قبل أن يمكنك التعامل مع الضغوط وتأثيرها عليك، يجب أن تحصل على معرفة عملية حول ماهية الضغوط. وهذا يعني فهم تعريفات الضغط النفسي، وكيفية تطبيقها على موقفك. وبمجرد أن تصبح لديك صورة واضحة عنها في العديد من الحالات الطبية، ستصبح أفضل استعدادًا للتعامل مع تحديات الضغوط.
التحدي
يعتقد العديد من الناس أنهم يدركون مفهوم الضغط؛ فهو مصطلح يستخدم حولهم باستمرار في الاستخدامات الشائعة والتشخيصات الطبية. ولكن، ما الضغط النفسي؟ ما الذي يؤدي إلى تعريفه وتصنيفه كاضطراب عقلي وطبي؟ كيف يمكنك إدراك ماهية ما تتعامل معه بشكل أفضل؟ تعتمد إجابة هذه الأسئلة على معرفة تعريف الأنماط المختلفة للضغط ومظاهره. ويمكنك العثور على هذه المعلومات أو الحصول عليها من طبيبك، ولكن يجب أن تكن مستعدًّا لبذل الجهد في تطبيق التعريفات على ظروفك الخاصة. ويتمثل التحدي في العثور على المعلومات المناسبة حول تعريفات الضغط، والتأكد من حداثة هذه التعريفات، وإدراك ما تفهمه وما لا تفهمه حيال هذا الأمر، والاستعداد لطلب المساعدة المتخصصة على استخدام التعريفات لمساعدة وضعك الخاص.
الحقائق
هناك مثل قديم يشير إلى أن الإنسان ربما لا يكون قادرًا على تعريف الأشياء السيئة، ولكنه يعرفها عندما يراها. ويمكننا قول المثل على الضغوط؛ حيث يعتقد معظم الناس أنهم يستطيعون تمييز الضغوط عندما تقع لهم، ولكنهم يجدون صعوبة شديدة في تعريف ماهية الضغوط بالضبط. ومن خلال معرفة طبيعة الضغوط، ربما تصبح مستعدًّا للتعامل مع الحالة المثيرة للضغوط وفصلها عن المشاعر الأخرى التي ربما لا ترتبط بالضغوط.
وتتمثل إحدى المشكلات العديدة في الوصول إلى تعريف للضغط في تكونه من عدة أشياء؛ فالاختلاف بين الأشخاص يؤدي إلى اختلاف الجوانب التي يمرون بها في تجاربهم، وربما يؤدي إلى اختلاف التعريفات. ولقد أعلن “هانز سالاي”، أحد الآباء المؤسسين لأبحاث الضغوط، في عام 1956 عن فائدة بعض مستويات الضغوط، وعن مرور الإنسان بالتأثيرات الكيميائية الحيوية للضغوط، بغض النظر عما إذا كان الموقف الذي تسبب في الشعور بالضغط إيجابيًّا أم سلبيًّا.
ووفقًا للرابطة الوطنية للسلامة والصحة المهنية (NIOSH)، يمكن تعريف الضغوط ببساطة على أنها الاستجابات الجسدية والانفعالية الضارة، التي تحدث عندما لا تتوافق متطلبات العمل أو الحياة بشكل عام مع احتياجات الشخص الذي يعاني الضغوط أو قدراته أو موارده، وربما تؤدي الضغوط إلى سوء الحالة الصحية والمهنية أيضًا.
وعادة ما توصف الأنماط المختلفة للضغوط باستخدام مصطلحات عامة. وفي إطار هذه التعريفات العامة، نجد المزيد من الأوصاف التي تحدد ماهية الضغوط:
الضغوط المرتبطة بالمهام: عادة ما تتضمن أعباء عملية مرهقة، وفترات راحة متباعدة، وساعات عمل طويلة، وأسلوب الحياة المحموم، ومهام روتينية تبدو بلا هدف ولا تخضع لسيطرتك.
– ضغوط الإدارة: تعمل في بيئة عملية يقل فيها مستوى انخراطك في عملية صنع القرار الذي يؤثر على عملك.
– ضغوط العلاقات الاجتماعية: تأتي من سوء البيئة الاجتماعية والشعور بنقص الدعم المقدم من الأصدقاء، والعائلة، والزملاء في العمل.
– الضغوط المهنية: حيث يتسبب شعور الإنسان بعدم الأمان الوظيفي في الإحساس بالضغوط، وهناك أيضًا الشعور بنقص فرص النمو، أو التقدم أو الترقية.
– الضغوط البيئية: تظهر من خلال التواجد في مكان عمل مثير للشعور بالقلق أو الخطر، أو العيش في بيئة منزلية لا تلبي الاحتياجات أو التوقعات بشكل مناسب.
– الضغوط الشخصية: تسبب العلاقات مع شريكك في الحياة ومع أفراد عائلتك الشعور بالضغوط أكثر من الرضا، ويبدو أن هناك قليلًا من الخيارات – إذا كانت هناك خيارات في الأساس – لتحسين موقفك.
