حادّ؛ طاعن؛ صلب؛ حارق؛ عميق؛ مميت… قد يكون هنالك 40 مليون طريقة لوصف ألم التهاب المفاصل بموازاة عدد المرضى! وليسَ المهم طريقة وصف الألَم بل العوائق التي يضعها المريض ليحدّ بها من قدراته. والألَم لا يختفي من تلقاء نفسه بل يحتاج إلى علاج.
وهوَ يتأثَّر بعوامل عدَّة أهمّها: مستوى نشاط المرء ووضعه الصحيّ ومدى انتفاخ مفاصله وقدرته على تحمّل الألم ووضعه النفسي.
تتعدَّد طرق العلاج بتعدد أنواع الألَم. بعضها يعتمد على اتباع أساليب جديدة في الحياة تساهم في الحد من الألَم كحماية المفاصل من الإجهاد واستعمال الأدوات التي تساعد في الأعمال اليومية. ويعتمد بعضها الآخر على القيام بتقوية العضلات المحيطة بالمفاصل من أجل تجنيبها الحركات المؤلمة وتخفيف الوزن وبالتالي إزالة الضغط عن المفاصل. كما ترتكز طرق أخرى على المحافظة على رباطة الجأش للسيطرة على الألَم. وأخيراً وليسَ آخراً لا ننسى العلاج بالدواء.
علاج ألم التهاب المفاصل في المنزل
العلاج البارد
يهدف إلى تسكين الألَم في اليوم الأوَّل والثاني من بدء تفاقم الأعراض ويؤَدي إلى نوع من التخدير ويخفف من تشنج العضلات. تجنَّب استعمال هذا العلاج إذا كنت تعاني من اضطرابات في الدورة الدموية أو خدر في الأطراف.
كمَّادات الثلج
قبل استعمالها ادهن الجلد عند المفصل المصاب بزيت معدنيّ؛ ضَع منشفة مبللة فوق طبقة الزيت؛ ثم ضع الكمادات فوقها وغلِّفها بعدَّة مناشف جافة لعزلها.
يمكنك تكرار هذه العملية عدَّة مرَّات في اليوم على ألا تتجاوز العشر دقائق في كلّ مرَّة. افحص الجلد باستمرار لأنَّ تغيّر لونه وزوال احمراره ينذر بحدوث “قضمة الثلج”؛ وهذا يستدعي التوقف الفوري عنه.
ملاحظة
لتحضير كمادات الثلج امزج ثلث كوب من سبيرتو التدليك مع ثلثي كوب من الماء؛ ضَع المزيج داخل كيسَين وضعهما في الثلاجة. تصبح الكمادات جاهزة للاستعمال عندما يتجمد الكيس كما يمكن إعادة تجليدها بعد الاستعمال.
التدليك بالثلج
يستخدم الثلج هنا مباشرة على الجلد. يحرَّك بشكل دائريّ على المفاصل المصابة لمدَّة 5 إلى 7 دقائق ويضغط به عليها برفق مع الاستمرار بتحريكه.
تذكَّر دائماً مراقبة لون الجلد وتوقف فوراً إذا فقد الجلد احمراره أو شعرت بالخدر.
ملاحظة
يمكن سكب الماء في كوب ورقيّ ثم وضعه في الثلاجة ليصبح لديك قطع ثلج. عندما يتكون الثلج يمكن سحب القليل منه إلى خارج الكوب واستعمال هذا الأخير كمقبض بعد لفِّه بمنشفة.
العلاج الحارّ
يساهم هذا العلاج بتخفيف الألَم واسترخاء العضلات المتشنجة وتنشيط الدورة الدموية موضعياً. وهوَ لا يوصف لمن يعاني من اضطرابات في الدورة الدموية أو من الخدر في الأطراف لأنَّه قد لا يشعر بحروق الجلد في حال حدوثها.
الكمادات الساخنة والوسادات الكهربائية الدافئة
غطِ المنطقة المراد علاجها بعدَّة طبقات من المناشف قبل وضع الكمادات الساخنة. ضع الكمادات الساخنة فوق المناشف التي قد تكون كثيرة أو قليلة. وقد تضطر إلى زيادة طبقات المناشف في مناطق النتوءات العظمية.
