التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

قواعد التواصل بين محادثات الوالدين والأولاد

إن المحادثة مع الأولاد هي فن فريد من نوعه لديه قواعد ومعاني خاصة به. عادة ما تكون مقاصد الأولاد متوارية وراء رموز ينبغي حلّها.

أسئلة الأولاد: المعاني المتوارية

سأل آندي ابن العشرة أعوام، “كم يبلغ عدد الأطفال المشردين أو المتروكين في هارلم؟” شعر والد آندي، وهو محامٍ، بالسرور لرؤية ابنه يهتم بمسائل اجتماعية. ولهذا قام بإعطائه محاضرة مطولة عن الموضوع ثم حدد له الرقم. لكن آندي لم يكن مرتاحاً وظل يسأل أسئلة عن ذات الموضوع: “كم يبلغ عدد الأطفال المتروكين في مدينة نيويورك؟ في الولايات المتحدة؟ في أوروبا؟ في العالم؟”.

وأخيراً خطر على بال والد آندي بأن ولده كان قلقاً ليس فقط بشأن مسألة اجتماعية، ولكن بشأن مسألة شخصية. إن أسئلة آندي لم تصدر عن تعاطف مع الأطفال المتروكين إنما صدرت نتيجة الخوف من أن يصبح متروكاً. لم يكن يتطلع إلى رقم يمثل عدد الأطفال المتروكين، لكنه كان يرمي إلى الحصول على ضمانة بأنه لن يصبح متروكاً.

وهكذا، فإن والد آندي أجابه وهو يعكس قلق ابنه، “إنك قلق وتخشى أن نتخلى عنك بنفس الطريقة التي يتصرف بها بعض الأهل. دعني أؤكد لك بأننا لن نقوم بالتخلي عنك. وإن أقلقك هذا مجدداً، تفضل بإخباري كي أستطيع أن أساعدك على التوقف عن القلق”.

خلال أول زيارة لها لحضانة أطفال، تطلعت ناديا وهي بعمر الخامسة، وبينما أمها لا تزال معها، نحو رسومات معلّقة على الحائط وسألت بصوتٍ عالٍ، “من رسم هذه الرسومات البشعة؟” شعرت والدة ناديا بالإحراج. ثم نظرت إلى ابنتها مستاءة، وأسرعت بالقول لها، “ليس من اللائق أن تصفي هذه الرسومات بأنها بشعة في حين أنها جميلة جداً”.

ابتسمت المعلمة، التي فهمت معنى السؤال، وقالت، “ليس عليك هنا أن تقومي بتلوين رسومات جميلة. بإمكانك أن ترسمي رسمات وضيعة إن كان ذلك يحلو لك”. سرعان ما ظهرت ابتسامة عريضة على وجه ناديا، لأنها الآن امتلكت الجواب على سؤالها المتواري، “ماذا يحدث لفتاة لا تجيد الرسم؟”.

تناولت ناديا بعد ذلك لعبة سيارة إطفاء مكسورة وسألت بكل ثقة، “من قام بكسر سيارة الإطفاء هذه؟” أجابتها أمها، “ما هو الفرق بالنسبة لك أن تعرفي من قام بكسرها؟ إنك لا تعرفين أحداً هنا”.

لم تكن ناديا بالواقع مهتمة بالأسماء. لقد كانت تريد معرفة ما الذي سيحدث للأطفال الذين يقومون بكسر الألعاب. ولأنها فهمت السؤال، فقد قامت المعلمة بإعطاء الجواب المناسب: “وُجدت الألعاب من أجل اللعب بها. وأحياناًً تنكسر. وهذا ما يحدث”.

بدت ناديا مرتاحة. إن مهارتها بإجراء المقابلات أمّنت لها المعلومات الضرورية: إن هذه البالغة (المعلمة) لطيفة جداً، إنها لا تغضب بسرعة، حتى ولو قمت برسم صورة بشعة أو كسرتُ لعبة، فليس عليّ أن أكون خائفة، إنه من الآمن أن أبقى هنا. قامت ناديا بالتلويح لأمها مودعة وتوجهت إلى المعلمة لتبدأ يومها الأول في الحضانة.

كانت نادين، وهي بعمر الثانية عشر، مضطربة ودامعة. كانت قريبتها المفضلة عائدة لبيتها بعد بقائها معها طيلة فصل الصيف. للأسف، لم تكن استجابة والدة نادين لحزن ابنتها متعاطفة أو متفهمة.

نادين (تملأ الدموع عيناها): “سوزي ذاهبة. سأصبح وحيدة مرة أخرى”.

الوالدة: “ستجدين صديقة أخرى”.

نادين: “سأكون وحيدة جداً”.

الوالدة: ستتخطين ذلك.

نادين: “أوه، أماه” (تجهش بالبكاء).

الوالدة: إنك بعمر الثانية عشر وما تزالين تلك الطفلة الباكية.

نظرت نادين إلى أمها بجمود وانسحبت إلى غرفتها، مغلقة الباب وراءها. كان يمكن أن تكون لهذه الحادثة خاتمة أكثر سعادة. يجب أن تؤخذ مشاعر الطفل بجدّية، وحتى لو لم تكن الحالة نفسها جدّية جداً. بالنسبة للوالدة فإن الفراق في نهاية الصيف يمكن أن يكون أزمة بغاية التفاهة كي تسبب دموعاً، لكن كان على ردة الفعل أن لا تكون خالية من التعاطف. كان بإمكان أم نادين أن تقول لنفسها، ” نادين حزينة. بإمكاني مساعدتها بأفضل طريقة وذلك بإظهار أنني أتفهم ما الذي يؤلمها. كيف بإمكاني فعل ذلك؟ بالقيام بعكس مشاعرها نحوها”. وهكذا كان بإمكانها قول أحد الأشياء التالية:

“ستشعرين بالوحدة دون سوزي”.

“لقد بدأت بالاشتياق إليها”.

“من الصعب عليكما الانفصال بعدما تعودتما على وجودكما معاً”.

“لا بد أن البيت سيبدو فارغاً بدون وجود سوزي حولك”.

من شأن مثل هذه الاستجابات أن تُحدث ألفة بين الأهل والأولاد. عندما يشعر الأولاد بأنه تم تفهمهم، فإن وحشتهم وألمهم يتقلصان. عندما يتم تفهم الأطفال، فإن محبتهم لوالديهم تتعمق. يفيد تعاطف الأهل كإسعاف أولي للمشاعر المجروحة.

عندما نعترف بحق بمأساة طفلة، ونقوم بالتعبير عن خيبة أملها، فإنها تستجمع كامل قوتها لمواجهة الحقيقة.

