هل عليّ حقًا أن أتناول المزيد من الفاكهة والخضراوات؟ من أول جلوسنا إلى مائدة الطعام، علمونا بأن علينا أكل خضراواتنا. لم يكن آباؤنا يبالون ببقية الوجبة بنفس القدر. بل كان لنا أن نترك الحلوى (وما كنا لنفعل!). لكن الشيء الوحيد الذي أصروا عليه كان أن الخضراوات إجبارية. لكن لماذا؟ لأنها نافعة لنا حقًا. (فضلًا، كل جزرك!)
س: هل الأمر مهم حقًا؟
ج: نعم.
س: هل النباتيون أطول عمرًا؟
ج: ليس بسبب أكلهم خُضرهم.
س: هل ستجعلني الخضراوات أقوى؟
ج: لعل البنجر يفعل هذا.
س: هل ستجعلني الخضراوات أرى في الظلام؟
ج: لا.
س: هل تُغنيني تفاحة يوميًا عن الطبيب؟
ج: نعم، أو موزة.
س: ما شأن كل تلك الأطعمة الفائقة؟
ج: أكثرها تهويل تسويقي.
س: كيف أجعل أطفالي يأكلون خُضَرهم؟
ج: ركز على المتعة.
النباتي
يأتي مفهوم منفعة الإكثار من الفاكهة والخُضر لنا جزئيًا من اعتقادنا أن خيرًا يصيب من يكثرون أكلها. ومن أكبر فئات هؤلاء النباتيون.
في أكثر دول الغرب، نحو 3-5 في المائة من الناس يرون أنفسهم نباتيين، مع غلبة هذا على النساء. لكن في بعض الدول، مثل الهند، تكون نسبة النباتيين نحو عشرة أضعاف هذا.
الهرطقة النباتية
أكثر الناس غير نباتيين. ومن هم كذلك نُبذوا منذ زمن بعيد لخروجهم عن النهج. في محاكم التفتيش الرومانية، عُد النباتيون مهرطقين. حتى اليوم، يرى كثير من الناس النباتيين قلة متحررة أو بديلة أو راقية التفكير أو مهووسة أو حتى نسوية.
في عام 1999، طُرد مؤقتًا تلميذ في الصف الثانوي في جوردون الجنوبية بولاية يوتاه، لارتدائه قميصًا على ظهره كلمة “vegan” (نباتي صِرف). أيدت المحكمة الفيدرالية الطرد المؤقت فيما بعد قائلة إن من حق المدرسة وقف من يرتدون “زي العصابات”. كان يُظن أن العصابات التي في المنطقة قد اتبعت المذهب النباتي؛ ثم صارت كلمة “زي العصابات مزعجة؛ خاصة منذ ارتدى طالبان معطفي مطر عندما شاركا في إطلاق النار في مدرسة كولورادو”.
ليس النباتيون الوحيدين الذين يأكلون كثيرًا من الخضراوات. وكون المرء نباتيًا يعني تحديات عديدة، أيضًا، حتى يضمن توفر جميع المغذيات الحيوية في نظامه الغذائي. لكن إن أردنا قول شيء عن الخضراوات فهو أن النباتيين يودون أكلها بالأطنان. المثير أن معدلات الأمراض الكبرى، مثل الأزمات القلبية، والسكتات، والسمنة المفرطة، والسكر، وبعض أنواع السرطان، أقل بين النباتيين من غيرهم. لكننا لسنا على يقين بأن ذلك من أثر ما يفضلون أكله من فاكهة وخضر.
لكن الظاهر أن أحد أسباب فضل صحة النباتيين على غيرهم يرجع جزئيًا إلى أن من يختارون أن يجعلوا كل طعامهم أو جُلَّه من الخضراوات فقط هم عادة من المتعلمين الذين يتبعون الخيارات الصحية في كل جوانب الحياة الأخرى، فهم، مثلًا، أحرص اختيارًا لنظامهم الغذائي، وأكثر ممارسة للرياضة، ويجتنبون التدخين، وأميل إلى الاعتدال في عاداتهم، وأكثر محافظة على محيط خصرهم. الخلاصة أنهم أكثر ميلًا لاتباع التعليمات الصحية. والأرجح أنهم أيضًا كانوا يطيعون آباءهم عندما كانوا يأمرونهم بأكل البروكلي! كثير من الناس نباتيون لأسباب سوى الصحة (مثل الدين أو الرفق بالحيوانات أو الأثر البيئي، إلخ)، لكن الصحة عادة أحد أسبابهم.
المهم أننا إذا عدلنا نتائج الدراسات لتأخذ في الحسبان الممارسات الصحية الأخرى التي يتبعها النباتيون، لتساوت احتمالات الوفاة بين النباتيين وغيرهم في نافذة طولها بين خمس سنين وعشر.
لا يعني هذا أن أكل الخُضر لن ينفع صحتنا بشيء. على النقيض، نقص الفواكه والخضراوات من غذائنا سبب أساسي للمرض والوفاة المبكرة في العالم. كل ما في الأمر أنه بعد نقطة معينة تتحقق الكفاية.
