النحل مخلوقات صغيرة تعيش بشكل عام لمدة شهرين. وتقطع في فترة عمرها القصيرة مسافة 2000 كيلومتر. يسعى النحل في غضون ما وهبه الله إياه من عمر لا يجاوز الستين يوما إلى أداء وظيفته من دون تقصير وفق الفطرة التي فطره عليها تعالى، ويعمل على إنتاج 40–50 غ من العسل. يعتبر النحل أكثر الحيوانات كسبا وأكثرها إدمانا على العمل.
ليست لدى النحل مساحة للكسل أو التطفل، فعند تكاسل بعض النحل تتعاون النحلات الأخرى معا بيد واحدة لطرد النحل المتكاسل خارج الخلية.
يعيش النحل على شكل مستعمرات، ويقيم مع أفراده كافة كيانا تضامنيا. ويشكل تعاون النحلات في ما بينها نموذجا صالحا لاقتداء البشرية به.
في الخلية الواحدة نجد نحلة ملكة واحدة، وعدة مئات من ذكور النحل التي يتغر عددها من فصل إلى آخر، بالإضافة إلى عشرات الآلاف، بل وحتى مئات الآلاف من النحلات العاملات. تقوم النحلة الأم بالمحافظة على بقاء النسل عبر وضع 1500–3000 بيضة يوميا. وحسب تقسيم الأعمال في الخلية، فإن قسما من النحل يقوم بإنتاج شمع العسل، وقسما آخر يقوم بملء أمشاط الشمع بأقراص العسل. فيما يقوم قسم بنقل الماء إلى الخلية وتخفيف العسل.
إن الملكة الأم التي تتميز بقابلية كبيرة لوضع البيوض هي التي تحافظ على نظام الخلية واستمرارها. أما العناية بالبيوض واليرقات التي تخرج منها فهي من اختصاص عاملات النحل المسؤولة عن أعمال الخلية الداخلية والخارجية.
أما ذكور النحل فتقوم بالطيران خارج الخلية للقاء الملكة الأم من أجل عملية التلقيح التي تؤمن استمرار بقاء النحل. إن الرحيق الذي تفرزه الأزهار في الربيع بألوان وتراكيب وروائح مختلفة، بالإضافة إلى حبوب اللقاح الناضجة تعتبر مائدة عامرة بالنسبة للنحل.
وبالإضافة إلى صنع العسل، يساهم النحل في تلقيح 80 بالمئة من النباتات وإخصابها. إن هذه الكائنات الحية الضرورية لاستمرار الحياة الطبيعية تقوم لقاء المهمة التي تؤديها باستهلاك حاجتها من الغذاء وحبوب اللقاح والرحيق. إن النحلة الواحدة تزور في كل مسيرة تقوم بها ما معدله 100 زهرة. وتقوم بجمع ما يزن 20 ملغ من حبوب اللقاح، ويشتمل هذا المقدار على 5 ملايين حبة.
إنها تكرر هذه المسيرة بشكل يومي طوال حياتها، ويتراوح عدد رحلاتها اليومية من 5 – 10 رحلات. وتحتاج من أجل ملء مسام واحد من مسامات الخلية إلى 60 رحلة. ومن أجل صنع كيلوغرام واحد من العسل إلى زيارة 12 مليون زهرة. عندما تحط النحلة أول ما تحط على زهرة معينة فإنها لا تغادر تلك الزهرة إلى نوع آخر من الزهور حتى تكمل حمولتها. وتقوم خلال ذلك بجمع أحد اثنين: إما حبوب الطلع أو الرحيق، ولا تقوم بجمعهما معا. إن العسل عبارة عن شراب منوّع (كوكتيل) تصنعه النحلات من كل أنواع الزهور. إن نحل العسل يقوم بوظيفتين. الأولى: أمشاط الشمع، والثانية: ملء أمشاط الشمع بالعسل.
يشتمل العسل على أنواع مختلفة تتنوع من حيث اللون، والرائحة، والمذاق، والقوام، ومقاومة عوامل الفساد، والصفاء، والحلاوة. يكتسب العسل لونه من النباتات التي امتص منها النحل رحيقها. لذلك بإمكاننا أن نرى عسلا بلون الحليب أيضا.
