تستخدم العلاجات التي تركز على تغيير طرق التفكير لدى الأطفال وصغار السن بشكل أوسع في مجال الصحة العقلية لدى الأطفال والمراهقين. ينشأ عن تلك الطريقة في العلاج خطوة كبيرة نحو تدخلات مركزة وهادفة تدعمها أدلة متكاثرة على أنها تعمل بشكل جيد.
إن الفكرة في صميم هذا الشكل من التدخلات هي أن الأمور كالتفكير والمزاج والسلوك مرتبطة بعضها ببعض، وأن أي تغيير يطرأ على أحدها ينتج عنه تغير في الباقي.
لمحة عامة
– تستخدم الآن بشكل واسع الأساليب القائمة على السلوك الإدراكي لعلاج اضطرابات نفسية لدى الأطفال والمراهقين.
– يقوم العلاج المبني على السلوك الإدراكي (CBT) لعلاج صغار السن على الفرضية القائلة إن مصدر الاضطرابات النفسية لديهم هو –بشكل جزئي– نقصان في عمليات الإدراك أو مهاراته.
– يتضمن (CBT) إجراءات شتى. تركز تقنيات الإدراك على تغيير أنماط التفكير لدى الأشخاص لإحداث تغيرات في السلوك أو المزاج.
– لكن تلك النظريات تؤكد أيضا أن عملية التعلم والطرق التي يمكن تغيير محيط الأطفال بها قد تحدث تغييرا في السلوك والإدراك معا.
– يتطلب العلاج القائم على السلوك الإدراكي تعاونا نشيطا بين المريض والمعالج.
– لقد استخدمت العلاجات القائمة على السلوك الإدراكي لعلاج الكثير من أشكال الاضطرابات النفسية لدى الأطفال ولكن أثرها الواضح كان على الاكتئاب والقلق واضطرابات السلوك.
– يؤدي علاج (CBT) إلى نتائج باهرة في الأطفال الأكبر سنا، الذين يعيشون في محيط اجتماعي متزن، ولم تتم تجربته بشكل كاف على صغار السن من الأطفال ذوي المشكلات الحادة.
التقنيات
يستخدم معالجو السلوك الإدراكي عددا من التقنيات المختلفة في عملهم الانفرادي مع الأطفال. يعتمد اختيار التقنية على عوامل عدة، بما في ذلك مستوى الطفل من التطور، وطبيعة المشكلة التي تعالج، والطراز النفساني الذي اعتمده المعالج لتحديد أسباب المشكلات لدى الطفل. ولكن معظم علاجات (CBT) تشترك في الصفات التالية.
موقف المعالج
يعتبر الموقف الذي يتخذه المعالج في هذا الأسلوب من التدخل موقف المستشار والمدرس، فهو نشيط ومنهمك، ولكنه لا يملك كل الأجوبة، ويسعى إلى تكوين علاقة متعاونة مع الطفل تمكنه من حث الطفل على التفكير من تلقاء نفسه. يركز أيضا المعالج على أن يتخذ الطفل العبر من التجارب التي يمر فيها. لهذا نرى أن هناك فروضا منزلية يجب على الطفل أن يقوم بها تطرح إبان الجلسة، كما هو الحال في علاج (CBT) للراشدين. تتم صياغة تلك الفروض على أنها تجارب، فعلى سبيل المثال قد يشعر الطفل بأنه غير محبوب كصديق من قبل طفل آخر يريد أن يتجنبه قدر الإمكان. قد يخلص الطفل والمعالج إلى أن خير وسيلة لاستنباط الحقيقة هي أن على الطفل الذي تتم معالجته أن يحاول التحدث إلى ذلك الطفل.
التقييم وتحديد الهدف والصياغة المبدئية
يهدف التقييم إلى توفير وصف مفصل للمشكلة القائمة تتطابق مع الصياغة السلوكية الإدراكية لصعوبات الطفل، وعليه أيضا أن يوفر معلومات تتعلق بظروف الطفل الاجتماعية، بما في ذلك القوي منها والضعيف.
