عندما تصبح الفتاة أو الشابة ناضجة بتكوينها العضوي، الفيزيولوجي والنفسي، تكون بذلك مستعدة بشكل كاف لتحمل مسؤولية الأمومة. ويظهر ذلك من خلال تكوين جسمها وبنيتها النحيفة الأكتاف وعريضة الحوض والوركين. يضاف إلى ذلك ناحية بيولوجية تتمثل في الإفرازات الهرمونية للغدد التناسلية وانتظام العادة الشهرية.
وفي مجال التحضير للأمومة، لا بد من بعض الإرشادات التي تلقي الضوء على جملة أمور ذات العلاقة بالحمل الطبيعي الخالي قدر الإمكان من إشكالات، أو عقبات من الممكن تداركها قبل حصولها أو منع تفاقمها.
ولإعطاء انطلاقة آمنة ومريحة في آن لحمل طبيعي، من الأفضل تقرير موعد الحمل، وبهذه الطريقة باستطاعة المرأة أن تمنح نفسها الفرصة الكافية لتزيد إمكانية الإخصاب، والسماح في الوقت عينه للجنين بأفضل الضمانات ليكون بصحة جيدة ومحاولة وقايته من الإصابة بأية عاهة أو تشوه خلال مرحلتي التكوين والنمو داخل بيت الرحم.
ومن المهم أن يتخذ قرار الحمل بالتوافق بين الزوجين، وقبل ثلاثة أو أربعة أشهر من الحمل لأنه في الأسابيع الأولى التي تجهل فيها المرأة عموماً أنها حامل، يكون الجنين عُرضة للاضطرابات والتقلبات الأكثر خطورة في تكوينه؛ لذا ينصح أن تحتفظ المرأة بصحة جيدة من خلال اتباع نظام غذائي سليم ومتوازن ما يوفر للجنين كل المقومات لتأمين الغذاء الكافي والضروري لتكوينه ونموه الطبيعي.
على الأم الأخذ في الاعتبار المجازفات التي يمكن أن تواجه الجنين وتعرضه للأخطار:
• وهي تبدأ من بيئة عمل الأم وإمكانية تعرضها للإشعاع، أو لمواد كيماوية، أو للرصاص (الموجود في مادة الكحل المستعملة بكثرة في وسائل التجميل).
• أو بسبب مرض طارئ خلال فترة الحمل، فكثيرة هي الأمراض التي تصيب المرأة الحامل في هذه المرحلة، وتنتقل العدوى من الأم إلى الجنين عبر المشيمة وتحديداً من خلال الحبل السري الذي يشكل الرابط الوثيق بين الاثنين، ليمد الجنين بالغذاء والأوكسجين اللازمين لتكوينه ونموه. ومن هذه الأمراض نذكر في الفصل الأول من الحمل (الأشهر الثلاثة الأولى) مرض الحصبة الألمانية؛ وفي الفصل الثاني مرض التوكسوبلاسموز: وتنتج الحصبة الألمانية عن الإصابة بفيروس ينتقل بالعدوى (إذا لم تكن الحامل أصيبت خلال طفولتها بهذا المرض. فهي غير محصنة ضده أو لم تلقح وهي يافعة). ويمكن حالياً التأكد من وجود مناعة في الدم ضده من خلال الأجسام المضادة النوعية في مصل المرأة الحامل.
أما التوكسوبلاسموز فهو مرض طفيلي ينتقل بالعدوى عن طريق القطط خصوصاً. وكلا المرضين يؤديان في حال إصابة الجنين إلى تشوهات عضوية لديه (القلب، الكلى، الدماغ، العين، العظام..).
لذا من الواجب التلقيح بجرعة تحصين ضد الحصبة الألمانية للفتاة بين 13 و16 عاماً، وحتى بعد هذا السن وقبل الزواج، على أن يتم التلقيح قبل ستة أشهر من الحمل.
كما ينصح الانتباه جيداً إلى القطط الأليفة حيث ينبغي مراقبتها من قبل الطبيب البيطري وإخضاعها لعلاجات ولقاحات للتخلص من الطفيليات والقضاء على مصدر العدوى.
• ومن المهم أيضاً العمل على معالجة أي مرض حاد أو مزمن والتأكد من شفاء أو استقرار المرض قبل الحمل، كأن تعاني الفتاة من مرض وراثي كداء السكري، أو نقص أو إفراط في إفراز الغدة الدرقية، ما ينبغي استشارة الطبيب الأخصائي بالغدد الصماء قبل الحمل.