إن أنواع النحل غير الجيدة تكون كسولة ومهملة ولا تتابع عملها، وبسبب عدم مبالاتها يفسد نظام الخلية ويتعرض الجميع للهلاك. إن هذه الأنواع اللامبالية تنتشر منها رائحة كريهة في كل الأنحاء، ويتعرض عسلها للفساد. يكره نحل العسل الروائح الكريهة والطعام المتعفن، ولهذا السبب لا يقترب من الغذاء الفاسد والقاذورات. ويمتص النحل رحيق الأزهار الحلوة والناضجة عبر مد لسانه إلى عمق النبات. ويحتفظ بالرحيق الممتص في فراغات صدره، وفور عودته إلى الخلية يفرغ حمولته في المسامات الفارغة. إذا كانت الزهرة لا تشتمل على رحيق كافٍ فإن النحلة تنتقل إلى زهرة أخرى لتكمل حمولتها. وعندما تمتلئ أمشاط الشمع بالعسل يقوم النحل بتغطيتها بالشمع. وفي حال لم تتم عملية التغطية تتعرض الخلية وبالتالي العسل إلى الفساد؛ حيث تظهر داخل العسل بيوض ويرقات فراشة العثة التي يطلق عليها في هذه الحال اسم العنكبوت. وإذا تكونت هذه اليرقات نتيجة الإهمال، فإن أول ما تقوم به النحلات هو رمي اليرقات خارج الخلية. وإن لم يكلل ذلك بالنجاح فإنها تفقد العسل بكامله.
يقوم النحل بالتخلص من فضلاته أثناء طيرانه في الهواء.
لا يمكن للفراش أن يجد لنفسه مكانا في الخلايا النشطة. وإذا تكونت اليرقات في العسل فإن ذلك يتم عقب الحصاد، ويعتبر إشارة إلى أن البيئة لا تتم حمايتها بشكل جيد. يقوم النحل بتكوين أمشاط العسل ذات الأشكال السداسية، أو بإتمام الأجزاء الناقصة من هذه الأمشاط – في حال لم توضع في الخلية أمشاط شمع صناعية – عبر إفراز شمع العسل من غدد تفرز الشمع موجودة في أسفل بطنها.
تشير الدراسات الهندسية الجارية إلى أن الشكل السداسي هو أنسب الأشكال؛ حيث يسمح ببناء أكبر عدد من حجرات الشمع في مساحة معينة من دون أن نفقد شيئا من هذه المساحة، وباستخدام أقل مقدار من شمع العسل وبذل أقل جهد، حيث تتم العملية بسهولة أكبر، وينتج عن ذلك بنية أكثر تحملا. إن الحجرات الشمعية التي ينشئها النحل في أمشاط الشمع المنتصبة عموديا فوق الأرض على شكل موشورات سداسية مناسبة لأجسام النحل يتم إنشاؤها بزاوية ميل مثالية لا تسمح بتدفق العسل إلى الخارج، وتقدر هذه الزاوية بـ 9 درجات أفقيا و14 درجة عموديا. وبعد تغطية أمشاط الشمع بشمع العسل يتم دهنها بمادة حادة الرائحة تدعى دهن الشمع.
إذا تسللت أية كائنات حية أجنبية إلى الخلية فإن النحل الذي يمثل أيقونة للنظافة يقوم بقتل هذه الكائنات باستعمال الإبر، وإذا لم ينجح في نقلها إلى خارج الخلية فإنه يقوم بتحنيطها باستخدام الدنج ليمنع نتانتها وليحمي الخلية من الاتساخ بها.
يتم تعريض آلاف النحلات التي تعود يوميا من المرعى للتعقيم باستخدام الدنج الذي يعتبر معقما بالغ التأثير، وذلك أثناء مرورها إلى الداخل عبر ثقب الخلية، يتم ذلك من أجل وقاية الخلية من أي عامل جرثومي.
عندما تتعرض النحلة الملكة لما يعطلها عن القيام بوظيفتها من قيادة أو إدارة للمستعمرة لأي سبب من الأسباب من تقدم في العمر أو إعاقة أو تشوه جيني يقوم النحل بتشكيل سرب لرمي هذه الملكة التي ضعف أداؤها خارج الخلية، أو قتلها وإعداد ملكة جديدة كبديلة لها.
وإن لم يتمكن النحل لسبب من الأسباب من إعداد ملكة جديدة فإنه يتوقف عن صنع العسل ويموت حزنا. تخرج الملكة الأم خارج الخلية لغرض واحد فقط وهو اللقاح؛ لأن اللقاح يتم أثناء طيرانها بسرعة في الهواء. فإذا خرجت من الخلية لأي سبب مختلف يغادر النحل كله الخلية معها. لكل ملكة من ملكات النحل رائحة جنسية (فيرمون) مختلفة. وإن النحلات التي تنتمي إلى المجموعة نفسها تتعرف على ملكتها الأم وعلى خليتها وبقية أفراد العائلة بفضل هذه الرائحة. وبفضل هذه الرائحة أيضا لا يحاول النحل دخول أي خلية أخرى، كما تهاجم النحلات كل من يحاول دخول خليتها من النحلات التي ضلت طريقها.
