قد يصاحب اضطراب التوحد أعراض نفسية وسلوكية مثل القلق، التوتر، اللامبالاة، الفوضوية، عدم الترتيب، الاهتمام، بالاضافة إلى حالات الاعتماد المفرط على الآخرين، وقد يتطور الأمر إلى السلوك العدواني وإيذاء الذات، وفيما يلي علاج لهذه الأعراض المصاحبة.
1 – علاج حالة القلق والتوتر النفسي
كثيراً ما نجد الطفل التوحدي يغضب وينفعل ويثور مع رفض وعناد، وفي مثل هذه الحالات يجب تقبل الطفل، وتوفير الإحساس له بالطمأنينة، ولفت الانتباه إليه، وعدم الإلحاح عليه، ويمكن للأم أو للأهل عناق الطفل وتقبيله… ولكن بكل هدوء ودون إبداء أي تقبل لمثل هذا السلوك، ويمكن تدريب الطفل على الهدوء والاسترخاء مع تقديم معززات مرة في كل يوم أو أكثر، كما يمكن عن طريق الملاحظة والتقليد تدريب الطفل على التنفس البطيء والعميق مع العد من (1 – 10)، كما يمكنه سماع الموسيقا، أو يقوم ببعض الأعمال الفنية التي يرغب فيها، وتشجيع التعبير عن الانفعالات عن طريق اللعب، وقراءة الروايات، وتفيد عملية التحصين التدريجي المنظم مع التغذية الراجعة والتعزيز في معالجة مثل هذه الحالات لدى الأطفال.
2 – علاج حالات التهريج السخيف Silly Clowning واللامبالاة لدى بعض الأطفال
ومثل هؤلاء الأطفال يفتقرون إلى الحس العام، ولا يشعرون بمشاعر الآخرين، مع تبلد في العاطفة والفكر والوجدان، وسلوكهم سخيف غير هادف، والتهريج يبدأ كعادة ثم يتحول إلى سلوك بسبب أخطاء التنشئة الأسرية، حيث إن كثيراً من الآباء ينظرون إلى كثرة الحركة، والاستهزاء والضجة والضحك والسلوكات البهلوانية باعتبارها ظواهر مقبولة تحت عمر العاشرة، ومعظم هؤلاء الأطفال يكونون منبوذين، ويسعون إلى لفت الانتباه، مع الإحساس بالضعف والنقص (Low Self-esteem)، والكبار يشجعون على ذلك، والعقوبة لا تفيد لأنها تزيد المشكلة تعقيداً، وهنا تفيد عملية أداء الدور (Role Playing)، وتعزيز الضحك المناسب، وإعطاء الاهتمام والانتباه، مع تحليل السلوك ومعرفة السبب لإزالته، هذا وقد وجد أن معظم حالات الأطفال، وخاصة حالات التوحد البسيطة والمتوسطة، تعمل على جذب الانتباه لطلب المساعدة. لذلك من المفيد الاستماع لحديث الطفل، وقضاء وقت بسيط معه، وممارسة بعض الألعاب معه، ومشاركته في مشاعره، ومساعدته في ترتيب المواقف التي تنتج مزيداً من الاهتمام والانتباه للطفل،… ومزيداً من الدمج الاجتماعي.