نحن ننال أقصى منفعة ممكنة من نحو ثلاث حصص من الخضر وثلاث من الفاكهة كل يوم. إذا كان أكثر الناس يفعلون هذا فعلًا، كما في الدراسة المذكورة أعلاه، فالتحول إلى النباتية وأكل المزيد من حصص الخضراوات في اليوم لا يبدو أنه يؤتي نفعًا كثيرًا بالنسبة لمتوسط احتمالات البقاء على المدى الطويل. على الجانب الآخر، إذا اجتنب أكثر الناس خضراواتهم (متوسط تناول الخضراوات كل يوم في الولايات المتحدة حصتان فقط، مثلًا)، فستبدو النباتية حلًا لكل المشكلات، مقارنة. الأمر كله يتوقف على المنظور.
تفاحة أخرى يومياً
إن قارنا الخضر والفاكهة بغيرها من الأطعمة، سعرًا حراريًا بسعر حراري، لوجدنا لهما خصوصية وميزة. أولها وأهمها تقريبًا الألياف. الألياف هي ذلك الجزء الذي لا يُهضم من النبات الذي نطعم به بكتريا أمعائنا، التي -بدورها- تعتني بصحتنا من جوانب عدة، منها تقليل مخاطر أمراض القلب والسكر وبعض أنواع السرطان.
لا توجد الألياف إلا في النباتات. لكن حبوب النباتات التي نأكلها تكون عادة معالجة ومكررة بشدة فيذهب أكثر ما فيها من ألياف. لذا فلا يتبقى لنا إلا الفاكهة والخضر مصدرًا أساسيًا للألياف، ولأننا نادرًا ما نأكل خضراواتنا (وإن فعلنا، أكلنا غالبًا البطاطس النشوية وبعدها بقدر أقل الذرة والقرع أو القرع الصيفي والجزر)، فإن أكبر مصدر ألياف في أكثر الأنظمة الغذائية هو ما نأكل من الفاكهة الطازجة بين الحين والآخر، إذا تذكرنا.
في عصرنا هذا تنوع هائل من الفواكه. لكننا عادة نأكل التفاح والموز، فهما الفاكهتان المفضلتان عند الجميع ومتاحتان طوال العام. احتمال أكلنا التفاح والموز هو خمسة أضعاف احتمال أكل التوت والبرتقال والخضراوات ذات البذور والبطيخ، مجتمعة.
تفاحة في اليوم
كلنا نعرف المقولة الشهيرة: تفاحة يوميًا تغنيك عن الطبيب. ذكرت الدراسات أن للتفاح آثارًا على صحة البشر منذ بدء الخليقة. لكن يبدو أن هذه الجملة لم تظهر إلا في القرن التاسع عشر في أقصى جنوب غرب ويلز.
كانت زراعة التفاح مزدهرة في الجو الرطب البارد في جنوب ويلز. كان أشهر أنواعه “جويل نا ميل” (Gwell Na Mil) أو “أفضل من مليون” الذي كان معروفًا بفوائده الطبية فوق مزاياه في الطهو. كان هذا التفاح معروفًا في أمريكا وإنجلترا باسم “لا تبحث عن المزيد” (لأسباب جلية).
في القرن التاسع عشر كان الإمساك يُعد “أصل كل الأدواء” و”أقصر طريق إلى الشيخوخة والتجاعيد والذبول”. كانت مخلفات الناس نفسها تفسد صحتهم (وهي ظاهرة تُدعى التسمم الذاتي). وكانوا يُضطرون إلى استدعاء الأطباء لعلاج الإمساك (الناجم عن أكل اللحم أكثر شيء، كما كانت عادة مزارعي ويلز). لذا فكان أكل تفاحة يوميًا (بما فيها من ألياف ملينة) علاجًا واضحًا للاستغناء عن الطبيب.
أكثر ألياف التفاح في قشره، لذا فتقشيره يقلل محتوى أليافه نصفًا تقريبًا. كما يحرمنا من نحو ثلث فيتامين أ وثلثي فيتامين ك. في القشر أيضًا مضادات أكسدة مهمة وذات نفع محتمل (مثل الكورسيتين وحمض الأُرسوليك والترايتربينويدات الأخرى) وتساعد على حماية لحم التفاح الأبيض من التحول إلى اللون البني عند تعرضه للهواء. لكن أكل تفاحة مقشرة أفضل من عدم أكل التفاح أبدًا، وهو بداية جيدة مناسبة مع الصغار قبل نمو أسنانهم لأكل التفاح الحقيقي. ليس عصير التفاح ببديل، فهو يخلو من الألياف (إلا إن كان عصيرًا غليظًا مصنوعًا من ثمرات تفاح كاملة).
تحوي الموزة المقشرة نفس قدر الألياف التي في التفاحة المقشرة تقريبًا. لكن خلاف قشر التفاح الذي نأكله عادة، نحن نرمي قشر الموز (أو نتركه يتحول إلى اللون البني ويصير مقززًا حتى يجده سوانا في قاع حقيبة المدرسة فيرميه).
الحق أن قشر الموز، أو جلده كما يسمى، يصلح للأكل، وإن كان كثير الألياف وشمعيًا ومرًا قليلًا (تقل هذه المرارة عندما تنضج الثمرة). ونستطيع وضعه في عصير سموثي من الموز بلا أثر ضار (لكن تذكر أن تنزع الملصق الورقي الذي يكون على القشرة وتغسل الموزة من الخارج أولًا).
