تشير هذه الشكوى الدائمة إلى الضغوط التي يمارسها الأهل على أولادهم لكي ينجحوا ويتفوّقوا في أحد المجالات- كما وأنها تشير أيضاً إلى تمرّد الأولاد الصغار على أهلهم وعصيان أوامرهم لدى شعورهم بالضغوطات التي يمارسونها عليهم لكي يحققوا لهم توقّعاتهم وأحلامهم. لذا يتعيّن على الأهل هنا أن يدركوا حاجة ولدهم إلى الإثارة من جهة والراحة من جهة أخرى، فيتمكنوا بالتالي من ألا يثقلوا كاهله بالكثير من النشاطات والمسؤوليات. ونحن ننصح الأهل في هذا الصدد أن يشجّعوا ولدهم على التمرين، إنما من دون أن يطلبوا منه أن يتعلّم أموراً تفوق مستواه الفكري والجسدي.
بعض النصائح المفيدة
● يتعيّن على الأهل أن يضعوا لولدهم وقتاً دوريّاً خاصّاً بالتمرين، فيصبح هذا الأخير أمراً عادياً بالنسبة له.
● ينبغي على الأهل التحقق من أنّ لولدهم ما يكفي من أوقات الفراغ، لكي يختار بنفسه النشاطات التي يحب مزاولتها.
حديث الأهل لأنفسهم
ينبغي على الأهل ألا يقولوا لأنفسهم:
“لا يريد ولدي أبداً أن يتمرّن. إنه ولد كسول حقاً”.
ينبغي على الأهل ألاّ يعظّموا عدم رغبة ولدهم في التمرّن، إذ إنهم وبنسبه إلى الكسل قد يسمونه بالكسول عوض أن يسموا سلوكه بذلك. فقد يكون الولد أحياناً متعباً أو قد لا يكون مهتمّاً لدرسه أو قد لا يكون متحمَّساً عليه، ولكنه في جميع الحالات ليس كسولاً.
إنما يفترض بهم أن يقولوا لأنفسهم عوضاً عن ذلك:
“أنا أعلم أنه يمكن للتمرين أن يكون مملاًّ أحياناً”.
ينبغي على الأهل أن يتعاطفوا مع ولدهم ليتمكنوا من تفهّم مشاعره. وهنا يمكنهم أن يفكّروا بالمهمات الملقاة على عاتقهم والتي لا يحبون القيام بها فقط لكي يقدّروا الصعوبة التي واجهوها في تغلّبه على مللهم.
ينبغي على الأهل ألا يقولوا لأنفسهم:
“أنا قلقة جداً لأنه إن لم يتمرّن فلن يبلي في الحفلة الموسيقيّة بلاءً حسناً”.
إن الأهل وبخوفهم من فشل ولدهم المحتمَل لن يساعدوه على اكتساب عادات تمرينيّة حميدة، إذ إن تفكيرهم بالأسوأ لن يؤدي إلا لزيادة قلقهم وتوتّرهم، عوض أن يساعدهم على التركيز على المهمّة الموكَلة إليهم.
إنما يفترض بهم أن يقولوا لأنفسهم عوضاً عن ذلك:
“ليست نهايّة العالم إن لم يكن ولدي راغباً في التمرين اليوم”.
إن الأهل وبإدراكهم أن رفض ولدهم ليس سوى مجرّد رفض مؤقّت قد يبتعدون عن إعتقادهم بضرورة وجود طريقة لحثّ الولد على التمرّن.
ينبغي على الأهل ألا يقولوا لأنفسهم:
“إن تعليمه ليس من مسؤوليتي، إنما من مسؤوليّة أستاذه”.
تتطلّب تربيّة الأولاد تعاون الأهل والأساتذة مع بعضهم البعض، إذ إن الأهل وبتنازلهم عن مسؤولياتهم حيال أولادهم قد يسيئون إليهم ويتسببون لهم بالأذى. في الواقع، إن الأهل هم بمثابة الأستاذ الأولّ والأهمّ بالنسبة إلى أولادهم.
إنما يفترض بهم أن يقولوا لأنفسهم عوضاً عن ذلك:
“من واجبي أن أساعد ولدي لكي يكتسب عادات جيّدة في ما يختص بتمرينه”.
ينبغي على الأهل أن يشجّعوا ولدهم ويحثّوه عل التمرين لا لكي يحسّن مهاراته فحسب، إنما لكي يعزز وينمّي فيه أيضاً روح الإنضباط والمثابرة – وهاتان في الواقع مهارتان سيحتاجهما كثيراً في حياته المستقبليّة.