3 – علاج الفوضوية وعدم الترتيب أو الاهتمام Messy – Sloppy
يلاحظ على طفل التوحد عدم الاكتراث، والقذارة، وعدم الترتيب (Careless, dirty and disordered)، وهذه الصفات تشير إلى التعبير عن الغضب، وإلى الرغبة في الاستقلالية، وغالباً ما تكون ردَ فعل لتشديد الآباء على النظافة والترتيب، والإلحاح على الطفل بذلك، ودون فهم لقدرات الطفل ومشاعره السلبية نحو ذاته أو نحو الآخرين، إن طفل التوحد يبحث عن أي وسيلة للتعبير عن نفسه وعن فرديته (Uniqueness)، وهو شكل من التمرد على الكبار وعلى السلطة، ونوع من الانتقام ورد فعل للمعاملة القاسية، وحتى الإهمال الذاتي أي إهمال العناية بالذات (Self care)، وبعض الأطفال – وخاصة ضعاف العقول – يجدون متعة في اللعب بالقاذورات وخاصة الذين كانوا قد عانوا حرماناً وقسوة في حياتهم، وكذلك فإن الإفراط في الرعاية والدلال الزائد (Over Protection) قد يضعفان عامل الاستقلالية والاعتماد على النفس، ويؤديان إلى عدم تعليم عادة التنظيم والترتيب والنظافة… كما أن المشاكل الأسرية لا تساعد الطفل على أن يتعلم الدور اللازم المتعلق بالتنظيم والترتيب، والنظافة، مع عدم وجود تشجيع أو تعزيز للسلوكات المقبولة، وذلك لاعتقاد معظم الآباء أن أطفالهم غير قادرين على تعلم ذلك… وأن هذا هو قدرهم في الحياة، وهذا خطأ لأن الآباء بإمكانهم البدء بالتدريبات المبكرة بدءاً من العمر (2 – 3) سنوات، حيث يتعلم الطفل وضع ألعابه في الصندوق المخصص لذلك، وكذلك وضع الملابس المتسخة أو المستعملة في مكانها المخصص، في سلة الغسيل (Hamper)، وفي عمر الخمس سنوات يبدأ الأهل تدريبه على ترتيب السرير، مع مساعدة الأهل في إزالة الغبار، ويمكن تدريب الطفل التوحدي (من مستوى بسيط أو متوسط) على إعداد الطاولة، وغسل بعض الصحون، وكذلك على مشاركة أمه يومياً في ترتيب المنزل وتنظيفه، كما يمكن تعليم الطفل الاعتناء بالنفس (self – grooming)، وعندما يلعب الطفل من المتوقع أنه سيلوّث ملابسه بالتراب والألوان والقاذورات… لذلك عليه ارتداء ملابس خاصة بذلك، ويتعلم الطفل تدريجياً الفرق بين ملابس اللعب، وملابس الزيارة، حيث عليه أن يقوم بارتداء ملابس جديدة، وفي عمر الست سنوات (عمر المدرسة) يصبح الطفل واعياً لنظافته الشخصية (تمشيط شعره، وغسل وجهه، وتنظيف أسنانه، والحفاظ على ملابسه، والنظر في المرآة…). ومن المفضل مشاركة الطفل في إبداء رغبته في شراء حاجاته أو اختيارها؛ مثل لون المشط، وشكل الفرشاة، ومعجون الأسنان، ويتم إخبار الطفل ومن خلال تقبل الآخرين من حوله وتدعيماتهم (تغذية راجعة) بأن نظافته ومظهره الأنيق أصبحا يسران الآباء كما يسران الزوار والآخرين.
ويمكن للطفل – بعد أن تعلم الترتيب والنظافة – نقل ذلك إلى الأطفال الآخرين وفي مواقف مختلفة (من فضلك ضع الأوساخ في مكانها، لا تلق القاذورات على الأرض…)، أما أسلوب الضرب والتعنيف والانفعال والغضب والقسوة فإنه لا ينفع الطفل بشيء، بل يضر به وبسلوكياته… (مثلاً إعطاء الأوامر بعصبية وعنف مع الإلحاح الشديد) (نظِّف الغرفة الآن) (إذا شاهدت أي وسخ على الأرض سأضربك…)… ولا بد من تقديم الحوافز للطفل مثل القطع الرمزية (Token economy)، وإثابة الخطوات نحو الأناقة والنظافة (Reward the steps) وأعمال الترتيب (في المنزل والمدرسة)، والطفل يحتاج دائماً إلى خبرة وإلى نموذج للتوجيه والمساعدة في ترتيب الأشياء، وأعمال النظافة، وترتيب الألعاب، وخزانة الكتب، والأدوات المدرسية، ويمكن للأهل تحديد موعد خاص مثلاً بعد تناول العشاء لأعمال النظافة وبالتعاون مع الطفل، وقبل الذهاب إلى النوم، ويفضل البعض استخدام طريقة فتح باب الغرفة وإغلاقه (open and closed door)؛ وهذه الطريقة تعتمد على فكرة أن الأم أو الأب وفي وقت محدد سابقاً يقوم بتفتيش غرفة الطفل، فإذا كانت نظيفة ومرتبة فإن الباب يترك مفتوحاً للدخول، وإذا لم تكن كذلك فإن الباب يغلق، وهذا يشير إلى أن الغرفة بحاجة إلى تنظيف وترتيب، ولا يسمح للطفل بالخروج إلى اللعب إلا عندما يكون الباب مفتوحاً، وهكذا يتم تنظيف الغرفة وترتيبها قبل اللعب، أو قبل مشاهدة التلفاز، وعند إغلاق الباب… إن هذه الطريقة تمنع انتقادات الطفل ودفاعاته، وتبعد الأهل عن المجادلات.