أعدت أليس، ابنة السبعة أعوام، خططاً لتمضية فترة ما بعد الظهر مع صديقتها ناديا. وفجأة، تذكرت اجتماع فرقتها الكشفية وموعده ذلك المساء. ثم بدأت بالبكاء.

الوالدة: “أوه، إنك محبطة. لقد كنت تتشوقين كي تلعبي مع ناديا في فترة ما بعد الظهر”.

أليس: “نعم. لماذا لا يكون اجتماع فرقة الكشاف في يوم آخر”.

توقفت الدموع. اتصلت أليس بصديقتها ناديا ورتبت موعداً آخر معها. ومن ثم توجهت لتغير ملابسها وتتحضر لاجتماع الكشاف.

إن تفهم والدة أليس وتعاطفها مع إحباط ابنتها قد ساعدا أليس بالتعامل مع مشاكل الحياة وخيباتها التي لا سبيل لتجنبها. لقد قامت بالاعتراف بمشاعر أليس وعكست رغباتها. إنها لم تستخف بالوضع. ولم تقل: “لماذا تثيرين كل هذه الضجة. يمكنك اللعب مع ناديا في يوم آخر. وما أهمية ذلك؟”.

لقد تجاهلت الأفكار المبتذلة عن عمد مثل: “حسناً، لا تستطيعين أن تكوني في مكانين بوقت واحد”. ولم تلمها بقولها: “كيف قمت بالتخطيط لتلعبي مع صديقة في الوقت الذي تعرفين فيه أن يوم الأربعاء هو يوم اجتماع الكشاف؟

يوضح الحوار المختصر التالي كيف أن هذا الوالد قد قلص من غضب ابنه بكل بساطة عن طريق الاعتراف بمشاعره وشكواه.

والد محمد يعمل دواماً ليلياً ويعتني بأمور المنزل في غياب زوجته خلال النهار، عاد لتوه من السوق ووجد ابنه البالغ ثمانية أعوام من العمر في حالة غضب.

الوالد: “إنني أرى ولداً غاضباً. وبالحقيقة فإنني أرى ولداً غاضباً جداً”.

محمد: “إنني غاضب. وبالحقيقة فإنني غاضب جداً”.

الوالد: “أوه؟”.

محمد: (بهدوء بالغ) “لقد اشتقت إليك. وعندما أعود من المدرسة فإنك لا تكون أبداً بالمنزل”.

الوالد: “إنني مسرور لأنك أخبرتني. الآن أنا أعرف. أنت تريد أن تجدني بالمنزل عند عودتك من المدرسة”.

نهض محمد وعانق أباه وركض خارجاً كي يلعب. لقد عرف والد محمد كيف يغيّر من مزاج ابنه. إنه لم يأخذ موقف المدافع بشرح أسباب غيابه عن المنزل مثل: “عليّ أن أخرج كي أقوم بالتسوق. وماذا عساك تأكل إن لم أقم بشراء الطعام؟” إنه لم يسأل: “لماذا أنت غاضب جداً؟” وبدلاً من ذلك، قام بالاعتراف بمشاعر ابنه وشكواه.

لا يعرف معظم الآباء أنه من غير المجدي إقناع الأولاد أن شكواهم غير مبررة، وأن نباهتهم خاطئة. إنها تقودهم فقط للمجادلة وللمشاعر الغاضبة.

عادت نادين التي تبلغ الثانية عشرة، في أحد الأيام إلى البيت من مدرستها وهي في حالة اضطراب شديد.

نادين: “أعلم أنك ستكونين محبطة. لقد حصلت على تقدير B فقط في امتحاناتي. أعرف كم من المهم بالنسبة لك أن أحصل على تقدير A”.

الوالدة: “حقاً لا أهتم. كيف تُقدمين على التكلم هكذا؟ إنني لست محبطة أبداً بشأن علامتك. أعتقد أن تقدير B هو شيء حسن”.

نادين: “إذاً لماذا تصرخين بوجهي دائماً عندما لا أحصل على تقدير A؟”.

الوالدة: ومتى قُمتُ بالصراخ بوجهك؟ إنك محبطة، ولهذا فإنك تلومينني.

بدأت نادين بالبكاء وخرجت راكضة من الغرفة. وعلى الرغم من أن والدة نادين قد تفهمت أن ابنتها لامتها بدل الاعتراف بإحباطها. إن إلقاء اللوم عليها ومناقشتها لم يجعلها تشعر بالتحسن. كان من الممكن أن تكون والدة نادين أكثر مساعدة لو قامت بالاعتراف بنباهة ابنتها وذلك بقولها: “إنك تتمنين لو أن علاماتك لم تكن بمثل تلك الأهمية لي. إنك تريدين أن تكوني الشخص الذي يقرر ما هو التقدير الجيد لك. إنني أفهم ذلك”.

ليس فقط الأولاد، لكن الغرباء أيضاً يقدرون تفهمنا المتعاطف لصعوباتهم. روت السيدة رفاعي بأنها تكره الذهاب إلى المصرف، “المصرف يكون مكتظاً عادة، ويبدو المدير وهو يتصرف وكأنه يُسدي لي خدمة كونه موجوداً فحسب. كلما اضطررت للتقدم إليه فأنني أشعر بالاضطراب”. وفي أحد أيام الخميس كان عليها أن تحصل على توقيعه على شيك. كانت على وشك أن تشعر بالاضطراب وبعدم الصبر عندما انتبهت إلى تصرفاته مع الآخرين. ولكن ما أن قررت أن تضع نفسها في مكانه وعبّرت عن تفهمها وذلك بالقيام بعكس مشاعره والاعتراف بها. “يوم خميس صعب آخر! كل شخص يريد أن يستأثر بانتباهك. وحتى أنه لم يحن وقت الظهيرة بعد. لا أعرف كيف تستطيع أن تتدبر أمرك خلال النهار”. أشرق وجه الرجل. وللمرة الأولى رأته يبتسم. “أوه، نعم إن المكان هنا دائم الانشغال. يريد كل شخص أن يستأثر بالاهتمام أولاً. وماذا أستطيع أن أفعل لك؟” إنه لم يكتفِ بالتوقيع على الشيك فقط، لكنه مشى معها نحو أمين الصندوق لإنجاز معاملتها بسرعة أكبر.

