التصنيفات
القلب | جهاز الدوران | أمراض الدم

العلاج والوقاية من ارتفاع ضغط الدم | دراسات

إن التحليل الأشمل والأكثر منهجية لأسباب الموت كان قد نشر في مجلة لانست، إحدى أبرز المجلات الطبية في العالم. لقد ضمت دراسة العبء الدولي للأمراض أكثر من خمسمائة باحث من أكثر من ثلاثمائة معهد وخمسين دولة وفحصت أكثر من مائة ألف مصدر بيانات.

وقد سمحت لنا نتائج الدراسة بالإجابة عن سؤال مثل: “كم حياة يمكن إنقاذها من الموت حول العالم لو قاطع الناس الصودا؟” أفضل إجابة عن السؤال؟ ٢٩٩٥٢١ حياة. فالمشروبات الغازية والخالية من السعرات ليست فاشلة فحسب في تحسين الصحة – بل هي سبب في زيادة الوفيات. لكن الصودا ليست قاتلة بقدر ما يفعل اللحم المقدد أو السجق المدخن أو الهوت دوج. إن اللحم المعالج مسئول عن وفيات ما يزيد على ثمانمائة ألف شخص كل عام. وهو عدد يزيد بأربع مرات على مجمل من يموتون جراء استخدام العقاقير الممنوعة.

وقد ذكرت الدراسة كذلك الأطعمة التي إن أضيفت إلى نمطنا الغذائي، ربما أمكنها إنقاذ حياتنا. إن تناول المزيد من الحبوب الكاملة قد ينقذ حياة أكثر من ١.٧ مليون شخص سنويًّا، فماذا عن الخضراوات؟ تنقذ حياة ١.٨ مليون شخص. ماذا عن الجوز والبذور؟ تنقذ حياة أكثر من ٢.٥ مليون شخص. كما أن الباحثين لم يبحثوا في أثر الفوليات، لكن من بين كل ما فحصوه، أي الأطعمة وجدوا العالم أكثر حاجة لها؟ إنها الفاكهة. فإذا تناول الناس مزيدًا من الفاكهة، فإننا قد ننقذ حياة أكثر من ٤.٩ مليون شخص. هذا يعني وجود حياة ٥ ملايين شخص تقريبًا على المحك، وإنقاذها ليس مرتبطًا بدواء أو مصل جديد – مرتبط فقط بتناول مزيد من الفاكهة.

إن سبب الوفاة المحتمل الأول في العالم هو ارتفاع ضغط الدم؛ فمرض ضغط الدم يقضي كل عام على حياة تسعة ملايين شخص. إنه يقتل كل هذا العدد؛ لأنه يسهم في الوفاة من أوجه عديدة، منها تمدد الأوعية الدموية، والأزمات القلبية، وقصور القلب، والفشل الكلوي، والسكتة الدماغية.

قياس ضغط الدم

لا بد من أنك قست ضغط دمك في عيادة طبيب، وتلت عليك الممرضة رقمين، لنقل مثلًا، ١١٥ / ٧٥؛ فالرقم الأول (“الانقباضي”) هو ضغط شرايينك حال دفق الدم في القلب؛ والرقم الثاني (الانبساطي) هو ضغط دمك في الشرايين حال ارتياح قلبك بين النبضتين. وتعرف جمعية القلب الأمريكية ضغط الدم “الطبيعي” بأنه حين يكون الرقم الانقباضي دون ١٢٠ والرقم الانبساطي دون ٨٠ – أو ١٢٠/٨٠. وأي قراءة فوق ١٤٠/٩٠ يعتبر ضغطًا عاليًا. وما بين هاتين القراءتين يعتبر حالة ما قبل الضغط العالي.

مضاعفات ارتفاع ضغط الدم

إن ارتفاع ضغط الدم يضيف جهدًا على القلب وقد يتلف الأوعية الدموية الحساسة في عينيك وكليتيك، ويسبب نزيفًا في مخك، وربما يؤدي إلى تضخم بعض الشرايين ومن ثم تمزقها. كون ارتفاع الضغط قادرًا على تخريب العديد من أجهزتك الحيوية وزيادة احتمالات إصابتك بأمراض القلب والسكتة الدماغية، وهما اثنان من أهم أسباب الوفاة لدينا، فإن هذا يفسر وضعه على رأس قائمة عوامل الخطورة القاتلة في كل العالم.

تناول النمط الغذائي الغربي المهلك للشرايين

في الولايات المتحدة، يعاني ثمانية وسبعون مليون شخص تقريبًا ارتفاع ضغط الدم– هذا يعادل واحدًا من بين كل ثلاثة بالغين. ومع التقدم في السن يميل ضغط دمك إلى التزايد المستمر، في الواقع، أن نسبة ٦٥٪ ممن يتخطون سن الستين يتوقع لهم الوصول إلى حالة ارتفاع ضغط الدم. وهو ما قاد الكثير من الناس، ومنهم الأطباء، إلى الاعتقاد أن ارتفاع ضغط الدم هو مثل التجاعيد والشعر الأبيض، نتيجة حتمية للتقدم في السن. لكننا نعلم طيلة قرن مضى أن ذلك غير صحيح.

ففي عشرينيات القرن الماضي، قام الباحثون بقياس ضغط دم ألف شخص من أصول كينية يتبعون نظامًا غذائيًّا منخفض الصوديوم يقوم أساسًا على الأطعمة النباتية الكاملة: حبوب كاملة، فوليات، فاكهة، خضر ورقية داكنة، وخضراوات أخرى. حتى سن الأربعين، كان ضغط دم الأفارقة الريفيين قريبًا بمستواه لدى الأوروبيين والأمريكيين، حوالي ١٢٥/٨٠. لكن مع تقدم الغربيين بالسن، بدأ ضغط دمهم في الصعود متجاوزًا أقرانهم من الأفارقة. وبحلول الستين، أصبح الغربي مصابًا بمرض ضغط الدم، مع مستوى ضغط دم يتجاوز ١٤٠/٩٠، فماذا عن الكينيين؟ بحلول سن الستين وتحسن متوسط ضغط الدم لديهم في واقع الحال ليصل إلى١١٠/٧٠.

حد ال ١٤٠/٩٠ يعتبر في ضغط الدم نقطة فاصلة. تمامًا كوجود الكثير من الكوليسترول أو الدهون في الجسم، فإن ثمة منافع في أن يكون لديك ضغط دم أقل حتى من المعدل الطبيعي؛ ولذا فإنه حتى من يبدأ بالمعدل الطبيعي افتراضًا ١٢٠/٨٩ يستفيد من الانخفاض إلى ١١٠/٧٠. لكن هل من الممكن فعل هذا. انظر إلى الكينيين – لم يكن الأمر سهلًا فقط، بل بدا طبيعيًّا لمن يتبعون أنظمة غذائية صحية وأنماط تغذية نباتية.

على مدى عامين، أدخل ١٨٠٠ مريض إلى مستشفى ريفي كيني، فكم كان عدد حالات ارتفاع ضغط الدم بينهم؟ صفر. كذلك لم تكن هناك أية حالة تعاني قاتل الأمريكيين الأول، تصلب الشرايين.

يبدو، إذن، أن ارتفاع ضغط الدم اختيار. يمكنك الاستمرار في تناول النمط الغذائي الغربي المهلك للشرايين، أو تختار التخلص من هذا الضغط. والحقيقة أن التخلص من عامل الخطورة الأول لحالات الوفاة قد يكون غاية في السهولة. بلا عقاقير، وبلا جراحات، فقط تغذية صحية.

