إن جسم الإنسان يتحصن بجهاز حيوي، يشكل في حالة الصحة والسلامة سلاحاً فتاكاً ضد كل جسم غريب يحاول الولوج داخل أحد أعضائه أو الانسياب في سوائله (كالدم مثلاً). هذا الجهاز، المناعي للجسم، يخضع لمراقبة وإدارة شبكة من الأعضاء النوعية التي تنتج، تحفز أو تخزّن مئات الملايين من الخلايا المتخصصة في مجال مقاومة الأجسام الغريبة (مستضد Antigen) والتي تشكل اعتداء بمحاولتها دخول الجسم، فتعمل هذه الخلايا الدفاعية على تحييدها، أو تدميرها نهائياً من خلال إنتاج أجسام مضادة (Antibody).
الوسائط الدفاعية
يقوم هذا الجهاز، المقاوم والواقي لجسم الإنسان، بالتعود بشكل تام على طبيعة الاعتداء ودرجة شراسته ونوعيته (بكتيريا، فيروس…) ويجابه ذلك من خلال وسائط دفاعية تنتمي إلى جهازين مختلفين: الأول جهاز مناعة غير نوعي وهو موروث، والثاني جهاز مناعة نوعي مكتسب.
أما جهاز المناعة الموروث أو المناعة الطبيعية (Innate immune system) فهو يرافق جسم الإنسان منذ الولادة وينضج مع تطور الجسم ونموه، وهو يحتوي على ثلاثة حوائل أو موانع هي:
• أولاً حاجز ميكانيكي يتكون من الجلد وأغشية الأعضاء (الغشاء المخاطي Mucous membrane) كتلك الموجودة في القصبة الهوائية أو الأمعاء مثلاً.
• المانع الثاني كيماوي ويشمل السوائل التي يفرزها جسم الإنسان: الدموع، اللعاب، السائل المخاطي، درجة الحموضة والقلوية في الدم عصارة المعدة، الخمائر (Enzymes)، طبقة الجلد الدهنية والبول.
• المانع الثالث بيولوجي ويتمثل بمجموعة المواد المضادة للإنتان (Anti-infection) وهي تشمل مواد بيولوجية منها (complement، lysozyme).
2 ـ بالنسبة إلى جهاز المناعة المكتسب (adaptive immune system)، تتألف وسائط دفاعه الأساسية من كريات الدم البيضاء (White Blood Cells) وهي من فئة الخلايا اللمفاوية (Lymphocytes).
• لنتعرف أولاً على الشبكة العضوية المتخصصة في الدفاع المناعي، ويأتي في رأس قائمتها السائل اللمفاوي (Lymph) الذي يسري في أوعية لمفاوية (lymph vessels) ومنها تتشكل العقد اللمفاوية (lymph nodes) ممثلة خط الدفاع الأول في مواجهة الاعتداءات الخارجية التي يتعرض لها الجسم، وترافق شرايين الدم في جميع أعضائه، وتحوي على العدد الكافي من الخلايا المتخصصة في نقل المعلومات وإيصالها إلى خلايا أخرى، مشكلة مركز رصد متخصص في الذاكرة الخلوية للأجسام الغريبة، والتي تعمل بدورها على تحفيز ذاكرة خلايا أخرى بوجوب إنتاج مواد بروتينية محددة، لتشكل المصدر الأساسي للدفاع ضد الأجسام الغريبة، وهي ما تسمى بالأجسام المدافعة أو المضادة
• إلى جانب السائل اللمفاوي، يشمل الجهاز المناعي المكتسب الغدد اللمفاوية التي تتواجد في الجسم على شكل أعضاء وفي مقدمها الغدة الصعترية (Thymus) ـ وتسميتها تأتي لشبهها بشتلة الزعتر ـ وهي تتواجد في الجهة الأمامية من العنق ودورها أساسي في تكوين المناعة، خصوصاً لدى الأطفال، ليضمحل حجمها، ويتضاءل دورها مع التقدم في العمر؛ والغدة الثانية هي الطحال (Spleen) ودورها أساسي في إصدار خلايا المناعة، كما تشكل المستقر النهائي لكريات الدم الحمراء (red cells)، عندما نعلم أن هذه الكريات لها عمر محدد تتحلل فيه، لينتج غيرها مباشرة ـ وتسمى غدة الطحال في تعبير طبي بمقبرة الكريات الحمراء ـ وكذا الأمر بالنسبة إلى الصفائح الدموية (platelets)، الخلايا الموجودة بشكل طبيعي في الدم وهي تلعب دوراً أساسياً مضاداً للنزف، لتلجأ إلى الطحال بعد انتهاء دورها. وفي الفم توجد اللوزتان (tonsils) اللتان تشكلان خط الدفاع الأمامي للجهاز التنفسي ضد غزوات الجراثيم عموماً. من ثم تأتي الغدد اللمفاوية الموجودة على شكل صفائح في الأمعاء تدعى بقع بيير (Peyer’s patch) مؤلفةً حاجزاً منيعاً ضد اجتياز الجراثيم إلى الدورة الدموية ومنها على سبيل المثال جرثومة شلل الأطفال.
