أتلقى عدداً مفاجئاً من الأسئلة التي يطرحها الأهل على الإنترنت أو عبر الوسائل الأخرى حول فئات الدم ووظيفتها. تُطرح بعض هذه الأسئلة من باب الفضول حول جوانب حساسة من الأبوة، جوانبهم الخاصة و/أو جوانب أطفالهم الحساسة. ولكن القسم الأكبر من الأسئلة تأتي من قلقهم حول كيفية تأثير إمتزاج فئات الدم على صحة الطفل.
أحجية فئات الدم
هل من المعقول أن يولد طفل فئة دمه B- من أم تحمل فئة الدم AB+ وأب يحمل فئة الدم O+؟
أحاول تعلّم المزيد عن فئات الدم. قيل لي ذات مرة أن بعض فئات الدم قد تولد مشاكل… إنْ كانت فئة دمي A+ وفئة دم زوجي O-، هل يمثل ذلك مشاكل توجب أخذها بعين الإعتبار؟
بدأت قصة فئات الدم مع رجل يبلغ من العمر 32 سنة، إسمه كارل لاندستاير. عام 1900، لاحظ هذا الأخير أن عملية مزج الدم من مصادر مختلفة تنتج أحياناً ردود فعل غير متوقعة من إندفاع خلايا الدم الحمراء إلى التكتل النادر. لم يكن لدم البشر ردود الفعل هذه عند مزجه بدم الحيوان وحسب بل حصل ذلك أيضاً مع دم مأخوذ من أشخاص أصحاء آخرين. بعد ذلك، سرعان ما كُشف النقاب عن فئات الدم ABO من هذه التجارب.
تختلف وراثة فئات الدم ABO عن وراثة لون العينين السائد/المتنحي dominant/recessive لأن جينات كلا الوالدين تتشكل في دم أطفالهما. تطلق خلايا الدم الحمراء لدى الطفل كل المستضدات (الجزيئات المميزة مناعياً) الموروثة على الجينات من كلا الوالدين. إنها علاقة سيادة مشتركة.
كانت فئتا الدم A وB مجرد إسمين جنيسين أُطلقا على أول مستضدين تم إكتشافهما. تمثل الفئة O الدم الذي لا ينتج أي من المستضدين. يحمل كل شخص جينة A، B أو O من كل والد. إنّ شخصاً يملك الفئة الوراثيّة AA أو AO سيحمل مستضدات A على سطح خلايا الدم وبالتالي تكون فئة دمه A. أما الشخص الذي يحمل الفئة الوراثية BB أو BO، تكون فئة دمه B. إنْ حمل الطفل المستضد A من أحد والديه والمستضد B من الآخر، لن يسود أي منهما ولكن ستكون فئة دم الطفل AB. فقط هؤلاء الذين يحملون الفئة الوراثية OO تكون فئة دمهم O. هذا يعني أن الطفل إنْ حمل فئة الدم O، قد يكون والداه من فئة الدم A، B أو O (ولكن ليس AB). على العكس، إذا حمل كلا الوالدين فئة الدم O، يحمل كل أطفالهما فئة الدم نفسها.
إليك لائحة بالحالات المحتملة والمستحيلة:
فئتا دم الوالدين | فئات دم الأطفال المحتملة | فئات دم الأطفال المستحيلة |
A-A | O-A | AB-B |
A-B | O-AB-B-A | لا شيء |
A-AB | AB-B-A | O |
O-A | O-A | AB-B |
B-B | O-B | AB-A |
AB-B | AB-B-A | O |
O-B | O-B | AB-A |
AB-AB | AB-B-A | O |
O-AB | B-A | O-AB |
O-O | O | AB-B-A |
ليست فئات الدم مختلفة وحسب ولكن بعض فئات الدم لا تمتزج مع بعضها البعض. في بعض الفئات، تعتبر خلايا الدم البيضاء الفئات الأخرى أعداء لها فتهاجمها وتدمر فئة الدم (الحليفة). هذا الأمر مهم خاصة عند تبادل الكثير من الدم كما هي الحال في عمليات نقل الدم.
إنْ كانت فئة دم الأم O وفئة دم الطفل مختلفة، قد يعتبر دم الأم دم الطفل جسماً غريباً فيشن عليه هجوماً. ليست بمشكلة خطيرة. إنْ علم هؤلاء الذين يساهمون في عملية الولادة بالحالة وأخذوا الحيطة والحذر، يمكنهم بسهولة معالجة اليرقان الذي قد ينتج.
عملية مزج الدم
يمكن أن تكون مشكلة المزج أكثر أهمية بين فئات الدم الإيجابية والسلبية وهو تصنيف نسميه النظام الريسوسي. إكتُشفت هذه الجينات في بادىء الأمر في قرد الريزوس، من هنا أتت صفة “الريسوسي”. إنّ عدم قابلية فئة الدم الريسوسية على الإمتزاج هي من إحدى القصص الناجحة العظيمة في الطب الحديث.
إنّ النظام الريسوسي أكثر تعقيداً بكثير من نظام ABO ففي النظام الريسوسي هناك 35 إحتمالاً مختلفاً يمكن أن يرثه الطفل من كل والد. تُصنف هذه الإحتمالات في فئات موجبة وسلبية. يحمل الشخص فئة الدم الريسوسية السلبية إنْ لم يكن المستضد الريسوسي على سطح خلاياه الدموية. في هذا النظام، تسود الفئات الموجبة على تلك السلبية. بالتالي، إذا كانت الفئة الوراثية ++ أو – +، تكون فئة الدم ريسوسية موجبة. فقط في حال كانت الفئة الوراثية –، تكون فئة الدم ريسوسية سلبية.
