مرض السكتة من أكثر أمراض المخ فتكا ويقتل 130 الف أمريكي كل عام. معظم السكتات يمكن اعتبارها “نوبات دماغية” – كالنوبات القلبية، لكن التصلبات المنهارة في مجرى الدم تقطع تيار الدم في هذه الحالة عن أجزاء من المخ لا عن القلب.
في ٩٠٪ من حالات السكتة، يتوقف تدفق الدم إلى أجزاء من المخ، فيحرمه من الأكسجين ويدمر الجزء الذي يقوم ذلك الشريان المسدود على تغذيته. وتسمى هذه الحالة سكتة تروية (بمعنى توقف التغذية بالدم). ونسبة صغيرة من حالات السكتة تكون من النوع النزفي، والتي تحدث بسبب نزيف في المخ إثر انفجار أحد الأوعية الدموية. إن التلف المترتب على السكتة يتوقف على المكان الذي حُرم من الأكسجين (أو المكان الذي وقع فيه النزيف) وعلى المدة التي دام فيها ذلك الحرمان. فأولئك الذين تعرضوا لسكتات قصيرة قد يعانون فقط ضعفًا في الذراع أو الساق، بينما أولئك الذين يتعرضون لسكتة طويلة قد يتعرضون لشلل، ويفقدون القدرة على الكلام، أو ربما يصل الأمر إلى الموت، وهو ما يحصل غالبًا.
أحيانًا لا يدوم التجلط الدموي سوى لحظات – أقل من أن يلاحظ لكنه كاف لتدمير جزء بسيط في المخ. وهذه السكتات الخاطفة يمكن أن تتكرر وتتضاعف لتقلل ببطء الوظيفة الإدراكية للمخ إلى أن يقع العته الكامل. والهدف هو تقليل مخاطر الإصابة بالسكتات الدماغية الكبيرة التي تقتل فورًا وتلك الصغيرة التي تقتل بمرور الوقت. وكما هي الحال مع أمراض القلب، يمكن للغذاء الصحي أن يقلل مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية بتقليل مستوى الكوليسترول وضغط الدم وتحسين تدفق الدم والقدرة على خفض الأكسدة.
الألياف
إضافة إلى أثرها المعروف على الأمعاء، فإن زيادة تناول الألياف تقلل على ما يبدو من مخاطر الإصابة بسرطان القولون, وسرطان الثدي, والسكري, وأمراض القلب، والسمنة، والموت المبكر بشكل عام. وتظهر الآن عدة دراسات توضح أن تناول كميات كبيرة من الألياف يساعد أيضًا على الوقاية من السكتة الدماغية. لكن للأسف لا يزيد من يتناول الحد الأدنى الموصى به من الألياف سوى ٣٪ من الأمريكيين. وهذا يعني أن ما يقارب من ٩٧٪ من الأمريكيين يتناولون أطعمة محدودة الألياف. والألياف تتركز بطبيعة الحال في مكان واحد فقط: الأطعمة النباتية. فالأغذية المحفوظة يوجد بها قدر أقل من الألياف، والأغذية الحيوانية لا وجود للألياف بها على الإطلاق. للحيوانات عظام تحملها؛ وللنباتات ألياف.
لست بحاجة إلى تناول الكثير من الألياف حتى تقضي على خطر السكتات، فزيادة مدخولك منها بمقدار سبعة جرامات فقط كل يوم تقلل من نسبة الإصابة بمقدار ٧٪, وتختلف السكتات باختلاف الناس – وفق ما يتناولونه – على ما يبدو – من ألياف. إن إضافة سبعة جرامات من الألياف إلى غذائك مهمة يسيرة؛ فهي تعادل طبقًا من الشوفان مع التوت أو الفول المطبوخ.
