تحتوي القناة الهضمية على حوالي 200 مل من الغازات، وليس من الغريب أو غير الطبيعي أن تطرد الأمعاء 400 إلى 2000 مل من الغازات يومياً! وحوالي 90% من الغازات مكونة من النيتروجين، والأكسجين، وثاني أكسيد الكربون، والميثان، والهيدروجين. ويأتي كل من النيتروجين والأكسجين من الهواء الذي تم ابتلاعه، وينتج ثاني أكسيد الكربون حينما يختلط الحمض المعدي بأملاح البيكربونات التي في الصفراء وفي العصارات البنكرياسية. وأغلب الأكسجين وثاني أكسيد الكربون يعاد امتصاصه إلى مجرى الدم من خلال جدر الأمعاء الدقيقة. ويحتوي القولون أو الأمعاء الغليظة على بلايين من البكتريا التي تعتبر ضرورية للصحة الجيدة والتي وظيفتها أن تخمر النواتج التي تمر من الأمعاء الدقيقة. ومع قيام البكتريا بتخمير تلك البقايا والفضلات تتكون كميات كبيرة من الهيدروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى. إن كان بعض تلك الغازات يعاد امتصاصه إلى الدم ويخرج مع هواء الزفير، إلا أن الباقي يمر إلى الخارج في صورة ريح (أي ريح البطن).
أسباب الريح
إن من الأسباب الرئيسية لريح البطن سوء الهضم. فإذا لم يهضم الطعام تماماً ويتحلل بالكامل، فإن هذا يوفر المزيد من “الطعام” المناسب للكائنات الدقيقة في القناة الهضمية؛ ومن ثم المزيد من الغازات. لذا فإن أول خطوة نحو حل هذه المشكلة هي أن تغير نظامك الغذائي وأن تأخذ مكملات من الإنزيمات الهاضمة مع كل وجبة. وبعض الأطعمة تنتج المزيد من الغازات، وتشمل الفوليات (كالفول والفاصوليا) وبعض الخضراوات مثل الكرنب والقنبيط والكرنب المسوق واللفت والبصل والثوم والكراث. كما أن اتباع نظام غذائي غني بالألياف يُرجح أيضاً أن ينتج المزيد من الغازات. وهذا يرجع إلى أن هذه الأطعمة تحتوي على كربوهيدرات غير قابلة للهضم. ومن أهم الأنواع الرئيسية للكربوهيدرات غير القابلة للهضم مركبات الجالاكتوسيد (الجالاكتوسيدات). وإذا كان إنتاج كمية ضئيلة من الغازات بسبب تناول هذه الأطعمة يعتبر أمراً طبيعياً، إلا أن كثرة إنتاج الغازات هو أمر مزعج يمكن منعه بتناول مكمل من إنزيم يسمى “ألفا-جالاكتوسيداز”. وهذا الإنزيم يحلل هذه الكربوهيدرات غير القابلة للهضم ويقلل التطبل (أي تطبل البطن). وبعض تركيبات الإنزيمات الهاضمة تحتوي على هذا الإنزيم بالإضافة إلى الإنزيمات التي تهضم البروتينات والدهون والكربوهيدرات. ويمكن التخلص من مشكلة كثرة الغازات ذات الرائحة الكريهة بأن تغير نظامك الغذائي.
وثمة سبب آخر لريح البطن (أو الأرياح) هو الديسبيوزيس (أي اختلال التوازن الحيوي بالأمعاء). فحدوث عدوى الكانديدا ألبيكانس، على سبيل المثال، أو زيادة البكتريا الضارة بالأمعاء يمكن أن تسهم في زيادة الغازات أو الأرياح. والأشخاص الذين يتعاطون المضادات الحيوية التي تربك التوازن الصحي للبكتريا، غالباً ما يجدون زيادة في خروج الأرياح منهم. إن تصحيح الخلل في التوازن البكتيري باستخدام المنشطات الحيوية غالباً ما يقلل هذه المشكلة، وإن كان من الممكن أن تزيد الأمور سوءاً في الأسبوع الأول مع بدء البكتريا النافعة في استعادة أوضاعها الصحية.
وإذا تم ابتلاع كميات كبيرة من الهواء إلى المعدة بسبب الأكل بسرعة، أو ازدراد الطعام، أو شرب كثير من السوائل مع الطعام، أو مضغ اللبان، أو التدخين، أو شرب مشروبات غازية تطلق ثاني أكسيد الكربون، فهذا يمكن تخفيفه بالتجشؤ وهو أمر طبيعي تماماً. ويحدث أحياناً، كجزء من رد فعل توتري، أن يبتلع بعض الناس كميات كبيرة من الهواء.
