التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

لماذا نلجأ للطعام لتحسين الحالة المزاجية

يتعلم العديد من الناس آليات غير فعالة للغاية لإراحة أنفسهم فى عمر مبكر، وتقوم هذه الطرق أساسا على العثور على مخرج للهروب وتجنب ما كان يضايقك. ومن ثم، يصبح الهدف هو تشتيت نفسك والتركيز على شىء يشعرك بالراحة أو التسلية. وبشكل نموذجى، تصبح إراحة النفس هى اللجوء للطعام أو مشاهدة التليفزيون أو لعب الورق أو شرب العصائر أو الانغماس فى العمل أو الجلوس أمام الإنترنت أو التنزه مع أصدقاء السوء. وعلى المدى القصير، يمكن أن تتسبب هذه الأنشطة فى تخفيف التوتر. وعلى الرغم من ذلك، فهى حلول مؤقتة تصبح مشكلة على المدى الطويل، ويمكن أن تؤدى إلى الإدمان.

فالأكل بدافع التوتر الذى ربما يساعدك فى البداية على معالجة الشعور بالإرهاق، يمكن أن يؤدى تدريجيا إلى إصابتك بمرض الشراهة، ومن ثم يصبح مصدرا للكآبة أكثر منه للراحة، التى تحررك من الكآبة. بعض الناس لا يتحملون ولو قدرًا قليلًا من الكآبة، ففى اللحظة التى يشعرون فيها بعدم الراحة، يبدأون فى البحث عن أى شىء للتخلص من هذا الشعور. بسرعة! على الرغم من أن الذى يحتاجون إليه بالفعل هو طريقة قوية للتخلص من هذه الأحاسيس بعدم الراحة.

فى كل يوم، يكتشف الناس العديد من الآليات المختلفة للترويح عن أنفسهم، والبعض من هذه الطرق يكون جيدا والبعض الآخر لا. فأنشطة مثل التدريب أو النوم قليلا أو الاتصال بصديق تمثل سلوكيات جيدة للاسترخاء بعد يوم مليء بالتوتر. ولكن بعض الطرق الأخرى لا تمثل أنشطة جيدة بالنسبة لك، وربما تدمر صحتك وعلاقاتك. ففى الحقيقة، إن بعض سلوكيات الترويح عن النفس يمكن أن تسبب الضرر على المدى الطويل، مثل اللعب على الكمبيوتر لساعات طويلة أو الانغماس فى شرب الكحوليات. سأوضح لك بعضا من الآليات العديدة التى يستخدمها الناس للترويح عن أنفسهم من خلال الطعام.

الأسباب التى تجعلك تلجأ للطعام لتحسين الحالة المزاجية

ستوضح لك هذه القائمة بعض الأسباب التى ربما تجعلك تلجأ للطعام لتحسين حالتك المزاجية. هذه ليست قائمة من الأشياء المرهقة، ولكنها مجرد بضعة أمثلة شائعة لسلوكيات ينهمك فيها الناس عند استخدامهم الطعام للتخلص من التوتر:

● يضعك تناول الطعام فى حالة تشبه النشوة أو يشعرك باللامبالاة.

● المضغ والتهام شىء ما، يمنحك شعورًا جيدًا.

● تناول الطعام (حيث لا تكون جائعا، ولكنك فقط لا تستطيع منع نفسك) يشعرك باللامبالاة.

● الرغبة فى تناول الطعام تبدأ من الشعور بأى إحساس، سواء سلبى أو إيجابى.

● البحث عن شىء لتتناوله، ولكنك لا تستطيع إيجاد شىء يرضيك.

● الاستمرار فى تناول الطعام، لأنك لا تستطيع تحديد أو إيجاد الشىء الذى تريد تناوله.

● الاستمرار فى تناول الطعام، حتى عندما يبدو أنك لن تكتفى أبدا.

● الشعور بإحساس عظيم من الراحة أثناء تناول الطعام.

● الشعور بالحاجة الشديدة لوجود شىء حلو المذاق داخل فمك.

● المعاناة من شعور قوى مثل الجوع ( فهذا يجعل من الصعب معرفة ما تشعر به بالفعل).

● تناول الطعام كوسيلة للاسترخاء.

● تناول الطعام مباشرة بعد التعرض لموقف مجهد أو عندما تكون متوترا.

● التحجج بقول: “أنا آكل قطعة الحلوى هذه لأننى مجهد للغاية”.

● تناول الطعام الذى لا تحبه لمجرد أنه موجود، وأنت تحتاج للراحة.