الحوارات العقيمة: الوعظ والانتقاد ينتجا بعد المسافة والنفور

يحبط الأهل دائماً جرّاء الأحاديث مع الأولاد لأنها لا تؤدي إلى نتيجة، وكمثال على ذلك نأخذ هذه المحادثة الشهيرة “أين ذهبت؟” “إلى الخارج”. “وماذا فعلت؟” “لا شيء”. إن الآباء الذين يحاولون أن يكونوا منطقيين سرعان ما يكتشفون الإرهاق الناتج عن هكذا حوار. وكما قالت إحدى الأمهات، “إنني أحاول أن أكون منطقية مع طفلي إلى أن يتلون وجهي، لكنه لا يصغي إلي. إنه يسمعني فقط حين أقوم بالصراخ”.

من المعتاد أن يقاوم الأطفال الجدال مع والديهم. إنهم ينفرون من الخضوع للوعظ أو التحدث عنهم أو أن ينتقدهم أحد. إنهم يشعرون بأن الأهل يتكلمون كثيراً. وكما يقول محمد الذي بلغ الثامنة من عمره لأمه، “عندما أوجه إليك سؤالاً صغيراً، لماذا تقومين بإعطائي مثل هذه الأجوبة الطويلة”. كما أنه يُسّر لأصدقائه، “أنا لا أخبر أمي أي شيء. لأنني إن بدأت معها، فلن يتبقى لدي وقت من أجل اللعب”.

إن مراقباً مهتماً يقوم بالاستماع إلى حوار بين الوالد وابنه سيلاحظ وبدهشة مدى قلة إصغاء الواحد للآخر. يبدو الحوار كحديثين فرديين، الواحد يتضمن نقداً وتعليمات، والآخر يتضمن نفياً ورجاءً. إن المأساة في مثل هذا التواصل لا تكمن بفقدان الحب، لكن بفقدان الاحترام، ليس بفقدان الذكاء، لكن بافتقاد المهارة.

إن لغتنا اليومية ليست كافية لتواصل ذي معنى مع الأولاد. للوصول إلى الأولاد ولتقليص خيبات أمل الأهل، علينا أن نتعلم طريقة عطوفة عند التحادث معهم.

التواصل للاتصال: قم بالاستجابة لمشاعر الأولاد، وليس لتصرفاتهم

على التواصل مع الأولاد أن يكون مبنياً على الاحترام والمهارة. إنه يتطلب (أولاً) أن تحافظ الوسائل على احترام الآباء لذواتهم كما على احترام الأطفال لذواتهم، و(ثانياً) إن تصريحات التفهم يجب أن تسبق عبارات النصح أو التعليمات.

عاد كريم، وهو بعمر التاسعة، إلى البيت وهو مفعم بالغضب. لقد كان من المفترض أن يذهب صفه في نزهة، لكن المطر بدأ بالسقوط. قرر أبوه أن يستعمل نهجاً جديداً. لقد ابتعد عن الكليشيهات التي عقّدت الأمور في الماضي مثل: “إنه من غير المجدي البكاء جرّاء طقس سيئ. ستكون هناك أيام أخرى للهو. إنني لم أتسبب بالمطر، أنت تعرف، إذاً فلماذا توجه غضبك باتجاهي؟”.

بدلاً من ذلك قال والد كريم لنفسه، إن لدى ابني شعوراً قوياً بشأن تفويت النزهة. إنه محبط، ويشركني بإحباطه عن طريق إظهار غضبه لي. له الحق في مشاعره. إنني أستطيع مساعدته بأحسن الطرق وذلك بإظهار التفهم والاحترام تجاه مشاعره. وقال لكريم، “تبدو محبطاً جداً”.

كريم: “نعم”.

الوالد: “كنت راغباً بهذه النزهة”.

كريم: “بالتأكيد رغبت في ذلك”.

الوالد: “لقد جهزت كل شيء ثم أتى هذا المطر المزعج”.

كريم: “نعم، إن ذلك صحيح بالضبط”.

كانت هناك برهة صمت ثم قال كريم، “أوه، حسناً، ستكون هناك أيام أخرى”. بدا أن غضبه قد اختفى وكان متعاوناً تماماً لفترة ما بعد الظهر. لقد كان من المعتاد عندما يعود كريم إلى المنزل وهو غاضب، أن يحدث الاضطراب داخل المنزل كله. وعاجلاً أم آجلاً كان يقوم باستفزاز كل فرد من أفراد العائلة. وكان الهدوء لا يعود إلا إذا لجأ للنوم في نهاية اليوم. ما هو الشيء المميز في هذا النهج، وما هي عناصره المساعدة؟

عندما يكون الأولاد في وسط عواطف قوية، لا يعود بمقدورهم الإصغاء لأحد. إنهم لا يستطيعون تقبل النصيحة، أو المواساة، أو النقد البناء. إنهم يريدوننا أن نتفهم ما بداخلهم، وما الذي يشعرون به في تلك اللحظة المعينة. وإضافة لذلك إنهم يريدون أن يتم تفهمهم بدون الإفصاح عما يمرّون به تماماً. إنها لعبة يكشفون فيها القليل من الأشياء التي يشعرون بها. وعلينا نحن أن نخمن الباقي.

عندما تقول لنا طفلة، “لقد صرخ المعلم بوجهي” ليس علينا عند ذلك أن نستعلم عن تفاصيل إضافية. كما أننا لسنا بحاجة للقول، “ماذا فعلت لتستحقي هذا؟ إن صرخ المعلم بوجهك، فلا بد أنك قد فعلت شيئاً. ماذا فعلت؟” حتى أننا لسنا مضطرين للقول، “أوه، إنني آسف”. علينا أن نقوم بإبراز أننا نتفهم ألمها وخجلها، ومشاعرها الغاضبة.

عادت نادين، وهي بعمر الثامنة، يوماً لمنزلها في وقت الغداء وهي غاضبة، “لن أعود للمدرسة ثانية”.

الوالدة: “تبدين مضطربة تماماً. هل ترغبين بإخباري عن الأمر؟”.

نادين: “لقد مزقت المعلمة مسابقتي. عملتُ بجد عليها لكنها اكتفت بالنظر إليها وتمزيقها”.

الوالدة: “فعلت ذلك دون موافقتك؟ لا غرابة أن تكوني بهذا الاضطراب!”.

امتنعت والدة نادين عن الإدلاء بأي تعليق أو توجيه أية أسئلة. لقد عرفت أن ابنتها تحتاج التكلم معها بكل تعاطف، هذا إن كانت تريد المساعدة على تقليص حنق ابنتها.

إليكم مثال آخر: عاد جمال، وهو في التاسعة، إلى المنزل من المدرسة وظهر أنه بغاية التعاسة، وشكا قائلاً: “لقد جعلت المعلمة يومنا صعباً للغاية”.

