تخيل امرأة تعمل وحيدة في مطبخها، وتأكل من دون أن تتمكن من السيطرة على نفسها كوبين من الآيس كريم، تتبعهما بست شرائح باردة من البيتزا، وعلبة من البسكويت المحلى، ونصف دزينة من الدونات. لم تفعل ذلك؟
ألأنها كانت تتبع حمية قاسية قليلة الدهون ولم تعد قادرة على تحمل الحرمان لمدة أطول.
أم لأنها تكره “فشلها” في الحفاظ على جسد “كامل” وتكون “كاملة” في نواح أخرى عديدة، ولذا فهي تعاقب نفسها بلا وعي بالطعام؟
أم ربما لأن شعورا لا تتقبله بدأ ينتابها، فأخذت فورا، ومن دون أن تعرف السبب، تأكل كميات هائلة من الطعام لتخدر نفسها؟
إنها تكثر من الأكل لجميع هذه الأسباب معا.
وهنا تقول جينين روث من سانتا كروز، كاليفورنيا، خبيرة في العلاقة بين الانفعالات وفرط الأكل: “إن المسائل الشخصية التي نعبر عنها بالإفراط في الأكل – أو ما أدعوه بالأكل الانفعالي – لا علاقة لها بالطعام. والطعام هنا ليس سوى المادة التي يختارها الناس في تلك اللحظة لإخراج مشاعرهم أو كبتها أو تجنبها”.
ويعني كل هذا أن البديل عن كثرة الأكل المستعمل للتعبير عن كره الذات ومعاقبتها لا يتمثل في نظام غذاء آخر.
وتقول روث: “إن رابع القوانين الكونية يقول إن مقابل كل نظام حمية اضطراب فرط أكل مساو له”. وتضيف أن اتباع الحمية لا نفع له، ذلك أن 5 بالمئة فقط من متبعي الحمية يحافظون على وزنهم الجديد.
وعلاج كثرة الأكل يتمثل في حل المسائل النفسية الكامنة. ومن أجل ذلك عليك أن تتعلم كيف تكون لطيفا تجاه نفسك. ويمكن للعلاجات البديلة في هذا الفصل أن تساعدك على ذلك.
دليل العناية الطبية
تقول جينين روث أوف سانتا كروز، كاليفورنيا، خبيرة في العلاقة بين الانفعالات وفرط الأكل أن كسر دائرة الإفراط في الأكل يحتاج إلى دعم خارجي. ويمكن الحصول على هذا الدعم من خلال استشارة اختصاصي أو الانضمام إلى حلقات دعم موجهة من قبل مختص أو أشخاص مروا بتجارب مماثلة أو من دون موجه، أو المشاركة في محادثة على الإنترنت.
وإن قررت استشارة معالج، اختر مختصا في اضطرابات الأكل. وتقول: “يجب أن يتركز العلاج الفردي على سلوك الأكل غير الصحي والأسباب الكامنة التي تدفعك على التحول إلى الطعام أو الابتعاد عنه”.
الأكل من دون إفراط: اتبع الإرشادات السبعة التالية:
يمكنك أن تبدأ باكتشاف مشاعرك الشخصية ومعتقداتك عن نفسك، والتي تقودك إلى الإفراط في الأكل إذا اتبعت بعض إرشادات الأكل.
وتقول روث:”أيا ما تعتقد عن الأكل، فإنك تعتقد عن نفسك وعن حياتك. وهي تقترح إرشادات الأكل التالية كطريقة مميزة لبدء اكتشاف من أنت، وتقبّل نفسك كما أنت، والبدء بفهم أشكال الإفراط في الأكل المدمرة للذات مع الزمن والتخلص منها.
– لا تأكل إلا حين تجوع.
– كل وأنت جالس في مكان هادئ (وهذا لا يشمل السيارة).
– كل بعيدا عن مصادر اللهو، بما في ذلك الراديو والتلفاز والجرائد والكتب والمحادثات الحادة أو المسببة للانفعال والموسيقى.
– لا تأكل إلا مما ترغب به.
– كل إلى أن تشعر بالشبع.
– كل وكأنك على مرأى من الآخرين.
– كل بفرح ومتعة وذوق.