● تناول الطعام للتخلص من الملل.

● الشعور معنويا معظم الوقت بأنك منهك، على الرغم من أنك أكلت بشكل جيد ماديا.

● البحث عن نوع معين من الأطعمة مثل الشيكولاتة، لأنها تبدو قادرة على تغيير حالتك المزاجية.

● إعداد أو شراء المأكولات، حتى تتناولها عندما تكون فى “حاجة” إليها.

● النزوع إلى الإفراط فى تناول الطعام أثناء المناسبات المهمة أو المجهدة مثل، اللقاءات العائلية أو اجتماعات العمل.

● يؤدى تناول الطعام إلى الشعور بالذنب عندما تتناوله بغرض الترويح عن النفس، لا للتخلص من الجوع.

الأسباب التى تجعل تناول الطعام مصدرا للراحة

فى ظل غياب المهارات الشخصية للترويح عن النفس، يصبح تناول الطعام بديلا مناسبا. يقوم الطعام بدور المصدر البديل للراحة للعديد من الأسباب، فلا يمكن أن نتجاهل حقيقة أن الناس لم يكونوا ليستخدموه إذا لم يكن يجعلهم يشعرون بتحسن. إليك بعض الأسباب النفسية والفسيولوجية التى تفسر لماذا يمنح تناول الطعام شعورا بالتحسن.

● التغيرات البيوكيميائية داخل جسدك. بعض الأطعمة تزيد الخلايا العصبية الموجودة فى المخ أو تستحث تغيرات بيوكيميائية أخرى تسبب الراحة. فى كثير من الأحيان، هذا ما يجعل الناس يلجئون للشيكولاتة، لأنها تزيد مستوى مادة السيروتنين العصبية وبعض المواد الكيميائية الأخرى، التى تحسن من الحالة المزاجية. على سبيل المثال، ربما تشعر بأنك مثار أو يقظ لأن الشيكولاتة زادت مستوى السكر فى الدم؛ كما أن بها آثار الكافيين؛ لذا يمكن للطعام أن يحدث بعض التفاعلات الفسيولوجية والبيوكيميائية داخل جسمك، والتى من شأنها أن تسبب السعادة النفسية.

● الانفعالات المشروطة. ترتبط بعض الأطعمة عقليا بالانفعالات. فكر لدقيقة ما الذى ستشعر به عندما تنطق كلمة “شيكولاتة”؟! متعة؟ أم سعادة؟ أم شعور بالذنب؟ ربما تكون فكرت فى هذه الانفعالات، لأنك تعتقد أنه من المفترض أن تشعر بها. هذا لأنك رأيت أو سمعت الكلمة مقترنة بتلك الانفعالات فى الإعلانات أو فى المعاملات اليومية.

● الاحتفال. ارتبطت فكرة تقديم الطعام بالاحتفال والإجازات. عندما نحتفل، تنتابنا مشاعر جيدة.

● السلوك الفطري. لسنا المخلوقات الوحيدة التى تأكل من أجل الحصول على الراحة، بعض الحيوانات تلجأ للطعام أيضا لتخفيف مستوى التوتر. على سبيل المثال، عندما يتم حقن الفئران بهرمون التوتر، تستهلك الكثير من السكر. وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أننا، مثل الفئران، نلجأ إلى الطعام المريح ليساعدنا على إعادة توازن هرمون التوتر.

● الأطعمة المريحة. تمنحنا أطعمة معينة الشعور بالراحة أكثر من غيرها، خاصة الأطعمة التى يوجد بها نسبة دهون وسكريات عالية. الأطعمة المريحة هى أطعمة صالحة للأكل مثل البطاطس المهروسة والمكرونة بالجبن وشرائح البطاطس المقلية وشاورما الفراخ؛ أى طعام ذو مذاق جيد ويلقى قبولا لديك. وغالبا، ترتبط الأطعمة المريحة بفترة الطفولة، فهى تذكرك بالطعام الذى كانت تعده أمك أو الأكل الذى كان يقدم فى حفلات عيد الميلاد عندما كنت طفلا. وغالبا ما تكون الأطعمة المريحة غنية بالكربوهيدرات، الذى يمنحك الشعور بالشبع. وعندما تشعر بالشبع، تشعر بالراحة.

● إبعاد تركيزك عن المشاعر السلبية. يبدو وكأن الطعام يزيل المشاعر السلبية، لأنه يلهيك ويبعد تركيزك عما يضايقك. عندما تنشغل فى القيام بشىء آخر، مثل تناول الطعام، فأنت تبتعد بشكل ما عن المشاعر السيئة، بالإضافة إلى أنه يمكن أن تشعر بالضيق من عادة تناول الطعام، أكثر من الموضوع الذى يضايقك بالفعل.