فكيف تحمي الألياف المخ؟ نحن لا نعرف على وجه اليقين. نحن نعرف أن الألياف تساعد على خفض مستوى الكوليسترول، وسكر الدم، وهو ما يساعد بدوره على تقليل الترسبات في شرايين وأوردة المخ. كذلك يساعد تناول الألياف على خفض مستوى ضغط الدم، وهو ما يقلل مخاطر نزيف المخ. لكن ليست هناك ضرورة لمعرفة هذه الآلية قبل أن تقدم على تطبيقها والعمل بها، فهناك عبارة تقول: “يرمي الرجل حبه… يتفتق الحب وينمو، وهو لا يدري كيف ذاك”. فإذا أجل الفلاح البذر إلى أن يفهم بيولوجية عملية الإنبات، فلن يستمر طويلًا، فلِمَ لا نسارع إلى جني فوائد تناول الألياف بالإقبال على الأطعمة النباتية غير المعالجة؟
لم يتأخر الوقت ولا يتأخر أبدًا على البدء بنمط غذائي صحي. رغم أن السكتة تعد من أمراض كبار السن – فنسبة وفيات السكتة قبل سن الخامسة والأربعين لا تجاوز ٢٪ – إلا أن عوامل الخطورة تبدأ بالتراكم منذ الطفولة، في دراسة لافتة نشرت حديثًا، تم تتبع مئات الأطفال مدة تبلغ أربعًا وعشرين سنة. وجد الباحثون أن المعدل المنخفض من تناول الألياف يترافق معه تيبس في الشرايين الواصلة إلى المخ – وهو عامل خطورة مؤدٍّ للسكتة. بوصول هؤلاء الأطفال سن الرابعة عشرة فقط، كانت الاختلافات واضحة في مستوى صحة الشرايين مع اختلاف نسب تناول الألياف كل يوم.
ومرة أخرى، لست بحاجة للكثير، فتناول تفاحة واحدة إضافية، أو ربع كوب إضافي من البروكلي، أو مقدار ملعقتين من الفاصوليا يوميًّا خلال الطفولة يترجم إلى أثر حقيقي في جودة حال الشرايين بعد ذلك. إن أردت أن تكون مبادرًا حقًّا، فإن أفضل ما هو متاح لنا من علوم يؤكد أن بمقدورك خفض نسب إصابتك بالسكتة بتناول ما حده الأدنى ٢٥ جرامًا يوميًّا من الألياف القابلة للذوبان (الألياف التي يمكن إذابتها في الماء توجد عادة في الفاصوليا والشوفان والجوز والتوت) و٤٧ جرامًا يوميًّا من الألياف غير الذائبة (الألياف التي لا تذوب في الماء، وتوجد بالأساس في الحبوب الكاملة مثل الأرز الكامل والقمح الكامل). وبافتراض ذلك، فإن عليك اتباع نظام غذائي خيالي للحفاظ على هذا المستوى من الألياف، وهو بعيد تمامًا عما حددته معظم السلطات الصحية بشكل تعسفي باعتباره مستوى دقيقًا. وبدلًا من إتحافك بما يعتقدونه “ممكنا” بالكميات أتمنى على هذه السلطات الصحية أن تخبرك فقط بما قاله العلم وتترك لك أنت أن تقرر لنفسك.
البوتاسيوم
خذ نباتًا، أي نبات، واحرقه حتى يصبح رمادًا، ثم ضع هذا الرماد في إناء به ماء، وقم بغليه، ثم اعزل الرماد، ستبقى لديك في النهاية رواسب بيضاء تعرف بالبوتاس. لقد استخدم البوتاس لآلاف السنين في صنع كل شيء بداية من الصابون والزجاج إلى صناعة المخصبات الزراعية ومبيضات الملابس, إلى أن جاء في عام ١٨٠٧ حين وجد كيميائي إنجليزي أن هذا “القلوي النباتي” يحتوي على عنصر لم يكتشف بعد، والذي أسماه البوتاسيوم.