ومن الطرق المفيدة في هذا المجال وضع حاجيات الطفل غير المرتبة في خزانة مقفلة لمدة يومين مثلاً (حجز الحاجيات)، مع تخفيض المصروف، أو الحرمان من مشاهدة التلفاز… إلخ، ويمكن بعد تدريب الطفل وتوجيهه كتابة واجباته اليومية على جدول يحدد فيه الأشياء الأساسية للتذكير، ويفضل استخدام الألوان والصور المعبرة عن هذه الواجبات مثل (غسل الأيدي وتنظيف الأسنان في الصباح، تمشيط الشعر، ارتداء الملابس، تناول الطعام… وفي الفترة المسائية تبديل الملابس، والاستحمام وتنظيف الأسنان… الذهاب إلى النوم).
وينصح الآباء بأن لا يرفعوا أي شيء عن الأرض يلقيه أطفالهم، وعليهم أن لا يدخلوا غرفتهم القذرة وغير المرتبة، وفي عمر (10 – 12) سنة لا يسمح لهم بالزيارة دون أن يرافقهم أحد أو يشرف عليهم… إن الأطفال الكسالى والمهملين بحاجة إلى مساعدة أكثر من النقد (criticism)، وإلى مزيد من التشجيع لا إلى اللوم والتوبيخ الذي يؤدي بهم إلى الإحساس بالنقص والضعف ومفهوم ذات منخفض (poor self – concept)، إن الأطفال تزداد دافعيتهم وتتحسن سلوكياتهم، ويشعرون بالتحسن بسبب التقبل والتعزيز والتوجيه، ومن العادات التربوية الإرشادية الفعالة لدى المعالجين أنهم في توجيه الطفل لا يبدؤون مباشرة باللوم والنقد والإهانة، بل بإبراز قدرات الطفل وسلوكياته الإيجابية وتدعيم شخصيته، ثم لفت نظر الطفل إلى سلوكياته السلبية التي لا تنسجم مع شخصية الطفل وخصائصه الإيجابية: (أنا أعرف أنك طفل ذكي، وهادئ، ومجتهد، وأنا أعرف بأن ترتيب غرفتك يحتاج إلى مساعدة وأنا سأساعدك، وعليك أنتَ أن تختار الوقت المناسب لذلك…)، وهذا يختلف عن (أيّ غبي وكسول وبليد أنت! لقد علمتك عدة مرات دون فهم، أو أي فائدة، انظر إلى أخيك أو إلى فلان إنه أفضل منك…).
4 – علاج حالات الاعتماد المفرط على الآخرين over dependent
الطفل الاعتمادي هو طفل اتكالي في كل صغيرة وكبيرة على الآخرين، وطفل التوحد لا يعتمد على الآخرين بالنسبة إلى سلوكياته الخاصة به، ولكنه في حاجة ماسة لأن يقدَّم إليه كل احتياجاته، وخاصة الأساسية منها؛ مثل الطعام، والشراب، والنقل… وتمشيط الشعر مع كثرة الصراخ والغضب والبكاء (قبل عمر المدرسة)، إن كثيراً من الآباء يفرحون عندما يكون طفلهم متعلقاً بهم (cling)، وكأن الآباء لا يريدون من أولادهم أن يكبروا، لذلك فهم يعززون هذه السلوكيات غير الناضجة وبشكل غير مباشر، وهم يغرقونهم بالحب الخانق كما يسمى (smother love)، وهم لا يريدون لأولادهم الخروج للعب خشية الآخرين، وبعض الآباء يعانون مشكلةَ الذنب بسبب ولادة طفلهم المضطرب أو المعاق فيتساهلون معه (parental permissiveness)، وهم يخشون أنهم إذا عاملوا أولادهم بقسوة فإنهم لن يحبوهم، ولذلك يلجأ أمثال هؤلاء الآباء إلى تقديم كل طلبات أولادهم، وأحياناً بعض هؤلاء الأطفال يسعون إلى لفت الانتباه حولهم، والحصول على السلطة والسيطرة على الآباء (pay – attention of power)، ويكون ذلك ردَّ فعل على مواقف الوالدين… وبعض الأطفال يعانون الأنانية والتركيز على الذات (self – centered) والنرجسية، ويريدون الحصول على كل شيء مع توفير الاهتمام بأنفسهم.