ينبغي على الأهل ألا يقولوا لأنفسهم:
“لقد سئمت الشجار معه حول أهمية التمرين. ربّما يتعين عليه أن يفشل مرّةً لكي يدرك قيمة التمرين”.
إن الأهل وبلجوئهم إلى الفشل في محاولتهم حثّ ولدهم على التمرين لن يعلّموه كيفيّة المثابرة والمواظبة على أهدافه حتى تحقيقها.
إنما يفترض بهم أن يقولوا لأنفسهم عوضاً عن ذلك:
“لن أستسلم أمام مقاومته هذه”.
إن الأهل وبمساعدة ولدهم على المثابرة والثبات على أهدافه لن يساعدوه على تنميّة المهارات الضروريّة بالنسبة له فحسب، إنما سيعلمونه أيضاً كيفيّة الصمود بوجه تحديات الحياة ومصاعبها.
حديث الأهل إلى أولادهم
ينبغي على الأهل ألا يُخيفوا ولدهم بقولهم:
“لن تتمكّن أبداً من الدخول بقوّة إلى الروضة إن لم تتمرّن جيّداً على رسائلك”.
ينبغي على الأهل ألا يلجأوا إلى نجاح ولدهم أو فشله ليحدّدوا قيمتهم الذاتيّة كأهل، إذ إنهم وبلجوئهم إلى الترهيب بهدف حثّ ولدهم على التعاون قد تصبح سعادتهم وقفاً على أداء ولدهم. وصحيح أن ولدهم قد يتعاون معهم في حال لجأوا معه إلى أسلوب الترهيب هذا، غير أن تعاونه معهم هذا لن يكون سوى تفادياً منه أن يخيّب ظنّهم به.
إنما يفترض بهم أن يثنوا عليه ويمدحوه بقولهم:
“أنت تبلي بلاءً حسناً في تمرينك اليوم. أليس من الجيّد أن تعمل بجهد وتنجز شيئاً مهماً في الحياة؟”
إن الأهل وبثنائهم على جهود ولدهم قد يساعدونه على اكتساب عادة قد يحتاج إليها طيلة حياته، ألا وهي أن يعمل بكدّ وعناء لكي يتمكّن من تحقيق أهدافه. وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة ثناء الأهل على جهود ولدهم، لا على نتيجة تلك الجهود.
ينبغي على الأهل ألا يجعلوا ولدهم يشعر بالذنب بقولهم:
“ظننت أنك تحب العزف على البيانو. لماذا لا تريد أن تتمرّن؟”
إن الأهل وبسؤال ولدهم عن سبب عدم رغبته في القيام بشيء ما قد يحشرونه بذلك في الزاويّة وقد يدفعونه على اتّخاذ موقف دفاعيّ وهو يحاول شرح سلوكه هذا.
إنما يفترض بهم أن يقدموا له الدعم الذي يحتاجه بقولهم:
“فلنتمرّن معاً على عزف السلّم الموسيقي. أنا سأجلس هنا بالقرب منك لأستمع إليك وأنت تعزف”.
قد يكون حضور الأهل بجانب ولدهم بمثابة الحافز والدعم الذي يحتاجه هذا الأخير، إذ إنه سيدرك بذلك أن أهله يقدّرون دروسه الموسيقيّة هذه بحيث أنهم قد يتركون كل شيء ويخصّصون كل وقتهم للجلوس بجانبه والإستماع إليه وهو يتمرّن.
ينبغي على الأهل ألا يقارنوا ولدهم بسواه من الأولاد بقولهم:
لطالما كان أخوك يتمرّن من دون أيّ تذمّر أو تأفف”.
إن مقارنة الولد بأخيه من شأنها أن تزيد من حدّة التنافس بين الأخوة. لذا فإنه من واجب الأهل هنا أن يساعدوا ولدهم على بلوغ ذروة قدراته وإمكانيّاته، بصرف النظر عن إنجازات أخوته أو أخواته.
إنما يفترض بهم أن يذكّروه بالنظام بقولهم:
“تقول الساعة إن الوقت قد حان للتمرين. وعندما يرن المنبّه يكون وقت التمرين قد انتهى”.
إن الأهل وبجعلهم الساعة هي المسؤولة عن تطبيق النظام قد يتخلّصون من دورهم كناظرين أو فارضي النظام كما وقد يسمحون بذلك لولدهم أن يتدبّر أموره بنفسه. وبالإضافة إلى هذا كله، فإن هذا الأسلوب يحول دون مقارنة الولد بسواه.
تأليف: جيري وايكوف و باربرا أونيل