لقد ذكرت ذلك للتأكيد على المصدر الرئيسي للبوتاسيوم في غذائك – إنه تحديدًا، النبات. إن كل خلية في جسدك تحتاج إلى البوتاسيوم لكي تعمل، وأنت بحاجة لاستخلاصه من غذائك. خلال معظم تاريخنا البشري، كنا نأكل العديد من النباتات حتى إننا كنا نحصل على ما يزيد على ١٠٠٠٠ مليجرام من البوتاسيوم كل يوم. أما الآن، فإن أقل من ٢٪ فقط من الأمريكيين يصلون إلى الحد الأدنى الموصى به يوميًّا وهو ٤٧٠٠ مليجرام.
السبب الأساسي لذلك بسيط: نحن لم نعد نتناول ما يكفي من الأغذية غير المعالجة. فما علاقة البوتاسيوم بالسكتة الدماغية؟ إن مراجعة شاملة لأفضل الدراسات التي تناولت العلاقة بين البوتاسيوم وأكثر الأمراض فتكًا، أمراض القلب والسكتة الدماغية، تنتهي إلى أن زيادة قدرها ١٦٤٠ مليجرامًا يوميًّا من البوتاسيوم يترافق معها نقص في احتمالات الإصابة بالسكتة قدره ٢١٪. وهذا معدل لا يكفي للوصول إلى متوسط المستويات الأمريكية من البوتاسيوم، لكنه مع ذلك كافٍ لتقليل احتمالات الإصابة، فتخيل مقدار خفضك لاحتمالات الإصابة إن أنت ضاعفت الكمية التي تتناولها من الأغذية النباتية الكاملة أو زدتها ثلاث مرات.
إن الموز، رغم الترويج له كنبات غني بالبوتاسيوم، فإنه ليس غنيًّا بهذا العنصر، فوفق قاعدة البيانات الحالية لوزارة الزراعة الأمريكية، لا يدخل الموز في قائمة الأغذية الأغنى بالبوتاسيوم وفيها ألف نوع من الأغذية؛ بل إنه يأتي في الترتيب رقم ١٦١١، بعد حلوى الريس بيسيز مباشرة. ولست مضطرًّا لتناول دستة من أصابع الموز حتى تصل إلى المعدل المطلوب من البوتاسيوم يوميًّا.
فما أكثر الأطعمة غنى بالبوتاسيوم؟ إن أصح مصادر الأغذية الكاملة وأشهرها هي الخضراوات، والفاصوليا والبطاطا.
الحمضيات
بشارة لكل محبي البرتقال: تناول الفاكهة الحمضية يقلل من احتمالات الإصابة بالسكتات – بقدر أكبر حتى من التفاح. ألا تجوز المقارنة بينهما؟ لقد فعلت لتوي! السر يكمن في إحدى المواد المغذية في الحمضيات و هي مادة الهيسبيردين، والتي يبدو أنها تزيد من تدفق الدم عبر الجسد، بما في ذلك المخ. وباستخدام آلة تسمى الفلكسيميتر، يمكن للعلماء قياس تدفق الدم عبر الجلد باستخدام شعاع ليزر. فإذا وضعنا الناس على هذه الآلة وأعطيناهم محلولًا يحتوي على قدر من مادة الهيسبيردين التي تكون في كوبين من عصير البرتقال، فإن ضغط الدم يقل ويزيد تدفق الدم بشكل عام. حين شرب الناس عصير البرتقال مباشرة بدلًا من محلول الهيسبيردين، تحسن تدفق الدم بقدر أكبر. بعبارة أخرى، قدرة البرتقال على خفض نسب الإصابة بالسكتة تتجاوز الهيسبيردين. فحين يتعلق الأمر بالطعام، ستجد الطعام الكامل أعظم أثرًا بكثير من مجموع أجزائه.