فوائد العسل
العسل عبارة عن رحيق أزهار أو إفرازات حشرات تعيش فوق الأزهار قام النحل بامتصاصها وتعرضت لتغيرات داخل أجسامها، ثم بعد ذلك خزّنها النحل في مسامات أمشاط الشمع في الخلية كي يكتمل تكونها وتظهر كشراب سميك القوام وغذاء مهم يتميز بدرجة عالية من حلاوة المذاق.
وقد يصنع النحل العسل أيضا بالاستفادة من إفرازات الشجرة التي تنتجها بعض النباتات، وضمن هذا النوع يندرج عسل الصنوبر وعسل الكستناء، وبفضل هذه العملية نحصل على أنواع من العسل تختلف في لونها ومذاقها.
إن العسل الطبيعي غير المغشوش يتكون من 40 بالمئة من سكر الفاكهة، و17 بالمئة من الماء، أما 7 بالمئة منه فيتكون من فيتامينات ومعادن وهرمونات كالحديد والصوديوم والكبريت والمغنيزيوم والفوسفور وحبوب اللقاح والمنغنيز والألمنيوم والفضة والزلال والدكسترين (مادة صمغية) والآزوت والزنك والنحاس واليود.
إن ملعقة طعام من العسل بمثابة وقود للعضلات؛ حيث إنها تزودها بطاقة قدرها 64 سعرة حرارية. ولأنه مصنوع من رحيق النباتات فهو يشتمل على الخصائص الشفائية الكثيرة المتوفرة في هذه النباتات. إن دراسات وأبحاثا كثيرة أظهرت أن العسل بفضل خصائصه المضادة للميكروبات والفطريات يصلح لتعقيم الجروح، ويقاوم نمو الجراثيم والفطريات. ويعرف الكثيرون أن العسل يقوي جهاز المناعة ويشفي الالتهابات والجروح. ونظرا لاحتوائه على التوكوفيرول(فيتامين E) وحمض الأسكوربيك والفلافونويد وغيرها من المواد الفينولية فهو ذو تأثير مضاد للأكسدة. وحسب أبحاث الدكتور قمر الدين يوسف من جامعة مالايا في كوالالمبور الماليزية الطبية، إن العسل يعطي نتائج إيجابية بنسبة 100 بالمئة في معالجة الجروح صعبة الالتئام، وفي منع تلوث المستشفيات، والتصدي للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. كما أنه مفيد في معالجة القرحة.
يفيد بحث نشرته مجلة FASEB أن أحد البروتينات الموجودة في العسل ويسمى دفنسين 1 له خصائص مضادة للبكتيريا، ويستخدم في معالجة الحروق وتقرحات الجلد.
هناك أمر لا يقبل الجدل؛ وهو أن الأجيال القديمة كانت أكثر تقديرا لقيمة العسل، حيث إن العسل كان موجودا في 90 بالمئة من الأدوية التقليدية التي أوشكت أن تطويها ذاكرة الزمان.
الفيتامينات والمعادن المتوفرة في العسل
يحتوي 100 غ من العسل على المواد التالية:
● 304 كيلو كالوري (1272كيلوجول) من الطاقة.
● 82.4 غ كربوهيدرات.
● 0.3 غ بروتين.
● 0,0 دهون.
المعادن
● 52,00 ملغ بوتاسيوم.
● 6,00 ملغ كالسيوم.
● 4,00 ملغ صوديوم.
● 4,00 ملغ فوسفور.
● 2,00 ملغ مغنيزيوم.
● 0.42 ملغ حديد.
● 0.22 ملغ زنك.
● 0.08 ملغ منغنيز.
● 0.04 ملغ نحاس.
الفيتامينات:
● 0.004 ملغ فيتامين ب1
● 0.04 ملغ فيتامين ب 2
● 0.12 ملغ فيتامين ب 3
● 0.07 ملغ فيتامين ب 5
● 0.02 ملغ فيتامين ب 6
● 2,00 ملغ فيتامين سي
تختلف قيمة العسل باختلاف الأزهار التي امتص منها النحل الرحيق. ولذلك هناك الكثير من أنواع العسل. من أكثر أنواع العسل المتوفرة: عسل الصنوبر، وعسل زهرة الكستناء، وعسل دوار الشمس. إن العسل الذي يصبغ حياتنا بمذاقه الحلو هو أيضا علاج للكثير من الأمراض، فهو:
● يقوي المعدة. ولأنه لا يحتاج إلى عملية هضم فهو يمر بسهولة إلى الدم.
● يخفف آلام الظهر العلوي والسفلي إذا دهنت به مواضع الألم.
● يزيد الشهية.
● يزيد مستوى ذكاء الأطفال.
● يخفض الضغط.
● يحافظ على اللثة والأسنان من البكتيريا، ويشفي قروح الفم.
● يفيد في التخلص من البلغم.