ضرر استهلاك الصوديوم

أكبر عاملي خطورة غذائيين باتجاه الوفاة والإعاقة في العالم هما عدم الكفاية من تناول الفاكهة والإكثار من الملح. إن حوالي خمسة ملايين شخص يموتون كل عام نتيجة لعدم تناولهم ما يكفي من الفاكهة، بينما تناول الكثير من الملح يقتل ما يزيد على أربعة ملايين كل عام.

الملح مركب من الصوديوم بنسبة ٤٠٪ والكلوريد بنسبة ٦٠٪. بالنسبة للصوديوم فهو مادة مغذية أساسية، لكن الخضراوات وغيرها من الأطعمة الطبيعية تمد الجسم بالقدر البسيط المطلوب منه، فإذا استهلكت الكثير منه، فإن ذلك قد يؤدي إلى اختزان الماء، ويتفاعل جسمك مع هذا برفع ضغط الدم لدفع السوائل والأملاح الزائدة خارج المنظومة الجسدية.

في نسبة ال ٩٠٪ الأولى من رحلة التطور، كنا غالبًا ما نتناول أغذية تحتوي على كمية قليلة تعادل ربع ملعقة صغيرة من صوديوم الملح كل يوم. لماذا؟ لأن معظم ما كنا نأكله كان نباتًا. لقد عشنا في هذه الدنيا لملايين السنين من دون ملاحات المائدة، حتى تشكلت أجسادنا على أن تكون آلات حذرة إزاء الصوديوم. وقد سرنا على ذلك بشكل جيد إلى أن اكتشفنا إمكانية حفظ الطعام باستخدام الملح. لم نبال برفع الملح المضاف للطعام ضغط دمنا، حيث إن البديل كان التضور جوعًا لفساد الطعام من دون ملح.

لكن ما الذي أدى إليه ذلك الآن؟ بنهاية الحال، لم نكن بحاجة ماسة للاستمتاع بالمخللات واللحم المقدد. لقد فُطرت أجساد الناس على استهلاك الصوديوم بمقدار أقل بعشر مرات من استهلاكنا الحالي. والكثير من الأطعمة التي يدعى أنها قليلة الملح يمكن اعتبارها في واقع الحال أغذية عالية الملوحة؛ ولذا كان من الضروري أن نميز بشكل جيد ما هو طبيعي حين يتعلق الأمر باستهلاك الصوديوم، فاستهلاك معدل “طبيعي” من الملح يؤدي إلى مستوى “طبيعي” لضغط الدم، والذي يسهم في وفاتنا بكل الأسباب “الطبيعية”، مثل الأزمات القلبية والسكتات الدماغية.

لذا توصي جمعية القلب الأمريكية كل شخص بأن يكون استهلاكه يوميًّا من الصوديوم أقل من ١٥٠٠ مليجرام وهو ما يعادل ثلاثة أرباع ملعقة صغيرة من الملح. ويستهلك الشخص الأمريكي، في المتوسط، أكثر من ضعف هذه الكمية، ٣٥٠٠ مليجرام يوميًّا. إن تقليل استهلاك الصوديوم في العالم بمقدار ١٥٪ فقط قد ينقذ ملايين الناس كل عام.

لو استطعنا تقليل ما نتناول من ملح كل يوم إلى نصف ملعقة صغيرة تقريبًا، وهو ما يمكن إنجازه بتجنب الأطعمة المالحة وعدم إضافة الملح إلى طعامنا، لأمكننا منع نسبة تقدر بـ ٢٢٪ من وفيات السكتات القلبية و١٦٪ من الأزمات القلبية القاتلة. وهو عدد يفوق ما يمكننا إنقاذه من الأرواح إذا نجحنا بعلاجهم بأدوية ضغط الدم. وببساطة، تقليل الملح إجراء منزلي بسيط يأتي بفاعلية أكبر من الوصفات الدوائية المجتلبة من الصيدليات. كما أنه بالإمكان إنقاذ ما يزيد على اثنين وتسعين ألف أمريكي كل عام بتقليل ما نتناوله من ملح.

إن الدليل جلي على أن الصوديوم يرفع ضغط الدم، ومن ذلك تجارب عشوائية ذات تعمية كاملة أجريت قبل عقود. إذا اخترنا مرضى بضغط الدم وألزمناهم بنظام تغذية قليل الصوديوم، فإن مستوى ضغط الدم ينخفض، فإن بقينا على هذا النمط الغذائي محدود الملح وأضفنا معه دواء وهميًّا، لا يحدث شيء. لكن إذا أعطيناهم بدلًا من هذا ملحًا في شكل حبات تتدرج في كمية الصوديوم، فإن ضغط الدم يعود إلى الارتفاع ثانية. فكلما زاد الصوديوم الذي يتناولونه سرًّا، ارتفع مستوى ضغط الدم.

حتى وجبة واحدة فقط يمكنها إحداث ذلك التأثير. إذا أخذنا شخصًا بمعدل ضغط دم طبيعي وأعطيناه طبق حساء يحوي متوسط كمية الملح التي تكون في وجبة أمريكية معتادة ، فسوف يقفز معدل ضغطه مباشرة في الساعات التالية مقارنة بما يحدث لو أنه تناول الحساء ذاته من دون أي ملح مضاف. إن العديد والعديد من الدراسات المشابهة تظهر أن تقليل ما نتناوله من ملح يؤدي إلى تقليل ضغط الدم. وكلما قللنا، كان ذلك أفضل نفعًا. لكنك إن لم تقلل من ملح طعامك، فإن الإصرار على الملح العالي يقود إلى زيادة متدرجة في ضغط الدم على امتداد حياتك.

لقد تعلم الأطباء أن ضغط الدم الانقباضي”الطبيعي” قراءته ١٠٠ إضافة إلى سن الشخص. وهذا ما ولدت عليه تقريبًا؛ حيث يبدأ الأطفال حياتهم بضغط دم يدور حول ٩٥/٦٠. لكن، مع السن، ترتفع قراءة ٩٥ لتصل إلى ١٢٠ بحلول العشرينات من عمرك. بوصولك إلى سن الأربعينات، قد يصل إلى ١٤٠ – وهي البداية الرسمية لضغط الدم المرتفع – ويظل في ارتفاعه هذا مع تقدم العمر.

فماذا يحدث لو أنك بدلًا من استهلاك كمية صوديوم تعادل ما صمم جسدك لاستيعابه عشر مرات، تناولت الكمية الطبيعية الموجودة في الأطعمة الكاملة فحسب؟ هل من الممكن أن يظل ضغط دمك منخفضًا طوال حياتك؟ لاختبار ذلك، علينا أن نجد أولًا مجتمعًا في أيامنا هذه لا يأكل أفراده الملح، أو الطعام المعالج، أو لا يتناولون طعامهم خارج البيت. ولكي نجد هذه الثقافة الخالية من الملح، كان على العلماء الذهاب بعيدًا حتى غابات الأمازون المطيرة.

إن قبائل يانو مامو الهندية لا تعرف ثقافة الملاحات والتشيتوس وكنتاكي؛ فقد سجل لديهم أقل مستوى للصوديوم على الإطلاق – أو لنقل إنهم يتناولونه بالقدر الذي برمجت أجسادنا على استيعابه. واللافت أن الباحثين وجدوا أن معدلات ضغط الدم بين عجائز هنود اليانو مامو كانت هي ذاتها بين خلفهم من الصغار. بعبارة أخرى، يبدأ هؤلاء حياتهم بقراءة ضغط قيمتها ١٠٠/٦٠ وتبقى معهم طوال حياتهم. لذا لم يستطع الباحثون إيجاد حالة ارتفاع ضغط دم واحدة.