وفي مثل هذه الحالات (السيطرة، الانتقام من الوالدين، معاقبتهم…) لا بدَّ من الحزم حتى لا يسيطر الأبناء على الآباء. مع تحميل الطفل المسؤولية في ملء وقت فراغه، والعمل على نقل المسؤولية تدريجياً من الأب إلى الابن، والالتزام بالنظام، مثلاً تعويد الطفل أنه لا يقدم إليه الطعام أو الشراب، أو الألعاب… إلا في أوقات معينة، مع تشجيع الطفل وتدريبه. ويمكن تعريف الطفل بالسلوك غير المقبول (أنت تضحك دون مبرر) (تكلم دون انفعال وبكاء)، وأحياناً يفيد أسلوب الإغفال أو التجاهل (Ignoring) إذا لم يستجب الطفل، وبعد أن تكون قد قدمت له البدائل الممكنة والواضحة، مع عدم الإصغاء إلى بكاء الطفل، أو حركاته، وعدم النظر في وجهه… حيث إن الطفل سيزيد من سلوكه المزعج ويجعل الأب يتراجع عن طلبه؛ لأن الطفل – ومع شيء من الإصرار والثبات من الأهل – سيتراجع (discard) عن سلوكه، وخاصة عندما يشعر بأن سلوكه المضطرب ما عاد ينفع، ولا بدَّ من تجاهل توسلات الطفل… واستخدام نظام الحوافز والمعززات والمكافآت (Reward System)، (أنت اليوم انفعلت وبكيت أقل من ثلاث مرات لذلك يمكنك مشاهدة التلفاز)، (أنت اليوم لم تقاطعني بالحديث)، (أنت اليوم كنت هادئاً ولم تشد شعرك أو تعتد على زميلك)، وفي حال عناد الطفل والاستمرار في سلوكياته السيئة هذه، يتم عزل الطفل من (2 – 5) دقائق (دون عمر المدرسة يتم عزل الطفل دقيقة واحدة مقابل كل سنة من عمره)، في غرفته، ولا بد من توفير الانتباه والاهتمام والثناء للطفل، مع الابتسامة، والنظر في عينيه، والاحتضان، والربت على الكتف إذا استجاب بشكل صحيح، ومن الضروري أن يفهم الطفل لماذا تمَّ عزله، ولماذا الثناء عليه.
ويمكن للأهل التساهل أو التغاضي عنه أحياناً، وإطلاق العنان للطفل (Indulge) في بعض الحالات أو المواقف، وفي بعض الحالات يتاح للطفل البقاء مع والديه، والاهتمام به، وحضنه حتى التأكد من أنه نال ما يكفيه من رعاية واهتمام، ومع ذلك يستمر الطفل بالبكاء والصراخ والإزعاج… وفي هذه الحالات يطلب من الطفل الذهاب إلى غرفته والبكاء أو الصراخ كما يريد… ومن الضروري تشجيع الطفل على المشاركة في القرار؛ مثلاً سؤاله عن لون الملابس، أو شكل الألعاب، أو الأطعمة… التي يريد اختيارها، ومع تقديم الدعم دون قسوة أو سيطرة من الآباء، وأن يكون (الأب) إيجابياً، ومكملاً في توجيهاته توجيهات الأم، وأن لا يستخدم دائماً كلمة (لا) وبشكل متسرع، ودون رويّة، ودون وجود سبب مقنع.