● يطهر المسالك البولية.
● يزيد الطاقة الجنسية.
● ينظم دوران الدم، وينظف الدم.
● له دور مهدئ.
● مفيد لنمو الأسنان والعظام.
● يقوي العين ويفيد في تقوية النظر.
● يعتبر معجونا طبيعيا للأسنان.
● يفيد في معالجة الإمساك، ويوقف الإسهال، ويساعد في إنقاص الوزن.
● يفتح الأوردة. وهو مفيد للحساسية وأمراض الروماتيزم.
● مسكن جيد للألم.
● يطرّي الجلد، ويغذي الشعر، ويفيد العين، ويشفي الجروح.
● مفيد جدا للقرحة وللمعدة.
● يوقف الرشح والسعال.
● مفيد لخفقان القلب.
● يستعمل في علاج أمراض الصدفية واليرقان وأمراض الدماغ. كما يحمي من إصابات الحساسية.
● يفيد في الشفاء من مرض البهاق.
● يسهل هضم الدهون.
● يعتبر غذاء مكملا لنقص الحديد في حليب الأم وحليب البقر.
● يفيد في حالات الأرق.
● يفيد الأطفال الذين يعانون من التبول اللاإرادي، فقد لُمست فائدته في هذا المجال إذا تم تناوله باستمرار لمدة تتراوح بين الشهر والشهرين.
● مفيد جدا في علاج أمراض العظام.
● يساعد في الشفاء من مرض اليرقان في وقت قصير إذا تم تناوله باستمرار صباحا ومساء.
● يعالج التهاب القصبات إذا شرب مع محلول الشعير المغلي.
● يعتبر علاجا طبيعيا لآلام الحلق. إذا أضيف إلى مغلي المريمية القليل من الخل والقليل من العسل وتغرغر المريض بالمزيج، ثم شرب من ذلك الشراب فإن آلام الحلق تزول، ويشعر المريض بالتهاب اللوزتين بالتحسن.
● ينصح باستهلاك العسل بمفرده، أو بمزجه مع عصير البرتقال لمن يعاني من الإجهاد واستنفاد الطاقة.
● العسل مفيد لأمراض الجلد وللشفاء من القروح الجلدية.
كيف نميز العسل الجيد؟
أورد أبو حنيفة الدينوري في كتابه عن العسل أن عسل نبتة الزعتر البري يتميز بكونه أبيض اللون وقوامه أقل ثخانة بالمقارنة مع بقية أنواع العسل وهو يفوقها شهرة وله تأثير لاذع في الحلق. كما أن عسل اللوز أيضا له شهرة كشهرة عسل الزعتر، وهو أكثر أنواع العسل اعتدالا وملاءمة، وتفوح منه رائحة أزهار اللوز. ويكون العسل مر المذاق إذا امتص النحل رحيق النباتات المرة كاليانسون. ويتميز عسل شجرة السدر بأنه قليل الحلاوة وقليل التحمل. لا يلمس النحل بتاتا النباتات ذات الروائح الكريهة أو المحتوية على السموم. وباستثناء ذلك، إنه ينهل من النباتات كافة. ولأن الرمان البري من أكثر النباتات احتواء على رحيق العسل فإن النحل الموجود في منطقة تواجد هذا الرمان لا بد أن يتوجه إليه.
يتميز العسل الجيد برائحة حادة ومذاق طيب. يعرّف أبو حنيفة الدينوري العسل الجيد بقوله: «عند تنقيطه فإنه يتكور كما تتكور قطرة الزئبق. وعندما يعبأ العسل في الأوعية فإن الرقيق منه يتجمع في الأعلى أما الصلب وذو النوعية السيئة فيترسب في الأسفل. العسل الذي يميل لونه إلى السواد إن لم يكن قديما فهو ذو نوعية سيئة. فالعسل إذا تقادم قلت حلاوته ومال لونه إلى السواد».
في السابق، كان بالإمكان معرفة جودة العسل بسكبه بالملعقة من الأعلى إلى الأسفل؛ حيث اشتهر أن العسل الجيد إذا تم سحبه أو سكبه فإنه لا ينقطع بل يمط. وهناك توصيات متداولة من أجل تمييز العسل الجيد منها:
● إذا كان العسل ينقطع وينزل عند سحبه أو سكبه فإنه ليس جيدا أو إنه مغشوش.
● العسل الجيد لا ينتشر فورا في الماء الحار.
● العسل الطبيعي يتميز بلون ورائحة ونكهة خاصة به.
● إذا أخذنا شيئا من العسل بالملعقة وسكبناه على الأرض فإن العسل المغشوش يتطاير في الهواء كشبكة العنكبوت.
● قوام العسل الطبيعي متماسك وسيلانه متواصل، أما العسل السيئ فيسيل متقطعا.