عندما يكون الموز أخضر غير ناضج، لا يكون طعمه شديد الحلاوة؛ إذ تكون أكثر السكريات محبوسة في النشا المقاوم للهضم. مع نضج الموز واصفراره، تتكسر أكثر النشويات فيتحرر السكر ويحلو الطعم. نفس هذا الأمر يجري في أكثر الفواكه وهي تنضج، لكن تحول الطعم في الموز هو الأشد.
المنفعة المحتملة لأكل الموز الأخضر هي القدر الكبير من النشا المقاوم للهضم، التي تحسن صحة بكتيريا أمعائنا. وعليه، فقد صار الموز الأخضر عنصرًا غذائيًا شائعًا، من جانب لتجنب السكر الكثير الذي في الموز الناضج، وكذلك لإحساس امتلاء المعدة الذي لا تمنحنا إياه إلا الميكروبات السعيدة وغازاتها. عيبه الثاني، بعد طعمه، هو الغازات والانتفاخ، إذ تنتشي به جراثيم الأمعاء.
كيف تقشر موزة؟
الموز مغلف تغليفًا مثاليًا. فتح موزة من غير هرسها يحتاج إلى مهارة. أعطِ طفلًا صغيرًا موزة وتأمل قدر التحدي في الأمر!
أكثر الناس يدخلون إلى لحم الموزة بقطع أو كسر الجذع من جانب. بعد هذا يجذبون العنق إلى أسفل ومعه قطعة القشرة المتصلة به لتكشف لحم الموزة تحتها. يكشف هذا فجوة إلى قطعة القشر المجاورة لتُشد إلى أسفل كذلك في قسمين أو ثلاثة حتى تُكشف الموزة كلها.
ليست هذه الطريقة الوحيدة لتقشير الموز. تبدأ القرود التقشير من الطرف الآخر (ليس من طرف العنق)، أي الطرف ذي الذيل البني الصلب قليلًا، وهو بقية زهرة الموز. إن ضغطت هذا الجزء بإصبعيك بحرص لانقطعت القشرة وانقسمت إلى قسمين نظيفين. تستطيع بعدها الإمساك بعنق الموزة واستعمالها كعصا المصاصة وأنت تأكل الموزة إلى آخرها.
أو تستطيع قطع الموزة إلى نصفين ومشاركة قردك الصغير إياها.
يوصى عادة بأكل حصتين من الفاكهة الطازجة (مثل تفاحتين أو تفاحة وموزة) كل يوم. الأمر سهل، أليس كذلك؟ لا يبدو عملًا كثيرًا. لكن نصف البالغين فقط يأكلون هذا القدر. تتفوق النساء على الرجال ويتفوق الأطفال على البالغين، لكن بهامش بسيط. على الرغم من وفرة الفاكهة، أكثر الناس ما زالوا لا يأكلونها بانتظام كل يوم. ونتيجة هذا هي أننا نادرًا ما نحصل من غذائنا على ما يكفي من الألياف ليبقينا أصحاء.
إذا أكلنا كلنا أكثر من حصة واحدة من الفاكهة كل يوم (مثل إضافة تفاحة واحدة فقط كل يوم)، فسيبلغ نحو 80% من الناس هذا الحد (نحو ثمرتين يوميًا). هذا أمر مهم، لأن دراسات كبرى في الصين قد أثبتت أن زيادة استهلاك الفاكهة (على أساس ضئيل) بنحو حصة واحدة يوميًا قد تقلل احتمالات الوفاة بنسبة 6 في المائة في شريحة الدراسة. غالبًا سيكون سبب هذا تقليل الوفيات بالأزمات القلبية والسكتات. لوحظ في نفس الدراسة أن من يأكلون حصتين أو ثلاثًا كل يوم لا يعيشون أفضل كثيرًا ممن يأكلون الحصتين الموصى بهما. الفاكهة مثلها مثل الخضراوات، لها حد كفاية. لكن للباقين، وخاصة من لا يكادون يأكلون الفاكهة بانتظام، تقل فرص الوفاة المبكرة كثيرًا بزيادة تفاحة واحدة يوميًا.
الإبصار في الظلام
أحد أسباب تبريرنا فائدة الخضر لنا هي أننا نعتقد أنها نافعة لبصرنا، وخاصة قد تساعدنا على الإبصار في الظلام.
ليس من السهل أن ترى في الظلام. نحتاج إلى تنشيط الخلايا الخاصة (تُدعى الخلايا العصوية) التي تؤطر الجزء الخلفي من أعيننا بالقدر الضئيل من الضوء الذي يكون في الأماكن شبه المظلمة التي نريد رؤيتها. تحوي كل عين نحو 100 مليون من هذه الخلايا العصوية، التي تقتصر وظيفتها على العمل في الضوء الضعيف. هذه الخلايا حساسة تجاه الضوء. هذا يعني أنها تعمل بكامل طاقتها في ضوء النهار الساطع، لذا فلا تساعد أعيننا كثيرًا في ساعات النهار. لكن في الليل أو في الضوء الخافت، تصير هذه الخلايا حيوية في تحديد ما نرى وما لا نرى.
لا تستطيع الخلايا العصوية تحديد الألوان، لهذا تبدو الأشياء أقرب إلى درجات من ظلال الرمادي في الظلام. لكن في عالمنا الحديث، حيث أعمدة الإنارة وأضواء ال LED من غير المحتمل أن يكون الضوء أقل مما يكفي لتبين الألوان.