الوالدة: “إنك تبدو منهكاً”.

جمال: “كان ولدان يضجان في قاعة المكتبة ولم تعرف من هما، ولذلك فقد قامت بمعاقبتنا كلنا بإجبارنا على الوقوف بالقاعة طيلة اليوم تقريباً”.

الوالدة: “الصف كله وقف بهدوء في القاعة طيلة النهار بدلاً من تلقي العلم! لا عجب إن بدا عليك التعب”.

جمال: “لكنني تكلمت معها، قلت لها، يا سيدة ماجدة، إنني لا أشك بقدرتك على إيجاد الذين تسببوا بالضجيج وبهذا لن تكوني مضطرة لمعاقبتنا كلنا”.

الوالدة: “يا إلهي، شاب في التاسعة من العمر يساعد معلمته على إدراك أنه ليس من الإنصاف معاقبة الصف بكامله من أجل سوء تصرف صدر عن قلة من الطلاب!”.

جمال: “إن هذا لم يساعد. لكنها ابتسمت على الأقل للمرة الأولى في ذلك اليوم”.

الوالدة: “حسناً، إنك لم تحملها على تبديل رأيها، لكنك بالتأكيد بدّلت مزاجها”.

استطاعت والدة جمال بالإصغاء، واحترام مشاعر ولدها، والاعتراف بمداركه، والاستجابة عن طريق إطراء محاولته ليكون في خط إيجاد الحلول، أن تساعده على تغيير مزاجه وتقليص غضبه.

كيف لنا أن نعرف بماذا يفكر أولادنا؟ يجب أن ننظر ونصغي إليهم. ويجب أن نستفيد من تجاربنا العاطفية. إننا نعرف ماذا يُمكن لأولادنا أن يشعروا عندما يتعرضون للتخجيل علناً وبحضور نظرائهم. ويمكن لنا اختيار كلماتنا بطريقة تعرفهم بأننا قد فهمنا ما مرّوا به. أية عبارة من العبارات التالية تفي بالغرض:

“بالتأكيد كان ذلك محرجاً”.

“بالتأكيد جعلك هذا غاضباً”.

“يجب أن تكون قد شعرت بالحنق تجاه معلمتك في تلك اللحظة”.

“بالتأكيد إن ذلك قد جرح مشاعرك بقسوة”.

“لقد كان يوماً سيئاً لك”.

للأسف، عندما يُواجه الأهل بسوء تصرف أولادهم، فأنهم لا يعرفون أن المشاعر المضطربة عادة ما تزيد ذلك التصرف عنفاً. يجب أن نتعامل مع المشاعر قبل أن يكون بالإمكان تحسين التصرف.

روت والدة سامح، البالغ الثانية عشر، “عدت من عملي إلى المنزل البارحة وقبل أن تتسنى لي فرصة خلع معطفي، اندفع ابني خارج غرفة نومه وبدأ يشكو معلمته: “إنها تعطي الكثير من الفروضات البيتية، إنني لا أستطيع إنهاءها خلال سنة. كيف بإمكاني كتابة هذه القصيدة قبل صباح الغد؟ وما زال عليّ كتابة قصة قصيرة منذ الأسبوع الماضي. واليوم قامت بالصراخ بوجهي. بالتأكيد إنها تكرهني!”.

“فقدتُ رباطة جأشي وصرختُ بوجهه لدي مسؤول هو بمثل وضاعة معلمتك لكنك لا تسمعني أشكو. لا عجب إن كانت معلمتك تصرخ بوجهك. إنك لا تقوم بإكمال فروضك البيتية. إنك ببساطة واضح الكسل. توقف عن الشكوى وابدأ بالعمل وإلا فإنك سترسبُ”.

بادرت بسؤالها، “ماذا حدث بعد أن عبّرت عن غضبك؟”.

“حسناً، لقد اندفع ابني إلى غرفته، أقفل الباب، ولم ينزل لتناول العشاء”.

ثم سألتها، “كيف جعلك ذلك تشعرين؟”.

“بشكل فظيع. لقد أفسدت كامل السهرة. وكان الجميع مضطربين. وكان المزاج محبطاً. لقد شعرت بالذنب لكن لم أعرف ماذا عليّ أن أفعل”.

“ماذا كان شعور ابنك باعتقادك؟”.

“لربما كان غاضباً مني، وخائف من معلمته، وكان محبطاً، ومضطرباً جداً بشكل لا يستطيع معه التركيز. إنني لم أقدم له مساعدة كثيرة. لكنني لا أستطيع أن أتحمل عندما يشكو ولا يستطيع تحمل المسؤولية”.

لو أن سامح استطاع أن يعبِّر عن مشاعره، بدل أن يشكو، فإن هذا الحادث بكامله كان يمكن تفاديه. لو أنه استطاع أن يقول، “ماما، إنني خائف من الذهاب إلى المدرسة غداً، لأنه عليّ كتابة قصيدة وقصة قصيرة وأنا مضطرب جداً لدرجة لا أستطيع التركيز معها،” فعندها كان بمقدور الأم أن تتعاطف مع ابنها وذلك بالاعتراف بمأزقه: كان بإمكانها صياغة هذه الجملة، لو أنها أخذت مبادرة عاطفية، “ها إنك خائف من أن لا تستطيع كتابة قصيدة وقصة قصيرة قبل صباح الغد. لا عجب إذاً إن كنت محبطاً”.

للأسف، لا نحن ولا أولادنا قد نشأنا على تشارك المشاعر. وعادة، نحن لا نعرف حتى بماذا نشعر أو كيف نشعر.

كالمعتاد، عندما يجد أطفالنا صعوبة بالتحمل، فإنهم يصبحون غاضبين ويلقون باللوم على الآخرين بشأن مآزقهم، وهذا عادة ما يُغضب والديهم، والذين بدورهم يقومون بلوم أولادهم ويقولون أشياء يندمون عليها لاحقاً، وتبقى المشكلة بدون حل.

ولأن الأولاد يجدون صعوبة بمشاركة الغير بمشاعرهم، سيكون من المساعد لو أمكن للوالدين تعلم الاستماع إلى مشاعر الخوف، اليأس، والشعور بالعجز التي تخفيها الفورات الغاضبة. وبدلاً من القيام بردة الفعل تجاه السلوك، فيمكن للوالدين أن يركّزوا ردّة فعلهم على مشاعر أولادهم الغاضبة ويساعدوهم على التحمل. يمكن للأولاد أن يفكروا ويتصرفوا بطريقة سليمة فقط في حال كانت مشاعرهم موجهة بطريقة سليمة – وفي هذه الحالة قيامهم بالتركيز، والانتباه، والقدرة على الإصغاء.