ما الذي يجعلنا نشك في أن السبب عائد للصوديوم؟

فعلى كل حال، هنود اليانو مامو الذين خضعوا للدراسة لا يشربون الكحول، ويتبعون نظامًا غذائيًّا نباتيًّا كثير الألياف، ويمارسون الرياضة، ولا يعانون السمنة. بتجربة تدخلية أمكن إثبات التهمة على الصوديوم. تخيل؛ إذا أخذنا أشخاصا يحتضرون حرفيًّا بسبب ارتفاع خارج عن السيطرة لضغط الدم (ويعرف بضغط الدم الحديث)، وهي حالة تصاب فيها بالعمى من كثرة نزف عينيك، وتتوقف كليتاك، وفي النهاية يتوقف القلب. ماذا لو أخذنا أمثال هؤلاء المرضى على معدلات هنود اليانو مامو في تناول الملح – بعبارة أخرى، المعدل الطبيعي المناسب للجنس البشري؟

وقد جاء الدكتور والتر كيمبنر بنظام تغذية الأرز والفاكهة. ومن دون عقاقير دوائية، تمكن من الانخفاض بمرضى ذوي ضغط شديد الارتفاع من ٢٤٠/١٥٠ ليصل به إلى ١٠٥/٨٠ بالتغيير الغذائي فحسب، فكيف سمح لنفسه أخلاقيًّا بأن يمنع الأدوية عن مرضى في حالات بالغة السوء؟ لم تكن أدوية الضغط شديد الارتفاع قد ظهرت بعد؛ فقد كان الدكتور كيمبنر يجري تجاربه هذه في الأربعينيات. وفي ذلك الوقت، كانت حالة ضغط الدم الخبيث هي بمثابة حكم إعدام، بمأمول عمر لا يتجاوز ستة أشهر. لكنه كان قادرًا على إيقاف مسار المرض بالتغذية وحدها في ٧٠٪ من الحالات. ورغم أن ذلك النظام الغذائي لم يكن قائمًا فقط على تقليل الصوديوم؛ فإنه كان نظامًا غذائيًّا نباتياً صارمًا بقليل من الدهون والبروتينات. يعرف الدكتور كيمبنر بأنه، وبلا أدنى شك، الشخص الذي أكد أن بالإمكان خفض ضغط الدم المرتفع بخفض الصوديوم.

إضافة إلى ضغط الدم المرتفع، يمكن لزيادة الملح في الطعام أن يضر بأداء الشرايين، حتى بين من لا علاقة لضغط دمهم بما يتناولونه من ملح. بعبارة أخرى، يمكن للملح بحد ذاته أن يضر بشراييننا حتى من دون صلة بتأثيره على ضغط الدم. ويبدأ هذا الضرر بعد ثلاثين دقيقة.

باستخدام تقنية تسمى مقياس دوبلر للتدفق، تمكن الباحثون من قياس تدفق الدم في الأوعية الدموية الصغيرة تحت الجلد. وبعد وجبة متخمة بالصوديوم، يكون تدفق الدم ضعيفًا إلى حد كبير – إلا إذا تم الحقن بفيتامين سي تحت الجلد، والذي يوقف الكثير من تأثير الصوديوم على عمل الأوعية الدموية، فإن كان لمضاد الأكسدة القدرة على حجب تأثير الصوديوم، فمعنى هذا أن الآلية التي يتلف بها الصوديوم وظيفة الأوعية هي الإجهاد التأكسدي، أي تكون جذور كيميائية سائبة في مجرى الدم.

لقد اتضح أن الصوديوم يوقف نشاط الإنزيم الرئيسي المضاد للأكسدة في الجسم وهو سوبر أكسيد الديسميوتاس، والذي لديه القدرة على نزع السمية من ملايين الجذور السائبة في الثانية الواحدة. ومع تعطيل الصوديوم لهذا العمل الجبار للإنزيم، تزيد معدلات الإجهاد التأكسدي في الشرايين. بعد وجبة واحدة كثيرة الملح، لا يرتفع ضغط الدم فحسب، بل تبدأ الشرايين في التيبس كذلك. وربما ذلك ما أورثنا على مدى آلاف السنين قناعة بأن كثرة الملح مضرة.

ثلاثة أرباع الملح يأتينا من الأغذية المحفوظة

ليس مستغربًا ألا تتحمس صناعة الملح لفكرة تقليلنا من استخدامه، ففي عام ٢٠٠٩، اقتبست جمعية القلب الأمريكية قول رئيس اللجنة الأمريكية للإرشادات الغذائية بأن على الأمريكيين تقليل تناولهم للصوديوم، فقال سالت إنستيتيوت، وهو رئيس مؤسسة لتجارة الملح، لرئيسة اللجنة بأن لديها “انحيازات غير صحية” إزاء الملح، متهمًا إياها بإصدار ” أحكام مسبقة في مسألة الملح”. وهو مسلك شبيه بشكوى صناع السجائر بانحياز جمعية الرئة الأمريكية ضد التدخين. وبالطبع لم يكن صناع الملح المتضررين الوحيدين، فقد اتضح أن الجبن هو أحد أكثر الأطعمة إسهامًا في زيادة مدخول الأمريكيين من الصوديوم، وقد وقف المعهد الوطني للألبان كتفًا بكتف مع بيج سالت في إدانة توصيات اللجنة.

إن لصناعة الملح شركات خاصة للعلاقات العامة والتأثير تجيد لعب تكتيكات صناع الدخان للتهوين من مخاطر منتجها. لكن قد لا يكون الأشرار الحقيقيون في هذه المسألة هم بارونات مناجم الملح – إنهم صناع الأغذية المحفوظة. إن صناعة الأغذية التي تدر استثمارات تقدر بتريليون دولار تستخدم ملحًا وسكرًا رخيصًا وقذرًا في أطعمتنا. وهذا ما يجعل من الصعب تلافي الصوديوم في النمط الغذائي الأمريكي المعتاد، حيث إن ثلاثة أرباع الملح يأتينا من الأغذية المحفوظة وليس من ملاحات المائدة. إن ارتباطك الشديد بالأطعمة السكرية والمالحة يتلف براعم التذوق إلى الحد الذي يجعل مذاق الأطعمة الطبيعية في لسانك مثل طعم الكرتون. وبالطبع لن تكون أنضج ثمرة فاكهة بحلاوة طعم الفروت لوبس.

لكن هناك سببين آخرين مهمين يدفعان صناع الطعام لإضافة الملح؛ السبب الأول: إن أضفت الملح للحم، فإنه يتمدد في الماء. وبهذه الطريقة، يمكن للشركة زيادة وزن منتجها بنسبة تقترب من ٢٠٪. وحيث إن اللحم يباع بالرطل، فإن زيادة بمقدار ٢٠٪ تعني أرباحًا كبيرة في مقابل كلفة زهيدة جدًّا. والسبب الثاني: أن تناول الطعام المالح، وكما يعلم الجميع، يشعر بالعطش. وهو سبب يشجع محال المشروبات إلى عرض سلال من الجوز المملح للتناول المجاني، وهو كذلك السبب الذي يدفع إمبراطوريات المشروبات الغازية التي تملك شركات إنتاج التسالي والمقرمشات. حيث تشتري علبة الشراب البارد ومعه التسالي المملحة وتتضاعف المنفعة. ليست مصادفة إذن أن تجد بيبسي وفريتو – لاي أجزاء في المجموعة نفسها.