الأعين البراقة
كثير من الحيوانات ترى في الظلام أفضل من البشر كثيرًا. هذا واضح في الحيوانات الليلية التي تحتاج إلى الرؤية في الظلام. لكن حتى الكلاب والقطط ترى في الضوء الخافت أفضل من البشر.
يعود هذا إلى امتلاك هذه الحيوانات طبقة من البلور الخاص في الجزء الخلفي من أعينها تعكس النور الداخل إليها أمامًا. يمكن لهذا الضوء المنعكس الارتداد إلى أعينها مرة أخرى، بصورة أساسية لتكبر الإشارة فتستطيع رؤية ما يبدو أسود حالكًا لنا.
لهذا أيضًا تبدو هذه الحيوانات، إذا رأينا عيونها في الظلام، براقة على نحو عجيب (يسمى بريق العينين). قد يكون هذا أخضر أو أزرق أو أحمر أو برتقاليًا. عادة ما يعتمد اللون المنعكس على الفصيلة، مما يتيح للمراقبين الماهرين معرفة الحيوان بمجرد بريق عينيه. مثلًا، في الغابة ليلًا، تلمع عينا النمر ببريق أخضر فاقع. أما عينا الأرنب فتكونان حمراوين بلون الدم.
تعكس عيون البشر النور أيضًا، لكن من غير تلك الطبقة البلورية الخاصة، يكون الانعكاس أقل كثيرًا. وعليه، فلا نرى هذا الانعكاس إلا إن أصابه ضوء وميض كاميرا المصور من الأمام مباشرة. يسبب هذا تأثير العين الحمراء، غير المحبب، في بعض أسوأ صورنا قاطبة.
في الخلايا العصوية التي نستعملها للرؤية الليلية مادة كميائية خاصة لاستشعار الضوء القادم. تُصنع هذه المادة من فيتامين أ، الذي يأتي أكثره من تناول الخضر والفاكهة. يوجد فيتامين أ في النباتات ذات الكيميائيات الصفراء والبرتقالية والحمراء (المعروفة باسم الكاروتينات) التي تتحول إلى فيتامين أ عندما نأكلها. لهذا يُنصح بالبرتقال والخضراوات والفواكه الحمراء عادة مصدرًا جيدًا لفيتامين أ. تشمل بعض الأمثلة الجزر والبطاطا والقرع العسلي (القرع الشتوي) والفلفل الرومي (فلفل الجرس) والطماطم والفراولة والمانجو والمشمش والشمام الصغير (الكنتالوب) والبطيخ. لكن حتى الخضراوات الغنية بالصبغيات الخضراء مثل السبانخ والكيل والبروكلي والخس تحتوي على نفس القدر منه. في جميع الأحوال، الأفضل أكلها طازجة وكاملة، لأن فيتامين أ قد يُستنفد في عملية الإعداد أو الطهو أو التخزين. أوراق السبانخ الذابلة التي تقبع في قعر ثلاجتك هذه فيها قدر ضئيل من الفائدة الغذائية (وكذلك الطعم) مما في الأوراق المقطوفة طازجة من حدائقنا.
نحصل على فيتامين أ أيضًا من بعض المصادر الحيوانية. مثلًا، الأستكسانثين صبغي جزري وردي موجود بتركيز عالٍ في سمك السلمون وفي الجمبري. أما فيتامين أ الخالص فلا يوجد إلا في منتجات حيوانية من حيوانات أكلت نباتات وخزنتها في أنسجتها، خاصة الكبد والبيض واللبن.
ضعف تناول فيتامين أ في غذائنا قد يؤدي إلى العشى الليلي، إذ تفتقر الخلايا العصوية إلى فيتامين أ الذي يلزمها لتصنع الكيميائيات الأساسية اللازمة للرؤية الليلية. هذه مشكلة كبيرة في كثير من البلدان النامية. من الممكن علاجها بأكل المزيد من الخضر الملونة، مثل الجزر. لذا فمن جهة كان آباؤنا على حق نوعًا ما. أكل خضراواتنا قد يساعدنا على الرؤية في الظلام؛ لكن إن كنا فقط مصابين بفقر شديد في فيتامين أ. باستثناء الأنظمة الغذائية المتطرفة جدًا، لا يحدث هذا أبدًا تقريبًا في العالم المتقدم (حتى مع عدم أكلنا كل خضراواتنا).
لا معنى لتناول أكثر مما يلزمنا من فيتامين أ. أكل كل خضراواتنا طوال الوقت أو مضغ بضع جزرات كل يوم لن يجعلنا نرى أفضل في الظلام كالقطط. لكن نستطيع على الأقل أن نبلغ زر إضاءة المصباح إن أردنا أن نرى.
الخضراوات تجعلنا أقوى
لا يستطيع جسد الإنسان وحده صنع كل العناصر التي يحتاج إليها ليعمل جيدًا. كل ما لا نستطيع صنعه نحن أنفسنا علينا اكتسابه من أكل ما يستطيع صنعه. العناصر الحيوية التي نكتسبها من غذائنا تُدعى فيتامينات.