في الوقت الحالي، لم تعد لهذه المعلومات المتعلقة باختبار العسل أهمية كبيرة، حيث إن المصانع الآن تنتج عسلا ليست له أي صلة بالنحل. إن عسل الجلوكوز والنكهة الصناعية يمكن أن تضاف إليه أكثرية هذه الخصائص، حيث يكاد التمييز بين العسل الطبيعي والمغشوش يكون مستحيلا. إن العسل الذي ليست له أي علاقة بالنحل يتم إنتاجه بنكهات ومذاقات وقوام وألوان متنوعة؛ حسب أذواق المستهلكين، ويباع كعسل حقيقي.
كانت الكتب القديمة تنص على أن العسل الأنقى هو الأفتح لوناً والأكثر طراوة والذي يتمتع بمذاق طبيعي أكثر. والحقيقة أن لون العسل يختلف حسب المنطقة وحسب نباتات المنطقة. أما لون عسل المصانع ورائحته ومذاقه فليست لها أي صلة بالنحل، بل تعتمد على مهارة أصحاب الإنتاج وضمائرهم.
وعلى عكس المفهوم السائد، إن العسل يمكن أن يتحول إلى حالة التبلور حسب حرارة الوسط الذي يتواجد فيه. وهذا العسل لا يفقد قيمته الغذائية، ويمكن استهلاكه وهو على هذه الحال. كما يمكن إعادته إلى حالته الطبيعية بإبقائه لفترة في وعاء ماء لا تتجاوز حرارته 45 درجة مئوية من دون حصول تماس بين الماء والعسل. أما العسل المغشوش فإنه لا يتبلور لعدم احتوائه على خلاصات طبيعية.
ينبغي الاحتفاظ بالعسل في حرارة الغرفة بعيدا عن أشعة الشمس. العسل الطبيعي الذي يحتفظ به في الثلاجة لا تظهر على سطحه طبقة ماء عند إخراجه منها، وإنما تظهر تلك الطبقة في العسل المغشوش. إن العسل الطبيعي من النمط القديم يتجمد في الثلاجة.
إن الناس لا يقولون عن لبنهم إنه حامض، وكذلك لا يقولون عن عسلهم: عسلنا عبارة عن سكر، أو إنه مخترق بالشوائب المضافة إليه. إن أولئك الذين يبيعون الكيلوغرام الواحد من العسل بعشر ليرات، والآخرين ممن يبيعونه بثلاثمئة ليرة يزعمون أنهم يبيعون عسلا نقيا وطبيعيا وعضويا، أو أن العسل قادم من القرية. أيهما الصادق؟ أهو من يبيعه بسعر الذهب، أم الذي يبيعه بأرخص من ثمن المربى؟
إن العسل المعروض لدى الشركات الرخيصة والمؤسسات السياحية أو المطاعم التي تطبق عبارة كل شيء داخل في التسعيرة بشكل خاص هو على الأغلب مشوب بمواد إضافية مغشوشة. وإن واقع الحال يشير إلى أن الرقابة ليست في المستوى المطلوب وأن العقوبات ليست رادعة.
كيف يحفظ العسل؟
يشكل العسل طبق الفطور الذي لا يمكن الاستغناء عنه. وإذا لم نحتفظ به بالشكل المناسب فستتشكل داخله حبيبات السكر وسيفقد قيمته الغذائية. إن العسل الذي يتعرض لضوء النهار يفسد، لذلك يجب المحافظة على وعاء العسل في مكان بارد ومظلم. كما أن وعاء العسل إن بقي مفتوحا فإن العسل يمتص الرطوبة ويكتسب مذاقه بعض المرارة.
عصر العسل المسرطن الذي لا صلة له بالنحل
لا شك في أن أفضل أنواع العسل هو العسل الذي صنعه النحل وقام بتخزينه في خلايا صنعها بنفسه من دون أي تدخل من البشر. إن إيجاد عسل بهذه المواصفات يكاد يكون مستحيلا. حتى سنوات قليلة مضت، كان العسل ذو الجودة المتدنية الذي ينتجه نحل يتغذى على ما يقدم له من السكر إحدى مشكلات السوق المستعصية. أما الآن، فإن الوضع غدا أكثر سوءا. وخاصة بعد حادثة إعادة العسل المـُصدّر إلى الغرب من الجمارك بتهمة الغش والاحتيال؛ الأمر الذي فتح باب الجدل واسعا حول العسل.
أصدر رجب سيرالي تحذيرا شديد اللهجة وهو يومئ إلى العسل المغشوش بقوله: «إن عملية الرقابة التي جرت في بلادنا في السنوات الأخيرة أظهرت أن نسبة العسل المغشوش بلغت 30 بالمئة من مجموع العسل. إن هذه الأشربة التي يتم إعدادها من سكر الجلوكوز والفركتوز بإضافة مواد ذات نكهة لا تمت بأي صلة إلى النحل، ولكنها تشكل إغراء للمستهلك لكونها تباع بثلث سعر العسل».