التأمل: اجعل وجودك معروفا
تقول روث: “نسير جميعنا ونحن نبحث عن شيء لا أهمية له، بينما نفتقد الشيء الذي يمكنه أن يرضينا. نمضي حياتنا كل يوم، وفي كل لحظة، ونحن نفكر بما فعلناه أو سنفعله، ويفوتنا تماما ما نقوم به”.
والواقع أن من شأن ذلك أن يسبب لنا جوعا هائلا، نحاول إرضاءه بالإكثار من الأكل. ولكن حين نركز انتباهنا على ما نفعله – ونكون “حاضرين” – نتمكن من إرضاء هذا الجوع.
وتنصح روث قائلة: “ركز انتباهك لخمس دقائق في اليوم على ما تفعله. امش وأنت تمشي، تكلم وأنت تتكلم، كل وأنت تأكل”.
وتقترح على المفرطين في الأكل تمرين حضور خاص كالتأمل اليومي. مارسه في الصباح قبل النهوض من الفراش.
ابدأ بتركيز انتباهك على المشاعر التي تحس بها في تقوس قدمك اليمنى. ثم انقل انتباهك وكأنك تعصر أنبوب معجون الأسنان، إلى بطة الساق وقصبة الساق والركبة. وبالطريقة نفسها، انتقل إلى وركك اليمنى، ثم ذراعك اليمنى من يدك إلى كتفك. وحين تصل إلى كتفك اليمنى، انتقل إلى كتفك اليسرى وأنزل تركيزك إلى إلى ذراعك ويدك ومن ثم من وركك اليسرى إلى قدمك اليسرى.
وكلما تذكرت خلال النهار، اشعر بذراعيك وساقيك ثانية. فالحضور يمكنك من معرفة أن هذا الجسد، بيتك، المكان الذي أمضيت سنوات وأنت تحاول تغييره، هو مكان رائع.
الشوكولاته: تمتع بطعمها
من أفضل تمارين الحضور أن تحمل معك إصبع شوكولاته على الدوام وتأكل منه مربعا واحدا (واحدا وحسب) بعد كل وجبة. هذه القطعة ستتمتع بمذاقها فعلا.
فحين تطلب روث من مرضاها تناول حبة شوكولاته واحدة، يجيبون عادة بأن “واحدة لن تكون كافية”. غير أن روث تؤكد أنك حين تتناول قطعة شوكولاته واحدة وأنت حاضر الذهن، ستفاجأ بما يحدث. وتقول: “قد تجد بأنك لا تحب طعمها فقط بل أنها شديدة الحلاوة أو أن قطعة واحدة كافية فعلا لإرضائك”.
والواقع أن أمورا إيجابية كثيرة قد تحدث وأنت حاضر أثناء الأكل، عندما لا تفكر بشيء آخر وأنت تأكل قطعة الشوكولاته تلك، أو لا تأكلها على أنها مقدمة لأصابع الشوكولاته الست التالية، أو لا تشعر بالذنب البتة أنك تأكل الإصبع بأكمله.
وقد تلاحظ أنه بإمكانك التمتع بمقدار صغير من أحد الأطعمة “المحظورة” من دون الإفراط في أكلها. وقد تشعر بأنك قادر في الواقع على أن تعرف متى تكون جائعا أو شبعانا. وقد تتعلم أيضا الوثوق بقدرتك على اتباع الإرشادات التي تساعدك على الخروج من دائرة الإفراط في الأكل المدمرة للذات.
التخيل: تخلى عن معتقداتك غير الصحية
غالبا ما تكون الصور الذاتية التي تدفعك على الإكثار من الأكل ناتجة عن معتقدات سلبية لقنت لك في مرحلتي الطفولة والمراهقة، عندما كنت تسمع انتقادات صادرة عن والديك أو أشخاص مهمين آخرين.
ومن المعتقدات السائدة لدى المفرطين في الأكل قولهم “إن لم أكن رشيقة القوام، لا أساوي شيئا”، “علي أن أحظى بإعجاب الجميع في وقت واحد”، “حاجات الآخرين هي أهم من حاجاتي”، يجب أن أكون نحيفة كي أحظى بالسعادة”، لن يرغب بي أو يحبني أحد إن كنت سمينة”، “أنا شخص ضعيف”، و”أنا لا أستحق الأشياء الجيدة”.