راقب الجلد كلّ ربع ساعة
توقف فوراً إذا لاحظت وجود بقع بيضاء وحمراء لأنَّها تعني أنَّ الجلد قد تعرَّض للكثير من الحرارة وأنَّ إبقاء الكمَّادات قد يتسبب بحروق جلدية. لا تستلقِ على الكمادات الساخنة والوسادات الكهربائية المدفئة ولا تضغط على الجلد أثناء العلاج الحار خوفاً من الحروق. نكرِّر أخيراً التحذير من استعمال الكمادات الساخنة في حال وجود خدر في الأطراف أو اضطرابات في الدورة الدموية.
المصابيح الحرارية
استعمل مصابيح حرارية مشعَّة بقوة 250 واط. فهيَ تصدر نوعاً من الأشعة ما تحت الحمراء التي تزيد تدفق الدم إلى الجلد والأنسجة في المناطق المستهدفة. أبعد المصابيح عن الجلد بمقدار 18 إلى 20 إنش. ولا تتعرَّض لحرارتها لمدَّة تزيد عن 20 إلى 30 دقيقة. استخدم المنبه أو اطلب من أحدهم أن يوقظك في حال غرقت في النوم.
يمكن التخفيف من قوَّة الحرارة بإبعاد المصابيح عن الجلد مسافة أكبر. يفضَّل التعرض الجانبي للحرارة على التعرّض العلوي.
المياه الدافئة (المغاطس، الدش، أحواض المياه)
لا شكّ أن الاستحمام في مغطس ساخن أو تحت الدش من أسهل طرق العلاج بالحرارة وأكثرها فعالية. أنتَ لا تحتاج فيها إلى مغطس خاص بل يكفيك المغطس العاديّ. كن حذراً وأنتً تأخذ حماماً ساخناً وتمسَّك جيِّداً فقد تصاب أحياناً بالدوار أو الإغماء.
المغاطس المتناقضة (بارد / ساخن)
تؤَمِّن هذه المغاطس راحة أكبر لمرضى التهاب المفاصل الرثياني من العلاج الساخن أو البارد خاصة حالات إصابة اليد والقدم. تحتاج في هذه الحالة إلى وعاءين كبيرين تملأ أحدهما بماء ساخن (110 درجة فهرنهايت) والثاني بماء بارد (65 درجة فهرنهايت)؛ ثم تضع المفصل في الماء الساخن لمدَّة دقيقة واحدة. أعِد الكرَّة ولكن لمدَّة 4 دقائق في الماء الساخن ودقيقة في الماء البارد وكرِّر ذلك حتى تنقضي نصف ساعة واحرص على إنهاء المغاطس بالماء الساخن. يمكن استخدام مغسلتين ملتصقتين إن لم تجد أوعية مناسبة.
ملاحظة: استعمل ماءً فاتراً وليس شديد السخونة. يمكن قياس درجة حرارة الماء بواسطة ميزان الطقس.
كمادات ساخنة / باردة
تعتبر الكمادات المليئة بالهلام والتي تباع في الصيدليات أفضل ما يمكن استخدامه في هذا المجال خصوصاً أنَّها عملية جداً وثمنها مقبول.
يمكنك تسخين هذه الكمادات في المايكروويف أو تبريدها في الثلاجة. تتبدَّد السخونة أو البرودة مع الاستعمال. أما مدة الجلسة فيستحسن ألا تتعدَّى ال 20 إلى 30 دقيقة. من جهة أخرى، يمكن أيضاً استعمال هذه الكمادات في علاج التواءات المفاصل وتشنج العضلات والتهابات الأوتار البسيطة.
اللجوء إلى اختصاصيّ
يحتاج علاجك إلى فريق عمل صحيّ يتألَّف من أعضاء عدَّة: الطبيب والمعالج الفيزيائيّ ومعالج الأمراض المهنية وأخصائي أمراض نفسية أو حتى معالج بالطب البديل كوخز الإبر الصينية. وهم يستخدمون طرقاً وتقنيات مختلفة لمساعدتك على التخلّص من الألَم.
السيطرة الفيزيائية على الألَم
التمارين
قد تكون التمارين أفضل ما تتبعه لمجابهة الألَم. يستطيع المعالج الفيزيائي أن يرشدك إلى برنامج تمارين لتقوية العضلات المحيطة بالمفاصل وتحسين مدى حركة هذه المفاصل.