للفيتامين أثر أكبر من مساعدتنا على الرؤية في الظلام. تعتمد جل كيمياء الجسم المعقدة على الفيتامينات لتستمر في العمل، ولنظل أصحاء أقوياء. قديمًا، قبل معرفة الفيتامينات المتعددة والطعام المدعم بالفيتامينات، كان أفضل مكان لتحصيل الفيتامينات هو الفواكه والخضراوات الطازجة. جعلتنا الخضراوات نجتنب الضعف. وهو ما يمكن تأويله بأنها جعلتنا أقوياء.
البرتقال والليمون
لعل أفضل مثال على أن أكل الفواكه والخضراوات جعلنا من قبل أقوياء هو أزمة بحارة الرحلات الطويلة تاريخيًا. بعيدًا عن الأرض مدة أسابيع متصلة، ودون الوصول إلى الطعام الطازج، أصيب طاقم البحارة بنقص فيتامين ج (المعروف باسم الإسقربوط). بدأ البحارة يفقدون قوتهم تدريجيًا ثم حياتهم بعدها. لم يكن غريبًا ألا يعود نصف من خرجوا إلى رحلة في عرض البحر.
لكن سرعان ما عرف علاج. كل ما كانوا يحتاجون إليه كان أكل الخضراوات أو الفواكه الطازجة لاكتساب العنصر الحيوي (فيتامين ج) منها. أفضل مصدر وأكثره ثباتًا كان الحمضيات مثل البرتقال والليمون. كانت سانت كليمنتس في منطقة السوق قريبًا من المرسى حيث كان المرء يستطيع شراء الثمار لرحلته البحرية التالية أو عند عودته. أو على الأقل إن تحملت ثمنها، بعدما تغدو ثريًا. إن لم تكن تستطيع دفع 5 فارذنجات (ثمن بضع ليمونات) لكان خيرًا لك أن تُرسلك محكمة أولد بيلي إلى سجن الغارمين.
ولعل ما قيل عن المحكمة وسجن الغارمين قد أُضيف إلى الأغنية لاحقًا لأنه كان من بحر شعري مختلف. وتأتي الصورة الشعرية الأخيرة الحية here comes the chopper to chop off your head (ها هو حامل الساطور آتٍ ليقطع رأسك) لتمثل عقابًا قاسيًا غير مناسب لمدين، ناهيك عن لص حمضيات. لكنك في سجن مليء بالأمراض، لم تكن لتأمن ألا تلقى الموت نفسه.
منذ القرن الثامن عشر كان كل بحار يعلم أن الفاكهة والخضراوات تُبقيه قويًا وتوفر له ركيزة أساسية تتيح له خلال العمل اليدوي الشاق في البحر أن يصبح أقوى فعلًا.
أشهر إعادة توظيف لهذا الأمر هي رسوم باباي المتحركة عن البحار باباي الذي كان يكتسب قوته الفائقة بأكل محتويات علبة سبانخ ببساطة. كون السبانخ المعلبة (بدلًا من الفول المطبوخ أو سواه، مثلًا) هي ما ينفخ عضلاته ويبرزها ويساعده على إنقاذ زوجته المتوسطية الرقيقة أوليف أويل، هو أمر من التراث الفولكلوري الآن.
يقال كثيرًا إن الدراسات العلمية المبكرة قدرت محتوى السبانخ من الحديد -خطأ- بعشرة أضعاف قدره الحقيقي، مما جعل السبانخ تبدو طعامًا فائقًا. وطبعًا يُصنع الصلب من الحديد. كان معروفًا أيامها أيضًا بأن نقص الحديد يؤدي إلى الضعف والخمول، وفي سياق البحار الذي يعاني نقص الحديد ولا يملك من اللحم الطازج إلا القليل، كان منطقيًا أن يجعل الحديد الذي في السبانخ البحارة أقوى قليلًا، وإن لم يكن بقوة باباي الخرافية.
إلى جانب الحمضيات، معروف عن الخضراوات الورقية الطازجة أنها تحول البحارة الضعاف المصابين بالإسقربوط إلى بحارة أقوياء في ليلة واحدة حرفيًا. جمع القبطان كوك في رحلاته حول العالم الخضراوات الورقية كلما سنحت له فرصة، بسبب خصائصها المقاومة للإسقربوط. لا غرو أن ظن الناس أن الخضراوات تقويهم. لأنها كانت تفعل هذا حقًا أحيانًا!
في بدايات القرن العشرين، وُجد أن الفيتامينات هي السبب الحقيقي. كان معلومًا عن السبانخ، بالطبع، غناها الكبير بالفيتامينات ومنها أ، ب1، ب2، ب6، ج، ك. كانت السبانخ أقرب شيء شبهًا بقرص الفيتامينات المتعددة. كثير من الخضراوات الأخرى غنية بالفيتامينات كذلك، كالجزر. لكن الجزر الذي تسرقه الأرانب عادة واقتصرت شهرته على المساعدة على الإبصار في الظلام، ترك الساحة للسبانخ.