سؤال سريع! أيها أكثر احتواء على الصوديوم: طبق لحم بقري، أم قطعة دجاج طبيعية مسلوقة، أم عبلة ماكدونالدز كبيرة من البطاطس المقلية، أم معجنات مملحة؟

الإجابة: الدجاج. إن العاملين في الدواجن يحرصون على حقن الدجاج بعد ذبحه بماء مملح لزيادة الوزن، رغم أن الورقة على العبوة تقول طبيعية ١٠٠٪. لقد انتهت مجلة كونسيومر ريبورتس إلى أن بعض المتاجر تملأ الدجاج بالملح حتى إن الطبق منها يعطي ما يعادل ٨٤٠ مليجرامًا من الصوديوم – وهو ما يزيد على قيمة يوم كامل من الصوديوم في صدر دجاجة واحدة.

مصادر الصوديوم

إن المصدر الأول للصوديوم الذي يتناوله الأطفال والمراهقون في أمريكا هو البيتزا. شريحة واحدة من بيتزا البيبروني من بيتزا هات تحوي نصف الكمية الموصى بعدم تجاوزها من الصوديوم في يوم كامل. وللبالغين فوق سن الخمسين، المصدر الأول للصوديوم هو الخبز، لكن بين سن العشرين والخمسين يكون المورد الأول للصوديوم هو الدجاج – وليست المشروبات المعلبة، ولا المعجنات، ولا رقائق البطاطس كما قد يتوقع المرء.

كيف تتغلب على نزوعك الفطري إلى الملح والسكر والدهون؟

اصبر بضعة أسابيع فحسب، وستجد أن مجسات التذوق لديك قد بدأت بالتعسر. حين ثبت الباحثون مجموعة من الأشخاص على أطعمة قليلة الملح، وبمرور الوقت، بدأ هؤلاء الأشخاص في الاستمتاع بالحساء الخالي من الملح وتراجع ميلهم نحو الحساء شديد الملوحة والذي كانوا يحبونه في السابق. ومع تقدم خطوات الدراسة، وحين سمح للمشاركين بوضع الملح في حسائهم، وجد أنهم يفضلونه أقل ملحًا بكثير؛ لأن مجسات التذوق لديهم طبعت على مستويات أكثر صحية من الملح.

الشيء ذاته يثبت مع السكر والدهون؛ فالبشر على الأغلب يمكنهم استطعام الدهن، كقدرتهم على استطعام الحلو والحامض والمالح. وأولئك الذين يلتزمون بنظام غذائي قليل الدهون سوف يفضلون الطعام قليل الدهون على كثيره. وسيصبح لسانك أكثر حساسية للدهون، وكلما صار لسانك أكثر حساسية، قل ما تتناوله من زبد ولحم وألبان وبيض. على الجانب الآخر، إذا أفرطت في تناول هذه الأطعمة، فسوف تبرد حساسية لسانك للدهون، ما قد يقودك لتناول المزيد من السعرات والدهون والألبان واللحوم والبيض، ومن ثم زيادة الوزن. وهذا كله يحدث في غضون أسابيع.

هناك ثلاثة أشياء يمكنك فعلها لتغيير مستوى ملح طعامك. أولًا، لا تضع ملحًا على المائدة. (واحد من كل ثلاثة أشخاص يضعون ملحًا على الطعام حتى قبل تذوقه!) ثانيًا، توقف عن إضافة الملح في أثناء الطهو. قد يبدو لك الطعم سيئًا في البداية، لكن في غضون ما بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع، سيبدو لك الطعم أفضل مذاقًا. وصدق أو لا تصدق، بعد أسبوعين، قد تجد أنك قد أصبحت بالفعل تفضل الطعام بملح أقل. ولتجرب أي مزيج من هذه النكهات الرائعة مثل الفلفل، والبصل، والثوم، والطماطم، والفلفل الحلو، والريحان، والبقدونس، والزعتر، والكرفس، والليم، وبودرة الفلفل الحار، والروزماري، والبابريكا المدخنة، والكاري، والكزبرة، والليمون بدلًا من الملح. كذلك سيكون من المفيد أن تتحاشى الطعام خارج البيت قدر الإمكان، فحتى المطاعم التي لا تعمل في الوجبات السريعة تميل إلى زيادة الملح في طعامها. وأخيرًا، افعل ما بوسعك لتلافي تناول الأطعمة المحفوظة.

في معظم الدول التي خضعت للدراسة، تتحمل الأغذية المحفوظة نصف مدخول الفرد تقريبًا من الصوديوم، لكن في الولايات المتحدة، نحن نحصل من الأغذية المحفوظة على كمية صوديوم لو توقفنا معها كليًّا عن إضافة الملح في المطبخ وغرف الطعام، لظل ذلك المقدار أقل قليلًا من المعدل الطبيعي لاستهلاك الملح. جرب شراء أطعمة بكميات أقل من الصوديوم المدون على العبوة مقارنة بحجمها، فإن كان وزن المنتج ١٠٠ جرام، فيجب أن يكون الصوديوم أقل من ١٠٠ مليجرام. وعلى نحو مشابه، يمكنك التقليل من مليجرامات الصوديوم مقارنة بعدد السعرات التي تتناولها يوميًّا. وتلك خدعة تعلمتها من أحد خبراء التغذية المفضلين عندي، جيف نوفيك. إن معظم الناس يحصلون على حوالي ٢٢٠٠ سعر حراري كل يوم، فإن كان كل شيء تأكله يحوي سعرات أكثر من الصوديوم، فأنت بهذا تفي بالحد الأدني من قواعد الإرشادات الغذائية وهو ٢٣٠٠ مليجرام من الصوديوم يوميًّا.

لكن الأصح أن تشتري الأطعمة التي لا تحمل على الأغلب بطاقات إيضاحية، فمن المستحيل أن تأتي بطعام طبيعي غير معالج لتجده متجاوزًا ل ١٥٠٠ مليجرام يوميًّا بحسب توصيات جمعية القلب الأمريكية في تقليص كميات الصوديوم.

الحبوب الكاملة لخفض مستوى ضغط الدم

في المتوسط، تقلص أدوية ضغط الدم نسب حدوث الأزمة القلبية بمقدار ١٥٪ ونسب حدوث السكتة بمقدار ٢٥٪. لكن في تجربة عشوائية محكومة، استطاعت ثلاث حفنات من الحبوب الكاملة خفض مستوى ضغط الدم بالقدر ذاته. لقد كشفت الدراسة عن أن الغذاء الغني بالحبوب الكاملة يحقق الفائدة نفسها من دون الآثار الجانبية الهائلة التي تتسبب فيها العقاقير المضادة لارتفاع الضغط، مثل الاضطرابات الكهربية لدى من يتناولون المدرات للبول (والتي تعرف كذلك بأقراص الماء)؛ وزيادة احتمالات الإصابة بالسرطان لدى من يتعاطون أدوية إغلاق قنوات الكالسيوم (مثل النورفاسك أو الكارديزم)؛ والبلادة والضعف الجنسي لمن يعالجون بموانع بيتا (مثل لوبريسر وكوجارد)؛ واحتمالات حدوث تورمات مهددة للحياة لمن يعالجون بمثبطات الإنزيم المحول للإنجيوتنسين (مثل الفاسوتيك والألتاس)؛وكذلك مخاطر إصابات السقوط الخطرة الناجمة عن تناول أي من عقاقير ضغط الدم.