إن التأثيرات الإيجابية للحمضيات على تدفق الدم لا تحتاج لآلة تشهد بها، ففي إحدى الدراسات، عين العلماء نساء يعانين حساسية من الطقس البارد بسبب ضعف تدفق الدم – ونساء يعانين حالة مزمنة من برودة اليدين والقدمين وأصابع الأقدام – ووضعوهن في غرفة مكيفة جدًّا, ثم أعطوا نساء المجموعة التجريبية محلولًا يحتوي على مغذيات الحمضيات، بينما حصلت النساء في مجموعة التحكم على مشروب وهمي (مشروب بنكهة برتقال صناعية). أولئك اللائي شربن المشروب الوهمي زادت برودتهن أكثر. وبسبب ضعف تدفق الدم، انخفضت درجة حرارة أطرافهن بمقدار ٩ درجات فهرنهايت خلال مدة الدراسة. أما أصابع النسوة اللاتي أخذن مشروب الحمضيات الحقيقي، كن أبطأ بمقدار النصف في الشعور بالبرد؛ لأن تدفق الدم لديهن ظل ثابتًا. (كذلك طلب الباحثون من كلتا المجموعتين غمس أيديهن في ماء مثلج فوجدوا أن النسوة اللاتي شربن الحمضيات تعافين أسرع من نساء مجموعة التحكم بنسبة قدرها ٥٠٪).
فتناول بضع برتقالات إذن قبل التزلج على الجليد يحافظ على أصابع يديك وقدميك من البرد. وإن كان الدفء شيئًا لطيفًا، فإن انخفاض نسب الإصابة بالسكتة لتناولك الحمضيات لهو ألطف بكثير.
مدة النوم المثالية والسكتة
إن قلة النوم، أو ربما الإكثار الشديد منه، مرتبط بزيادة فرص الإصابة بالسكتة. لكن كم من النوم يعتبر قليلا جدا؟ وكم منه يعدّ کثیرا؟
علماء من اليابان كانوا هم أول من بحث في هذا السؤال. لقد تتبعوا حوالي 100 الف رجل وامرأة في منتصف العمر لمدة تصل إلى أربعة عشر عاما، وبالمقارنة بأناس يتمتعون بسبع ساعات نوم في المتوسط، وجد أن من ينامون أربع ساعات أو أقل، أو عشر ساعات أو یزید، تزيد نسبة موتهم بالسكتة إلى 50%.
وهناك دراسة أخرى أجريت على 150 الف أمریکي تمكنت من فحص الأمر بشكل أشمل. ولقد وجدت أن معدلات حدوث السكتة تكتر بين من ينامون ست ساعات أو أقل، أو تسع ساعات أو یزید. وأولئك الأقل احتمالا هم من ينامون بين سبع وثماني ساعات كل ليلة. وهناك دراسات واسعة في أوروبا، والصين.” وأماكن أخرى أكدت أن النوم لسبع أو ثماني ساعات يرتبط باحتمالات أقل لحدوث السكتة، لاندري إن كانت العلاقة سببية، لكن حتى نعرف المزيد، لم لا تحقق ذلك المعدل؟ نم جيدا!
مضادات الأكسدة والسكتة
إن عالم الكيمياء الحيوية المحترم، إيرل ستادمان، الحاصل على الميدالية الوطنية في العلوم، وهي أعلى تقدير للإنجاز العلمي في بلده، يقول: “الهِرم مرض. ومدة الحياة البشرية تعكس ببساطة مقدار التلف في الجذور السائبة المتراكم داخل الخلايا. حين يتراكم ما يكفي من التلف، لا تصبح الخلايا قادرة على الحياة بشكل طبيعي وتستسلم فحسب”.
في أول ظهور له في عام ١٩٧٢زعمت هذه النظرية – والمسماة حاليًّا نظرية الميتوكوندريا في الهرم – أن تلف الجذر السائب في مصدر طاقة الخلية، والمعروف بالميتوكوندريا، يقود إلى فقدان الطاقة والوظيفة الخلوية مع الوقت. وهذه العملية تشبه إلى حد ما الشحن المستمر لبطارية الأيباد الخاص بك – ففي كل مرة تشحنه فيه، تقل قدرته أكثر وأكثر.
لكن ما الجذور الكيمائية السائبة على وجه التحديد، وما الذي يمكننا فعله إزاءها؟
إليك محاولتي لتبسيط بيولوجيا الكم للفسفرة التأكسدية: تأخذ النباتات طاقتها من الشمس. تأخذ نباتًا وتضعه في الشمس، ومن خلال عملية تسمى البناء الضوئي، يقوم الكلوروفيل بحجز طاقة الشمس وتحويلها إلى كتل بناء صغيرة تسمى الإلكترونات.