هذا يعني أنه في حال حمل كلا الوالدين فئة الدم الريسوسية الموجبة مع الجينات – +، قد ينجبان أطفالاً يحملون الجينات ++، + -، أو –. بعبارة أخرى، قد يكون أطفالهما من حاملي فئة الدم الريسوسية الموجبة أو السلبية. يمكن أن يكون والدا الاطفال من ذوي فئة الدم الريسوسية السلبية من حاملي فئة الدم الريسوسية الموجبة أو السلبية.
إنْ دخلت خلايا دم الطفل الريسوسية الموجبة إلى مجرى دم الأم الريسوسي السلبي، سيظن جسمها بأنه غزو عدواني. سيبدأ جسم الأم غير المستعد بفرز أجسام مضادة للبروتين الريسوسي الغريب. ولكن في المرة التالية التي يحصل فيها تبادل دم، يقوم جسمها بالبحث عن خلايا الدم الريسوسية الموجبة وتدميرها. يمكن أن تحدث هذه الحرب الشاملة داخل جسم الأم.
غالباً ما تغيب هذه الحرب عن الملاحظة خلال فترة الحمْل ولكن يمكن أن ينتج عنها حالة تصيب الطفل وتدعى الموه الجنيني. تؤدي عدم قابلية إمتزاج فئات الدم الريسوسية إلى مجموعة متنوعة من النتائج. أحياناً، تكون نتيجة هذه الحرب الإصابة بفقر الدم أو اليرقان الخفيف. وأحياناً أخرى، تكون النتائج مفجعة. نادراً ما
يولّد الحمل الأول مشكلةً لأن الدم لا يتم تبادله في أغلب الأحيان حتى موعد الولادة. ولكن ترتفع نسبة الإصابة بالموه مع كل حمْل لاحق.
عام 1963، وقع حدث غيّر مجرى القصة. أصبح يورغ شنايدر الذي كان يعمل في مستشفى جامعة فرايبرغ في ألمانيا وقتئذٍ، أول محقق يعطي الحوامل من فئة الدم الريسوسية الموجبة حقنة من الأجسام المضادة الريسوسية لتجنيب جهازهن المناعي من الإستجابة إلى الخلايا الريسوسية الموجبة.
سُجّل تاريخ هذا الإنجاز في 9 آب/أغسطس 1963. بعد مرور عام، أبلغ شنايدر عن تسع حالات لنساء يحملن الفئة الريسوسية السلبية وبعد ولادة أطفال من الفئة الريسوسية الموجبة لم يفرزن أجساماً مضادة ريسوسية خلال عمليات الحمل الريسوسية الموجبة اللاحقة. منذ ذلك الوقت، تم تطبيق برامج الوقاية في العديد من بلدان العالم وإنخفضت نسبة الإصابة بالموه. من خلال إعطاء الغلوبولين المضاد anti-D (الإسم التجاري هو RhoGAM) إلى الأمهات الحاملات الفئة الريسوسية السلبية خلال وبُعيد كل حمل (بما في ذلك الإجهاض)، لن تنتج 99% من تلك النساء أجساماً مضادة ريسوسية. عندما وُلدتُ، كان الموه الجنيني يشكل حالة لا أمل منها. اليوم، تعتبر وقاية الأمهات الحاملات للفئة الريسوسية السلبية من الحساسية ناجحة جداً في الوقاية من الموه حيثما يتم إتباع الإرشادات. كل هذا يحصل بفضل حقنتين بسيطتين ولكن فعالتين!
آثار لا تختفي
اليوم، هناك أكثر من 600 فئة دم مجهولة. يمتاز الدم بفرادته بقدر طبعة القدم. ولكن يعتبر تمازج فئات الدم بمثابة تزويد طفلك بتاريخ تقريباً مثل الطبقات الجيولوجية في أحفور. ومجموعة ABO هي خير دليل على ذلك. على مرّ التاريخ، كانت فئات الدم أكثر شيوعاً بين مختلف الشعوب. فقد كانت فئة O محصورة تقريباً بسكان أميركا الوسطى والجنوبية الأصليين. كما أن هذه الفئة شاعت في أوروبا الشمالية والغربية. كانت الفئة A شائعة بشكل خاص في صفوف سكان أستراليا الأصليين حيث إنعدم حضور الفئة B. كذلك، شاعت الفئة A في أوروبا الغربية. أما الفئة B فكانت أكثر شيوعاً في آسيا الوسطى وشمالي الهند. اليوم، يمكن إيجاد أي فئة من فئات الدم هذه في أي مكان من العالم.
بسبب الخريطة العالية الإستبانة التي أمّنها مشروع الجينوم البشري عام 2003، ترسم فئة دم طفلك المفصلة والمتقارنة مع حمضه النووي ذيلاً يعود أثره إلى والديك ووالديهما وأجيال من الأسلاف حتى فجر التاريخ. وفي نهاية الذيل يأتي طفلك الجديد وهو مزيج منقطع النظير من كليكما.