لكن الحبوب الكاملة لها آثار جانبية. وهي جيدة كلها، فتناول الحبوب الكاملة مقرون بتقلص نسب الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب التاجية، وزيادة الوزن، وسرطان القولون. لكن انتبه لكلمة كاملة ، ففي حين ثبت أن الحبوب الكاملة كالشوفان، والقمح الكامل، والأرز البني، لديها القدرة على تقليل فرص الإصابة بالأمراض المزمنة، فإن الحبوب المنقحة قد تزيد في الواقع من فرص الإصابة بها، فقد وجد باحثو جامعة هارفارد أنه في حين ارتبط تناول الأرز البني بتراجع احتمالات الإصابة بالسكري، فإن استهلاك الأرز الأبيض يزيد هذه الاحتمالات. التناول اليومي للأرز الأبيض ارتبط باحتمالات إصابة بالسكري أكبر ب ١٧٪، في حين أن استبدال الكمية بمقدار الثلث من الأرز البني يؤدي إلى تراجع احتمالات الإصابة بمقدار ١٦٪. وكذلك فإن استخدام الشوفان والشعير الأبيض هو خطوة ربما أكثر فاعلية، فهو يرتبط بتراجع قدره ٣٦٪ في احتمالات الإصابة بالسكري.

وأخذًا في الاعتبار تحسن نسب عوامل الخطورة القلبية في التجارب التدخلية للحبوب الكاملة، لن يفاجئك التراجع في تطور الأمراض الشريانية بين من يأكلونها بانتظام في دراسة لاثنين من أهم الشرايين في الجسم، الشريان التاجي الذي يغذي القلب والشريان السباتي الذي يغذي المخ، وجد أن من يأكلون الحبوب الكاملة يسير معدل ضيق الشرايين بوتيرة بطيئة جدًّا. وحيث إن الانسدادات التصلبية في الشرايين هي سبب الوفاة الأول، فإن عليك بالتالي ليس فقط إبطاء هذه العملية، بل إيقافها أو القضاء عليها كليًّا. إن هذا يتطلب أكثر من تناول الحبوب الكاملة؛ بل الخضراوات الكاملة، والفاكهة الكاملة، والفوليات الكاملة، وغيرها من الأغذية النباتية الكاملة اللازمة، مع خفض كبير في تناول الدهون المتحولة، والمشبعة، والكوليسترول، والمكونات الغذائية التي تسهم في انسداد الشرايين.

ماذا عن نظام داش الغذائي: منهج غذائي لإيقاف ارتفاع الضغط ؟

فماذا لو كنت من بين ثمانية وسبعين مليون أمريكي مصابين فعليًّا بارتفاع ضغط الدم؟ كيف يمكنك خفضه؟

إن جمعية القلب الأمريكية، والكلية الأمريكية لأمراض القلب، ومراكز المراقبة والوقاية من الأمراض، توصي جميعًا بأن على المرضى القيام أولًا بتعديلات في نمط الحياة مثل تقليل الوزن، وخفض تناول الصوديوم والكحول، وممارسة الرياضة، وتناول غذاء صحي.

لكن إن لم يجد معهم تغيير نمط الحياة، فهذا معناه العودة إلى العقاقير. أولًا تبدأ بمدر البول (حبة الماء)، وسريعًا سريعًا تجد أن الأدوية قد تراكمت لديك لكي يتم خفض ضغط دمك. وقد تنتهي الحال بمرضى ضغط الدم على ثلاثة أصناف مختلفة من الأدوية الخافضة للضغط، إلا أن أقل من نصف المرضى يبقى ملتزمًا بالخط الأول من هذه الأدوية (ومن أسباب ذلك فداحة آثارها الجانبية كضعف القدرة والإرهاق وتقلصات القدم العضلية). وفي نهاية هذا كله، لن تنجح العقاقير الدوائية في علاج المشكلة الرئيسية. والسبب في ارتفاع ضغط الدم ليس عدم كفاءة الدواء. بل هو ما تأكل وكيف تعيش.

وكما سبق أن ناقشنا، يعرف ضغط الدم المثالي بأنه المستوى الذي إذا انخفض عنه الشخص لم يجلب له ذلك نفعًا إضافيًّا، وهو غالبًا في حدود ١١٠/٧٠. فهل يمكنك خفضه لهذا الحد من دون أدوية؟ تذكر أن هذا المستوى هو الطبيعي لمن هم فوق الستين من أعمارهم في أدغال إفريقيا ويعيشون من دون أدوية ويعتمدون على النباتات في أنماط غذائهم. وفي الريف الصيني، وجدنا نتائج مشابهة: فقراءة ١١٠/٧٠ هي القراءة الثابتة طوال الحياة دون ارتفاع بتقدم العمر. والسبب الذي نراه لذلك هو الطبيعة النباتية لغذائهم؛ لأن المجموعة الوحيدة القادرة على الحفاظ على هذا المعدل في الغرب هم النباتيون.

فهل توصي جميع الإرشادات الصادرة عن جمعية القلب الأمريكية وكلية القلب الأمريكية ومراكز الرقابة والوقاية من الأمراض بأن على كل من يعانون ارتفاع ضغط الدم الالتزام بنمط غذائي خال من اللحوم؟ كلا. هم فقط يوصون بنظام داش الغذائي، و “داش” هو اختصار يشير إلى مناهج غذائية لإيقاف ارتفاع الضغط، وهي خطة تغذية موضوعة خصيصًا لخفض ضغط الدم. ورغم وصفها كخطة غذائية نباتية إضافة إلى الألبان (حيث تتناول فيها الألبان مع الامتناع عن تناول اللحوم والبيض)، إلا أن هذا غير صحيح، فوصفة داش تركز على الفاكهة والخضراوات والألبان قليلة الدسم؛ لذلك تبقى فيها اللحوم حاضرة – فقط عليك أن تأكل القليل منها.

فلم لا تكون التوصية بنظام غذائي أوسع؟ نعلم منذ عقود أن “الطعام ذا الأصل الحيواني مرتبط بشدة بضغط الدم الانقباضي والانبساطي بعد رفع عاملي السن والوزن”. كان ذلك مقطعًا من سلسلة دراسات أجريت على يد الطبيب المرموق فرانك ساكس وزملائه في السبعينيات من القرن العشرين، لكن الدراسات المتتابعة منذ العشرينيات كانت تشير إلى أن إضافة اللحوم إلى نظام غذائي نباتي يمكن أن ترفع معدل ضغط الدم في غضون أيام.

فلماذا لم يرفع اللحم من نظام داش الغذائي؟ على أساس أعمال الدكتور ساكس في جامعة هارفارد، أقرت جمعية القلب الأمريكية بأن “بعضًا من أقل الناس ضغطًا في الدول الغربية الصناعية كانوا نباتيين صارمين…” فهل غفل واضعو نظام داش الغذائي عن أعمال الدكتور ساكس؟ كلا، فرئيس اللجنة التي وضعت تصميم هذا النظام الغذائي كان هو الدكتور ساكس نفسه.