يبدأ اللقاء الأولي بمراجعة كاملة لكل المشكلات وأعراضها. يقوم المعالج بعد ذلك -بتعاضد مع الطفل وعائلته- بتحليل مفصل لما يعرف عادة بشكل يكتنفه الغموض بالشكاوى التي تحدد بشكل أوضح، المشكلات التي هي أكثر إيلاما للطفل وأولياء أمره، والتي هي أكثر استجابة للعلاج. قد تساعد معايير قياسية لسلوك الأطفال وعواطفهم على تعريف تلك المشكلات. وغالبا ما تكون هذه طريقة ناجحة لقياس التغير. يحاول المعالج بعدها جاهدا أن يحدد هوية تشوهات الإدراك أو نقصانه التي ترافق عادة غالبا الاضطرابات السلوكية أو العاطفية عند الأطفال. وأخيرا يتم تقييم المحيط الاجتماعي القائم بين الأطفال وعائلاتهم وأصدقائهم ذوي السن الأكبر والجيرة والمدرسة. يجب أن يكون هناك تأكيد خاص على مواطن القوى لدى الأطفال وعائلاتهم، أو بين الأطفال والمحيط الاجتماعي الأوسع.
ترتكز الصياغة القائمة على السلوك الإدراكي على معلومات مستقاة من التقييم الأولي، ويجب أن تكون توضيحا مكتوبا للمشكلة يلقي الضوء على العوامل الإدراكية والسلوكية التي يعتقد بأنها تلعب دورا في التسبب في مشكلات الأطفال أو استمرارها. وعليها أيضا أن تعكس تأثير العوامل الخارجية كمصاعب العائلة أو مشكلات مع صديق أكبر سنا على آراء الشخص الصغير هذا (طفلا كان أم مراهقا) حول نفسه وحول العالم من حوله.
التعليم والتواصل مع الطفل والعائلة
يجب أن تبدأ أشكال العلاج كلها (CBT) بتوضيح التشخيص والطراز الذي سيتبع لعلاج الطفل في عائلته. تعتمد طبيعة هذا التوضيح على مستوى الإدراك المتطور لدى الطفل. يستطيع عادة هؤلاء الصغار الذين قد توصلوا إلى ما يدعوه “بياجيه” “المهارات الأساس للتفكير” أن يفهموا توضيح العلاج (CBT) الذي سيقدم للراشدين. وقد يحتوي توضيح كهذا مثلا على العلاقة القائمة بين الطريقة التي يفكر بموجبها الشخص عن نفسه ومحيطه وبين سلوكه أو أحاسيسه. ومع هذا يجد العديد من الأطفال والمراهقين الصغار صعوبة في التفكير. وقد يطلبون توضيحات أكثر تلاؤما مع مستوى نموهم. فقد يقص المعالج على الطفل قصة عن حالة اجتماعية لها العديد من التأويلات، كشخص غريب يطرق الباب مثلا، ثم يتحرى مع الطفل مختلف الأفكار والأحاسيس التي يمكن أن تنشأ. ثم يتحدث معه عن الكيفية التي سيشعر بها الطفل إذا ظن أن الغريب هذا يشبه القاتل الذي ظهرت صورته في نشرة الأخبار المسائية على التلفاز.
كثيرا ما ينهمك الوالدان ببرامج (CBT). فعلى سبيل المثال قد يساعدون في دعم الفروض المنزلية، وقد يدلون -إضافة إلى هذا- بمعلومات عن الضغوطات التي يتعرض لها الطفل الآن، وعن استمرار بعض الأعراض التي قد يمانع الطفل في التحدث عنها (كمشكلات تتعلق بصداقة مع شخص أكبر سنا وأخرى عن سلوك معاد للمجتمع).
حل المشكلة
يعتبر حل المشكلة في شكلي التعامل مع الاضطرابات النفسية لدى الأطفال، هذا القائم على الإدراك وذاك القائم على السلوك عنصرا أساسا. بالرغم من أن المسببات لكثير من المشكلات العاطفية أو السلوكية قد تكون عبارة عن إدراك أو نتائج محددة، ولكنها قد تنشأ أيضا من جراء مشكلة خارجية. لتلك المشكلات عادة طبيعة خاصة بالعلاقات بين الأشخاص كأفراد العائلة أو أصدقائه الأكبر سنا. يساعد تدريب الأطفال على حل مشكلاتهم على التصدي لتلك المشكلات الخارجية، ويوفر طرازا مفيدا للكثير من إجراءات السلوك الإدراكي. يتطلب حل المشكلات عند الأطفال القيام بخطوات كتلك التي يخطوها الراشدون. يقوم المعالج بادئ ذي بدء بتشجيع الطفل على ذكر مشكلة ما يسهل حلها، ثم يطلب منه السعي لإيجاد العديد من الحلول الممكنة لها. يعتمد بعد هذا الحل الأمثل. ثم تحدد الخطوات الواجبة للقيام بهذا الحل. ثم يترك الطفل للمحاولة، وبعد هذا يتم تقييم مجمل النشاطات تلك.
