بالنسبة إلى العديد من الأشخاص، وبالأخص المراهقين، فإن المشكلة لا تكمن في اكتساب الوزن إنما في فقدانه. إن اضطرابات الأكل تشمل قهم عُصابي وقلة الشهوة العصبية وانعدام الشهوة النهمية أو التضورية والتي خلالها يسكر المصاب بإفراط ثم يعتبر نفسه مريضاً، وهذه الاضطرابات تؤثر بالآلاف من الأشخاص وما زالت في تزايد مستمر.
لقد تم تحديد القهم في البدء من قبل د. ويليام غال عام 1874. فأوصى بأن «المريض يجب أن يتغذى على فترات منتظمة، محاطاً بأشخاص قادرين على السيطرة المعنوية على هذه الفترات، كون الأقارب والأصدقاء عموماً من أسوأ المرافقين له». أما اليوم فالمدخل هو غالباً ذاته من حيث الجوهر، ويمكن تلخيصه بالآتي «أعطهم الدواء، أطعمهم ودعهم يتقدمون في حياتهم»، وفقاً لما ورد في مقالة بمجلة Guardian حول وصف إحدى العلاجات في «المستشفيات المتقدمة». إن المدخل «الحديث» يتضمن «علاج السلوك» – بكلام آخر، المكافآت والامتيازات – والعقاقير التي تستجلب السلاسة. أما الثاني (علاج السلوك) فيتضمن مسكنات كحال Chlorpromazine، مهدئات وغيرها. بالنسبة لنظام الحمية فهو غني بالكربوهيدرات، التي تصل أحياناً حتى 5000 سعرة يومياً، مع إعطاء بعض الاهتمام للنوعية.
أصل الفكرة
عام 1973، اثنين من الباحثين بالزنك، هما هامبيدج وسيلفرمان، استنتجا أنه «حيثما يوجد فقدان قابلية لدى الأطفال ينبغي توقع وجود نقص في الزنك». عام 1979 ذكر باكن وهو باحث صحة كندي، بأن أعراض قلة الشهية أو (القهم) ونقص الزنك كانت متشابهة في عدد من الاختبارات، وارتأى ضرورة الاضطلاع بالاختبارات العيادية من أجل اختبار فعاليتها في العلاج. في هذه الأثناء ارتأى دايفيد هوروبين الذي اشتهر جداً ببحثه حول زهرة الربيع المسائية، ان «القهم العصبي سببه نقص مشترك في الزنك وEFA».
تأكيد فرضية الزنك
عام 1980 بدأ الاختبار الأول في جامعة كنتاكي. فاكتشف الباحثون وجود 10 مرضى من بين 13 مصابون بالقهم (قلة الشهية للطعام)، وثمانية مرضى من بين أربع عشر مصابين بالنهم يفتقرون إلى الزنك. بعد اتباع نظام تغذية شديد، أصبحوا حتى أكثر افتقاراً للزنك. بما أن الزنك هو ضروري لهضم البروتين والاستفادة منه، بحيث أن نسيج الجسم مصنوع منه، فقد أوصى الباحثون بإعطاء كمية إضافية من الزنك، تفوق تلك المطلوبة لتصحيح النقص كون المصابين بالقهم بدأوا يأكلون ويكسبون الوزن.
عام 1984 حدث اكتشافان مهمان من خلال أبحاث أجريت حيث أن الحالة الأولى تتعلق بمعالجة مصاب بالقهم بواسطة الزنك. فقد أظهرت الدراسة الأولى أن الحيوانات المحرومة من الزنك نما لديها بسرعة القهم، وأنه في حال تم تغذية هذه الحيوانات بالقوة بغذاء ناقص بالزنك بهدف اكتساب الوزن فإنها تصبح شديدة المرض. أما الدراسة الثانية فقد بينت أن نقص الزنك يضر بالجدار المعدي وبالتالي بامتصاص المغذيات ومنها الزنك، مما يؤدي إلى إمكانية حدوث حلقة مفرغة من النقص.