والسبب الذي جعل نظام داش على نسق الأنظمة النباتية لكن مع عدم نزع مكون اللحوم سوف يدهشك؛ فالهدف الرئيسي من نظام داش كان خلق نسق غذائي “يشمل الفوائد الخافضة لضغط الدم في النظام الغذائي النباتي لكن مع احتوائه على ما يكفي من منتجات غذائية حيوانية تجعله مستساغًا من قبل غير النباتيين…” لقد أثبت الدكتور ساكس أنه كلما استهلك النباتيون من ألبان، ارتفع مستوى ضغط الدم. لكن رأى أنه ما من فائدة في وضع نظام غذائي لن يتبعه إلا القليلون. وهذه معضلة متكررة في التوصيات الغذائية الرسمية. وبدلًا من تقرير ما يقوله العلم وترك المجال لك لتتخذ قرارك بنفسك، يقوم الخبراء بتوجيه الناس بالدفاع عما يعتقدونه هم أكثر عملية. وباتخاذ القرار نيابة عنك، هم يبخسون حق أولئك المستعدين لإحداث تغييرات أعظم نحو صحة أفضل. ان نظام داش يساعدك على خفض ضغط الدم، لكن التأثير الرئيسي له ليس من جراء التحول إلى ألبان منخفضة الدسم ولحوم بيضاء أو بالتقليل في تناول الحلويات والدهون لكنه يحدث من جراء زيادة كميات الخضراوات والفاكهة. فإن كانت الفوائد بسبب الأطعمة النباتية المضافة، فلِمَ لا نكافح لكي نركز غذاء الناس حول هذه الأغذية الصحية من الأساس؟

يصبح هذا السؤال ربما أكثر بروزًا حين تعلم بنتائج التحليل الكلي عام ٢٠١٤ (مزيج من عدة دراسات مشابهة) والذي يظهر أن الأغذية النباتية قادرة بشكل خاص على خفض ضغط الدم. وكلما زاد العنصر النباتي، كان أفضل. إن الأنماط الغذائية الخالية من اللحوم في العموم: “توفر الحماية ضد الأمراض القلبية والدموية… وبعض أنواع السرطان والوفاة إجمالا”, لكن الأغذية النباتية بشكل كامل: “توفر مستوى إضافيًّا من الحماية من السمنة وضغط الدم وسكر النمط الثاني ووفيات أمراض القلب والدورة الدموية”.

يبدو أن ثمة انخفاضًا تدريجيًّا في معدلات ضغط الدم كلما ازداد ما نتناوله من الأطعمة النباتية. وفق دراسة على تسعة وثمانين ألف شخص من كاليفورنيا، وبالمقارنة مع أناس يأكلون اللحوم أكثر من مرة في الأسبوع، وجد أن أشباه النباتيين (أولئك الذين يأكلون لحمًا أقل، عدة مرات فقط كل شهر) ذوو معدلات ضغط أقل بنسبة تصل إلى ٢٣٪. وأولئك الذين يقاطعون كل أنواع اللحوم ما عدا الأسماك معدلات ضغطهم أقل بنسبة ٣٨٪، وأولئك الذين يقاطعون جميع أنواع اللحوم تصل نسبة الانخفاض لديهم إلى ٥٥٪. أما من يقاطعون اللحوم والألبان والبيض فهم الأفضل على الإطلاق بنسبة تصل إلى ٧٥٪. إن الذين يأكلون طعامًا نباتيًّا خالصًا تخلصوا من ثلاثة أرباع احتمالات إصابتهم بارتفاع الضغط.

حين بحث العلماء في السكر ووزن الجسم، وجدوا ذات النمط من التحسن بالتوازي مع تقليص استهلاك المنتجات الحيوانية وزيادة الأغذية النباتية. أولئك الذين يأكلون طعامًا نباتيًّا تقل لديهم لأقصى حد احتمالات الإصابة بالسكري حتى مع حساب عامل الوزن، لكن ماذا عن ارتفاع الضغط؟ بالمتوسط، أولئك الذين يأكلون طعامًا نباتيًّا كاملًا أقل ب ١٣.٦ كيلوجرامات من أولئك الذين يتناولون طعامًا تقليديًّا. فهل السبب في امتياز حالة ضغط دمهم نحافتهم؟ بعبارة أخرى، هل يتمتع أكلة اللحوم المساوون للنباتيين في الوزن بنفس مستوى ضغط دمهم الجيد؟

للإجابة عن هذا السؤال، كان على الباحثين إيجاد مجموعة أفراد يأكلون النمط الغذائي الأمريكي التقليدي, لكنهم في الوقت ذاته في أوزان النباتيين. ولإيجاد مجموعة يأكلون اللحوم وفي الوقت ذاته يتمتعون بالرشاقة وخفة الوزن، استخدم الباحثون رياضيين يحترفون رياضات تحمل من زمن بعيد، حيث يجرون يوميًّا، في المتوسط، ثمانية وأربعين ميلًا كل أسبوع على مدى واحد عشرين عامًا مضت. إن المشاركة في سباقي ماراثون كل أسبوع على مدى عشرين عامًا، تجعل المرء في نحافة آكل النبات مهما كان ما يأكله! ثم قارن الباحثون بين هؤلاء الرياضيين الأشداء مع مجموعتين: أكلة لحوم قليلي الحركة تقل رياضتهم عن ساعة أسبوعيًّا ونباتيين قليلي الحركة يأكلون طعامًا غير معالج ونيئًا تقريبًا.

فكيف جاءت الأرقام؟ غير مفاجئة، فقد جاء العداءون المتبعون للنمط الأمريكي في الطعام بمعدل ضغط أفضل من نظرائهم من أكلة الطعام غير الرياضيين: ١٢٢/٧٢ في مقابل ١٣٢/٧٩، وهو المستوى الذي يعادل مرحلة ما قبل ضغط الدم المرتفع. لكن ماذا عن النباتيين غير الرياضيين؟ كان متوسط ضغطهم رائعًا ١٠٤/٦٢. من الواضح أن النمط الغذائي الأمريكي كفيل بهدر جهد ألفي ميل من الجري كل عام فلا يرتقي بك لمستوى ضغط دم نباتي كسول.

بذور الكتان

نشرت إحدى المجلات الطبية مقالًا بعنوان ” بذور الكتان: دفاع معجز في مواجهة أمراض خطرة”. لكن تجارب تداخلية قيمة نشرت في دورية هايبرتينشن وجدت أنه في هذه الحالة لا تعبر كلمة معجز أبدًا عن واقع الحال.

نادرًا ما يرى المرء دراسة غذائية بهذا المستوى: فهي تجربة مستقبلية، عشوائية، كاملة بمجموعة تحكم ودواء وهمي. وهو وضع يصعب ضبطه مع الطعام، في تجارب الأدوية، يسهل عقد تجربة كاملة التعمية: يعطي الباحثون المشاركين حبة سكر تشبه تمامًا شكل حبة الدواء، ولا يكون المعطي للحبة ولا آخذها على علم بأي من الحبتين حقيقي وأيهما مصطنع (هذا في حالة العشوائية المزدوجة أو الكاملة). لكن كيف يمكنك فعل هذا مع الطعام؟ سوف يعرف الناس إن حاولت إضافة ربع كوب من بذور الكتان في طعامهم.

لقد جرب الباحثون حيلة ذكية للتغلب على هذه المشكلة. إنهم ابتكروا عدة وصفات لأطعمة معروفة منها الفطائر والباستا والتي يمكنهم فيها التمويه بمحتويات وهمية مثل النخالة والمولاس لكي تطابق قوام ولون الأطعمة التي يدخلها الكتان. بهذه الطريقة، أمكنهم خلط الناس عشوائيًّا في مجموعتين وبدأوا سرًّا بوضع ملاعق من بذور الكتان في طعام نصف المشاركين ليروا حجم تأثيره.

بعد ستة أشهر، أولئك الذين تناولوا الطعام الوهمي، عاد ضغط دمهم للارتفاع، وظل كذلك، على الرغم من أنهم كانوا يتناولون أدوية متنوعة لعلاج ارتفاع الضغط، في المتوسط، بدأوا الدراسة بضغط قراءته ١٥٨/٨١ وانتهوا بقراءة ١٥٨/٨١، فماذا عن مرضى الضغط الذين تناولوا دون علم منهم بذور الكتان يوميًّا؟ انخفض ضغط دمهم من ١٥٨/٨٢ ليصبح ١٤٣/٧٥. إن انخفاضًا قدره سبع نقاط في ضغط الدم الانبساطي قد لا يبدو بالشيء الكبير، لكن هذه الانخفاض يقلل احتمالات إصابتهم بالسكتات بنسبة ٤٦٪ وأمراض القلب بنسبة ٢٩٪.