جوهر التقنيات الإدراكية
يكمن في صلب معظم علاجات الإدراك المستخدمة لشفاء صغار السن تقنيات تستنبط وتراقب آليات الإدراك، وتصحح مفاهيمهم ومعتقداتهم المشوهة عن العالم المحيط بهم.
يركز القائمون على تلك العلاجات -لدى كل المرضى على اختلاف أعمارهم- على مراقبة الذات، أي على جدولة الأفكار وتسجيل العلاقة بينها وبين الظواهر الأخرى كأساليب السلوك أو التجارب الحديثة، مستخدمين التقنيات المتبعة لشفاء الراشدين لمعالجة المراهقين الأكبر سنا نفسها. أما بالنسبة للأطفال فمن الواجب استخدام طرق أكثر ملاءمة لعامل النمو المحدود.
يشكل إعادة بناء الإدراك جزءا هاما من أجزاء برنامج (CBT). فالخطوة الأولى هنا هي تحديد الفكرة؛ أي أن الفكرة ذاتها يجب أن تدون، ثم يتم اعتبار الحجج والدلائل التي تدعم صحة تلك الفكرة. ثم يتم بعد هذا اعتبار تلك التي ترمي بظلال الشك على تلك الفكرة. وأخيرا يجب على المرضى أن يتوصلوا إلى خلاصة عقلانية سليمة – قائمة على مجمل تلك الدلائل- عن صلاحية هذه الفكرة أو فقدانها. تخضع الأفكار المسببة للمشكلات إلى مواقف ذهنية وافتراضات عن الذات أو عن العالم، فمن وجهات النظر النموذجية هنا
– على سبيل المثال – هي أن المريض لا يشعر بالسعادة إلا إذا كان محبوبا من الجميع، أو أن العنف أو العدوان هو سبيل من السبل المقبولة لحل الخلافات بين الأشخاص. لا يمكن للمرء عادة أن يحدد وجهات النظر تلك بالواسطة المتبعة لتحديد الأفكار المريضة، لأن وجهات النظر تلك ليست واضحة في ذهن المريض، ويتم اعتبارها كقواعد ضمنية تستخلص نتيجة لتصرف المريض. من الممكن أن يشجع المريض -في المراحل اللاحقة لعلاج المراهقين الأكبر سنا- على أن يبحث عن نماذج معينة من ردود الفعل على حالات قد تفشي سر القواعد الضمنية الآنفة الذكر. قد تنجح هذه التقنيات في منع انتكاس المريض أو المريضة.
جوهر تقنيات السلوك
يقوم المعالج باستخدام تقنيات السلوك أيضا جنبا إلى جنب مع التقنيات الإدراكية. تستخدم تقنيات الكشف عندما يحاول المريض تجنب أمر من الأمور المخيفة كالمدرسة مثلا. يتضمن العديد من البرامج نظاما للطوارئ السلوكية حيث يكون هناك جدول من المكافآت لقيام أو تعزيز التصرفات المقبولة. يكون للأبوين دور في نظام المكافآت هذا. ولكن بعض البرامج تركز على تقوية الذات بالذات، حيث يقوم الطفل بمكافأة نفسه.
تزداد معظم الاضطرابات النفسية سوءا من جراء الخمول. يتضمن برنامج جدولة النشاطات إدراجا لكل النشاطات الهادفة أو الممتعة للطفل ليوم من الأيام. يتعاون الطفل والمعالج وأولياء أمر الطفل على رسم خطة يومية لنشاطات الطفل ساعة تلو الساعة. وتستخدم أيضا تقنيات السلوك المحدد لمعالجة بعض الأعراض المرضية. فقد يعالج أمر النوم القلق عن طريق إجراءات تؤدي إلى النظافة لتجنب أعراض القلق البدنية.
التطبيقات
تم تطبيق علاجات (CBT) على معظم اضطرابات الأطفال النفسية. إن أكثر الدلائل قوة على مفعول هذه العلاجات تلك المتعلقة بثلاثة من أمراض النفس، هي: اضطراب السلوك واضطرابات الاكتئاب واضطرابات القلق.