تبدأ النباتات بإلكترونات منخفضة الطاقة، وباستخدام طاقة الشمس، يتم شحنها بإلكترونات عالية الطاقة. بهذه الطريقة، يخزن النبات طاقة الشمس, وبعد ذلك وحين تأكل أنت النبات (أو الحيوان الذي أكل النبات)، فإن هذه الإلكترونات (في شكل كربوهيدرات، وبروتينات، ودهون) تقدم إلى جميع خلاياك. بعد ذلك تأخذ ميتوكوندريا خليتك هذه الإلكترونات المعبأة بالطاقة وتستخدمها كمصدر للطاقة – بمعنى وقود مشغل – وتطلق هذه الطاقة ببطء. هذه العملية يجب أن تجري على نحو دقيق وتحت سيطرة شديدة؛ لأن هذه الإلكترونات معبأة بالطاقة ومن ثم فهي شديدة التطاير، كالبنزين.
والحقيقة أن البنزين والبترول والنفط لم تُسَمَّ وقودًا حفريًّا من فراغ، فخزانات مركباتنا ممتلئة بمواد نباتية تعود إلى ما قبل التاريخ خزنت الطاقة داخلها من الشمس في إلكترونات عالية الطاقة قبل ملايين من السنين.
وكما أن من الخطر إلقاء عود ثقاب في علبة بنزين وإطلاق كل مخزون الطاقة جملة واحدة، فإن على جسدك أن يكون حذرًا كذلك. ذاك هو السبب الذي يجعل استلام الخلايا لهذه الإلكترونات عالية الشحنة من النباتات وإطلاقها بشكل دقيق جدًّا، مثل موقد الغاز – بقدر محسوب إلى أن تستهلك الطاقة كاملة، ثم يمرر جسدك هذه الإلكترونات المستهلكة إلى الجزيء الأهم على الإطلاق: الأكسجين. إن الطريقة التي يقتلك بها سم مثل السيانيد هي منع جسدك من تسليم هذه الإلكترونات المستهلكة إلى الأكسجين.
لحسن الحظ، الأكسجين يحب الإلكترونات، وإن كان أكثر من اللازم، فبينما يقضي الجسد وقته، مصرفًا ببطء طاقة الإلكترونات، يقف الأكسجين منتظرًا بنفاد صبر في نهاية الخط، فسيسعد الأكسجين كثيرًا بأن يضع يده على أحد هذه الإلكترونات عالية الشحنة، لكن جسدك سيقول: “توقف. لذا علينا أن نفعل ذلك ببطء، فانتظر دورك ودعه يبرد أولًا. سوف نمنحك الإلكترون، لكن بعد أن ننزع منه طاقته حتى يكون التعامل معه آمنًا”.
ثم ينتاب الغضب الأكسجين ويقول متعجبًا: “يمكنني التعامل مع أي من هذه الإلكترونات المعدلة في أي وقت!” عابسًا، يقوم الأكسجين بالتجسس على إلكترون شارد يجلس وحيدًا في العراء، فينظر الأكسجين يمينًا ويسارًا ثم ينقض على ذلك الإلكترون. وجسدك ليس مثاليًّا؛ لا يمكنه مراقبة الأكسجين طوال الوقت. من واحد إلى اثنين٪ من الإلكترونات عالية الشحنة من التي تمر عبر الخلايا تتسرب إلى حيث يمكن للأكسجين اقتناصها.
حين يضع الأكسجين يده على الإلكترون عالي الشحنة، يتحول ببساطة ليصبح الرجل الأخضر، حيث يتحول من أكسجين منخفض إلى ما يمكن تسميته سوبر أكسيد، وهو نوع من الجذور الكيميائية الحرة. والجذر السائب هو كما يوحي به الاسم – جزيء لا يتمتع بالاستقرار، خارج عن السيطرة، ذو تفاعلات عنيفة. بشحن السوبر أكسيد بالطاقة فيبدأ بالسطو على الخلية، فيغتصب مادتها حتى يقع على المادة الوراثية.