لا تختف المشاعر القوية عند الأولاد بمجرد إخبارهم، “ليس من اللائق أن تشعروا بتلك الطريقة”. أو عندما يحاول الوالدان إقناعهم بأنه “ليس هناك من سبب لتشعروا بتلك الطريقة”. لا تتبدد المشاعر بمجرد منعها، لكن قد تضعف شدتها وتفقد نهاياتها الحادة عندما يبدأ المستمع بقبولها بكل تعاطف وتفهم.

ينطبق هذا التصريح ليس فقط على الأولاد ولكن أيضاً على البالغين، كما هو موضح بالمقطع التالي من مجموعة حوار للأهالي:

الرئيس: “لنفرض أننا في أحد تلك الصباحات وكل شيء لا يبدو في مكانه. يرن الهاتف، يصرخ الطفل، وقبل أن تدرك ماذا يحدث فإن الخبز المحمص يحترق. يتطلع شريكك إلى جهاز التحميص ويقول: “يا إلهي! متى ستتعلم تحضير الخبز المحمص؟!” كيف ستكون ردات أفعالكم؟”.

أ: “سأقوم برمي جهاز التحميص بوجهه!”.

ب: “سأقول له، “قم بتحضير خبزك المحمص بنفسك!”.

ج: “سوف أكون مجروحة لدرجة يكون بإمكاني البكاء معها”.

الرئيس: “ما هو تأثير كلمات شريكك في مشاعرك نحوه أو نحوها؟”.

الأهل: “الغضب، الكراهية، السخط”.

الرئيس: “هل سيكون من السهل بالنسبة إليكم أن تحضرا دفعة أخرى من الخبز المحمص؟”.

أ: “فقط إن دسست فيه بعض السم!”.

الرئيس: “وكيف ستشعرون بشأن يومكم”.

أ: “سيفسد اليوم بكامله!”.

الرئيس: “لنفرض أن الوضع هو نفسه: احترق الخبز المحمص. لكن شريكك، وبعد تفحص الوضع يقول، “حسناً، يا عزيزي، لا بد أنه صباح قاسٍ بالنسبة لك – الطفل، الهاتف، والآن هذا الخبز المحمص”.

ب: “سيكون شعوري رائعاً”.

ج: “سيكون شعوري جيداً لدرجة أنني سأعانقه وأقبله”.

الرئيس: “ولماذا؟ فالطفل ما زال يبكي والخبز المحمص ما زال محروقاً؟”.

الأهل: “لن يشكل ذلك أي فرق”.

الرئيس: “وما الذي سبب هذا التغيير؟”.

أ: “لأنك تشع بالامتنان لأنك لم تتعرض للانتقاد”.

الرئيس: “وكيف سيكون يومك؟”.

ج: “سيكون يوماً مبهجاً وسعيداً”.

الرئيس: “دعوني أعطيكم سيناريو ثالثاً. ينظر شريكك إلى الخبز المحمص ويقول لك بهدوء، (دعني أشرح لك يا عزيزي، كيفية تحضير الخبز المحمص)”.

ب: “آه، لا. إن هذا أسوأ من السيناريو الأول. الآن سأشعر بالغباء”.

الرئيس: “دعونا نتفحص كيف تنطبق هذا المناهج الثلاثة لقصة الخبز المحمص، على التعاطي مع أولادنا”.

أ: “إنني أفهم ما الذي ترمي إليه. إنني أقول لولدي دائماً، (إنك كبير بشكل كافٍ لتعرف هذا، وإنك كبير بما يكفي لتعرف ذلك)”. ولا بد أن هذا الأمر يجعل الطفل هائجاً. عادة ما يحصل هذا.

ب: إنني أقول لابنتي دائماً، “دعيني أريك كيف تفعلين هذا أو ذاك”.

ج: “إنني معتادة على التعرض للنقد لدرجة أنني أجد ذلك طبيعياً. إنني أستعمل نفس الكلمات بالضبط التي استخدمتها أمي معي عندما كنت طفلة. لقد كرهتها من أجل ذلك. إنني لم أحسن القيام بشيء، وكانت تجبرني على القيام بالأشياء مرة أخرى”.

الرئيس: “والآن تجدين نفسك تستعملين نفس الكلمات مع ابنتك؟”.

ج: “نعم، لا أحب هذا على الإطلاق. ولا أحب نفسي عندما أقوم بذلك”.

الرئيس: “لنرى كيف يمكننا الاستفادة من قصة الخبز المحمص (التوست). فما هو الشيء الذي ساعد على تغيير المشاعر السيئة إلى مشاعر محبة؟”.

ب: “حقيقة أن أحداً ما قد تفهمك”.

ج: “وبدون إلقاء اللوم عليك”.

أ: “وبدون أن يخبرك كيف تتحسن”.

هذا المشهد (المقتبس من كتاب جينو، المعالجة النفسية الجماعية للأطفال، الصادر عن ماكروهيل عام 1961، يوضح قوة الكلمات على إيجاد جو العداء أو السعادة. إن مغزى القصة هو أن بإمكان استجاباتنا أو ردود أفعالنا (كلمات كانت أم مشاعر) إيجاد فرق حاسم بأجواء بيوتنا.

مبادئ الحوار: التفهم والتعاطف

عندما يقوم الولد بالإخبار أو السؤال عن حادثة معينة، فمن المفضل عادة أن نستجيب ليس للحادثة نفسها، بل للعلاقة الضمنية.

اشتكت فلورا، بنت الستة أعوام، بأنها تستلم هدايا أقل من أخيها مؤخراً. لم تنفِ أمها الشكوى. كما أنها لم تقم بالتوضيح لابنتها أن أخاها يكبرها سناً ولهذا فهو يستحق هدايا أكثر. كما أنها لم تعدها بتصحيح الخطأ. إنها تعرف بأن الأطفال يهمهم عمق علاقتهم مع والديهم أكثر مما يهمهم حجم الهدايا أو عددها. قالت أمها، “إنك تتسائلين إذا كنت أحبك كما أحبه؟” وبدون إضافة أية جملة، قامت بمعانقة فلورا، والتي استجابت بدورها بابتسامة تنم عن الدهشة والسرور. كانت هذه هي نهاية حوار كان من الممكن أن يصبح جدلاً لا نهاية له.

تكمن الرغبة بالحصول على الاطمئنان وراء العديد من أسئلة الأطفال. إن أفضل الأجوبة لمثل هذه الأسئلة هي التأكيد على العلاقة الثابتة.