كيف نقارن هذه النتائج بالعقاقير؟ لقد نجحت بذور الكتان في خفض دم المرضى الانقباضي والانبساطي بمقدار خمس عشرة نقطة وسبع نقاط على التوالي. قارن هذه النتائج بتأثيرات أحد العقاقير القوية لضغط الدم، مثل أدوية غلق قنوات الكالسيوم (النورفاسك، والكارديزم، والبروكارديا)، والتي وجد أن لها القدرة على خفض ضغط الدم ثماني نقاط وثلاث نقاط على التوالي، أو مثبطات الإيه سي إي (مثل الفاسوتيك، واللوتينسين والزيستريل، والألتاس)، والتي تخفض الضغط خمس نقاط ونقطتين على التوالي. إن بذور الكتان الأرضي أشد فاعلية بمرتين أو ثلاث مرات من هذه الأدوية، وليس لها أي آثار سلبية. وإضافة إلى مقاومتها للسرطان، ثبت لبذور الكتان من خلال دراسات علاجية قدرتها على السيطرة على الكوليسترول، والتريجليسريد، وسكر الدم؛ وتقليل الالتهاب، ومعالجة الإمساك بنجاح.

شاي الكركديه Hibiscus tea لعلاج ضغط الدم المرتفع

يستخلص شاي الهيباسكس من زهرة تحمل الاسم نفسه، ويعرف كذلك بالروزيل، أو السوريل، أو الجمايكا، أو الشاي الحامض. بطعم لاذع مختلف، ونكهة كرزية، ولون أحمر وضاء، تقدم هذه العشبة ويستمتع الناس بتناولها ساخنة وباردة في كل أنحاء العالم. وبمحتوى مضاد للأكسدة بمقارنة المحتوى المضاد للأكسدة في ٢٨٠ نوعًا من المشروبات الشائعة الأخرى، يأتي الهيباسكس في المرتبة الأولى، متخطيًا مشروبات أخرى من الوزن الثقيل مثل الشاي الأخضر. في غضون ساعة من تناوله، ترتفع القدرة على وقف الأكسدة في دمك على نحو كبير، معلنة عن أن المواد المضادة للأكسدة في الشاي قد تم امتصاصها في جسدك. إذن, ما تأثيرات هذا الامتصاص على صحتك؟

للأسف تأثيره في مواجهة السمنة محبط، فبعد إعطاء الهيباسكس لأناس مفرطي الوزن لشهور، لم يجد الباحثون سوى انخفاض قدره ٢٠٠ جرام كل شهر في مواجهة دواء وهمي. والدراسات المبكرة على التأثيرات المخفضة للكوليسترول بدت واعدة، فشراب كوبين من شاي الهيباسكس كل يوم لمدة شهر يؤدي إلى انخفاض بنسبة ٨٪ في مستوى الكوليسترول، لكن حين توضع جميع هذه الدراسات معًا، نخرج في النهاية بنتائج ليست بالهائلة. ربما يكون ذلك لأن أثر شاي الهيباسكس ظهر فقط على نصف المشاركين في الدراسة، فإن كنت في النصف المحظوظ، فقد ينخفض معدل الكوليسترول لديك بمقدار ١٢٪.

لكن ارتفاع ضغط الدم هو ما يبرع فيه شاي الهيباسكس أو الكركديه. في دراسة مزدوجة التعمية بمجموعة تحكم ودواء وهمي من جامعة تافتس تمت مقارنة تأثير شاي الهيباسكس مع مشروب ملون برائحة اصطناعية؛ فظهر أن تناول ثلاثة أكواب من هذا الشاي يخفض معدلات ضغط الدم على نحو ملحوظ لدى مرضى بالغين مصابين بارتفاع ضغط الدم وذلك بالمقارنة بالمشروب الوهمي. لكن بأي مقدار منه يتحقق الأثر؟ وكيف هو أثر الهيباسكس مقارنة بغيره من التدخلات العلاجية؟

إن تجربة بريمير العلاجية خلطت عشوائيًّا مئات الرجال والنساء ممن يعانون ضغط دم مرتفعًا في مجموعة تحكم “للنصيحة فقط” أو في مجموعة تدخل نشط. لقد منحت مجموعة التحكم منشورًا يطلب منهم إنقاص وزنهم، وتقليل منسوب الملح في طعامهم، وزيادة نشاطهم الرياضي، وتناول طعام صحي (مثل التزامهم مثلًا بنظام داش الغذائي). أما مجموعة التدخل السلوكي فتلقت التوجيهات نفسها, لكن حصلت معها على محاضرات مباشرة، وحضروا لقاءات المجموعة، وسجلوا يومياتهم بخصوص الطعام، وراقبوا نشاطهم البدني، وسعراتهم الحرارية، وكمية ما يصلهم من الصوديوم. وفي غضون ستة أشهر، حققت مجموعة التدخل انخفاضًا في معدل الضغط الانبساطي قدره أربع نقاط مقارنة بمجموعة النصيحة. قد لا يبدو انخفاضًا كبيرًا، لكن بالقياس نجد أن انخفاضًا قدره خمس نقاط يؤدي إلى انخفاض قدره ١٤٪ في وفيات السكتات الدماغية، و٩٪ في وفيات النوبات القلبية، و٧٪ في معدلات الوفاة بشكل عام سنويًّا. لكن دراسة جامعة تافتس أظهرت أن تناول كوب من شاي الهيباسكس مع كل وجبة يخفض معدل الضغط الانقباضي بمقدار ست نقاط مقارنة بمجموعة تحكم.

لخفض ضغط دمك، يجب أن تنقص وزنك، وتقلل ما تتناول من ملح، وتمارس الرياضة، وتأكل طعامًا صحيًّا، لكن الدليل واضح على أن إضافة شاي الهيباسكس لروتينك اليومي قد يوفر لك حماية إضافية، مقارنة بما توفره عقاقير خفض الضغط، في اختبار المقارنة المباشر مع عقاقير خفض ضغط الدم، وجد أن كوبين من الهيباسكس المركز كل صباح (بإجمالي خمسة أكياس شاي) يخفض معدل ضغط الدم بفاعلية جرعة مبدئية من عقار كابتوبريل مرتين في اليوم.

إلا أن ثمة اختلافات بينهما: للكابتوبريل آثار جانبية، أكثرها شيوعًا الطفح الجلدي، والسعال، وتلف القدرة على التذوق، وربما يحدث كذلك تورمًا قاتلًا في الحلق، إلا أن تلك حالة شديدة الندرة. لكن ليست هناك أية أعراض جانبية مذكورة بشأن تناول الهيباسكس، لكن اعلم أنه لم يسم الشاي الحامض من فراغ. فإن شربته، عليك بشطف فمك بالماء بعده حتى تمنع الأحماض الطبيعية التي في الشاي من أن ترقق طبقة المينا الموجودة على أسنانك. ونظرًا لغناه الشديد بالماغنسيوم، ولكي تبقى في الأمان، لا أوصي بتناول أكثر من أربعة أكواب منه كل يوم.

الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة

إن أحادي أكسيد النيتروجين ( NO ) هو ناقل حيوي مهم داخل الجسم، ورسالته تقول: “افتح يا سمسم!” حين يفرز من البطانة (الخلايا المبطنة لشرايينك)، فإنه يرسل إشارة للألياف العضلية الموجودة في جدران شرايينك طالبًا منها الاسترخاء، لكي تتوسع فتسمح لمزيد من الدماء بالتدفق. وهذا سر فاعلية أقراص النيتروجلسرين: حيث يأخذه الناس حين يشعرون بألم في الصدر ليتحول إلى أحادي أكسيد النيتروجين، وهو ما يعمل على توسيع الشريان التاجي، فيسمح هذا بمرور قدر أكبر من الدماء إلى عضلة القلب. إن عقاقير ضعف القدرة تعمل بالطريقة ذاتها؛ حيث تحفز إفراز أحادي أكسيد النيتروجين، والذي يعمل على إرخاء شرايين القضيب فيتحسن تدفق الدم فيه.