إمكانية تعليب السبانخ كانت غالبًا عاملًا مهمًا لباباي أيضًا. فالخضراوات المعلبة معدة للأكل وسهلة الحمل ولها عمر طويل. على الجانب الآخر، الخضراوات الطازجة موسمية ويصعب الحفاظ عليها أكثر من بضعة أيام. ولم يكن الأمر باباي ليستطيع أن يذهب إلى حديقة خضراوات باحثًا كلما خُطفت أوليف أويل. كانت الأطعمة المعلبة أطعمة سريعة حرفيًا. وما زالت تُستعمل في العديد من البيوت في يومنا هذا، ومنها معلبات البازلاء أو الفول أو الاسباجتي التي تصلح وجبات سريعة لشحن الطاقة عاجلًا.
البنجر
لو نظرنا بأثر رجعي، لوجدنا أنه كان ينبغي لباباي أكل جذور الشمندر المعلبة (غالبًا ما تُعرف ببساطة باسم البنجر). البنجر غني بالنيترات لدرجة مفاجئة، وهي مواد كيميائية توفر قاعدة سهلة للجسم لصنع أكسيد النيتريك. هذه المادة هي تقريبًا أقوى الكيميائيات الطبيعية أثرًا في إرخاء أوعية الإنسان الدموية، مما يتيح لها أن تتسع فتيسر تدفق الدم إلى حيث يحتاج إليه.
تحسن تدفق الدم هذا هو ما يُظن أنه وراء تحسين البنجر التحمل في الرياضات. زيادة تدفق الدم تعني تقليل الأكسجين اللازم لعمل نفس المهمة، فيستطيع الجسم أداء مهام أكثر بنفس قدر الأكسجين.
ليس الأثر عظيمًا. لكن الفرق بين القلادة الذهبية والفضية ليس عظيمًا كذلك. لهذا يتناول كثير من الرياضيين والمشاركين في المنافسات الرياضية البنجر في وقتنا هذا لتعزيز الأداء.
أكل البنجر كاملًا غالبًا أفضل من تناول مكملات غذائية من البنجر أو أملاح النيترات، لأن في البنجر الكامل منافع أخرى كالسكر والألياف. وقد وُجد أن عصير البنجر المركز الموجود في بعض المكملات الغذائية يسبب اضطرابات معدية ومعوية عند البعض.
المشكلة الوحيدة في أكل البنجر كاملًا هي أن لونه الأحمر (الذي يأتي من مادة البيتانين الكيميائية) لا يتكسر في جسم الإنسان بل يخرج في الغائط كاملًا. قد يسبب هذا لونًا ورديًا-زهريًا مؤقتًا في البول. وعليه، فقد جعلت شعبية البنجر في السنوات الأخيرة اختبارات المنشطات في الأولمبياد تتخذ صبغة جديدة.
لم يكن باباي أول من حولته الفاكهة والخضراوات. في الأسطورة الصينية، نال الحكماء الثمانية قوتهم من أكل خوخة. وحديثًا، عرفنا رجل الموز الذي يكتسب قوته الخارقة من أكل موزة. مع الأسف، ليس في السبانخ ولا البنجر ولا الخوف ولا التفاح ولا الموز ما ينقل قوة خارقة إلى الناس. لكن هذا لا يعني أن فائدتها لصحتنا فائقة.
الأطعمة الفائقة
من الاعتقادات الشائعة أيضًا أن كثيرًا من النباتات تحوي بعض المواد الكيميائية ذات الخصائص فائقة النفع لصحتنا. عادة تُسمى هذه الفيتوكيميكال أو المغذيات النباتية (يعني ببساطة أن هذه المواد الكيميائية/العناصر الغذائية موجودة في النباتات).
صحيح تمامًا أن بعض النباتات تحوي مواد كيميائية فريدة لها آثار على الوظائف الحيوية في جسم الإنسان، حسب الجرعة. كثير من هذه المواد سموم. لكن بعضها يصلح دواءً. عُرف الأسبرين أصلًا في لحاء أشجار الطقسوس، وما زال يُستعمل على نطاق واسع لعلاج الحمى والصداع. الكوينين (المستخرج من لحاء شجرة أيضًا) يُستعمل لعلاج الملاريا. من المواد الفائقة أيضًا الفولات.
التدعيم
الفولات (أو حمض الفوليك) فيتامين. وهو عظيم الأهمية لصحة الإنسان ولخصوبته. للفولات أهمية خاصة في أول الحمل. في الأشهر الأولى، حتى قبل أن تعلم المرأة بحملها، يكون للفولات دور حيوي في تكون الجنين في الرحم.
الفولات هو قمة شجرة الخضراوات الورقية، التي يأتي اسمها منها. لذا فكل الورقيات الخضراء التي نأكلها مثل الخس والسبانخ والشمندر وملفوف بروكسل جميعًا مصادر أساسية للفولات في غذائنا. الفولات موجود طبيعيًا كذلك وبكميات كبيرة في البقول (البازلاء والفول والعدس والفول السوداني، إلخ) والبروكلي والأسبراجاس والأفوكادو والأرز والحبوب الكاملة والبذور. بصرف النظر عن النباتات، الفولات موجودة كذلك بتركيز كبير في كبد الحيوانات والمنتجات المصنوعة منه.
المشكلة أننا لا نأكل دائمًا ما يكفي من الخضراوات الورقية والبقول، ولم نعد نأكل الكبد إطلاقًا.