وحسبما توصلت إليه المجموعة البحثية “مايو كلينيك”، فإن مشاهدة 10 دقائق فقط من الأخبار يمكن أن تتسبب في ارتفاع الضغوط ارتفاعًا كبيرًا. وتتسبب مشاهدة الأخبار في حدوث ردود أفعال جسدية يجب إدراك أنها تساعد على التعرف على الضغوط. وفي بعض الأوقات، يشار إلى ردود الأفعال هذه على أنها آليات دفاعية مدمجة فينا. ولقد تطورت هذه الآليات منذ آلاف السنين من أجل المساعدة على التعامل مع تهديدات الحيوانات المفترسة والمعتدين. ولم نعد نخشى هجوم الحيوانات الضارية، ولكن هذه الدفاعات المعدة بشكل جيد ضد المخاطر المادية ربما لا تتسم بالفاعلية نفسها في التعامل مع الأسباب العصرية للضغوط. وربما تجعل هذه الآليات الدفاعية – عندما تصبح مفعلة باستمرار – جسمك أكثر عرضة للمشكلات المهددة للحياة.
ويشير أحد تعريفات الضغوط إلى أنها استجابة طويلة يمكنها أن تترك أثرًا موهنًا على جسدك. وتتسم معظم الضغوط التي تعود إلى التهديدات التي تستخدم آليات الدفاع، بأنها قصيرة المدى، ولكن إذا استمرت الاستجابة أيامًا، أو أسابيع، أو شهورًا، فربما تتعرض لبعض أشكال الضغوط المرضية.
الحلول
غالبًا ما يختلط مفهوم الضغوط مع التحديات اليومية في العمل والحياة، ولكن هذه المفاهيم ليست متشابهة. وربما يمكن النظر إلى التحديات على أنها شيء إيجابي، وعندما يتم التعامل معها بشكل مناسب، فإن بإمكانها تزويدنا بالطاقة النفسية والجسدية، كليهما. ويمكن أن تحفزنا التحديات نحو تعلم مهارات جديدة، وإتقان التعامل مع العوامل الموجودة في حياتنا. ويستطيع التحدي الذي نواجهه بشكل ناجح أن يمنحنا الشعور بالاسترخاء والرضا. وتمثل التحديات عنصرًا مهمًّا لعيش حياة صحية ومثمرة. ومن المحتمل أن تكون التحديات هي الشيء الذي يشير إليه الناس عندما يقولون إن القليل من الضغوط مفيد لك.
ويعد فصل الضغوط عن المشاعر الأخرى أمرًا مهمًّا عند التعامل معه. ويجب أن تحيط علمًا بالتعريفات قبل أن تتحدث مع طبيب أو معالج حول مشاعرك. ويجب أن يكون الطبيب الجيد قادرًا على أن يطرح عليك الأسئلة المناسبة في المتابعة لتحديد إذا ما كانت حالتك ترتبط بالضغوط أم تأتي من عوامل بيئية أو جسدية أو نفسية أخرى:
– هل تغير لديك أي شيء مؤخرًا في حياتك العملية أو الشخصية؟
– هل تشعر بأنك فقدت السيطرة على العوامل التي تؤثر على حياتك؟
– هل حدث أي تغير في شهيتك أو عاداتك الغذائية؟ هل ازددت وزنًا، أم نقص وزنك، دون أن تحاول القيام بذلك؟
– هل تتناول الكحوليات؟
– هل تجد مشكلات في النوم ليلًا؟
– هل أنت عاجز عن التعبير عن مشكلاتك لعائلتك أو أصدقائك؟
– هل تشعر بالقلق حيال شيء يصعب تحديده، ولكنه يضايقك؟
– هل أحسست بأي من هذه المشاعر مؤخرًا، أم هل أثرت عليك بعض الوقت؟
ويشير أحد التعريفات الجيدة للضغوط إلى أنها الدافع إلى الكر أو الفرار بشكل مستمر. وعلى هذا النحو، ينتقل الجسد بسرعة وتلقائية إلى المزيد من الاندفاع والسرعة؛ فعندما تواجه تهديدًا مثيرًا للضغوط، يطلق الوطاء – وهي منطقة صغيرة للغاية في قاعدة المخ – نظام الإنذار في الجسم؛ فيرسل إشارات عصبية وهرمونية تحث الغدة الكظرية على إطلاق موجة من الهرمونات. ويؤدي الأدرينالين إلى زيادة معدل ضربات القلب، ورفع ضغط الدم، وتعزيز إمدادات الطاقة. ويمثل الكورتيزول الهرمون الأساسي للضغوط، والذي يزيد من مستوى الجلوكوز في مجرى الدم، ويزيد من توافر المواد التي تعمل على إصلاح الأنسجة.
ومن الممكن في الغالب أن تحدد ما إذا كنت تشعر بالضغوط أم لا، وإذا ما كان هذا بسبب تغيير هائل في حياتك، أم لا. وربما يكون هذا التغيير إيجابيًّا؛ كالترقية أو ولادة طفل جديد، أو ربما يكون سلبيًّا؛ كالإقالة أو التعرض للطلاق أو حدوث حالة وفاة في العائلة. ويصعب تحديد بعض أنواع الضغوط أكثر من غيرها، وقد تتطلب بذل جهد إضافي من جانبك. وتتمثل إحدى الأفكار في الاحتفاظ بيوميات للضغوط؛ حيث تستخدم مفكرة، وتكتب فيها وقتما تشعر بالضغوط؛ فتكتب ملاحظاتك حول ردود أفعالك والنتائج المترتبة على كيفية تعاملك مع الضغوط. وربما يساعدك الاحتفاظ بيوميات للضغوط ومراجعتها على اكتشاف كل من الأمور المسببة للضغوط، والمستوى الذي تعتقد أنها وصلت إليه. وسوف تساعدك هذه اليوميات على تركيز النقاش الذي ربما تجريه مع أي طبيب أو معالج. وربما تساعدك هذه اليوميات على التخطيط لنوعية الخطوات التي تحتاج إلى القيام بها من أجل التعامل مع الضغوط.