التدليك
يساعد التدليك على تنشيط الدورة الدموية والاسترخاء وتخفيف الآلام والانتفاخ الموضعيّ. يمكنك الاستعانة بمعالجين اختصاصيين في مجال تدليك مرضى التهاب المفاصل. أمَّا إذا كنتَ ترغَب بتدليك نفسَك بنفسِك أو بواسطة أحَد الأقرباء فمن الضروريّ جداً أن تتوقف فور شعورك بالألَم. قم بتدليك العضلات المحيطة بالمفاصِل إذا كانت هذه المفاصِل شديدة الإيلام أو الانتفاخ؛ حاوِل أيضاً الاستعانة بالعلاجات الحارَّة أو الباردة. ولا تنسَ استعمال الزيوت الخاصة أو المستحضرات التي تسَهِّل عملية التدليك وتساعد على انزلاق اليدَين بسهولة على الجلد.
ملاحظة
لا تنسَ إزالة الزيوت والمستحضرات الخاصة بالتدليك قبل العلاج الحارّ كي تتجنَّب الإصابة بحروق.
علاج إضافي بالحرارة
بالإضافة إلى العلاج الحار البسيط الذي يمكن متابعته في المنزل، يلجأ المعالج الفيزيائيّ أحياناً إلى تقنيات متطوِّرة لإزالة الألَم.
ومنها مغاطس زيت البارافين الدافئ للمفاصل المصابة وخاصَّة اليدين أو الموجات ما فوق الصوتية والموجات الحرارية القصيرة التي تسمح بتغلغل الحرارة إلى الجسم. وهذه تقنيات تحتاج إلى مراقبة دقيقة لأنَّها قد تؤذي بعض أنواع الالتهاب.
حقن الستيرويد
يخفف الستيرويد من الألَم والانتفاخ. يضطر الطبيب أحياناً إلى حقن المفاصل المصابة بالكورتيزون كمفاصل الورك والركبة والكاحل. وهوَ لا يتجاوز عادةً العدد المحدد للحقن (اثنتين أو ثلاثة في السنة) لأنَّها قد تضرّ بالمفاصل.
تخدير العصب
يستعمل هنا دواء مخدِّر للعصب لتخفيف الألَم ولكنَّ مفعوله يدوم لفترة قصيرة مما يحدّ من استخدامه.
شحنات كهربائية عبر الجلد لاستثارة العصب
توقف هذه التقنية الإشارات العصبية فتمنع بذلك الألَم من الوصول إلى الدماغ. يضَع المعالج مسرى كهربائيّ على الجلد في مناطق ثمَّ يوصله بآلة تعمل على البطارية وترسل شحنات كهربائية ضعيفة وغير مؤلِمة. كما أنَّها قد تؤدي إلى إفراز هرمونات الأندروفن التي تحارب الألَم.
العلاجات البديلة
بدأت العلاجات الأخرى (كوخز الإبر) تفرض نفسها نسبياً في الأوساط العلمية.
العلاج النفسي للألم
تعتبَر المحافظة على الإيجابية في التفكير عاملاً هاماً يساهم في القدرة على التعايش مع الآلام المزمنة. لكنَّك قد تحتاج إلى الدعم الإضافيّ وإلى التدرّب على ذلك. انظر إلى المسألة على أنَّها وسيلة حيوية تساعدك على السيطرة على التهاب المفاصل.
العلاج السلوكي
يهدف العلاج السلوكي إلى تحديد ردَّات الفعل على الألَم وتعديلها لتعزيز القدرة على مواجهة الألَم. وقد يعني ذلك تغيير أنماط الحياة المعتادة وإدخال نشاطات متوازنة تلائم قدراتك حتى تتمكَّن من التغلّب على التغيّرات الحاصلة وتقييم الأولويات وتحسين ردَّات الفعل على الضغط وبالتالي تقبّل الألَم تقبلاً أفضل.
علاجات أخرى تتعلَّق به
بالإضافة إلى العلاج السلوكي لمجابهة الألَم تتوفَّر علاجات أخرى تساعد على تحسين مستوى النشاط وتخفيف الألَم.
معلومات المؤَشِّرات الحيوية
يتمتع الجسم بردَّات فعل فورية على الضغط: تشنج العضلات وتغيّر حرارة الجلد وضغط الدم والنبض. تعلِّمك هذه الطريقة كيفية السيطرة على ردات الفعل هذه للتغلّب على الألَم.
يتمّ وصلك إلى آلة مراقبة أثناء الجلسة مع المعالج فتعطيك هذه الأخيرة معلومات حول القلب والتنفّس وقوَّة العضلات وحرارة الجلد. ويساعدك المعالج على إزالة الضغط عن الجسم عبر تقنيات الاسترخاء.