الانتفاخ
إن الانتفاخ أو امتلاء البطن بالغازات يكون عادة نتيجة لنفس العوامل التي تسبب التطبل. ويسهم الانتفاخ الزائد (لاسيما إذا صارت منطقة البطن شديدة الامتلاء وصلبة مثل بالون منتفخ عن آخره)، في زيادة النفاذية المعوية وبالتالي فهو علامة على عدم سلامة الجهاز الهضمي. كما يمكن أن يكون الانتفاخ ناتجاً عن عدم انتظام في حركة الأمعاء حيث لا تعمل عضلاتها بشكل سليم حتى تجعل محتويات الأمعاء تتحرك قدماً، مما يؤدي غالباً إلى الإمساك، أو كسل الهضم على الأقل.
الإمساك
الإمساك له أسباب عديدة، أكثرها شيوعاً هو صلابة المواد البرازية. فالأطعمة الطبيعية تبقى لينة في القناة الهضمية لأنها تحتوي على ألياف تمتص الماء وتتمدد داخل القناة الهضمية. وتحتوي الفواكه والخضراوات بصفة طبيعية على كثير من الماء في حد ذاتها. وأما الحبوب الكاملة، مثل الشوفان والأرز، فما دامت تعد بصورة سليمة فإنها تمتص الماء وتوفر كتلة مشبعة بالماء لتنشيط القناة الهضمية. وإذا وضعنا في الاعتبار أن أجسامنا يتكون 65% منها من الماء، فمن المنطقي إذن أن نأكل الأطعمة ذات المحتوى المرتفع من الماء. وأما اللحوم والجبن والبيض والحبوب المكررة والقمح (بسبب محتواه من الجلوتين) فيمكن أن تكون جميعها مسببة للإمساك. وإن لم يكن من الضروري تماماً أن تضيف المزيد من الألياف إلى الغذاء الجيد، فإن ألياف الشوفان لها فوائد خاصة. فهي توجد بصفة طبيعية في حبوب الشوفان التي يجب نقعها وأكلها باردة. وبعض الأطعمة والعناصر الغذائية تبدي تأثيراً مليناً طفيفاً، مثل بذر الكتان (الذي يمكن طحنه ورشه على الطعام)، والتين، والقراصيا، وكذلك فيتامين ج (بجرعات تصل إلى عدة جرامات).
إن عدم شرب ما يكفي من الماء هو سبب رئيسي للإمساك. فنحن نحتاج ما لا يقل عن لتر كامل من الماء يومياً لتحقيق الصحة الهضمية المثلى وهذا وحده غالباً ما يفرج الإمساك.
إن من يتبع نظاماً غذائياً غنياً بالألياف، مع ما يكفي من الماء، يجب أن يشعر برغبة في التبرز مرتين أو ثلاث مرات يومياً عقب الوجبات. كما يجب أن تكون الفضلات البرازية لينة التكوين وليست صلبة أو متكتلة. وكثير من الناس يغفلون أو يكبحون رغبتهم الطبيعية في الذهاب إلى دورة المياه، وهذا في حد ذاته يؤدي إلى الإمساك. لذا فكلما شعرت بأدنى رغبة في التبرز عقب تناول إحدى الوجبات، فلا تكبت تلك الرغبة بل اذهب فوراً لتقضي حاجتك. كما أن الاضطرابات التي تصيب الفعل العضلي التمعجي الطبيعي للأمعاء يمكن أيضاً أن تؤدي إلى الإمساك وإلى تثبيط لهذا المنعكس الطبيعي.