لمنع المضاعفات الشديدة التي قد تنشأ من نقص الفولات في أول الحمل، يُدعم الدقيق وحبوب الإفطار وعصير البرتقال الآن بالفولات. رفع هذا متوسط مستوى الفولات في البالغين إلى ضعف قدره السابق تقريبًا وقلل أعداد أصحاب المستويات المنخفضة من 24% في كل البالغين إلى أقل من 1% حاليًا. هذا الاختراع الفائق قلل عدد المولودين بعيوب ولادة خطيرة. وفوق هذا، صار العديد من النساء يتناولن مكملات الفولات وهن يستعددن للحمل، وأثناء الحمل والرضاعة كذلك لتعزيز نمو أطفالهن.
ما زال أثر مكملات الفولات في صحة البالغين موضع جدال. لم تُظهر التجارب التي أُجريت بإعطاء المتطوعين مكملات الفولات أو أطعمة معززة بالفولات نفس المنافع الصحية التي تتأتى بتناول أطعمة غنية بالفولات. قد يكون هذا لأن تلك الأنظمة الغذائية غنية بالفاكهة والخضراوات النافعة طبيعيًا. وقد لا يتعلق الأمر بالفولات أصلًا. قد يكون الأمر أنه بعد إضافة المغذيات الصغرى للأطعمة، لم تعُد الفولات عاملًا مقيدًا. فلا تؤتي المكملات الغذائية أثرها الذي كانت تؤتيه من قبل، بينما تظل الفاكهة والخضراوات بنفس التفوق ولا تحل أي أقراص محلها أبدًا.
بعض النباتات وخاصة أجزاء تلك النباتات (مثل التوت) غنية بالمغذيات النباتية. كثير من الناس يعتقدون أن علاج السرطان أو أمراض القلب كامن في نبات ما، فليت شون كونري يجده لنا في أعماق غابات الأمازون.
اليوم، كثير من عجائب التغذية في النباتات تُروج بين الناس تحت اسم “الأطعمة الفائقة”. آسفًا، أكثر هذا خطط تسويق. لا يوجد توت سحري يمنح الصحة الفائقة.
لكن النباتات فائقة من جانب معين: ما فيها يكون دائمًا، تقريبًا، أكثر تركيزًا قليلًا مما نجده في غيرها. فهي تمنحك عائدًا أكبر من سواها.
من الجلي أن الناس قديمًا أيام سوء التغذية وقلة الغذاء، كانت تلك الأطعمة التي تمنح الفيتامينات والعناصر الأساسية لحياتنا في صورة مركزة، ستمثل لهم نعمة عظيمة. ويزيدها قدرًا أننا كنا نضطر لأن نطارد سواها من الطعام العادي الذي لا يعطينا نفس الفائدة من أجل الخروج من مأزقنا. لهذا اكتسبت أكثر النباتات الفائقة سمعة أسطورية. فقد كانت تنقذ حياة الناس في وقت ما!
المشكلة أننا اليوم نتناول طعامًا أكثر من اللازم، وليس أقل من اللازم. في أي نظام غذائي حديث متزن، يصعب أن يحدث نقص غذائي يهدد حياة الإنسان. أكثر الأطعمة يضاف إليها المغذيات وكثير من الناس يتناولون الفيتامينات المتعددة فوق هذا. فقط عندما لا يكون من المتاح أن نأكل تنوعًا جيدًا من الأطعمة الصحية (مثل حال اتباعنا نظامًا غذائيًا خاصًا أو إصابتنا بحساسية تجاه طعام ما) أو إن قيدنا طعامنا إلى حد انخفاض قدر ما نأكل، فقد تعود الأطعمة الفائقة إلى مكانتها النافعة، فتقدم لنا ما نحتاج إليه في صورة مركزة فلا يكون علينا أن نأكل كثيرًا لننال ما نحتاج إليه. إذا كنا نسيء اختيار ما نأكل، فالحل ليس في الأطعمة الفائقة. الحل في اختيار طعام أفضل.
لو كانت الخيرية في الكثرة دومًا لعمر النباتيون جميعًا. لكن هذا لا يحدث. ولكانت الفيتامينات علاجًا لكل المشكلات الصحية. وليست كذلك. الحق أن بعض الدراسات قد أظهرت أن من يتناولون الفيتامينات وغيرها من المكملات الغذائية يواجهون آثارًا صحية أسوأ ممن لا يفعلون.
قد يكون الأمر أن الإفراط في تناول شيء جيد أمر غير مستبعد. أو قد يكون أن الدافع إلى تناول الفاكهة والخضراوات قد لا يكون بنفس القوة عندما نتناول المكملات الغذائية. على أي حال، لا يوجد مكمل غذائي ولا مزيج من المكملات قادر على مضاهاة نظام غذائي غني بالفاكهة والخضراوات.
الازدواجية
إذا لم يأكل أطفالنا خضراواتهم، فالبدائل قليلة. ويجد عقلنا المنطقي نفسه مضطرًا إلى تقديم تبرير منطقي. قد نقول إن الخضراوات ستساعدهم على الرؤية في الظلام أو تجعلهم أقوى (على الرغم من أنها لن تفعل إلا إن كانوا يعانون فقر التغذية أصلًا). لكن حتى هذا القول بأن أكل الخضراوات صحي أو نافع لهم لا يكفي لإقناعهم.