● كسر الملل. إذا كنت تريد دائما أن تصبح مشغولا، أو إذا كنت تعانى من الملل، فربما تجد أن تناول الطعام نشاط تروح به عن نفسك. فالعثور على الطعام والتفكير فيما تريد أن تأكله، ثم إعداده وتنظيف الأدوات التى استخدمتها، كل ذلك يتطلب الكثير من الطاقة. تمنح هذه الأفعال الشعور بأنه يوجد هدف، وتملأ الوقت بشكل مثمر.

● التهيئة. غالبا ما يعزز الوالدان، بدون قصد، فى سن مبكرة، مفهوم اقتران الترويح عن النفس بتناول الطعام، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، استخدام زجاجة لتهدئة طفلا يبكى. يجد الآباء أن استخدام الزجاجة أسهل بكثير من هدهدة الطفل أو الغناء له، لأن الزجاجة (أو صدر الأم) تعمل بكفاءة أكبر. عندما يكبر هذا الطفل قليلا، تعطيه أمه قطعة حلوى صغيرة لإلهائه عن الألم فى ركبته من أثر الحبو. ومرة أخرى أؤكد أن الطعام يرتبط بجعل الطفل يشعر بالراحة. إذا كنت تلجأ لكعكة الشيكولاتة لتحسين حالتك المزاجية، فعلى الأرجح أن شخصا ما استخدم الطعام لتهدئتك فى الماضى.

● الحمية الغذائية. إن من يتبعون الحمية الغذائية معرضون بشكل خاص لتناول الطعام بدافع الانفعال. تناول الطعام بدافع الانفعال يمنح مكافأة ممتعة فى الحال، دون الحاجة للعمل من أجل الوصول للهدف البعيد لتصبح فى هيئة جسمانية وصحة أفضل. يتطلب كبح جماح رغبة المرء فى تناول الطعام كثيرا من الطاقة. إذا كنت تشعر بالتوتر، فربما عليك أن تعثر على طرق لتقليل الرغبة فى تناول الطعام، مما يمكن أن يؤدى للتخلص من برنامجك للحمية الغذائية.

● الاستثارة. ربما يمنح تناول الطعام شعورا جيدا، لأنه يستثيرك. تجعلك الحالات منخفضة الإثارة، مثل الملل، أكثر احتياجا لتناول الطعام. على الرغم من ذلك، يمثل الحزن والضغط الشديد سببا لتقليل الرغبة فى تناول الطعام، بالنسبة لبعض الناس، وربما يؤدى أيضا إلى فقدان الوزن.

● العادة. إذا فعلت شيئًا ما بشكل متكرر، فسيصبح عادة. الأنشطة المألوفة لك، حتى وإن كانت غير صحية، يمكن أن تشعرك بالراحة. على سبيل المثال، عندما تذهب لقضاء عطلة ثم تعود للمنزل، سيكون من المريح أن تعود لحياتك العادية، على الرغم من حقيقة أنك تفضل البقاء على الشاطئ.

● الاحتذاء بنموذج. من المرجح أنك تتعلم طرق التعامل ممن يقومون برعايتك أثناء سنوات عمرك الأولى، أو بملاحظة الآخرين من حولك. يميل الأشخاص لاتباع سلوك من يقومون برعايتهم فى تناول الطعام. ربما تكون قد لاحظت أمك المتوترة وهى غارقة فى أكياس الشيبسى كلما عادت من عند عمتها المنتقدة، أو ربما كان يقترح عليك صديقك تناول المثلجات كلما أصابك الإحباط. ربما اكتسبت عادة تناول الطعام لتهدئة نفسك من مشاهدة التليفزيون، فالعديد من الإعلانات التليفزيونية تستخدم القيمة العلاجية للطعام كحيلة لدفعك لشراء منتجاتها.