ويمكنك تحرير نفسك من هذه المعتقدات السلبية “بإعادتها” إلى الشخص الذي أعطاك إياها. قم بذلك عبر تمرين التخيل التالي بمراحله الثلاث:
قف أو اجلس بوضع مريح وتخيل بأنك محاط بالضوء الأبيض. فكر بالاعتقاد الذي ترغب بالتخلص منه. أغمض عينيك وتخيل الشخص الذي أعطاك الاعتقاد واقفا أمامك.
كور يديك وكأنك تحاول شرب مياه من النبع. ضع يديك المكورتين خلف ظهرك، عند مستوى الخصر، بحيث يكون التكور مواجها للظهر. حك يديك حول جسدك وكأنك تجمع شيئا من وسطك.
أنت تجمع ‘الطاقة‘ المعلقة بالمعتقدات المرتبطة بك. وحين تبلغ الجهة الأمامية من جسدك، تكون قد جمعت ذلك المعتقد بيديك رمزيا.
انظر، وعيناك مغمضتان، إلى الشخص الذي تعيد إليه المعتقد. وقل: “أنا أعيده إليك”، وادفع يديك المكورتين إليه وكأنك تحرر عصفورا. كرر هذه العملية خمس أو ست مرات.
وبما أن هذا التخيل لا يستغرق أكثر من بضع ثوان، يمكنك ممارسته عدة مرات في اليوم.
تقبل نفسك كما أنت
كره الذات هو واحد من أسباب الإفراط في الأكل. فالمرأة التي تقول لنفسها دوما أنها بدينة وأن أعمالها لا قيمة لها وشخصيتها تافهة، تميل إلى معاقبة نفسها بالإفراط في الأكل.
ولكن إن تمكنت من تحرير نفسها من الأفكار السلبية، سيقل ميلها إلى الإفراط في الأكل. ومن أفضل الطرق لذلك استعمال جمل تأكيدية إيجابية تقولها لنفسك عدة مرات في اليوم.
وتقول ديردرا برايس، دكتورة في الفلسفة: “التأكيدات الإيجابية هي طريقة فعالة لمقاومة الحوار السلبي الداخلي. فبامتلاكك وتقبلك لجميع مزاياك، تتمكن من الاعتراف بإنسانيتك وتتعلم محبة نفسك، مما يحدث فيك حسا بالسلام الداخلي”. وإليك أربعة أنواع من التأكيدات الإيجابية.
تقبل الذات: “أنا أقبل نفسي كما أنا اليوم تماما. قد أغير رأيي غدا، ولكن أنا راض بنفسي اليوم”.
تقبل المشاعر: “أنا أقبل ما أشعر به الآن. قد لا يكون الشعور مريحا، وربما كان مؤلما، ولكنني أقبل ما أشعر به في هذه اللحظة. وقد أقرر تجاهل مشاعري غدا، ولكنني أقبلها اليوم”.
تقبّل صورة الجسد: “أنا أقبل جسدي كما هو اليوم. قد أقرر تغيير رأيي غدا وكره جسدي، ولكنني أقبل به اليوم”.
تقبّل ارتكاب الأخطاء: “أنا أقبل نفسي بالرغم من الخطأ الذي ارتكبته. فجميع الناس يرتكبون الأخطاء من وقت لآخر. قد أقرر أن أكره نفسي غدا بسبب الأخطاء التي سأرتكبها، ولكنني أقبل الخطأ الذي ارتكبته اليوم ولا أشعر بالسوء”.
احفظ هذه التأكيدات الإيجابية لتقبل الذات أو دونها على بطاقات صغيرة أو أوراق لاصقة وضعها في مكان ظاهر لتراها كل يوم. ابدأ باستعمالها فور استيقاظك صباحا.
ولا تتوقف عن استعمال التأكيدات إن لم تؤدي مفعولا فوريا. وإن راودتك أفكار سلبية كاستجابة إلى تلك التأكيدات، تقترح أن تقول لنفسك: “ليس اليوم، لن ابدأ بذلك اليوم”.