اضطرابات السلوك
تركز البرامج السلوكية الإدراكية التي تعنى باضطراب السلوك لدى الشباب، بما في ذلك العداء، تركز بشكل قوي على الإدراك الاجتماعي وحل المشكلات بين الأفراد. إن الهدف من هذا العلاج هو إصلاح التشويه في الإدراك وإزالة الضعف لحل المشكلات التي قد تم تحديدها بواسطة البحث القائم على التجربة. لقد تم إنشاء عدد من البرامج. ولمعظمها السمات التالية: تمكن المراقبة الذاتية لسلوك المراهقين من تحديد وعنونة الأفكار والمشاعر والأوضاع التي تتم فيها. يمكنهم اتخاذ منظور اجتماعي محدد كي يصبحوا أكثر وعيا لنوايا الآخرين في العديد من الأوضاع الاجتماعية. الإفادة من الصور الموجزة عن القضايا ولعب الأدوار وتحديد الطراز ونتائج التجارب. فقد يسأل الأطفال -على سبيل المثال- عما يحدث في فيلم من الأفلام. يهدف التدريب على السيطرة على الغضب إلى زيادة الوعي بالمؤشرات المبكرة لفوران الغضب -كتذكر ضغينة سابقة على سبيل المثال-. ويهدف أيضا إلى إيجاد طرق للسيطرة على النفس. ويحاول التدريب على المهارة في حل المشكلات أن يقلص النقص في القدرات الإدراكية لحل المشكلات التي قد توجد عند الشباب العدائيين.
اضطرابات الاكتئاب
لقد تم إنشاء العديد من طرق العلاج القائمة على السلوك الإدراكي – التي تختلف يشكل طفيف عن مثيلاتها – لعلاج الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين. لهذه الطرق السمات التالية:
أولا- يبدأ العلاج بجلسة أو جلسات تتعلق بتمييز العواطف ومراقبة الذات. والهدف من هذا هو مساعدة الشاب على التفريق بين مختلف الأوضاع الحسية (كالحزن والغضب مثلا)، ثم البدء بربطها مع أحداث خارجية وأفكار وأحاسيس.
ثانيا – قد تستخدم المهمات السلوكية لتقوية التصرفات المطلوبة. ومن ثم تتم مساعدة الشاب على ضبط الأعراض المرضية. كثيرا ما تجمع تقوية الذات مع جدولة النشاطات، حيث يتم تشجيع الشاب على الدخول في برنامج للنشاطات البناءة أو الممتعة. ويتم تعليم المرضى أن يحددوا لأنفسهم أهدافا واقعية وخطوات صغيرة لتحقيقها وأن يكافئوا أنفسهم عند القيام بخطوة أخرى تجاه الهدف هذا. من الشائع في هذه المرحلة أن يقدم المعالج تقنيات أخرى للتصرف لمعالجة بعض الأعراض السلوكية، أو أعراض الخمول العائدة إلى الاكتئاب. فعلى سبيل المثال لا ينام بعض الشبان المكتئبين جيدا ويمكن تقديم المساعدة لهم بإجراءات يقومون بها للنظافة البدنية قبل النوم.
أخيرا يستخدم بعض التقنيات الإدراكية لتقليص إحساسات الاكتئاب. فقد يتم مساعدة بعض المراهقين على تحديد بعض تشوهات الإدراك، ثم تحديها باستعمال التقييم القائم على إيجابياتها وسلبياتها. وتستعمل أيضا تقنيات أخرى -كالتركيز على جسم ما- للحد من الأفكار السلبية التلقائية.
