التصنيفات
الطب البديل والتكميلي

ما بعد الخطوة الأولى: التأمل ج5

أنت في طريقك نحو التأمل المنتظم، وقد وجدت أنك تحتاج إلى أن تصبح المسألة نظامية أكثر. لقد بدأت تفهم الأشياء، وتريد أن تشكّل تأملك. هذا الفصل يعرفك على طريقة شهيرة للتأمل، وهي تُسمى “الشاماتا” Shamata (بالسنسكريتية) أو “الشيناي” Shinay (بلغة التيبت). والمقطع “شي” يعني “السلام” أو “التهدئة”؛ أي تخفيض قوة الأفكار المتواصلة. والمقطع “نار” يعني “الثبات” أو “الصمود”؛ فعن طريق تطوير السكينة، نتيح لعقولنا أن تستريح على الموضوع أو التركيز الذي اخترناه. لذلك، فإن “تأمل السكينة” يتيح لنا تطوير قدرتنا على الاحتفاظ بالسلام وهدوء الذهن.

إن تأمل السكينة يضم العديد من الخصائص والسمات المشتركة الموجودة في أساليب التأمل الأخرى. وفي الواقع، لا يوجد أسلوب تأمل لا يؤدي إلى السلام وهدوء الذهن. وهذا السلام يأتي بصفة جزئية من الاسترخاء الواعي، وهو يأتي أيضاً من قبول أي أفكار ترد على ذهننا، بدلاً من قمع هذه الأفكار أو كبتها. وهو يأتي كذلك من الانتباه الكامل لأنفسنا لدقائق بسيطة كل يوم.

تأمل السكينة

1. اجلس في وضع مريح على الأرض، أو على وسادة، أو على كرسي. اجلس منتصباً ولكن بدون أن تجهد نفسك. يتيح لك الجلوس منتصباً أن تتنفس بصورة صحيحة.

2. ضع يديك بخفة فوق فخذيك. يجب ألا تشعر بأي ضغط على ذراعيك. يجب أن يكون مرفقاك قريبين من جذعك.

3. ركّز عينيك على بعد ستة أقدام أمامك، ناظراً إلى أسفل في اتجاه الأرض. مرة أخرى، ابحث عن نقطة تركيز تستطيع إبقاء نظرك عليها بدون إجهاد.

4. الآن انتبه إلى تنفسك. لاحظ شعورك وأنت تتنفس. اتبع زفيرك وكأنك ترى حركة الهواء وهو يخرج من صدرك بالفعل.

5. بالطبع ستعيد التنفس مرة أخرى. اتبع الهواء وهو يخرج من صدرك.

6. أثناء ذلك، ستبدأ الأفكار ترد إلى ذهنك بشكل طبيعي. تعرف على أفكارك ثم ارجع إلى تتبع تنفسك.

7. تحقق من مدى الراحة في وضعية التأمل التي اتخذتها ثم عاود متابعة تنفسك مرة أخرى.

إن هذا التأمل الذي يركز على نقطة واحدة يمكن أن يتم تنفيذه بالتركيز على شيء واحد، مثل ضوء شمعة أو ما شابهه. ومع التدريب والممارسة، ستجد أنك ستتوقف عن التحديق والحملقة في نقطة التركيز التي اخترتها، وستجد أن عينيك أصبحتا أكثر استرخاءً وربما أصبحتا غير مركزتين قليلاً.

ستجد أن هذا الأسلوب في التأمل بسيط، ولكنه قد لا يكون سهلاً بالضرورة. ستجلس وتتنفس وتجد خليطاً من الأفكار يرد على ذهنك. قد تجد نفسك تتلوى وتتأرجح لكي تصل إلى وضع أكثر راحة. هذا النوع من التأمل يتطلب الصبر، والصبر هو إحدى السمات الرئيسية التي ستتطور لديك أثناء التأمل. وكما أن تطوير مهارتك في لعبة رياضية ما يتطلب مجهوداً وصبراً، فإن تعلم الجلوس ساكناً -بدنياً وذهنياً- يتطلب وقتاً وصبراً. وعندما تزداد مهاراتك في التأمل، ستجد أنك أصبحت أكثر صبراً مع الناس المحيطين بك في نشاطاتك اليومية المعتادة. والسبب في ذلك أنك ستتمكن من تركيز انتباهك الكامل لهؤلاء الناس.