هذا الجدل مهد لعدد من الترتيبات. فبالإضافة إلى الإشعار الخاص بالعسل، إن ترتيبات أخرى لها صلة أيضا بالعسل تمت إضافتها إلى الإشعار الخاص بالأشربة الخالية من الكحول.
لقد تم دعم الحكم الوارد في المادة السابعة من الإشعار المتعلق بالعسل والذي ينص على ما يلي: «لا يسمح بإضافة أية مواد إضافة إلى العسل» بالحكم الوارد في المادة 5/ك من الإشعار المتعلق بالأشربة الخالية من الكحول والذي ينص على: «لا يسمح بإنتاج مشروبات ذات نكهة عبر إضافة نكهات عسل صناعية إلى الأشربة».
ولكن، بسبب المراجعات التي قامت بها الأوساط التي تصر على إنتاج العسل المغشوش، قامت الدائرة العاشرة لمجلس الدولة في 19 شباط عام 2010 م بإصدار قرار أبطلت فيه الحكم الوارد في الإشعار الخاص بالمشروبات غير الكحولية والذي ينص على عدم السماح بإنتاج مشروبات بإضافة نكهة العسل الصناعية. وبهذه الخطوة، تم فتح الباب من جديد لإنتاج العسل المغشوش.
إن هذا القرار الذي أعطى الأولوية لحماية بؤر المصالح بدلا من صحة المجتمع ما زال مستمرا يدا بيد مع قرار وزارة الزراعة بالسماح باستيراد نكهات العسل.
عقب هذه الحملة التي شنها مجلس الدولة، كان بإمكان وزارة الزراعة أن تمنع استيراد مواد النكهة. إلا أنها لم تفعل ذلك، لأن ما يعرضه منتجو الغذاء الصناعي في الأسواق من منتجات كثيرة تحمل اسم منتجات العسل ليست عسلا، بل هي ما يتم إنتاجه باستخدام نكهة العسل الاصطناعية. إذا، إن مصلحة هذه الشركات طغت على مصلحة المجتمع. وهكذا، إن الأشربة التي تحمل نكهة العسل الصناعية تباع الآن في الأسواق باسم العسل. وليس هناك من ينتبه إلى عدم كونها عسلا. علما أنها تدخل في ما يمكن أن نسميه عسلا مغشوشا. يُقبل الزبائن على شراء هذا العسل الذي يباع بسعر أرخص من سعر المربيات بسبب رخص ثمنه وبسبب ألوانه البراقة.
أظهرت نتائج الرقابة أن العسل المغشوش ينقسم إلى ثلاثة أنواع هي:
● أشربة الجلوكوز والفركتوز المضاف إليها مسحوق حبوب الطلع والنكهة الصناعية والملونات؛ وهي أشربة ليست لها أي صلة بالنحل.
● عسل يصنعه نحل تمت تغذيته بمنتجات جاهزة مثل شراب السكر وعجينة غذاء النحل ومحاليل تغذية النحل بدلا من الرحيق الذي تفرزه النباتات. والنتيجة عسل سكري تم إنتاجه من السكروز، أو عسل ينتمي إلى الأغذية المعدلة جينيا تم إنتاجه من شراب الذرة المحتوي على نسبة عالية من الفروكتوز.
● عسل مغشوش بإضافة نسب مختلفة من شراب السكر أو الماء أو النشاء أو غير ذلك إلى العسل الطبيعي.
إن عملية الغش التي تعتمد على تغذية النحل بالأشربة في موسم الرحيق أو على مزج العسل بمواد إضافة تؤدي إلى تغير نسبة الكربون في العسل. وإن هذه التغييرات التي تطرأ على العسل بسبب أعمال الغش يمكن اكتشافها بسهولة عبر تقييم نتائج تحليل الكربون أو غيره من التحاليل.
إن الغش في العسل يتحقق أيضا داخل زجاجات العسل المعروضة للبيع عندما توجد قطعة عسل بالشمع داخل العسل المصفى. فبهذه الطريقة، يتم وضع الشراب تحت مقدار من العسل بالشمع ثم يضاف العسل المصفى ويرسل إلى التسويق وكأنه عسل حقيقي.
ومن جهة أخرى، قد يمزج الشراب السكري بنوع من العسل الذي يسبب ظهور أعراض التسمم ويعرف باسم «العسل المجنون». وبأنواع أخرى من العسل تم تسخينها إلى درجة تتجاوز 45 درجة مئوية أو غليها إلى أن فقدت خواصها، ويعرض بعد ذلك في الأسواق.
