معاناة الأطفال من اضطرابات النوم لا تعني وجود أمراض عصبية بل نفسية وربما
عضوية
الرياض: د. عبير مبارك
أحلام النوم المزعجة والكوابيس المفزعة من أهم اضطرابات النوم التي تصيب الأطفال
وتسبب الكثير من المعاناة لهم، وأكثر من هذا معاناة الآباء والأمهات حينما يقفون
عاجزين عن إدراك ما الذي يستطيعون تقديمه من مساعدة لأطفالهم كي ما يتغلبوا عليها.
كما أن نوبات الرعب التي يصرخ على إثرها الطفل بالليل أثناء نومه، هي حالة مختلفة
عن الكوابيس والأحلام المزعجة التي تنتاب أطفال آخرين أو نفس الطفل من آن لآخر،
وكذلك الحال بالنسبة للمشي أثناء النوم أو الكلام خلاله، تستحوذ اليوم على اهتمام
الباحثين وتكثر الأسئلة والمناقشات حولها.
حسب قول رابطة أطباء الأسرة الأميركية في إحدى نشراتها هذا الشهر فإن واحداً من بين
كل أربعة أطفال يعاني بشكل أو آخر من الأحلام الليلية المزعجة أو المخيفة، وذلك
أكثر من مرة في الأسبوع الواحد. وان غالب هذه الكوابيس Nightmares تحصل ما بين
الرابعة والسادسة صباحاً لدى الأطفال الذين ينامون بشكل صحي وسليم، أي في أول الليل
. ويستيقظ الطفل بشكل كامل ليصرخ أو يبكي، أو لا يفعل ذلك بل يحس حينئذ بالخوف
والهلع وعدم الشعور بالأمان الأمر الذي يدفعه غالباً إلى ترك فراشه واللجوء إلى
غرفة نوم الوالدين بحثاً عن الشعور بالأمان والحماية وطلباً لراحة النوم بجوارهما،
وهو ما يستطيع الوالدان تقديمه للطفل في ذلك الوقت ويفيده جداً اهتمامهم بذلك. وقد
يتمكن بعض الأطفال من إخبار الوالدين بما أزعجه أثناء نومه وذلك كي يبدي مخاوفه من
العودة إلى فراشه حتى لا يتعرض لتكرار نفس الأحلام والكوابيس على حد قول الرابطة
الاميركية وبعضهم الآخر لا يتكلم عنها من تلقاء نفسه. وتنصح الرابطة أن لا يحرص
الوالدان وقتها على معرفة ما هو الكابوس أو ما الذي رآه في حلمه، فهنا سيجد الطفل
في الغالب صعوبة في العودة إلى النوم مجدداً، لذا فإن دور الأم أو الأب مهم في هذه
الحالات إذْ من الأفضل تجنب الحديث مع الطفل عن الذي أفزعه وكل ما هو مطلوب لمسات
حانية وعبارات مطمئنة تعيد الطفل مجدداً إلى نومه.
الرعب الليلي Night Terrors شيء مختلف تماماً، فهو يصيب غالب الأطفال ما بين الساعة
الواحدة والثالثة صباحاً وذلك أيضاً بين من ينام بشكل صحي وسليم. ويدفع ذلك غالب
الأطفال للصراخ أثناء استيقاظهم المفاجئ، وحينها نرى الطفل يتنفس بسرعة ويبدو عليه
العرق، مع ملاحظة أمر مهم وهو أن الطفل لا يكون قد استيقظ بالكامل حقيقة بالرغم من
صراخه وكذلك بالرغم من فتح عيونه كأنه مستيقظ ويرى ما حوله، وهذا أمر مهم يجب على
الوالدين إدراكه وهو ما يفرق بين حالة الرعب الليلي وحالة كوابيس الأحلام. ولذا فإن
غالب الأطفال لا يتمكن من الإجابة لو سألته أمه حينها عن سبب فزعه وصراخه أو ما
الذي يشكو منه، بل ويصعب إيقاظه بشكل تام أثناء هذه النوبات من الرعب الليلي. كما
أن الطفل لا يذكر لاحقاً ما مر به أثناء الليل ونجده يتصرف بطريقة عادية أثناء
النهار. و مما تجب ملاحظته في هذه الحالات أن الطفل ليس بحاجة إلى أن يبذل الوالدان
جهداً في طمأنته بالكلام فهو لا يتعرف إلي وجود أي منهما حوله حينها، بل ويستطيع
الطفل العودة إلى النوم بشكل أسرع من حالات كوابيس الأحلام المفزعة نظراً لأنه لم
يستيقظ بشكل كامل. والحقيقة أن كل ما هو مطلوب من الوالدين حينها أن يكون أحدهما
بجوار الطفل لمراقبته حتى يهدأ ويعود إلى النوم.