وحين يتصل بالمادة الوراثية، يمكنه تدمير الجينات والتي، لم تصلح، تحدث تشوهًا في الكروموسومات وهو ما قد يقود إلى السرطان. لكن الجسد يستدعي كتائبه الدفاعية، والتي تعرف بمضادات الأكسدة، فتصل إلى الموقع وتقول: “دع الإلكترون!”.
فيرد السوبر أكسيد: “هل تريد قطعة، سيد فيتامين سي؟ تعال وخذ!”.
فيشرع مضاد الأكسدة في الهجوم على السوبر أكسيد وينتزع منه الإلكترون عالي الشحنة، تاركًا إياه بأكسجين ضعيف ذابل.
في الدوائر العلمية، تسمى هذه العملية التي يحصل فيها الأكسجين على الإلكترونات عالية الشحنة ويجن جنونه بها بالأكسدة. ووفقًا للنظرية، فإن التلف الخلوي الناتج هو ما يحدث الهرم في الأساس. إن الهرم والمرض ينظر لهما على اعتبار أنهما أكسدة الجسم. تلك البقع البنية على ظهر يدك ما هي إلا دهون مؤكسدة تحت الجلد, ويعتقد أن الأكسدة هي سبب حدوث التجاعيد كذلك، وسبب فقداننا للذاكرة، وسبب أعطال أجهزتنا الحيوية مع تقدم العمر. ببساطة، نحن نصدأ.
يمكنك إبطاء عملية الأكسدة هذه بتناول أطعمة تحتوي على مضادات الأكسدة. ويمكنك تحديد الطعام الغني بمضادات الأكسدة بتقطيعه إلى شرائح وتعريضه للهواء (الأكسجين). وانظر ماذا ترى. إذا تحول إلى اللون البني، فهو مؤكسد. انظر مثلًا إلى اثنين من أشهر الفواكه على الإطلاق: التفاح والموز. إنهما يتحولان سريعًا إلى البني، والذي يعني أنهما لا يحتويان على مضادات الأكسدة. (معظم مضادات الأكسدة في التفاح توجد في القشرة). قطع ثمرة مانجو فماذا يحدث؟ لن يحدث شيء على الإطلاق؛ لأن فيها الكثير من مضادات الأكسدة. كيف تحافظ على سلطة الفاكهة من التحول إلى اللون البني؟ بإضافة عصير الليمون، والذي يحتوي على فيتامين سي مضاد الأكسدة. إن مضادات الأكسدة تحافظ على طعامك من التأكسد، وسوف تؤدي الدور ذاته في جسدك.
من بين الأمراض التي تساعد مضادات الأكسدة على منعها السكتة الدماغية. لقد قام باحثون سويديون بتتبع أكثر من ثلاثين ألف امرأة عجوز على مدى اثنتي عشرة سنة ووجدوا أن اللواتي أكثرن من تناول مضادات الأكسدة في طعامهن انخفضت لديهن احتمالات الإصابة بالسكتة. وسجلت نتائج مشابهة في مجموعة من النساء والرجال الإيطاليين أصغر سنًّا. وكما هي الحال مع أمراض الرئة، لا يفيد تناول المكملات الغذائية المحتوية على مضادات الأكسدة. إن عظمة الطبيعة لا يمكن حصرها في حبة عقار.
مع أخذ ذلك بالاعتبار، قرر العلماء تحديد الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة، فقد نشر ستة عشر باحثًا حول العالم قاعدة بيانات عن فاعلية مضادات الأكسدة في أكثر من ثلاثة آلاف نوع من الأطعمة، والمشروبات، والأعشاب، والتوابل، والمكملات الغذائية. لقد اختبروا كل شيء من حبوب كاب إن كرانش إلى الأوراق المجففة المسحوقة لشجر الباوباب الإفريقي. اختبروا عشرات الأنواع من البيرة ليروا أيها يحوي أعلى مضادات الأكسدة (وقد جاء مشروب الشعير من إيجنبرج في النمسا في المرتبة الأولى) . ويأتي مشروب الشعير كرابع مصدر لمضادات الأكسدة في أمريكا.