5 – علاج حالات إيذاء الذات Self – injurious
معظم حالات اضطرابات النمو، واضطرابات السلوك يعانون حالة الاكتئاب، وهناك حالة واحدة من أصل خمس حالات في اضطرابات النمو تعاني الاكتئاب والحزن والانسحاب، وهي دون عمر الثانية عشرة من العمر، كما أن هناك نسبة (85%) من الآباء المكتئبين لديهم أولاد مكتئبون، وقد ثبت أن هناك علاقة بين الاكتئاب واضطرابات النمو والسلوك، مثل التبول اللاإرادي، وثورات الغضب والانفعال والحرد (Tantrums)، وحالات الإخفاق الدراسي، وصعوبات التعلم، وفرط الحركة، والضعف العقلي… والطفل المكتئب نادراً ما يشعر بالفرح والسرور، ويكون صوته خافتاً، وله سلوك منسحب، ولا يضحك، ولا يلعب، ولا يمرح، ولا يتواصل مع الآخرين… بالإضافة إلى اضطرابات في النوم، والميل إلى البكاء، والقلق، والحالات السيكوسوماتية مثل الصداع وألم المعدة… وعندما يغضب أطفال السابعة والثامنة العاديون يهددون بإيذاء أنفسهم، وبعد أن يهدأ غضبهم يعتذرون، وقد لوحظ أن معظم الأطفال الذين يلحقون الأذى بأنفسهم هم غالباً شديدو النقد لأنفسهم ويحسدون الأطفال الآخرين على ما لديهم، ومن أشكال إيذاء الذات رفض تناول الدواء، أو رفض تناول الطعام، أو القفز من مكان مرتفع، أو المرور بسرعة من أمام السيارات، وأحياناً إحداث بعض الجروح أو الخدوش، والعض، واللطم أو الصفع (slapping)، أو شد الشعر، أو بلع بعض المواد الضارة… إلخ.
ومثل هؤلاء الأطفال يشعرون بأنهم سيئون ويستحقون الأذى والعقاب (ميول ماسوشية) وهم لا يستحقون الحب، ويلومون أنفسهم، ويرتاحون للرفض والنبذ، ويتحدثون عن أنفسهم بشكل سالب (مفهوم ذات سالب)، ومن العوامل وراء هذا السلوك تحويل عوامل الحرمان والإحباط نحو الذات عوضاً عن الآخرين، ويكون ذلك بسبب الإحساس بالعجز ورد فعل على خسارة شيء عظيم (Reaction to deep loss) مثل فقدان الوالدين أو أحدهما، وفقدان معلم، أو صديق، أو قريب، وأحياناً موت حيوان أليف ومدلل يعتبر خسارة وجرحاً كبيراً بالنسبة إلى الطفل، أو فقدان أمتعة، أو فقدان الحب الأبوي… وتقود كلها إلى عدم احترام الذات، وفقدان الثقة بالنفس.
والآباء سيشعرون بالسوء عندما يجدون أولادهم يلحق بهم الأذى، أو أنهم يخاطرون بأنفسهم… وأحياناً إن سلوك إيذاء الذات يعزز عملية انتباه الوالدين؛ مثلاً عندما يكون الطفل التوحدي (وغيره من الأطفال) غير مرتاح على كرسي الحمام الذي يقضي عليه حاجته فإنه قد يضرب رأسه بالحائط، أو يشد شعره ليشعر الوالدين بذلك. ومن أجل علاج ذلك لابد من استخدام طرائق تعديل السلوك، والمكافآت المناسبة، والتعبير عن المشاعر (Expressing feelings) وتشجيع الطفل لاحترام ذاته، والدمج في أنشطة ممتعة (Enjoyable activities)، ومع النمذجة والتوجيه يتم التخلص من سلوك إيذاء الذات.
6 – علاج حالات السلوك العدواني Aggressive behavior
العدوان يظهر لدى الأطفال بسبب الكثير من الإحباطات (Frustrations)؛ فالإحباط هو الذي يولد العدوان، والطفل يسلك العدوان عندما يريد حماية نفسه وفرديته، أو للسيطرة على أقرانه أو أنداده بالضرب، أو العض، أو الركل، أو شد الشعر، أو رمي الأشياء عليهم، أو تحطيم ممتلكاتهم، أو البصق عليهم، وإذا كان الطفل لديه القدرة على الكلام فإنه يلجأ إلى الشتائم وإلى استعمال اللغة المنحطة أو السافلة (profanity)، أو السيطرة بالانفعال والغضب، وبالتهديد والشجار… إلخ.