عندما يقوم ولد بإخبارنا عن حادثة ما، فمن المساعد أحياناً أن تكون استجابتنا موجهة ليست تجاه الحادثة بعينها، لكن تجاه المشاعر التي تحيطها. جاءت ثروت، وهي في السابعة من العمر، غاضبة إلى المنزل. أخبرت والدها كيف دفع أحدهم صديقتها فرح من جانب الطريق إلى حفرة مليئة بمياه الأمطار. بدلاً من طلب معلومات إضافية عن الحادثة أو القيام بالتهديد بمعاقبة المعتدين على فرح، فإن والد ثروت استجاب لمشاعر ابنته. قال، “لا بد أن ذلك قد أغاظك. أنت غاضبة على الصبيان الذين فعلوا ذلك. وأنت ما تزالين حانقة بقوة عليهم”.

كانت ردة فعل ثروت على كل هذه العبارات، “نعم!” متجاوبة. وعندما قال لها والدها، “أنت خائفة من إمكانية أن يقوموا بنفس الشيء معك؟” أجابت عندها بتصميم “دعهم يحاولون، سأسحبهم معي. سيُحدث هذا رذاذات من الماء!” ثم بدأت تضحك على هذه الصورة في ذهنها. كانت هذه هي الخاتمة السعيدة والتي كان من الممكن أن تكون نصائح على شكل مواعظ لا قيمة لها حول طرق الدفاع عن النفس.

عندما يأتي الولد إلى البيت مع مجموعة من الشكاوى حول صديق أو معلمة أو حول حياته، فمن الأفضل عندها أن تتم الاستجابة إلى لهجة المشاعر، بدلاً من محاولة تأكيد الحقائق أو التحقيق في الأحداث.

وصل هادي، الذي يبلغ العاشرة، إلى المنزل وهو في حالة نزق وبدأ بالشكوى.

هادي: “ما هذه الحياة التعيسة! لقد وصفتني المعلمة بالكذاب، فقط لأنني قلت لها بأنني قد نسيت القيام بفروضي المدرسية في البيت. وقامت بالصراخ في وجهي، صرخت! وقالت إنها ستبعث إليك بملاحظة مكتوبة”.

الوالدة: “لقد كان يومك صعباً”.

هادي: “بإمكانك قول ذلك ثانية”.

الوالدة: “بالتأكيد كان ذلك الأمر شديد الإحراج عندما نعتتك بالكذب أمام كل الصف”.

هادي: “بالتأكيد هذا ما حصل”.

الوالدة: “أراهن بأنك في قرارة نفسك تمنيت لها بعض الأمور”.

هادي: “أوه، نعم! لكن كيف عرفت؟”.

الوالدة: “هذا ما نفعله عادة عندما يؤذينا أحدهم”.

هادي: “إن هذا لمريح”.

إنها راحة عميقة للأولاد حين يكتشفون أن مشاعرهم هي جزء طبيعي من التجربة الإنسانية. وليس هناك طريقة أفضل لإفهامهم ذلك من عملية تفهمهم.

عندما تقوم طفلة بإصدار تصريح حولها، فعادة يكون من المرغوب فيه أن تكون الاستجابة ليس عن طريق الموافقة أو عدم الموافقة، ولكن عن طريق تفصيلات محددة توصل إلى الطفلة تفهماً لا يمكن لها توقعه.

عندما تقول طفلة “إنني لست ماهرة في الحساب”، يكون من غير المساعد أن تقول لها، “نعم، إنك تعيسة جداً مع الأرقام”. وأيضاً ليس من المساعد أن تخالف رأيها أو أن تقدم لها نصيحة متواضعة: “إن درست أكثر، ستكونين أفضل”. هذه المساعدة المتعجلة ستقوم بإيذاء احترامها لنفسها وهذا الدرس الجاهز سيقوم فقط بالتقليل من ثقتها بنفسها.

إن عبارتها “إنني لست ماهرة بالحساب” يمكن أن تُواجه بالصراحة والتفهم. أية واحدة من العبارات التالية هي مناسبة:

“ليس الحساب بالمادة السهلة”.

“بعض المسائل صعبة الحل”.

“نقد المعلمة لا يسهل الأمور”.

“الحساب يجعلك تشعرين بالغباء”.

“إنني أراهن بأنك لا تستطيعين انتظار انتهاء الحصة الدراسية”.

“عند انتهائها، تشعرين بأمان أكثر”.

“من المؤكد بأن وقت الامتحان هو صعب جداً”.

“من المؤكد بأنك تقلقين كثيراً حول احتمال فشلك”.

“من الجائز أنك تقلقين حول ما سنفكر فيه”.

“من الجائز أنك تخافين من أن نكون محبطين تجاهك”.

“نحن نعرف أن بعض المواد ليست سهلة”.

“نحن نثق بأنك ستفعلين أقصى ما بوسعك”.

روت صبية تبلغ الثانية عشر من العمر بأنها قد أوشكت أن تُصاب بالإغماء عندما تحدث إليها والدها بمثل هذا التفهم، وذلك عندما أحضرت معها إلى البيت تقرير علامات سيئ. أما ردة فعلها العميقة فكانت أنها يجب أن تكون على مستوى ثقة والدها بها.

يسمع كل والد، بين فترات متباعدة، ابنه أو ابنته وهو يعلن، “إنني غبي”. وبإدراك أن ولده لا يمكن أن يكون غبياً، فإن الوالد أو الوالدة يبدأ بإقناعه بأنه لامع، كما فعل هذا الوالد.

أمير: “أنا غبي”.

الوالد: “أنت لست غبياً”.

أمير: “بلى أنا كذلك”.

الوالد: “أنت لست كذلك. هل تذكر كم كنت أنيقاً في المخيم؟ ظن المستشار بأنك أحد ألمع الناس”.

أمير: “كيف أمكنك معرفة بماذا فكّر؟”.

الوالد: “لقد أخبرني هو”.

أمير: “حقاً، حسناً، كيف دعاني بالغبي وقتها؟”.

الوالد: “كان يمزح فقط”.

أمير: “أنا غبي، أنا أعرف ذلك. أنظر إلى علاماتي في المدرسة”.

الوالد: “عليك فقط أن تبذل جهداً أكبر”.

أمير: “لقد بذلت مجهوداً كبيراً في السابق لكن ذلك لم يساعد. لا أتمتع بالذكاء”.

الوالد: “إنك ذكي، أنا أعرف”.

أمير: “إنني غبي، أنا أعرف”.

الوالد (بصوت عال): “إنك لست غبياً!”.

أمير: “بلى أنا كذلك!”.

الوالد: “إنك لست غبياً، أيها الغبي!”.