يوضح رجب سيرالي الفوارق بين العسل الطبيعي والعسل المغشوش على النحو التالي: «حسب المفاهيم العامة، إن اسم العسل لا يصح إطلاقه على مادة غذائية أخرى وتسويقه على هذا الأساس. إن الأشربة المصنوعة من الجلوكوز لبعض الشركات أو المادة الشبيهة بالعسل التي أنتجها النحل الذي تمت تغذيته بالمحاليل السكرية والتي يسوِّقها بعض المنتجين على أنها عسل لا يصح أبدا أن تسوق باسم العسل؛ لأنها لا تحمل خصائص العسل، ولا تتوفر فيها العناصر المرئية وغير المرئية، ولا الفيتامينات، ولا البروتينات، ولا المعادن، ولا الأحماض الأمينية، ولا أنزيمات الفينولات النباتية المتوفرة في العسل. إن هذه المواد التي تباع على أنها عسل لا تحمل أي خصائص مضادة للبكتيريا. وعلاوة على ذلك، إن نسبة الماء فيها تتجاوز 22 بالمئة، ونسبة السكروز 5 بالمئة، كما أن قيمتها وخصائصها الغذائية متدنية جدا».
إن مشكلة العسل لا تقتصر على إضافة النكهة أو جلوكوز الذرة أو السكر إليه؛ إذ إن أمشاط الشمع أيضا تبرز كمشكلة لها أهميتها. إن تمييز العسل الطبيعي من المغشوش سواء أكان هذا العسل مصفى أو بالشمع عبر التمعن في اللون أو شم الرائحة أو التذوق ليس بالأمر السهل حتى بالنسبة إلى المختصين. هناك اعوجاج آخر ظاهر للعيان في عملية إنتاج العسل، ألا وهو بقايا الأدوية الزراعية ومعضلات أمشاط الشمع. في جمارك الدول المستوردة للعسل تم إثبات وجود مادتين مسرطنتين داخل العسل وهما: (النفتالين) و(البارافين). إن التحذير التالي الذي أطلقته أوقاف تما يشير إلى مدى خطورة الأمر: «لا توجد أمشاط شمع غير محتوية على بقايا النفتالين أو لم يضف إليها البارافين. إن هذه الأمشاط الشمعية الصناعية الممزوجة بالنفتالين والبارافين يتم استهلاكها مع العسل. علما أن النفتالين والبارافين منتجات نفطية ومسببة للسرطان». يستخدم القائمون على تربية النحل النفتالين لمقاومة فراشات الشمع الضارة في الخلية. ويقوم شمع العسل بامتصاص النفتالين بكل سهولة وبذلك يتسلل النفتالين إلى العسل. يتم في المختبرات تحليل العسل المعد للتصدير حتى لا يتعرض للإعادة. وهذا الفحص يقتصر على العسل المعد للتصدير فقط. في حين أن أيا من المواد التي تسمى عسلا مما سيتم تسويقه إلى الأسواق المحلية لا تتعرض للتحليل. يستطيع المستهلك أن يقوم بتحليل العسل الذي قام بشرائه للتأكد من كونه طبيعيا في مختبرات وزارة الزراعة.
عند ثبوت وجود النفتالين أو البارافين أو النكهة الصناعية أو السكر التجاري أو الجلوكوز أو المواد الملونة أو غيرها في العسل فإن ما ينبغي أن يترتب على ذلك هو جمع المنتج من الأسواق بالإضافة إلى رفع دعاوى بالتعويض.
وهناك وسيلة أخرى يتم اللجوء إليها في موضوع العسل، وذلك لحث النحل على الإسراع بعملية الإنتاج، فقد بدأ في هذا المجال استخدام أمشاط شمع تسمى (نظام Bee–o–Pack) مصنوعة بكاملها من البلاستيك بالإضافة إلى استخدام أمشاط الشمع الصناعية الممزوجة بالبارافين.
إن النحل عندما لا يصنع العسل في مواسم الشتاء والأيام الباردة فإنه يتغذى باستهلاك جزء من العسل الذي سبق له أن أنتجه. ولكن المنتِج بسبب حرصه على الحصول على المنتَج كاملا فإنه يسحب كامل العسل من الخلية، ويعمد إلى تغذية النحل بالأغذية الصناعية. كما أن ذهاب النحل إلى الأماكن البعيدة لجلب المادة الخام يعتبره المنتج مضيعة للوقت؛ مما يعني إنتاجا أقل. ولكي يكون الإنتاج أسرع وأكثر يعمد المنتج إلى المزيد من الحيل.