لا داعي لتعليق القائمة ذات ال ١٨٣ صفحة على باب ثلاجتك. لكن اتبع هذه القاعدة البسيطة: في المتوسط، تحوي الأطعمة النباتية من مضادات الأكسدة ما يفوق الأطعمة الحيوانية بمقدار أربع وستين مرة. وكما يقول الباحثون: “أصل مضادات الأكسدة موجودة في مملكة النبات بينما اللحوم والأسماك وغيرها من الأطعمة فقيرة بها”. حتى أقل الأطعمة النباتية صحية على الإطلاق، وهو الخس الأمريكي الملفوف (حيث إن الماء يشكل ٩٧٪ من كتلته)، يحتوي على ١٧ وحدة من مضادات الأكسدة. بعض أنواع التوت تحوي أكثر من ١٠٠٠ وحدة، وهو ما يجعل الخس في موقف مؤسف فعلًا. لكن قارن هذا الخس المسكين ذا الوحدات السبع عشرة بسمك السلمون الطازج، ستجد أنه لا يحتوي على ٣ وحدات فقط. ماذا عن الدجاج؟ أقل من ٥ وحدات. واللبن منزوع الدسم أو بيضة مسلوقة؟ ٤ وحدات فقط، فماذا عن مخفوق البيض؟ صفر من الوحدات. وينتهي الباحثون إلى القول: “إن الأطعمة ذات المكونات الحيوانية تحتوي على نسبة ضئيلة من مضادات الأكسدة، بينما الأطعمة ذات المكون النباتي تكون غنية بمضادات الأكسدة، وذلك نظرًا لوجود آلاف المواد الكيميائية النباتية المضادة للأكسدة النشطة في النباتات والتي تكون أساسًا للعديد من الأطعمة والمشروبات”.
ليس عليك أن تجتهد في انتقاء الأطعمة التي تزيد مدخولك من مضادات الأكسدة؛ فقط عليك أن تضم إلى طعامك مختلف الفواكه والخضراوات والأعشاب والتوابل. وبهذه الطريقة يمكنك إغراق جسدك باستمرار بمضادات الأكسدة التي تحميك من السكتة وغيرها من أمراض تقدم العمر. الواضح أن الأغذية الغنية بمضادات الأكسدة تقي من الإصابة بالسكتة؛ لأنها تمنع دوران الدهون المؤكسدة في مجرى الدم والتي قد تدمر الجدران الحساسة للأوعية الدموية في المخ. يمكن لها كذلك أن تساعد على تقليل تيبس الشرايين، وتمنع تكون الجلطات الدموية، وتقلل ضغط الدم والالتهاب. إن الجذور الكيمائية السائبة تستطيع تمويه البروتينات في أجسادنا؛ بحيث لا يمكن للأجهزة المناعية تمييزها. والتأثير الالتهابي الناجم عن ذلك يمكن منعه بمنح أجسادنا قدرًا كافيًا من مضادات الأكسدة. وفي حين نجد للأغذية النباتية تأثيرات مضادة للالتهاب، فإن البعض منها أفضل من بعضها الآخر، فالفواكه والخضراوات الغنية بمضادات الأكسدة، مثل التوت والخضر، وجد أنها تكبح النمط الالتهابي على نحو أفضل بكثير من غيرها من الفاكهة والخضراوات الأقل بمضادات الأكسدة، مثل الموز والخس.
إن الطعام الذي نختاره يصنع الفارق.
إن الوجبات القائمة على العناصر النباتية غنية بحد ذاتها بمضادات الأكسدة، لكن بعضا من التوابل في حياتك يضيف إلى وجبتك مزيدا من الصحة.