عندما يعلن ولد ما بأنه غبي أو بشع أو سيئ، فليس بإمكان أي شيء نقوله أو نفعله أن يغير من اعتباره الذاتي فوراً. إن وجهة النظر المتأصلة لشخص حول ذاته تقاوم المحاولات المباشرة للتغيير. وكما قال أحد الأطفال لوالده، “أعرف أن مقاصدك جيدة، والدي، لكنني لست بهذا الغباء كي أصدق رأيك بأنني شخص لامع”.

عندما يعبر طفل ما عن وجهة نظر سلبية عن نفسه، فإن إنكاراتنا واعتراضاتنا تتمتع بالقليل من المساعدة بالنسبة إليه. لأنها تستحضر إعلاناً أقوى لقناعاته. إن أفضل مساعدة نقدمها هي أن نُظهر بأننا نتفهم ليس فقط كيف يشعر، لكن المضامين المحددة لهذا الشعور، مثلاً:

إيفان: “إنني غبي”.

الوالد (بجدية): “حقاً إنك تشعر بهذه الطريقة أليس كذلك؟ إنك لا تظن بأنك ذكي؟”.

إيفان: “لا”.

الوالد: “إذاً فإنك تعاني كثيراً في أعماقك؟”.

إيفان: “نعم”.

الوالد: “لا بد أنك تخاف معظم الوقت في المدرسة. تخاف من رسوبك، تخاف أن تنال علامات متدنية. وعندما يناديك المعلم فإنك تشعر بالارتباك. حتى ولو كنت تعرف الأجوبة، فلعلها لا تأتي بشكل صحيح. إنك تخاف أن تخرج الكلمات السخيفة من فمك… ومن أن يقوم الأستاذ بانتقادك… ومن أن يقوم الأولاد بالسخرية منك. ولهذا، فإنك تفضل أن لا تقول شيئاً في مرات كثيرة. إنني أؤكد بأنك تتذكر أوقاتاً تكلمت بشيء وسخروا منك. إن ذلك جعلك تشعر بأنك غبي تجاه نفسك. لقد كنت مجروحاً وغاضباً أيضاً”. (عند هذه النقطة قد يُخبرك الولد شيئاً عن تجربته).

الوالد: “أنظر، يا بني! أنت بنظري إنسان جيد لكن لك رأي مختلف عن نفسك”.

هذا الحوار لا يُبدل صورة الطفل أمام ذاته فوراً، لكنه يمكن أن يغرس هذا الحوار بذرة الشك حول عدم اقتداره. من الممكن أن يقول لنفسه، إن كان أبي يفهمني ويعتبرني إنساناً جيداً، فلعلني لست بذلك الشخص التافه. إن الحميمية التي يولدها مثل هذا الحوار يمكن أن تقود الابن كي يحاول أن يكون على مستوى ثقة والده به. وفي النهاية فإنه سيجد أجوبة أكثر تفاؤلاً في أعماقه.

وعندما تُعلن طفلة، “إنني لا أملك أبداً حظاً جيداً”، فلا يستطيع أي حوار أو توضيح أن يبدل قناعاتها. ومقابل كل مثال عن الحظ الجيد الذي نذكره لها، ستكون ردة فعلها بقصتين عن الحظ السيئ. كل ما يمكننا فعله هو أن نُظهر لها كيف نتفهم مشاعرها بعمق التي تقودها لاعتقادها هذا.

هنادي: “لا أمتلك حظاً جيداً أبداً”.

الوالدة: “أحقاً تشعرين بهذه الطريقة”.

هنادي: “نعم”.

الوالدة: “إذاً فعندما تلعبين لعبة ما فإنك تفكرين بأعماقك، إنني لن أربح. إنني لا أمتلك حظاً”.

هنادي: “نعم، إن هذا بالضبط ما أفكر فيه”.

الوالدة: “وفي المدرسة، حتى ولو كنت تعرفين الأجوبة فإنك تعتقدين أن المعلمة لن تطلبها منك”.

الابنة: “نعم”.

الوالدة: “لكنك إذا لم تنجزي فروضك البيتية، فإنك تعتقدين بأنه في ذلك اليوم بالذات ستطلبها المعلمة منك”.

هنادي: “نعم”.

الوالدة: “أظن أن بإمكانك أن تعطينا أمثلة أخرى عديدة”.

هنادي: “بالتأكيد… وعلى سبيل المثال” (يقوم الطفل بإعطاء أمثلة).

الوالدة: “إنني مهتمة بما تفكرين به عن الحظ. إن صادفك ما تعتقدين أنه حظ سيئ أو حتى حظ جيد، تعالي إليّ واخبريني كي نتكلم عنه”.

يمكن لهذا الحوار أن لا يغير اعتقاد الطفلة بسوء حظها. وعموماً، فبإمكانه أن ينقل لها بأنها محظوظة لأنها تملك مثل هذه الأم المتفهمة.

تسبح الأسماك، تطير الطيور، والناس تشعر مشاعر مختلفة ورسائل مختلفة

يحبنا الأولاد وينفرون منا في الوقت ذاته. إنهم يشعرون بطريقتين تجاه أهاليهم، معلميهم، وكل الناس الذين يملكون سلطة عليهم. ويجد الأهل صعوبة بتقبل التناقضات كحقيقة من حقائق الحياة. إنهم لا يحبونها في أنفسهم ولا يطيقونها في أولادهم. إنهم يعتقدون بأن هناك شيئاً وراثياً خاطئاً في الشعور بطريقتين حول الناس، وخصوصاً حول أفراد العائلة.

إننا نستطيع أن نتعلم بأن نتقبل وجود المشاعر المتناقضة في داخلنا وفي أولادنا. ولتجنب الصراعات غير الضرورية، فعلى الأولاد أن يعلموا بأن مثل هذه المشاعر هي عادية وطبيعية. يمكننا تجنيب الطفل الكثير من الشعور بالذنب والقلق بواسطة الاعتراف والتعبير عن هذه المشاعر المتناقضة:

“تبدو وكأنك تشعر بطريقتين مختلفتين تجاه معلمتك: إنك تحبها وتكرهها”.

“تبدو وكأن لك شعورين مختلفين تجاه أخاك الأكبر: أنت معجب به، لكنك تستاء منه”.

“لديك فكرتين عن الموضوع: إنك تحب أن تذهب إلى المخيم، لكنك تريد أيضاً أن تبقى بالبيت”.