إذن باختصار يمكن الاستنتاج أن هذه الأعضاء المناعية والسوائل البيولوجية الدفاعية، تشكل الجهاز المناعي النوعي القائم على قاعدتين أساسيتين، عائدتين إلى نوع العمل ووظيفة خلايا الدم البيضاء من فئة (lymphocytes) بحيث تنقسم هذه الخلايا عموماً إلى خلية تائية (T lymphocytes) ودورها ينحصر في المناعة الخلوية، والأخرى خلية بائية (B lymphocytes) ووظيفتها الأساسية في الدم.
إلى جانب هاتين الوسيلتين الأساسيتين للدفاع المناعي، تحصل في جسم الإنسان عمليات أخرى للدفاع ضد الأجسام الغريبة منها:
• عملية البلعمة (Phagocytosis) التي تقوم على مبدأ أن تبتلع خلية دفاعية، خلية أخرى غريبة أو جزءاً منها والتي تشكل خطراً على الجسم؛ وأهم هذه الخلايا الدفاعية خلية تدعى البالعات الكبيرة (Macrophage) وهي من خلايا الدفاع الضخمة في جسم الإنسان.
• إضافة إلى ما ذُكر تعتبر عملية الاحتقان أو الالتهاب (Inflammation)، الحرارة الداخلية المرتفعة في الجسم أو الحمى (Fever) من وسائل الدفاع المناعية.
ما هي أهم هذه الأجسام الغريبة؟
علينا التعرف على هذه المواد أو المخلوقات المجهرية أو المكروبات (Microorganism) التي تشكل خطراً داهماً على الجسم، وتعرضه للإصابة بالأمراض بشكل حاد ومفاجىء أو بطريقة بطيئة، وهو ما يتفق على تسميتها بالأجسام الغريبة (مستضد Antigen) والتي تشمل:
البكتيريا والفيروس على أنواعها التي تعد بالملايين وفصائلها المتعددة على ما يبدو هي في نمو وازدياد مطرد، ومنها ما يخضع لعلميات التغيير (Mutation) في تكوينها الوراثي من فترة إلى أخرى، كما يجري مع فيروس الأنفلونزا وغيرها؛ إلى جانب الطفيليات والفطريات والحشرات والديدان؛ دون أن ننسى المبيدات الكيماوية والمضادات الحيوية والأدوية الأخرى والأجسام التحسسية والإشعاعات وزرع الأعضاء. والهدف الأساسي لدفاع الجسم المناعي يقوم على مواجهة هذه الأجسام الغريبة، من خلال عملية بيولوجية متواصلة، متكاملة وبالغة الدقة، تؤدي إلى إنتاج أجسام مضادة لهذه الأجسام الغريبة، لتكون جاهزة للقضاء عليها وتدميرها، أو تحييدها، فتصبح عديمة الفعالية وغير قابلة للمساس بالجسم وجعله عرضة للإصابة بالأمراض أو العلل أو الأعراض غير الطبيعية.