تركيز الانتباه

يجب أن يكون هناك نقطة تركيز في التأمل. قد تكون هذه النقطة شيئاً مرئياً أمامك، أو يمكن التركيز على تنفسك. إذا كان التركيز على تنفسك، يجب أن تسمح لكل نفس أن يتدفق بصورة طبيعية داخلك. استنشق الهواء واشعر به وهو يدخل في صدرك. وعندما تزفر الهواء، اشعر بنفسك وهو يخرج منك ويتدفق في الفضاء من حولك. وعن طريق متابعة تنفسك شهيقاً وزفيراً، فإنك ستتمكن من الحفاظ على تركيز ثابت. وبعد بضع مرات من التنفس، سينتقل تركيزك إلى عملية التنفس ذاتها، وسيقل إدراكك للظروف الخارجية بدرجة كبيرة.

ما الذي يجب أن تتوقعه

إن العقل يكون مشغولاً بدرجة هائلة بالأفكار المشتتة. وقد تصاب بالدهشة من كم النشاط الذي يدور داخله. قد تبدو الأفكار التي تطرأ على ذهنك أثناء التأمل في البداية عشوائية ومبعثرة، فهي “تتخبط بين الجدران”.

ينتقل الذهن إلى حالة تدفق في اتجاه واحد. فعندما تهدأ، تجد أن أفكارك تأخذ اتجاهاً أكثر ثباتاً، فيما يُشبه تدفق مياه النهر عبر تل منحدر. قد تكون هناك بضع صخور أو منعطفات، ولكن الماء يتدفق في اتجاه واحد بشكل عام.

وبعد فترة، ستجد أن الأفكار لا تشتتك عن تركيز انتباهك. إن هذا مستوى عالٍ من الإنجاز. قد تشعر بهذا لعدة دقائق ثم تعود مرة أخرى إلى وضع “العقل المشغول” أو إلى وضع “التدفق”. ورغم هذا، فإنك ستكون قد ألقيت نظرة خاطفة على حالة من السلام تكون فيها منخرطاً بالكامل في التأمل بينما تدرك أن الأفكار تتواجد لديك باستمرار.

وفي نهاية المطاف، سيهدأ عقلك بمجرد أن تبدأ في الجلوس للتأمل، أو بعد لحظات قليلة من بداية الجلسة. هذه هي نتيجة الممارسة والألفة. فأنت تدخل في مساحة هادئة ومريحة ومألوفة بالنسبة لك، وستتمكن من البقاء فيها طوال فترة التأمل.

في بعض الأيام، لن تتمكن حتى من الاقتراب من هذه الحالة الذهنية. قد يكون هذا محبطاً، لأنك تتوقع هدوءاً ثابتاً ومستمراً. إن هذه المقاطعة في تأملك تمثل تطور التأمل نفسه. وبعد أن تزداد مساحة الممارسة، ستطور تعاطفاً أكبر مع نفسك في الأيام التي لا تستطيع التأمل فيها بالشكل المعتاد.

لكي تفهم هذا النمط من التأمل، ستحتاج أن تستمر في التأمل حتى تصل إلى النقطة التي تتمكن فيها من تهدئة عقلك بمجرد أن تبدأ في التأمل. إن مجرد تبديل تركيزك يمكن أن يضعك في حالة ذهنية بديلة. ولكن من المهم ألا تتوقع أو تطلب هذه الحالة المسترخية بنفسك. وهكذا، يجب أن تقبل أي شيء تحصل عليه في كل مرة تتأمل، بينما تركز انتباهك على الشيء الذي اخترته أو على تنفسك.

وهناك عقبتان رئيسيتان في التأمل، وهناك طرق للتغلب على كل منهما:

1. قد تجد أن أحاسيسك ضعيفة، أو حتى يغلب عليك النعاس. من غير المحتمل أن تؤدي هذه الحالة إلى أية نتائج، ولكن هذا هو ما تشعر به، وعليك أن تقبله كجزء منك. ولكي تتغلب على الأحاسيس الضعيفة أو الميل للنعاس، ارفع مستوى انتباهك لطريقة جلوسك ولكيفية تنفسك وإدراكك للشيء الذي تركز عليه. صحح وضعك بأن تجلس أكثر ثباتاً أو انتصاباً. انظر إلى أعلى إلى السماء أو إلى السقف. اثنِ بعض عضلاتك. وإذا لم يكن هذا سيؤدي إلى إزعاج الآخرين الذين يتأملون من حولك، فانهض وسر لبعض الوقت، مع تركيز انتباهك المباشر إلى الطريقة التي تتحرك بها.

ربما ترغب أيضاً في تخيل نفسك وكأنه يحتوي على ضوء أبيض. تخيل أن هذا الضوء الأبيض ينتشر داخل جسمك وأنت تستنشقه، وتخيله بعد خروجه من جسمك وهو ينتشر ويتبدد في الفضاء المحيط بك.