التدريب على الاسترخاء
هنالك طرق عدَّة ترشدك إلى كيفية استرخاء الجسد والفكر. وهيَ تتضمَّن الاسترخاء العضليّ التدريجيّ والتنفس العميق والتخيّل الموَجَّه وتمارين التأمل.
يعتبر الاسترخاء العضليّ التدريجيّ من أكثر طرق الاسترخاء شيوعاً؛ وفيه يتمّ التركيز على كلّ عضلة تدريجياً. يمكنك أوّلاً البدء بضغط عضلة واحدة لمدَّة 5 إلى 10 ثوان موجِّهاً تركيزك إلى الإحساسات الناجمة عن هذا الضغط ومتعرِّفاً بذلك إلى هذه العضلة (أو مجموعة العضلات) ومن ثم تقوم بعدها بترخية العضلة مرَكِّزاً هذه المرَّة على مشاعر الاسترخاء وزوال الضغط. بعد ذلك تنتقل إلى ممارسة هذه الطريقة بزيادة مجموعة العضلات تدريجياً حتى تصل إلى ترخية الجسد كلّه.
أما الجوّ المناسب لممارسة الاسترخاء فهو غرفة هادئة يمكن فيها الاستلقاء على الأرض أو على كرسيّ هزاز أو على فراش؛ المهم أن تشعر بالراحة وليس بالتعب. يمكنك اللجوء إلى معلِّم خاص يحوِّل انتباهك إلى أعماق نفسك فتتعلَّم أن تركز وتسترخي في الوقت نفسه ويمكنك ممارسة الاسترخاء في المنزل لوحدك. هنالك أشرطة يمكنك الاستماع إليها إلاَّ أنَّ التدريب الحيّ أكثر فعالية. وقد تصبح في نهاية المطاف قادراً على الاسترخاء دون سماع توجيهات صوتية من شخص آخر.
تهدف تقنيات الاسترخاء إلى تخفيف الضغط عن الجسم وهيَ تمارس في أيِّ وقت من النهار تشعر فيه بالضغط والألَم وتحتاج فيه إلى إزالة التوتر كي تتابع عملك.
المراكز الطبية للآلام المزمنة
إذا كانت آلامك شديدة قد يوصي طبيبك باللجوء إلى مراكز طبية متخصصة في علاج الألَم المزمن حيث يشترك عدة مختصين في علاجك. تطلب بعض المراكز من المريض النوم داخل المركز فيما تقوم مراكز أخرى بالعلاجات للحالات الخارجية.
تأتي أهمية تعاون المختصين على معالجة الألَم في أنَّ الطريقة الواحدة لمعالجة الألَم قلَّما تكون كافية. وبالإضافة إلى التركيز على الألَم، يساهم أخصائيو هذه المراكز في المساعدة على إزالة العوائق التي تنتج عنه (كالمشاكل العائلية والزوجية والمادية والنفسية).
من هم هؤلاء المساعدين؟
طبيب التخدير: يشارك في إزالة الألَم عبر تخدير العصب.
معالج مهنيّ: يساعدك على المحافظة على أسلوب حياتك واستقلاليتك في المنزل ويعلِّمك كيفية الاستعانة بالأدوات المساعدة وتأمين الجوّ الذي يجنبك كلّ ما هوَ مؤلِم.
المعالج الفيزيائيّ: يساعد على ممارسة تمارين خاصة تسمح بالقيام بأعمالك دون ألَم. يستعمل المعالجون الفيزيائيون طرق التدليك والموجات ما فوق الصوتية والعلاجات الحارَّة والباردة لمعالجة التهاب المفاصل.
الطبيب النفسي: وهوَ طبيب مختصّ بعلم الأمراض النفسية وعلاجها (مدَّة التخصص أربع سنوات بعد حصوله على شهادة الطب العام). يقوم بتشخيص الاضطرابات السلوكية وعلاجها وقد يصف أدوية وجلسات علاج نفسيّ. يجمع اختصاصه بين الطب الداخلي وأمراض الأعصاب.
العالم النفسي: مختص في معالجة الاضطرابات النفسية. يكون حائزاً على شهادة عليا واختصاص فيها. وهوَ يستخدم طرق الاسترخاء لمعالجة التهاب المفاصل بالإضافة إلى العلاج السلوكي ولكنه لا يصف الأدوية ولا يقوم بفحص سريريّ.