حالة ثالثة قد يعاني منها بعض الأطفال أثناء فترة النوم وهي المشي. وحينما تحصل
يكون الطفل مستيقظاً بشكل غير كامل أثناء نوم الليل بالذات ويقوم خلالها بالترنح في
المشي داخل غرفته أو بين الغرف أو تجميع بعض ألعابه حوله في السرير أو فرك عينيه أو
العبث بملابسه أو غيرها من التصرفات، ثم يكمل نومه ولا يذكر الأمر في النهار التالي
حتى لو سألته والدته عن ذلك.
رابطة أطباء الأسرة الأميركية تنصح الأمهات والآباء بأمرين مهمين في مثل هذه
الحالة، الأول وهو الحرص على سلامة الطفل أثناء هذه الحالة وذلك بالعمل على إبعاد
أو تجنيب كل ما يؤذي الطفل أثناء حركة المشي اللاشعورية حتى لو اضطروا لنقل غرفته
إلي الطابق الأرضي بدلاً من الدور العلوي إن لم يكن بالإمكان وضع بوابة على سلم
الدرج المنزلي، والأمر الثاني تنصح بعدم إزعاج الطفل أو هزه لإيقاظه أو نهره أو
تذكيره بذلك أو تعيبه به لاحقاً. حسب ما هو متوفر من دراسات طبية حتى اليوم فإن
البحث لم يتوصل إلى أن معاناة الأطفال من أي من هذه الحالات لاضطرابات النوم بأنه
قد يؤدي أو يعني أن هناك مشاكل صحية أو مرضية في الجانب العصبي أو العقلي للطفل.
لكن مما هو ملاحظ أن معاناة الطفل من كوابيس الأحلام المفزعة خصوصاً قد تكون نتيجة
إصابته بأحد الأمراض العضوية أو تعرضه لضغط نفسي في السابق حتى لو كان قد حصل قبل
عدة أشهر على حد قول الرابطة المذكورة.
و تضيف أنه كلما كبر الطفل، قل تعرضه لنوبات الرعب الليلي أو كوابيس الأحلام أو مشي
النائم، وتتوقف عادة لدى غالبهم هذه الحالات في مرحلة المراهقة، بينما يظل يعاني من
الكوابيس حتى مراحل تالية في العمر بعض الأطفال خاصة الذين يتميزون بالشخصية
المبدعة والواسعة الخيال.
الأمور المهمة والمطلوب من الوالدين التعاون فيها هي تهيئة الظروف الأمنة للطفل
أثناء نومه وكذلك أثناء استيقاظه، وهي الجوانب المتعلقة بالسرير وسهولة الخروج منه،
وعدم إحكام غلق باب غرفة النوم ووجود ضوء خافت يرى به الطفل شيئاً مما حوله،
والحيلولة دون نوم الأطفال دون ترتيب غرفة الطفل بإزالة الألعاب المتناثرة على
الأرض وترتيب قطع الأثاث حتى لا يتعثر الطفل حينما يستيقظ بها. ومن الأمور المهمة
أيضاً أن من يعاني من هذه النوبات من الأطفال فإنه يجب تجنب حجزه في أسرة ذات جوانب
عالية تمنعه من الخروج منها واللجوء إلى والديه أو مربيته لأن وجودها يزيد من حالة
الرعب لديه. كما أن اللجوء إلى الطبيب قد يكون ضرورياً لو حصل أن أذى الطفل نفسه
أثناء نوبات الرعب الليلي أو كوابيس الأحلام المزعجة أو في حال استمرار تكرارها بما
يؤثر على نشاطه وأكله أثناء النهار. موضوع نوم الأطفال كبير وجوانبه مهمة منها
مقدار الحاجة اليومية من النوم للمراحل المختلفة في عمر الأطفال، وأسباب قلة النوم
ووسائل علاجها وعدم النوم بالليل وتأثيراته الصحية على الطفل، ومتى ينام الطفل
وحيداً بعيداً عن والديه وما تأثير الانفصال عن مخدع الأم، وغيرها كثير من المواضيع
التي يهم الأمهات والآباء إدراك جوانبها عن نوم الأطفال. والطفل مهما كان صغيراً
فإنه في واقع الحال عالم قائم بذاته، والبحوث الطبية تحاول اليوم أن تتقدم في فهم
الكثير عن هذا العالم الذي يبدو لنا صغيراً بينما هو غاية في التشعب والتعقيد،
وكذلك في الأهمية