2. الإثارة هي العقبة الثانية التي قد تصادفك في التأمل. قد تحدث الإثارة من الأفكار الملحة التي ترد على خاطرك، أو من المشتتات الموجودة في البيئة المحيطة بك. أي من هذه سيمنعك من الاستقرار في التأمل. ولتخفيف هذه الإثارة، جرب تحويل نظراتك إلى أسفل قليلاً، أو حتى جرب إغلاق عينيك لبضع دقائق. استرخِ في جلستك قليلاً ثم انتصب مرة أخرى. ربما ترغب في تدوير كتفيك قليلاً لإرخاء العضلات. تخيل أن الهواء الذي تزفره هو ضوء له لون أزرق أو نيلي أو أسود، وتخيل أنه يستقر على الأرض بعد خروجه من جسدك. بعد ذلك، استنشق بنفس اللون بحيث يتخلل جسمك وينشر فيه الظلام الهادئ.

تذكر أن مفتاح ممارسة التأمل هو القيام به كل يوم. ابحث عن وقت مناسب لك، وحاول الجلوس في ذلك الوقت. في البداية، ربما ترغب في إجراء العديد من التجارب حتى تحدد الوقت الأكثر تناسباً معك والذي يعطيك نتائج ثابتة. وقد تجد أيضاً أنه في أثناء يومك المعتاد تُتاح لديك بعض اللحظات التي يمكن أن تسترخي فيها وتتأمل. ليس من الضروري أن تتأمل في نفس الوقت كل يوم، ولكنك قد تجد نفسك تنتظم في مواعيد تأملك بدون مجهود يُذكر.

فوائد تأمل الشاماتا للمبتدئين

•    ستصبح أسعد حالاً. إن الأمر بهذه البساطة. سيقل ما تشعر به من قلق، وسترد على ذهنك أفكار عصابية أقل، وسيقل ما تشعر به من خوف. ستبدأ في إدراك أن حالتك الذهنية تنبع مما في داخلك أكثر مما تنبع من الظروف الخارجية من حولك.
•    ستتعلم التركيز. في تأمل الشاماتا، تحدث تشويشات ومقاطعات. وكلما استمررت في التأمل، قل ما تتعرض له من التشويش ويزداد حفاظك على هدوئك. وعندما تتعلم كيف تحافظ على تركيز واضح على الشيء الذي تريد التركيز عليه، فإنك ستستفيد من هذه المهارة في نشاطاتك الأخرى، وبالتالي سيزيد حجم ما تنجزه في هذه النشاطات.
•    ولأنك أصبحت أكثر سعادة وإنتاجية، ستصبح صحبتك أفضل. ستزداد ثقة الناس فيك وفي قدراتك؛ لأنك أصبحت أكثر استقراراً. والاستقرار هنا ليس مقصوراً على المظهر الخارجي، فإنك بالفعل ستصبح أكثر استقراراً داخلياً.
•    ستصبح أكثر قدرة على الحفاظ على موضعك الجسدي والذهني والعاطفي. ستصبح مثل المكعب الذي يوضع على الأرض؛ لن تنقلب بسهولة.
•    وعندما تشعر بأحد تلك الأحاسيس غير السارة، فإنك ستتمكن من مسايرته. على سبيل المثال، ستغضب عندما تشعر بالغضب، بدلاً من أن تستبعد هذا الشعور وتنبذه. بهذا الشكل، ستتمكن من الانتقال إلى الموضوع التالي بدون أن تحمل هذا الشعور غير البناء معك.

ملخص

عندما تبدأ في التأمل، أنصت إلى نفسك، وعايش نفسك، واعمل مع نفسك. هذا هو الهدف الأهم من التأمل. كل الفوائد الأخرى في التأمل تأتي من حقيقة أنك أصبحت تتعامل مع نفسك.

كلمة “دارما” Dharma تعني “عملاً”. ورغم أنني لم أعد أنظر إلى التأمل على أنه عمل، فقد كان علي أن أبذل مجهوداً كبيراً لكي أصل إلى هذه المرحلة. وإليك ما يقوله خينبو كارثار رينبوش عن الدارما:

إذا لم تكن تتحدث لغة التيبت، فلم يفتك الكثير. فلديك لغتك. أما إذا لم تكن تعرف الدارما، فقد فاتك الكثير والكثير (Transforming، ص 162).

يتناول الجزء المتبقي من الكتاب أشكالاً أخرى من التأمل، وممارسات تأملية تقليدية قد تلبي احتياجاتك الفردية بشكل أفضل. الفصل التالي يُلقي نظرة على تأمل التبصر، حيث إن التبصر هو الثمرة الطبيعية لتأمل السكينة.