لكن ما يجب عليك فعلًا أن تقلق بشأنه هو الخلل البطاني، وهو فشل بطانات الشرايين في إنتاج أحادي أكسيد النيتروجين الكافي لتوسيع تلك الشرايين. إن هذه المادة يفرزها إنزيم يسمى سينثاز أحادي أكسيد النيتروجين. وأعداؤه هي الجذور الكيماوية، والتي لا تلتهمه فحسب، بل يمكنها كذلك دفعه إلى إطلاق مزيد من الجذور الكيميائية السائبة. ودون ما يكفي من أحادي أكسيد النتروجين، تتيبس شرايينك، ويختل أداؤها، ويرتفع ضغط الدم وتزيد احتمالات النوبات القلبية.

إذن, فأنت بحاجة إلى إغراق جسدك بالأطعمة النباتية الغنية بمضادات الأكسدة على امتداد يومك وذلك للتخلص من الجذور الكيميائية السائبة وإتاحة الفرصة لسينثاز أحادي أكسيد النيتروجين للقيام بعمله بإبقاء الشرايين في حالة وظيفية مثالية. وهناك جهاز أشعة فوق صوتية يستخدمه الباحثون لقياس مستوى التمدد الذي يحدثه أكسيد النيتروجين في شرايينك. وقد استخدمت إحدى الدراسات هذا الجهاز فوجدت أنك إن أخذت أناسا متبعين للنسق الغذائي الغربي المعتاد، ودفعتهم للتقليل أكثر من مضادات الأكسدة، ما زادت حالة شرايينهم سوءًا، حيث يبدو أننا قريبون من حالة السوء الكاملة فيما يتعلق بالأداء الوظيفي للشرايين، ولم يعد هناك مجال لمزيد من السوء أصلًا. لكنك إن ثبتهم على نمط غذائي غني بمضادات الأكسدة، مع أشياء أخرى كثيرة، فيستبدلون الموز ويأتون بالتوت، والشيكولاتة السوداء بالبيضاء، فإنهم في غضون أسبوعين، سوف يحققون قفزة كبيرة في قدرة الشرايين على الاسترخاء والتوسع بشكل طبيعي.

البنجر (الشمندر) والخضراوات الورقية

إضافة إلى تناول الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة التي تعزز قدرة الجسم على إفراز أكسيد النيتروجين، يمكنك أيضًا تناول أصناف معينة من الخضراوات، مثل البنجر (الشمندر) والخضراوات الورقية، الغنية بالمغذيات الطبيعية، والتي يمكن لجسمك تحويلها إلى أحادي أكسيد النيتروجين. وتشرح هذه العملية السر في قدرة الباحثين على تحقيق انخفاض قدره عشر نقاط في ضغط دم متطوعين بعد ساعات من تناولهم عصير البنجر – وهو أثر استمر لديهم طوال اليوم.

إلا أن هذه الدراسة كانت قد أجريت على أشخاص أصحاء. ونحن بحاجة لاختبار فاعلية البنجر على من تهمهم فاعليته – مع أولئك الذين يعانون ضغط الدم المرتفع، فإذا كانت الخضراوات الغنية بالنترات قادرة على التأثير على أهم عوامل الخطورة المؤدية للوفاة، فلماذا تأخرنا حتى العام ٢٠١٥ لكي نجد هذه الدراسة منشورة؟ حسنًا، من سيمولها؟ إن شركات الأدوية تجني كل عام ما يزيد على ١٠ بلايين دولار من جراء بيع أدوية الضغط. لكنك لن تحقق هذه البلايين بالترويج للبنجر؛ ولذا نحن محظوظون جدًّا لوجود مؤسسات خيرية مثل مؤسسة القلب البريطانية، والتي مولت أخيرًا دراسة عصير البنجر على أشخاص يعانون ارتفاع ضغط الدم.

قدم لنصف المشاركين كوب عصير بنجر يوميًّا لمدة أربعة أسابيع، بينما قُدم لنصفهم الآخر مشروب وهمي غير مميز لا يحتوي على النيترات. ولم ينخفض ضغط الدم الانقباضي لثماني نقاط عند شاربي البنجر وحسب، لكن الفوائد تعاظمت أسبوعًا بعد أسبوع، مشيرًا إلى أن تحسُّن الضغط سوف يتواصل مع الوقت. انتهى العلماء إلى القول بأن “الخضراوات الغنية بالنيترات ثبت أنها اقتصادية، ومحتملة، ومفضلة لعلاج ضغط الدم”.

والجرعة المثالية منه هي نصف كوب، لكن عصير البنجر سريع التلف، ومعالج، ويصعب إيجاده. وعلبة وزنها ١.٤ كيلوجرامات من البنجر ستوفر ذات الجرعة من النيترات، لكن أكثر المصادر تركيزًا لهذا المركب توجد في الخضراوات الورقية الداكنة الخضرة. وفيما يلي قائمة بأعلى عشرة أصناف أطعمة غنية بالنيترات، مرتبة تصاعديًّا. وكما ترى، ثمان من العشر خضر ورقية.

يأتي الجرجير في المرتبة الأولى ب ٤٨٠ مليجرامًا من النيترات في كل مائة جرام من الجرجير، وهو ما يعادل محتوى البنجر منه أربع مرات.

وأصح طريقة للحصول على ما يكفيك من النيترات كل يوم هي أن تتناول طبق سلطة كبيرًا كل يوم. يمكنك الحصول على النيترات والمكملات المحفزة لأحادي أكسيد النيتروجين، لكن لذلك تبعات أمان وفاعلية يجب التعامل معها. ماذا عن عصير V 8 والذي يباهي بجمعه بين البنجر والسبانخ؟ ليس فيه الكثير؛ لأنك بحاجة لشرب تسعة عشر كوبًا لكي تصل إلى المعدل المنشود يوميًّا من النيترات.

إن فوائد النيترات تشرح سبب ارتباط تناول الخضر الورقية بتقلص أمراض القلب والعمر الأطول، هذا ناهيك عن تأثيرها الجنسي الرائع. نعم، هناك علاقة وطيدة بين تناول الخضراوات وتحسن تدفق الدم إلى أهم عضو في الجسم، المخ. وليس لتناول البنجر أثر جانبي سوى بعض لون مختلف – البراز والبول الأحمر.

إن اختبار ضغط الدم يسهل تجاهله أو تأجيله، فبخلاف جميع أمراضنا الفتاكة، قد لا تظهر الآثار الجسام لضغط الدم إلى أن تجد نفسك محمولًا في عربة إسعاف أو مسجى في قبر؛ ولذا عليك بالتوجه إلى أقرب صيدلية، أو محطة إطفاء، أو مكتب طبيب وقم بقياس ضغطك، فإن كان عاليًا جدًّا، فالخبر السيئ هو أنك قد انضممت إلى بليون شخص آخرين لديهم هذه الحالة. والخبر السعيد أنك لن تصبح واحدًا من ملايين الأشخاص يموتون كل عام بهذه الحالة. لذا حاول أن تحيا وتأكل بطريقة صحية لأسابيع قليلة، وستدهشك النتائج. وإليك بعض القصص عن أناس نجحوا في ذلك فعلا.