الملينات الطبيعية
أغلب الملينات حتى الملينات الطبيعية المحتوية على أعشاب السنامكي أو الكسكارا تعتبر مهيجات للقناة الهضمية، ورغم فعاليتها، إلا أنها لا تحل المشكلة المسببة للإمساك في واقع الأمر. وقد تكون مفيدة كوسيلة طارئة، ولكن ليس من الحكمة تناول هذه العلاجات بصفة مستمرة. وبعض العلاجات التي تهدف إلى تعزيز الانتظام في نشاط الأمعاء هي عبارة عن مستحضرات مركزة من الألياف تحتوي على أشياء مثل النخالة، أو الإسباغولا، أو الميثيل سليولوز، أو الاستيركولينا. ومن المهم للغاية شرب وفرة من الماء كلما تناولت مكملات الألياف هذه. ومع ذلك، فليست هذه المكملات ضرورية عند بدء اتباع نظام غذائي غني بالألياف. ويوجد نوع جديد من الملينات هو الفركتو-أوليجوسكريات FOS، وهو متاح في صورة مسحوق، ويعمل بطريقة أكثر فائدة من الملينات التقليدية التي قد تجعل استعادة النشاط العضلي التمعجي الطبيعي أكثر صعوبة. وهذا الـ FOS هو نوع من الكربوهيدرات المعقدة الذي يساعد في الحفاظ على نسبة معقولة من الماء في الأمعاء، كما يحفز على إنتاج البكتريا الصحية. وهذا يجعل المادة البرازية أكثر ليونة ويجعل مرورها في الأمعاء أكثر سهولة. وإن كانت نتائج استعماله ليست بنفس السرعة، إلا أنه أفضل بكثير كوسيلة لتخفيف حدة الإمساك.
عواقب الإمساك
بالنسبة لبعض الناس يمكن أن يؤدي الإمساك طويل الأمد إلى إعاقات فيزيائية وانتفاخات معوية. وهو السبب الرئيسي لحالات الردوب المعوية (أو التردب المعوي) ويمكن أن يؤدي إلى مشكلات معوية التهابية. والإمساك يبطئ الوقت الذي يمكثه الطعام في القناة الهضمية، مما يتيح فرصة أكبر لحدوث التعفن والتعرض للمواد السامة. وهذا عامل رئيسي يسهم في حدوث السرطان القولوني-المستقيمي، فلا عجب إذن أن نجد ارتباطاً بين الإمساك وزيادة قابلية حدوث هذا النوع من السرطان.
البواسير
توجد عاقبة أخرى للإمساك المزمن وهي البواسير Haemorrhoids (Piles). وهي عبارة عن أوعية دموية (أوردة) في جدار الشرج والمستقيم وما حوله تتمدد عند زيادة الضغط الوريدي، كما يحدث في دوالي الأوردة. وأكثر أسباب البواسير شيوعاً هو “الحزق” عند التبرز. ومن ثم، فكلما كان البراز أكثر ليونة وأقل مكثاً أو “انحشاراً” بالأمعاء كان من السهل مروره بالأمعاء والتخلص منه. والعرض الرئيسي للبواسير هو الحكة الشرجية (التي يمكن أن توجد في حالات العدوى بداء الكانديدا أو في مرض الأمعاء الملتهبة)، والتي يمكن بدورها أن تؤدي إلى كثرة خدش الشرج، مما يزيد الحالة تفاقماً. كما أن الإسهال يمكن أن يفاقم الحكة الشرجية ومن ثم فإن التوتر (الذي يسبب الإسهال) يمكن أن يفاقم البواسير. وإن كانت الحمامات الدافئة المتكررة واستخدام الكريمات المضادة للالتهاب يمكن أن تفرج الأعراض، إلا أن التفريج طويل الأمد يتحقق، كما في حالة الإمساك، بإجراء تغييرات في النظام الغذائي.
وهذه التغييرات الغذائية تفيد ولكنها لا تكون دائماً كافية لتطهير القناة الهضمية بشكل تام. إن تناول خليط من أنواع معينة من مصادر الألياف مثل قشور السيليوم (عشبة البراغيث) وألياف البنجر وألياف الشوفان والأعشاب، التي تساعد في تليين المادة البرازية المتماسكة، لهو أمر مفيد بالفعل. وهذه الأنواع متوافرة في تركيبات مطهرة للقولون، في صورة مساحيق وكبسولات يمكن تناولها على مدى شهر إلى ثلاثة أشهر.
وثمة علاج مفيد آخر هو العلاج القولوني. وهو عبارة عن حقنة شرجية متطورة حيث يمر الماء إلى الأمعاء، ومع التدليك البطني يمكن أن يساعد هذا في إطلاق المادة البرازية المزمنة والتخلص منها. كما أن هناك تمارين رياضية تنبه منطقة البطن ويمكن أيضاً أن تحسن الهضم، كما تفعل تمارين التنفس التي ترخي البطن. ومن المنعكسات الطبيعية التي تحدث في الجسم أن يتوقف الهضم في أوقات التوتر؛ لذا فإن الاسترخاء أمر مهم.