اضطرابات القلق
إن المكونات الأساس لعلاجات (CBT) المتعلقة بالأطفال ذوي اضطرابات القلق هي تعلم كيفية التعامل مع القلق هذا ومزاولة تلك المهارات في الحياة الفعلية. إن الحل الرباعي الخطوات هو من أكثر الحلول انتشارا. إنه يبدأ بالسؤال: “هل تشعر بالخوف؟” (وهو الشعور بالقلق ويتمثل هذا بأعراض جسمية)، ثم السؤال: “هل تتوقع حدوث أشياء سيئة؟” (وهو الشعور بالحديث السلبي مع الذات)، ثم السؤال: “ما المواقف والأفعال التي قد تساعد؟” (وهي عبارة عن استراتيجيات لحل المشكلة)، ثم النتائج والمكافآت (المكافأة عند النجاح والتعامل مع الفشل). يبدأ البرنامج بجلسات تساعد الأطفال على تحديد مشاعر القلق لديهم. ثم ربطها مع وضعيات تولد القلق وأعراض جسمية كهجمات الهلع أو أوجاع المعدة. يدرب الآن المريض على الاسترخاء. ترمي الجلسات القليلة التالية إلى مساعدة الطفل على تحديد التحدث المقلق مع الذات، ثم تصويب تلك الأحاديث باستخدام أفكار إيجابية. وأخيرا يساعد الطفل على أن يمارس المهارات المكتسبة في الجزء الأول في حالات واقعية متزايدة. قد تكون تلك الوضعيات -بشكل مبدئي- وضعيات تخيلية (التعرض التخيلي). ولكنها قد تتضمن رحلات تتم خارج العيادة (التعرض الحياتي الواقعي) إلى مواقف قد تكون مدعاة للقلق كالمدرسة مثلا.
مضادات الاستطباب
بالرغم من أن علاجات (CBT) تطبق الآن على العديد من المشكلات، هناك بعض مضادات استطباب نسبية لاستخدامها.
مرحلة التطور
تتطلب بعض التقنيات التي تستخدم في علاجات (CBT) أن يكون المريض ملما بالإدراك، أو أنه قادر على استخدام إجراءات التنفيذ، أو الاثنين معا. يتطلب العديد من البرامج -على سبيل المثال- من الطفل أن يكمل فرضه المنزلي الذي يتطلب بعض التخطيط (كاتصال هاتفي مع صديق -على سبيل المثال- ليرى إن كان هذا الأخير مستاء منه أم لا). قد يرى بعض الأطفال صعوبة في ذلك، حيث أنهم لا يخططون عادة لعمل من الأعمال. وبشكل مماثل يكون تقييم الأدلة على صدق معتقد ما -لا يرغب أصحابي في معرفتي، على سبيل المثال- هو مهمة رئيسة. ومع ذلك إن المقدرة على تصور “النظرية” إزاء “الدلائل” لا تظهر إلا تدريجيا في سن المراهقة. ويميل الأطفال دون سن العاشرة إلى تجاهل الدلائل ضد معتقداتهم. وليس لدى الأشخاص المقدرة على الفصل بين النظرية والدلائل إلا عند بلوغهم منتصف عمر المراهقة. وعلى هذا تكون مرحلة التطور عاملا هاما لتحديد التقنية الأمثل للطفل. وكقانون عام يكون كبار السن من الأطفال والمراهقين أكثر تجاوبا مع العلاجات الإدراكية من الأطفال. وعلى هذا يجب أخذ السن بعين الاعتبار عند اختيار أسلوب معالجة الأطفال. قد يحتاج الأطفال دون سن المراهقة إلى علاجات سلوك أو علاجات إدراك بسيطة كالتدريب على إرشاد الذات. ويفيد المراهقون أكثر من تقنيات الإدراك كتغيير الأفكار التلقائية.
شدة الاضطراب
إن من أشد الانتقادات الموجهة إلى علاجات (CBT) هي أنها قد لا تكون مجدية في حالات الاضطراب الشديد. يقوم بعض الباحثين الآن بالتعرض للموضوع. وقد تم استعمال علاج (CBT) مثلا كجزء من علاج لمصابين باضطرابات سلوك بالغة الشدة. ولكننا يجب أن نقول مع هذا بأن هذا البحث في علاجات (CBT) قد بني على نتائج لعينات تم استدراجها عبر الدعايات أو من المدارس. نضيف إلى هذا أن شدة الحالة تؤثر بشكل سلبي على التعافي عن طريق علاجات (CBT) والعكس صحيح. فقد قال “جيسون” وفريقه على سبيل المثال إن حدة المرض الاجتماعي قد اشتدت لدى بعض المراهقين الشديدي الاكتئاب بعد قلة تجاوبهم مع علاج (CBT).
