الظهر؛ حتى لا يدخل اللبن في قناة إستاكيوس ويسمح للبكتيريا بالدخول معه. بالنسبة للأطفال الصغار الموجودين بأماكن الرعاية ودور الحضانة التي لا يتجاوز عدد الأطفال بها عشرة أطفال على الأكثر، تقل لديهم الإصابة بنزلات البرد وعدوى الأذن. أما الأطفال الذين يلتزمون بالبقاء في المنزل فتقل لديهم معدلات الإصابة بشكل أكبر.
الجدير بالذكر أن التدخين السلبي يعوق الدفاعات الرئيسية بقناة إستاكيوس؛ ومن ثم، تكون معدلات الإصابة بعدوى الأذن أقل كثيرا لدى الأطفال الذين لا يتعرضون لدخان السجائر. أما حالات الحساسية المزمنة فيمكن أن تجعل الطفل عرضة لعدوى الأذن؛ لذا تستحق هذه الحالات الاهتمام والرعاية. نادرا ما يرجع تكرار الإصابة بعدوى الأذن إلى مشكلة أساسية في الجهاز المناعي، ولكنك إذا شعرت أن هذا هو السبب فتحدثي إلى طبيب الأطفال في هذا الشأن.
عدوى الأذن المزمنة (التهاب الأذن الوسطى المصحوب بانصباب)
بعد القضاء على البكتيريا، من الشائع أن تظل بعض السوائل (الانصباب) داخل الأذن الوسطى. وتشبه الطريقة التي يسمع بها الطفل المصاب بهذه الحالة تلك الطريقة التي نسمع بها إذا وضعنا أصابعنا في آذاننا، ويعد هذا أحد أسباب شد الطفل بقوة لأذنيه حتى بعد علاج الحالة؛ ومن ثم لا يعد شد الطفل لأذنيه باستمرار مبررا لتناول جرعات أخرى من المضاد الحيوي؛ فهذا السائل الموجود بالأذن يجف في غضون ثلاثة أشهر، وفي هذه الأثناء قد يتعثر النمو اللغوي لدى الطفل، أو تقل قدرته على الانتباه. وعلى الرغم من ذلك فقد لا تحدث مثل هذه الأمور دائما؛ إلا أنه إذا كان لدى الطفل أسباب أخرى وراء معاناته من مشكلات في اللغة أو الانتباه، فمن المحتمل أن يؤدي تكرار عدوى الأذن أو استمرار وجود السوائل في الأذن الوسطى إلى ازدياد الموقف سوءا. ويتعين عليك التفكير في هذا الاحتمال إذا كان معدل إصابة طفلك بعدوى الأذن أكثر من ثلاث مرات في السنة، أو إذا شعرت بأن طفلك لا يسمع، أو ينتبه، أو يتحدث، بشكل طبيعي.
تتمثل أولى خطوات العلاج في فحص السمع، ولا يعد صغر سن الطفل عائقا أمام هذا الإجراء، فإذا انخفض سمع طفلك ولم يعد إلى مستواه الطبيعي في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر، فيجب على الفور استشارة أخصائي الأنف والأذن والحنجرة. والجدير بالذكر أنه لا يوجد دواء جيد لعلاج التهاب الأذن الوسطى المصحوب بانصباب، ولكن يعد التدخل الجراحي لسحب السائل من الأذن الوسطى أمرا مفيدا لتحسن الحالة. وتتضمن العملية الجراحية المعتادة وضع أنابيب بلاستيكية صغيرة أو أدوات طبية صغيرة تستخدم لاستخراج سائل الأذن عبر طبلة الأذن، وتعد هذه العملية من أكثر العمليات التي يتم إجراؤها للأطفال الصغار شيوعا، ولكن لسوء الحظ، هناك جدل مثار حول ما إذا كانت هذه العملية تحسن النمو اللغوي أو تحسن من قدر الانتباه لدى الطفل أم لا.
أذن السباحين (التهاب الأذن الخارجية)
لقد تحدثنا حتى الآن عن العدوى التي تصيب الأذن الوسطى، إلا أن الجلد المبطن لقناة الأذن الخارجية يمكن أن يصاب أيضا بعدوى، ويطلق على هذه الحالة اسم «التهاب الأذن الخارجية»، وتبدأ هذه العدوى بتوقف الدفاعات الطبيعية للجلد؛ ويرجع السبب في ذلك عادة إلى وجود خدش بسيط أو الرطوبة المستمرة بقناة الأذن، أو قد تبدأ بعد انتهاء عدوى الأذن الوسطى وسحب السوائل منها. ويتمثل العرض الأساسي لهذه الحالة في الشعور بألم يزداد سوءا مع شد الأذنين، وأحيانا ما ينتج عن الحالة صديد أو رائحة كريهة (يجب أن تجعلك تلك الرائحة السيئة تفكرين في إمكانية وجود شيء ما عالق داخل الأذن). يمكن تناول الأسيتامينوفين أو الإيبوبروفين لتسكين الألم. وتعتبر نقط الأذن -بجانب المضاد الحيوي ومضاد الالتهاب- علاجا أساسيا لهذه الحالة.
لمنع الإصابة بالتهاب الأذن الخارجية؛ علمي طفلك استخدام مجفف الشعر لتجفيف أذنيه بعد السباحة (تحذير: اخفضي درجة حرارة المجفف لأقل درجة؛ تجنبا لحدوث أي حروق). ويمكنك أيضا استخدام بعض نقاط الماء الممزوجة بنفس المقدار من الخل الأبيض لزيادة حموضة قناة الأذن بشكل يكفي لمنع نمو معظم البكتيريا. وأخيرا، لا تبالغي في إخراج شمع الأذن من أذني طفلك؛ فشمع الأذن يوفر وظيفة وقائية للأذن. إذا أخرجت الشمع كله بغرض تنظيف الأذن، فإنك بذلك تمنعين هذه الحماية، وقد يترتب على ذلك خدش قناة الأذن في هذه الأثناء