نجد الآن في الأسواق منتجات مثل محاليل تغذية النحل، وشراب النحل، ومواد إضافة كالمضادات الحيوية وغيرها. حتى إن بعض المنتجات من الحلوى التي انتهت صلاحيتها يتم جمعها بدلا من القضاء عليها، ثم يتم سحقها ومعالجتها وتقديمها إلى النحل كغذاء. وأكثر جوانب الموضوع مأساوية هو تحول هذا العمل إلى سلوك معتاد ومتعارف عليه، وإلى متلازمة مهنية.
يوضح كتاب الأخطار المحدقة بمهنة تربية النحل مدى انتشار الغش. ويقول الكاتب: «في السابق، كان يُقدَّم للنحل السكر التجاري، أما الآن فقد تم استبدال الجلوكوز والفركتوز المعدلين وراثيا بالسكر التجاري لأن أسعارهما أرخص. إن هذا النوع من الغش أصبح واسع الانتشار إلى درجة أن سكريات ليست لها صلة بالنحل أصبحت تباع على أنها عسل».
إننا نعيش مرحلة زمنية ينحرف فيها النبيل وينتن فيها العسل. لذا، من يرغب بتناول العسل الطبيعي مع القشدة فعليه أن يقوم بعملية بحث جيدة، وأن يكون سخيا بقروشه. فالعسل الطبيعي والصحي سيكون أغلى سعرا لأنه أندر وجودا. وبدلا من كميات كبيرة من العسل الصناعي يُفضل أن نستهلك كميات قليلة من عسل طبيعي.
النحل وأعداء النحل
يحافظ النحل على بقائه عبر استهلاكه جزءا من العسل الذي يقوم بصنعه. وقد تمر على الخلية أوقات تقل فيها كمية العسل. وفي مثل هذه الأحوال، تقوم النحلات العاملة بقتل الذكور من النحل بهدف التقشف. ويشعر ذكور النحل بهذا الخطر مبكرا فتغادر الخلية. لا يتردد النحل في خوض أية مواجهة مهما كانت خطيرة من أجل حماية الخلية. وأحيانا، تشتعل الحروب بين خليتين من خلايا النحل أو بين خلية ومجموعة غريبة تحاول اقتحامها. وإذا خسر النحل المقيم في الخلية المعركة فسيترك خليته بكل ما فيها وسيبتعد عن المنطقة. ينصب النحل حارسا يرابط من أجل حماية الخلية، بينما يقوم هو برحلاته اليومية من أجل جمع الرحيق، فالنحل لديه الكثير من الأعداء، وكذلك العسل طالبوه كثيرون. إن ألد أعداء النحل هو نفسه العدو الألد للطبيعة، أي الإنسان.
يعمل النحل من أجل الحفاظ على البنية الطبيعية ومن أجل الإنسان. ويقابل الإنسان هذه الهدية العظيمة بالطريقة نفسها التي يقابل بها نعم الله تعالى، أي بالجحود. إن الكيميائيات الضارة التي ترش بها المواد النباتية، وكذلك المنتجات الهجينة التي تعرضت بنيتها الطبيعية للتغيير، والمضادات الحيوية أو السموم التي تتم إضافتها إلى الخلايا، كل ذلك يسوق النحل نحو مصير مشؤوم. إن القائمين على تربية النحل أخذوا في السنوات الأخيرة يشتكون من انتشار الموت بين النحل لأسباب مجهولة. ويُخمَّن أن سبب موت النحل هو استخدام الأدوية الزراعية الضارة في ذلك المحيط، والقيام بزراعة محاصيل معدلة وراثيا من الصويا والكانولا ونبتة دوار الشمس.
يقول الدكتور محسن دوغار أوغلو المختص بتطوير النحالة: «إن هذا الموت يعتبر مؤشرا مهما على فقدان التوازن الطبيعي. إن 85 بالمئة من عمليات التلقيح التي تحتاج إليها النباتات تتم عن طريق النحل. وإن هذا الموت يشير أيضا إلى فقداننا للمواد التي كنا نحصل عليها بفضل النحل».
ويتابع: «هناك أبحاث وملاحظات لمختصين بالنحل تشير إلى تشوهات فيزيولوجية لدى النحل الذي يعتمد غذاؤه على الذرة المعدلة جينيا، وعلى علف النحل المحتوي على الجلوكوز والفروكتوز.
وقد لوحظ أن محاصيل نبات دوار الشمس في البساتين التي تتم فيها عملية الإخصاب بشكل كافٍ عن طريق النحل تزيد بخمسة أضعاف على محاصيل بساتين دوار الشمس التي لم يتم تخصيبها». وبعد كل ذلك، يستكثر الإنسان على النحل القليل من العسل الموجود في الخلية، فيحاول في الشتاء إطعامه السكر والجلوكوز المعدل جينيا، مما يضعف بنيته فيتعرض ما يقارب نصفه للموت قبل انقضاء شهر الشتاء.