منذ عقود طويلة تنبه الأطباء أن الدم يشكل سائلاً حيوياً وأن خسارة كمية منه يستوجب تعويضها من خلال نقل الدم (Blood transfusion). وحتى بداية القرن الماضي كان الأطباء البيولوجيون يواجهون مشكلة مهمة، تتلخص في أنه بعد عمليات النقل، يتعرض بعض المرضى، الذين نقل إليهم الدم لحوادث غريبة وخطيرة تؤدي إلى وفاتهم، بينما يتحمل بعضهم الآخر الدم المعطى إليهم بصورة جيدة.
فيما بعد تواصلت الأبحاث العلمية والطبية، إلى أن اكتشف السبب على يد الطبيب النمساوي (Landsteiner) وكان ذلك في العام 1898؛ إذ برهن خلال دراساته للكريات الحمراء عن وجود جسمين كيميائيين يدخلان في تركيبتها، مؤلفين من السكريات، سماهما A و B وهي أجسام غريبة (مستضد) Antigen ولها أجسام مضادة (Antibody)، وتوصل إلى استنتاج مفاده أن دم المريض من فئة A يحتوي على أجسام مضادة لدم المريض من فئة B والعكس بالعكس. وهذا ما يفسر الحوادث القاتلة التي كانت تحصل قبل اكتشاف الفئات، لعدم توافق الدم المنقول من فئة إلى أخرى.
من هنا انطلق العمل لتحديد فئة الدم (Blood type) وهي خاصة بيولوجية شكلت منعطفاً هاماً للبحث الطبي في العقود الأخيرة، ما دفع بعمليات نقل الدم إلى تطور نوعي أدى إلى إنقاذ حياة الآلاف من الناس من جهة، ومن جهة أخرى إلى الوقاية من الحوادث الخطيرة التي كانت تحصل عند اللجوء إلى تلك العمليات.
وهكذا أصبح من السهولة بمكان تحديد فئة أو زمرة الدم لكل شخص، بهدف تأمين كمية الدم اللازمة عند النزف الحاد أو عند التحضير للعمليات الجراحية تعويضاً لكمية الدم التي يحتمل أن يتعرض المريض لخسارتها خلال الجراحة؛ وذلك من خلال مراكز نقل الدم أو بنوك نقل الدم التي استحدثت في المراكز الاستشفائية الكبرى فيما بعد.
بعد كل التطورات الإيجابية التي حصلت في مجال نقل الدم، أصبح من الممكن تأمين كمية من الدم في الحالات الطارئة، كالنزف الحاد لسبب أو لآخر، أو عند حصول نزف داخلي بعد التعرض لحوادث الصدمات وبخاصة بعد حوادث السير، وما أكثرها في عصرنا الحاضر؛ كما تساهم في تحضير كمية الدم اللازمة مسبقاً لنقلها إلى مريض يخضع لحالة تدخل جراحي مقررة سلفاً، كعمليات القلب المفتوح لتكون جاهزة غب الطلب في حال استوجب الأمر ذلك.
بعد الاكتشافات الباهرة في مجال تحديد فئة الدم ومن ثم عملية نقله، اعتمد تحديد فئة الدم وأضحت مطلوبة عند تحرير عقد الزواج للوقاية من بعض الأمراض التي تنتقل وراثياً (ثلاسيميا مثلاً)؛ وغدت زمرة الدم معروفة لدى كل مولود جديد للتأكد من عدم وجود أزمة، أو عدم تناسب، بين دم الأم ودم الجنين، وفي بعض الحالات التي لا يوجد فيها توافق بين الفئتين، أي أن يكون دم الأم من فئة مغايرة لدم وليدها: الأم من فئة سلبية والجنين من فئة ايجابية. ماذا يعني عاملاً سلبياً وعاملاً ايجابياً؟ للحديث صلة تأتي فيما بعد.
تقسم فئات الدم إلى أربع زُمر حُددت أبجدياً بأحرف: A، B، O، AB وتتميز كل واحدة منها ـ كما اكتشف «لاندستا ينر» ـ باحتواء جسم غريب يختلف من فرد إلى آخر ويمكن تواجده في الوقت نفسه عند عدة أشخاص وهي الأجسام: A، B، O، AB، أما الرمز AB فهو يعني وجود الجسمين معاً على الكريات الحمراء، وفيما خص الرمز O فهو يشير إلى عدم وجود أي جسم غريب(مستضد).
أما نسبة وجود الفئات فهي كالآتي، لدى العنصر البشري الأبيض:
• فئة A: نسبة 42%
• فئة B: نسبة 9%
• فئة O: نسبة 46%
• فئة AB: نسبة 3%
وعلى الرغم من التقدم الهام في مجال عمليات نقل الدم، بقيت هناك حوادث خطيرة ومشاكل تشوب هذا التطور؛ إلى أن اكتشف «لاندستا ينر» ومساعدوه في العام 1949، وجود عامل لا يقل أهمية عن الإنجازات التي سجلت حتى الآن، ألا وهو وجود مادة بروتينية تحويها الكريات الحمراء عند الإنسان. سميت هذه المادة عامل الريزوس أو الريسوسي (rhesus factor) وقد رمز إليها بحرفي (Rh +) في حال وجودها و(-Rh) في حال عدم الوجود.
أما التسمية فهي عائدة إلى اسم فصيلة من القردة تدعى (Rhesus monkeyes) والتي تشارك الإنسان احتواء هذه المادة البروتينية ذاتها على كرياتها الحمراء.
وهكذا اكتملت التسمية للزمرة وأصبح كل شخص من فئة A ومن ريزوس ايجابي (Rh +) مثلاً، يحمل زمرة محددة من الدم تدعى (A+). أما إذا كان من فئة (AB) وروزيس سلبي فهو من زمرة (- AB)، لتنسحب التسمية بعدها على بقية الفئات. أما الفئة الأكثر شيوعاً فهي (O+)، إذ تشكل 38 بالمئة من فئات الدم عند الناس؛ بينما الفئة الأقل وجوداً (AB –) إذ هي بحدود الواحد بالمئة.
أما عامل ريزوس، فهو موجود لدى 85 بالمئة من الناس، هم يعتبرون روزيس ايجابي؛ بينما البقية، أي 15 بالمئة، حاملي فئة روزيس سلبي.
تعتبر فئة (O-) فئة الواهب العام أو المطلق (universal blood donor).
ما يعتمد حالياً في عمليات نقل الدم إعطاء دم من نفس الفئة أي إذا كان المريض من فئة (A+) مثلاً، من الأفضل والأكثر أماناً إعطاؤه دماً من الفئة نفسها. كما يتوجب على الواهب أن يتمتع بصحة جيدة وأن يخلو من الأمراض الانتقالية الخطيرة (اليرقان، الإيدز أو السيدا، الملاريا، فيروس اللامفوما).
حالياً، أصبح بالإمكان نقل الدم كاملاً أو بعض مكوناته (الكريات الحمراء وحدها، الصفائح وحدها، أو العوامل المانعة للنزف).