الأسوأ من هذا أن بعض الدراسات وجدت أن هذه العبارات المزدوجة قد تنفر الأولاد من أكل خضراواتهم بدلًا من العكس. من وجهة نظر الأطفال، إذا كان شيء ما نافعًا لصحتنا أو يقوينا، فغالبًا لن يكون لذيذًا أيضًا؛ الأمر أشبه بالدواء المر الذي عليهم بلعه. ولا يقتصر الأمر على الأطفال. كثير من البالغين يرون نفس الأمر بأن الطعام اللذيذ لا يكون أبدًا نافعًا للصحة. لا يمكن أن يكون في الطعام الصفتان معًا، أو لا تكونان فيه بنفس الجودة، إن كانتا.
لكن الأطفال، على أي حال، لا يسعون إلى قيمة الطعام الصحية عندما يأكلون! وهم لا يكادون يموتون جوعًا (على الرغم من أنهم يقولون هذا كثيرًا). إنهم يفعلون ما تأمر به طبيعتهم: يأكلون ليسعدوا.
والخضراوات هي أقل الطعام نصيبًا من حبهم. يعود هذا، غالبًا، إلى طعمها. هم أكثر تقبلًا للفاكهة لحلاوتها عادة، لكن الخضراوات تكون عادة ذات مرارة مميزة يكون أطفالنا أكثر حساسية تجاهها من الناحية البيولوجية وكذلك النفسية. كما تأتي الخضراوات بعبء آخر هو أنها لا بد من أن تؤكل. حتى بلا تذوق، إن رأى الطفل شيئًا يشبه الخضراوات شكلًا و/أو رائحة، فهي من الخضراوات بلا شك وعليه فهي مقززة (ومرفوضة من فورها).
بدلًا من القول إن الخضراوات صحية أو نافعة، ابتكر الآباء الحريصون حلولًا أخرى لدفع أطفالهم إلى أكل المزيد من الخضراوات أكثر. عامة، تنبني هذه التدخلات على زيادة متعة الأطفال بتجربة أكل الخضراوات.
مثلًا، قولك “جربها لاحقًا” ورفع الضغط والإلحاح عن الطفل بأن يأكلها في ساعتها، يبدو ناجحًا مع الأطفال. كذلك تكون مسابقات أكل الجزر وتجارب الخضراوات ماتعة. وتزيد المشاركة في الأنشطة المتعلقة بالخضراوات، كالعناية بالحديقة، والتسوق، وتحضير الوجبات، الرابط بين الأطفال والخضراوات وتزيد فرص رغبة الأطفال في أكلها.
تشجيع الأطفال على تذوق الطعام فقط، بدلًا من أكل الحصة كاملة، ينجح أيضًا. يومًا ما سيألفون الطعام ويبدءون أكل المزيد منه. مشاركة الوجبات وأكل الخضراوات يمثل قدوة حسنة. إن رأيت أبويك وأخاك الأكبر يستمتعون بخضراواتهم، فلعلها ليست بذلك السوء الذي كنت تظنه.
أخيرًا، يمكنك اللجوء إلى الحيلة القديمة بتغيير ملامح الخضراوات. استبدل العدس والجزر المقطع أو القرع الصيفي (الكوسة) بنصف اللحم في صلصة البولونيز. أو استبدل الحمص والقرنبيط بقليل من اللحم أو الدجاج في صلصة الكاري. قطع البصل والثوم قطعًا دقيقة كيلا يحسوا بوجودها أصلًا. يومًا ما سيعتادون وجودها ويجدون طهو الآخرين المقصور على اللحم غير مُشبع تمامًا.
الخلاصة
في عصرنا هذا نادرًا ما نأكل ما يكفي من الخضراوات. أقل من 5% من إجمالي الخضراوات التي نأكلها أخضر وورقي. لا عجب أن باباي يبدو خارقًا مقارنة بنا. ولا عجب كذلك أن يبدو نظام غذائي عامر بالخضراوات الورقية نظامًا خارقًا عامرًا بالأطعمة الفائقة، أو أن يمتاز النباتيون بين الناس بهذه العافية.
وليست حالنا مع الفاكهة بخير من ذلك كثيرًا، بل بشعرة. ما زلنا في حاجة إلى ثمرة تفاح (أو موز) أخرى في اليوم لتُغنينا عن الطبيب.
ليس علينا أن نأكل كميات كبيرة من الفاكهة والخضراوات، ولا علينا أن نقتصر على أكلها. إذا أحببنا هذا فما أجمله، خاصة إذا استعملناها بديلًا في نظامنا الغذائي للأطعمة المعالجة مرتفعة السعرات الخالية من المغذيات. لكن يكفينا ثلاث من كلٍّ يوميًا (ثلاث ثمرات فاكهة، وثلاث حصص خضراوات).
لتحقيق هذا، علينا أن نعتاد أكلها. ولاعتياده، علينا أن نستمتع به، تمامًا كما نفعل إذا أردنا تعويد أطفالنا إياه. لا حد للاحتمالات. الفاكهة والخضراوات أكثر الطعام تنوعًا وإثارة. بعضها حلو. بعضها حامض. بعضها مر. بعضها أكثر تعقيدًا من أن تصفه الكلمات. ولا يجب أن تكون فائقة ولا أجنبية ولا نادرة. ولا يجب كذلك أن تكون غالية. كل ما نحتاج إليه هو الاستمتاع بأكلها، حتى نأكل ما يكفينا منها دائمًا.