لماذا يعد تأثير الشعور بالراحة مؤقتا وغير ناجح؟

إنه أمر صعب، حتى أنه فى بعض الأحيان يصبح مستحيلا، أن تتناول مجرد كمية مناسبة من الطعام لتشعر بالراحة، فالطعام يمنح السعادة حتى مرحلة معينة فقط. عندما تظل تأكل حتى تمتلئ، تتحول الراحة إلى تعب. فى بعض الأحيان، يوجد معوق زمنى بين السعادة التى تشعر بها من جراء تناول الطعام والتفاعلات الفسيولوجية التى تحدث داخل جسمك بعد تناول وهضم الطعام، ولا داعى لذكر أن السعادة التى يسببها الطعام تتلاشى بشكل سريع. ربما يلهيك الطعام بشكل مؤقت عما يقلقك، ولكن تلك المشاعر الكامنة ستعود مرة أخرى. لهذه الأسباب كلها، تعد صفات الترويح الناتج عن الطعام زائلة.

كما ترى، يوجد العديد من الأسباب التى تجعل من تناول الطعام مصدرا للراحة. إذا كانت بعض هذه الأسباب مألوفة لك، فلا ضرر من هذا.

توجد مشاكل مادية وعاطفية فى حياة كل شخص. لكن إذا تعلمت مهارات الترويح عن النفس، فأنت تهيئ نفسك للتعامل مع تلك المشاكل على الوجه الأمثل. الحياة مليئة بالضغوط والمسئوليات، ومعظم الناس يحتاجون وسيلة للتهدئة بشكل يومى، وهذا هو سبب استخدام الطعام للترويح عن النفس بشكل مفرط. يوجد العديد من أنواع الطعام فى متناول يدك، سواء أكان من بائع متجول أو مطعم للأطعمة السريعة، فالطعام شرعى ورخيص ومن السهل الحصول عليه. تتفاوت المشاكل المرتبطة بالإفراط فى تناول الطعام من مجرد الضيق إلى تهديد الحياة.

● يتسبب الإفراط فى تناول الطعام فى الإحساس بالغضب والإحباط. يقضى عملائى ساعات طويلة فى التناقش حول الخزى والذنب اللذين يشعرون بهما من جراء تكرر نفس الدورة مرات عديدة. يمكن أن يصبح الشعور بالندم والذنب عائقا فى طريق الحصول على حياة ممتعة.

● يمكن أن يسبب لك الشعور بالامتلاء الناتج عن الإفراط فى تناول الطعام، الخمول والضيق والوزن الزائد.

● يتبع الشعور المؤقت بالسعادة التى يسببها الإفراط فى تناول الطعام، شعور كبير بالذنب، ويمكن أن يؤثر الشعور الأصلى الذى دفعك لتناول الطعام فى المقام الأول بالسلب على حالتك المزاجية، ويصبح مدمرًا لاحترامك لذاتك.

● ربما يؤدى الإفراط فى تناول الطعام لزيادة الوزن، الأمر الذى ربما يؤدى بدوره للعديد من المشاكل الصحية والمعنوية.

● عندما يصبح الأشخاص غير قادرين على تهدئة أنفسهم، فى المواقف الصعبة، فإنهم يشعرون بحالة تامة من التشوش والفوضى الداخلية. فيمثل كل شىء أزمة، وسيشعر الأهل والأصدقاء بأن عليهم أن يحتاطوا جدا، لأن حالتك المزاجية غير مستقرة، ولا يمكن التنبؤ بأفعالك. وستمثل تهديدا لكل من تهتم بهم، دون أن تعرف، وربما تفرغ إحباطك على أقرب الأشخاص لك، أو أن تلقى باللوم عليه بسبب عدم راحتك.

● افتقاد القدرة على الترويح عن النفس بطرق صحية، يعتبر عرضا لمرض يسمى اضطرابا متذبذبا فى الشخصية. يسبب الأشخاص المصابون بهذا المرض أضرارًا لأنفسهم مثل، الإدمان الشديد للكحوليات وإصابة أجسادهم بالأذى، أو ربما يدمرون علاقاتهم بسبب الغضب، أو ربما تكون أفكارهم غريبة، الأمر الذى يؤدى بهم لإبعاد الآخرين عنهم، أو أن يصبحوا عالة على من حولهم. من المفارقات، بالنسبة لبعض الناس، أن الضرر بالنفس قد يسبب الراحة؛ فهو يلهى عن المشكلة الأصلية ويضع الألم تحت سيطرة الشخص. فتصبح هذه هى طريقة الشخص فى الترويح عن نفسه، حتى وإن كانت تسبب الضرر.

● ارتبطت العديد من الأمراض الإكلينيكية بمشاكل فى الترويح عن النفس. توضح سلوكيات الإدمان (مخدرات أو كحوليات أو قمار) واضطرابات الوسواس القهرى والسمنة وفقدان الشهية والشراهة واضطرابات الشخصية، بعض الأمثلة القليلة على هذا.