المحيط الاجتماعي
إن الاضطرابات العاطفية والسلوكية لدى الشباب مطمورة بعمق في المحيط الاجتماعي. لهذا الواقع تلميحات حول الكيفية التي يجب أن تعالج بها مشكلات الأطفال وحول النتائج المرجوة من هذا العلاج. لا يمكن لأي شكل من العلاج أن ينجح إذا لم تلب احتياجاته الأساس، كفرص الثقافة المناسبة أو الأمان العائلي. من الصعب على طفل ما أن يعالج بشكل ناجح عن طريق (CBT) أو أي نمط آخر من التدخل النفسي -على سبيل المثال- إن كان يتم نقله من منزل (أو عائلة) إلى آخر على الدوام.
قاعدة الدلائل
اضطراب السلوك
أظهر عدد من الدراسات العشوائية المنضبطة أن هناك فوائد مرجوة من التدخلات السلوكية الإدراكية لهؤلاء الأطفال الذين يعانون من اضطراب في سلوكهم أو من تصرفات عدائية دائمة. فقد استخدم “كازدن” وفريقه برنامجا لفحص مهارات حل المشكلات يتضمن عشرين جلسة في مستشفى للأطفال المقيمين المصابين بأمراض نفسية مقارنة مع حالتين ضابطتين. وقد نتج عن التدخل المذكور انحسار ملحوظ للسلوك العدائي عند الوالدين (أي أولياء الأمر) والأساتذة بعد العلاج ولفترة متابعة طولها سنة. وقد ظهرت النتائج نفسها في دراستين أخريين عشوائيتين للتدريب على حل المشكلات قام بهما الفريق الدراسي ذاته.
إن حل اضطرابات التصرف هو أمر غاية في الصعوبة. وعلى هذا تكون النتائج الآنفة الذكر مشجعة جدا. ومع هذا هناك عدد من الحدود الواجب تذكرها. الأول هو أن بعض الأطفال ذوي الاضطرابات السلوكية لا يستجيبون لعلاج (CBT). فالأطفال الذين تم تشخيصهم على أنهم يعانون من أمراض نفسية أو من مشكلات مع أشخاص أكبر منهم سنا أو ينتمون إلى عائلات متهدمة لا يستجيبون دوما للعلاج، وقد يستجيبون أكثر للعلاجات المتعددة النظم التي تؤثر عادة في الأشخاص ذوي الأمراض النفسية الشديدة. والثاني هو أن الأهمية السريرية للتغيرات التي تضمنتها تلك الدراسات يكتنفها بعض الغموض، والعديد من الأطفال المرضى ما يزالون يعانون من بعض الخلل في سلوكهم بعد العلاج.
الاكتئاب
لقد تم إجراء ست دراسات عشوائية منضبطة لعلاج (CBT) على عينات من الأطفال المكتئبين الذين اختيروا من المدارس. لقد كان التصميم الطبي هنا قائما على التنقيب عن هؤلاء من خلال التنقيب الشامل لتلاميذ المدرسة بواسطة كراسات استبيان الاكتئاب. ثم استدعاء هؤلاء الذين حصلوا على علامات عالية للاشتراك في هذا التدخل الجماعي، وقد لاقت أربع حالات نجاحا هاما.
قد تم الحصول على نتائج مشجعة لأمراض اكتئابية سريرية. وأظهر تحليل كمي عال لست دراسات أنه قد تم إحراز تقدم كبير في المجموعة التي عولجت عن طريق (CBT) مقارنة مع طرق العلاج الأخرى. لقد كان نسبة الترجيح الجماعي لتحليل النية للحصول على العلاج هي 2.2.
اضطرابات القلق
قد يعد العلاج السلوكي معاملة مفيدة لرافضي الدراسة من الأطفال. وهذا يأتي متأخرا في الأهمية عن اضطراب القلق. فقد وجد “ميلر” وفريقه أن العلاج السلوكي كان أكثر أثرا في معالجة التخوف عند الأطفال. اقترحت دراستان عشوائيتان تابعتان لبرنامج البحث نفسه أن علاج (CBT) له أثر إيجابي كبير على أعراض القلق.
الخلاصة
تقترح هذه المراجعة القصيرة بشكل عام أن علاجات (CBT) لها أثر جيد على عدد من الاضطرابات العقلية أو السلوكية مقارنة مع الغفل أو مع العلاجات النفسية التي تقدم لترضي المريض فقط. يجب على الباحثين في هذا المجال في المستقبل أن يتحققوا من أن لعلاجات (CBT) الأثر الكافي على الاضطرابات النفسية العاطفية الحادة، وكيفية دمجها مع علاجات أخرى لاضطراب السلوك.