إن تصريحاً هادئاً، وغير انتقادي لمشاعر الأطفال المتناقضة هو شيء مساعد لهم لأنه يوصل إليهم بأنه حتى مشاعرهم “المختلفة أو المختلطة” ليست عصية عن الفهم. وكما قال أحد الأطفال، “إن كانت مشاعري المتناقضة قابلة للفهم، فيجب أن لا تكون مشوشة كثيراً. ومن جهة أخرى فإن تصريحات مثل التي سترد فيما يلي تعتبر غير مساعدة: “بنيّ، هل أنت مشوش! في دقيقة ما تحب صديقك، ثم لا تلبث أن تنفر منه. اتخذ قرارك، إن كان لديك قرار”.

إن نظرة معقّدة للحقيقة الإنسانية تأخذ بالحسبان احتمال أنه حيثما يوجد الحب، فإننا نجد أيضاً بعض الكراهية؛ وحيثما يوجد الإعجاب، فأننا نجد بعض الحسد. حيثما يوجد الولاء، يوجد العنف. حيثما يوجد النجاح، فإننا نجد الهواجس. يتطلب الأمر حكمة كي ندرك بأن كل المشاعر هي مشروعة: الإيجابية، السلبية، والمتناقضة.

ليس من السهل أن نتقبل مثل هذه المفاهيم في أعماقنا. إن التربية التي تلقيناها في طفولتنا وكذلك ثقافتنا عندما كبرنا تدلنا على الرأي المعاكس. لقد عُلمنا بأن المشاعر السلبية (سيئة) ويجب أن لا نقوم بالشعور بها أو أننا يجب أن نخجل منها. يحدد النهج الجديد بأنه يجب أن نقوم بالحكم على الأفعال الحقيقية، بينما الأفعال الوهمية سواء أكانت (سيئة) أم (جيدة) فيجب أن لا يُحكم عليها. يمكن أن يُدان التصرف فقط أو أن يمتدح: لا يمكن ولا يجب أن تخضع المشاعر للحكم عليها. إن الحكم على المشاعر والرقابة على التصورات ستؤذي كلتا الحرّية الفرديّة والصحة الذهنية.

إن المشاعر هي جزء من موروثنا الجيني. تسبح الأسماك، تطير الطيور، والناس يشعرون. نكون أحياناً سعداء وأحياناً لا نكون كذلك. نتعرض في حياتنا للشعور بالغضب والخوف، الحزن والفرح، الجشع والذنب، الشهوة والتأنيب. في الوقت الذي نحن فيه لسنا أحراراً لكي نختار مشاعرنا التي تثور فينا، فإننا أحرار كي نختار كيف ومتى نقوم بالتعبير عنها، بشرط أن نعرف ما هي. هذا هو لب الموضوع. تربّى الكثير من الناس على البقاء خارج مشاعرهم. لقد تم تدريبهم عندما يشعرون بالكراهية، إن ذلك هو فقدان المحبة. وعندما يكونون خائفين فقد قيل لهم بأنه لا يوجد شيء ينبغي أن نخاف منه. وعندما شعروا بالألم، فقد نُصحوا بأن يتحلوا بالشجاعة وأن يبتسموا. وتعلم الكثيرون منا بأن يتظاهروا بأنهم سعداء في وقت هم ليسوا كذلك.

ما هي الأشياء التي نقترحها مكان التظاهر؟ الصدق. بإمكان ثقافة المشاعر أن تساعد الأولاد كي يعرفوا مشاعرهم. إنه لأمر أكثر أهمية بالنسبة لطفلة أن تعرف بماذا تشعر بدلاً من أن تعرف لماذا تشعر. وعندما تعرف بكل وضوح ماهية مشاعرها، فإنها تُصبح أقل احتمالاً لأن تشعر “بالتشويش الكلي” في أعماقها.

عملية عكس العواطف: عكس مشاعر الأولاد يساعدهم على فهم كيف يشعرون

يتعرّف الأولاد على مثالهم الفيزيائي بواسطة رؤية صورتهم في المرآة. إنهم يتعرفون على مثالهم العاطفي بواسطة سماع مشاعرهم وهي تُعكس إليهم. إن وظيفة المرآة هي أن تعكس الصورة كما هي، بدون إضافة أية تحسينات أو أية تشويهات. إننا لا نتوقع من المرآة أن تخبرنا، “إنك تبدو مريضاً. إن عيونك محمّرة ووجهك منتفخ. وبالإجمال فإنك في حالة بلبلة. من الأفضل أن تفعل شيئاً لنفسك”. بعد تعرضنا عدة مرات لمثل هذه المرآة السحرية، فسنقوم بتجنبها كما نتجنب الطاعون. إننا نريد من المرآة العاطفية أو الشعورية القيام بعكس المشاعر كما هي، بدون أي تشويش:

“تبدو وكأنك غاضب جداً”.

“يبدو الأمر وكأنك تكرهه كثيراً”.

“يظهر وكأنك مشمئز من الوضع بكامله”.

بالنسبة لطفل يمتلك مثل هذه المشاعر، فهذه العبارات مساعدة جداً. إنها تُظهر بوضوح ما هي مشاعره أو مشاعرها. إن وضوح الصورة، سواء بالتطلع إلى مرآة حقيقية أو مرآة عاطفية، يعطينا الفرصة للتأنق نتيجة قناعاتنا ونغير من هندامنا.

وكأشخاص بالغين ففي وقت ما شعرنا جميعاً بالأذية، الغضب، الخوف، بالحيرة أو بالحزن. في أوقات المشاعر القوية ليس هناك شيء مريح ومساعد كمثل شخص يُصغي ويتفهم. وما ينطبق على الكبار ينطبق أيضاً على الأولاد. يحل التواصل المتعاطف مكان الانتقاد، وإلقاء المحاضرات، والنصح، كل ذلك بفضل البلسم الشافي للتفهم الإنساني.

عندما يكون أحد أولادنا بحالة إحباط، خوف، حيرة أو حزن، فإننا بصورة تلقائية نهرع إليه بأحكامنا ونصائحنا. مع هذا، فالرسالة الكامنة هي: “إنك أعجز من أن تعرف ماذا تعرف”. وفوق الألم الأساسي فإننا نقوم بإضافة الإهانة الجديدة.

هناك طريقة أفضل. عندما نقوم بتقديم وقتنا وعطفنا لنفهم الطفل، فإننا نرسل رسالة مختلفة جداً: “إنك مهم بالنسبة لي. إنني أريد أن أفهم مشاعرك”. وراء تلك الرسالة الحيوية يكمن التطمين: “عندما تشعر بالسلام، فستجد أفضل الحلول”.

تأليف:هايم جينو
مراجعة وتحديث: د. اليس جينو ود. والس غودارد