إن الطفل العدواني سرعان ما يستثار ويكون غير قادر على التعبير عن مشاعره، وغالباً ما يكون أنانياً، إن الطفل قليل الذكاء غالباً ما يميل إلى العدوان في حل مشاكله أو صراعاته، والطفل بدءاً من عمر (3 – 7) سنوات يرد على العدوان، في حين أن أطفال السنتين يلجؤون إلى ضرب بعضهم بعضاً، وأطفال الرابعة يميلون إلى المجادلة مع الآخرين، وفي عمر (7 – 10) سنوات يتمكن الطفل من التحكم بنفسه إلى مدى كبير، وقد ثبت من الدراسات أن نسبة (1%) من أطفال العاشرة هم عدوانيون، وللعدوان والتخريب لدى الأطفال عدة أسباب مثل تفريغ الطاقة الحيوية، وإشباع غريزة القتال، ووسيلة لجذب الانتباه، وكثرة الإحباطات، والمبالغة في العقوبات، ووجود عوائق لإشباع الحاجات أو الرغبات. إن نسبة (80%) من العدوان في عمر قبل المدرسة هي بسبب الممتلكات مثل أخذ ألعاب الآخرين، وعوامل الغيرة، والمنافسة، وكذلك تأثير وسائل الإعلام والمسرحيات والقصص التي تنمي الجريمة لدى الأطفال، وكذلك استعمال المنشطات، والمخدرات، وشم الغراء والمواد الطيارة لدى الأطفال، كما أن غياب الأب عن الأسرة يجعل الأطفال يثورون على السلطة الأنثوية في المنزل وخاصة (الأم). والبعض من الأطفال الكبار يعتقدون أن التدخين، والعنف، والعدوان التجريبي هي بداية الرجولة (Masculinity)، يضاف إلى ذلك وجود عدوان مكتسب (إن الطفل لا يولد عدوانياً) عن طريق التقليد والملاحظة والمسلسلات العنيفة…
وللوقاية من ذلك لابدّ من تجنب الاتجاهات والممارسات الخاطئة في تنشئة الطفل، وخاصة التنشئة المتساهلة وغير الحازمة أو غير المنضبطة، مع التقليل من مشاهد أفلام العنف، والتشجيع على ممارسة الاتجاهات الإيجابية التي توفر السعادة، والتقليل من المنازعات الأسرية (Minimize marital problems) وخاصة أمام الأطفال. ولا بد من وجود مخارج للطاقة الحيوية لدى الطفل مثل الألعاب الرياضية والأنشطة، كما أن من الضروري تعديل المنزل والبيئة لتكون أقل سماحاً بالعدوان أو العنف، وكذلك فإن اللعب وسماع الموسيقا يساعدان على تخفيف العدوانية، ومن الضروري تقديم إرشادات للأطفال البالغين، ولا بد من مكافأة السلوك السوي غير العدواني لدى الطفل، وتجاهل السلوك العدواني (في بادئ الأمر، ودون لفت الانتباه أو العقوبة)، وتقديم النصح والعطف نحو الطفل المعتدى عليه، ولا بد من تعليم الطفل المهارات الاجتماعية وحسن السلوك مثل التحدث بلطف، والتعبير عن الأفكار والمشاعر، والتواصل مع الآخرين وتقبلهم، ويفيد في هذا المجال التدريب على مهارة تأكيد الذات بالشكل المنطقي والاجتماعي السليم: (إذا قام طفل بتغيير قناة التلفاز دون إذن المشاهدين الآخرين فإن على الأهل أن يشعروه بالضيق من ذلك، وضرورة الاستئذان والاعتذار وتقبل النصح…).
ويفيد بالنسبة إلى الأطفال الكبار (9 – 12) سنة التدريب على حديث الذات وتقييم الموقف (لا تضرب قبل أن تفهم)، (الضرب لا يفيد في شيء بل يعقد المشكلة)، (إذا ضربته فسيضربني)، (من الضروري التريث والعد للعشرة قبل القيام بأي سلوك عدواني)… إلخ. مع التقليل من تعرض الطفل لنماذج عدوانية في التلفاز، أو السينما، أو الفيديو، أو في الفضائيات (Reduce the exposure to aggressive, patterns)، وتقديم أساليب بديلة للتحرر من الغضب والانفعال (Alternative ways to release anger) مثل ضرب اللعبة الدمية، أو إتلافها؛ لأن في ذلك تنفيساً عن الغضب، مع تأكيد الحزم وإظهار الوالدين عدم رضاهم عن السلوك العدواني (تعزيز سالب)، وقد يضطر المعلم أو الاختصاصي أحياناً إلى استخدام طريقة العزل (Time out) أسلوباً عقابياً، على أن يحذَّر الطفل قبل إرساله إلى العزل المؤقت، وكما أشرنا سابقاً فإن مدة العزل لطفل في عمر قبل المدرسة تتراوح بين (2 – 6) دقائق؛ أي بمعدل دقيقة مقابل كل سنة من عمر الطفل ويمكن الزيادة إذا استوجب الموقف ذلك.