ثم قام بعد ذلك في العام 1984 كل من البروفسور برايس سميث المشهور بعرضه لمخاطر الرصاص، ود. سيمبسون صاحب الدراسة بالطب العام، بتسجيل أول حالة مصابة بالقهم تمت معالجتها بالزنك. لقد كانت المريضة فتاة في الثالثة عشرة من عمرها، حزينة ومنقبضة، تزن 37 كلغ (5 وزنات وعشر باوندات). تم تحويل المريضة إلى طبيب نفسي استشاري، لكن رغم الاستشارة فقط هبط وزنها بعد ثلاثة أشهر إلى 31.5 كلغ (أقل من 5 وزنات). لكن في غضون شهرين من اتباع تكملة الزنك بمعدل 45 ملغ يومياً ارتفع وزن المريضة إلى 44.5 (ما يقارب 7 وزنات)، فعادت تشعر بالبهجة من جديدة، وأحدثت فحوصات نقص الزنك نتائج طبيعية.
لقد بدأ العلماء في كل أنحاء العالم حالياً باختبار آثار الزنك على القهم. وذكر طبيبان سويديان من جامعة غوتنبرغ أن «المريضة الأساسية هي في الوقت الراهن مواظبة على تكملة الزنك (45 ملغ يومياً). إنها في أحسن حال؛ لقد أصبح الوزن والأيض لديها طبيعيان». في هذه الأثناء، أجري الاختبار الأول ذا التكمية المثناة على 15 مصاب بالقهم في جامعة كاليفورنيا، وفي العام 1987 سجل الباحثون اكتشافاتهم، وذكروا أن «تكملة الزنك تبعها انخفاض في الانحطاط والغضب». إن معلوماتنا الاستدلالية تشير إلى أن الأشخاص المصابين بالقهم العصبي قد يكونوا في خطر الإصابة بنقص الزنك، وقد يستجيبون بلطف بعد التكملة به». وفي العام 1990 وجد عدد من الباحثين أن أكثر من نصف المرضى المصابين بالقهم والذين تمت دراستهم أظهروا دليلاً كيميائياً حيوياً واضحاً بوجود نقص في الزنك. ثم أجرى د. برمنغهام وزملائه عام 1994 اختباراً مضبوطاً ذا تكمية مثناة حيث تم إعطاء إحدى الفرق 100 ملغ من زنك gluconate، واستنتجوا أن «معدل زيادة حجم الجسد لدى الفريق الذي إتبع تكملة الزنك فاق بمرتين المعدل الموجود لدى الفريق الذي خضع لعلاج إيهامي، وهذا الاختلاف يعتبر مهماً من الناحية الإحصائية». لكن للأسف فإن عدداً من المراكز العلاجية ما زالت تخفق في إعطاء مكملات الزنك للأشخاص المصابين بالقهم.
العقل أم الجسد؟
إن الحقيقة بأن ارتفاع معدلات التكملة بالزنك يساعد على معالجة القهم لا يعني بأن السبب الجذري لهذه الحالة هو نقص الزنك. إن القضايا النفسية قد تحدث تغييراً، وهي على الأرجح تفعل ذلك، في عادات الأكل لدى الأشخاص الشديدي التأثر. من خلال تجنب الأكل، فإن الفتاة التي في مقتبل العمر قد تقمع علامات النمو والبلوغ. فيتوقف الحيض، يصغر حجم الصدر ويبقى الجسد نحيلاً. إن الجوع الشديد يسبب نوعاً من «الارتفاع» من خلال إثارة تغييرات في كيميائيات الدماغ المهمة التي قد تساعد على احتباس المشاعر الصعبة والقضايا التي تصعب مواجهتها. ولكن متى ما تم اختيار طريق الامتناع عن الأكل وأصبح مترسخاً، فإن نقص الزنك يكاد يكون أمراً لا مفر منه، بسبب الكمية القليلة المأخوذة والامتصاص الضعيف معاً. إلى جانب ذلك يحدث فقدان إضافي للشهية وحتى انقباض أكثر، عدم إدراك، وعدم القدرة على التعامل مع الضغوطات التي تواجه عدداً كبيراً من البالغين الذين ينمون ويكبرون مع أوائل القرن الواحد والعشرين.
إن المدخل إلى التغذية المثلى لمساعدة شخص ما مصاب بالقهم أو النهم يفضل إجراؤه جنباً إلى جنب مع اختصاصي قدير بالمعالجة النفسية. وهو يشدد على نوعية الطعام أكثر من الكمية، ويشمل تناول المكملات لضمان أن المريض يأخذ الكفاية من الفيتامينات والمعادن، وبالتأكيد 45 ملغ من الزنك يومياً. يمكن تخفيض الجرعة إلى النصف متى ما تحقق اكتساب الوزن وجرت المحافظة عليه.