• وفي حال وجود سوابق مرضية عائلية كداء الناعورة أو كيس تليف البنكرياس أو غيرها، ينصح بطلب استشارة خاصة في طب الوراثة قبل الإقدام على الزواج أو الحمل.
• كما يجب التأكد من عدم وجود عاهة في القلب قبل الحمل لمنع تفاقم الأمور فيما بعد وإمكانية التعرض لخطر داهم على صحة الأم والجنين في آن.
• أما إذا كانت المرأة تتبع وسيلة منع حمل كالحبوب مثلاً، يفضل التوقف عن تناولها قبل فترة الحمل، وانتظار ثلاث أو أربع دورات شهرية طبيعية، كي يستعيد الجهاز التناسلي لدى المرأة (المبيض خصوصاً) وظيفته الفيزيولوجية الطبيعية قبل الحمل. ويمكن في هذه الفترة اللجوء إلى وسيلة منع حمل أخرى يحددها الطبيب النسائي المعالج بحسب وضع كل امرأة.
• ولاتقاء مشاكل مرضية خلال الحمل يفضل المحافظة على وزن مثالي قبل الحمل بفترة تتراوح من 3 – 6 أشهر، والابتعاد عن اتباع نظام حمية غذائي خلال فترة الحمل، إذ يجب أن تكون التغذية سليمة، متوازنة، متنوعة وغنية بالمواد الطازجة.
• التذكير الدائم بالتوقف عن التدخين، بكل وسائله وأشكاله والابتعاد عن تناول الكحول لما لهما من مضار معروفة طبياً على صحة الجنين.
• تبقى أمور طبية روتينية يقوم بإجرائها الطبيب المعالج وقد أصبحت مطلوبة رسمياً لإتمام معاملة الزواج وهي تشمل: تحاليل مخبرية لدم الزوجين إما لجهة تحديد فئة الدم أو للتأكد من خلو مرض الإيدز أو مرض التلاسيميا من فئة ألفا (وهي عاهة شائعة في بلاد حوض البحر الأبيض المتوسط، تتمثل بخلل تكويني في خضاب الدم، على مستوى الكريات الحمراء، وتؤدي إلى نوع محدد من فقر الدم المزمن ولا تشكل أي خطر على صحة حامل العاهة، ولكن إذا ما وجد الخلل عند الشريكين ينصح عندها بعدم الزواج لأن نسبة ولادة طفل يحمل تلاسيميا من فئة بيتا تزداد، وهو مرض خطير يشكل نوعاً من سرطان الدم).
• لا بد في الختام من التركيز على اللقاحات قبل الزواج: الحصبة الألمانية (كما ذكرنا)؛ التذكير ضد مرض الكزاز؛ التحصين بلقاح ضد جدري الماء إذا لم تكن الفتاة أصيبت بالمرض في طفولتها أو لم تحصل على اللقاح ضد هذا المرض من قبل. وأخيراً لا بد من التحدث عن المولود الجديد في عالم اللقاحات وهو اللقاح ضد سرطان عنق الرحم، إذ ينصح أن تحصل الفتاة عليه قبل الزواج، لأن المرض له علاقة وثيقة بالحياة الجنسية. يعطى اللقاح ابتداء من عمر 12 سنة.
إن الإرشادات والنصائح ووسائل الوقاية التي أسلفنا ذكرها، هي بمثابة صمام أمان لجسم سليم وصحة جيدة وحمل طبيعي خال قدر الإمكان من المضاعفات والمفاجآت غير السارة، وولادة طبيعية ومولود جديد سليم ومعافى؛ إرشادات ونصائح لا تغني عن استشارة الطبيب الأخصائي في الأمراض النسائية والتوليد، لأن هناك أموراً طبية وحالات نادرة تستوجب احتياطات خاصة قبل الحمل لم يرد ذكرها في هذا الموضوع.
هكذا تتم مراقبة الحمل خلال تسعة أشهر
بعد اتخاذ القرار بالحمل وتنفيذه والتأكد من حصوله، تجد المرأة نفسها أمام مرحلة جديدة تحتاج فيها إلى مزيد من الإرشادات والنصائح ومرحلة مراقبة عن قرب، بهدف الحفاظ على حملها؛ مرحلة تستغرق عادة تسعة أشهر وصولاً إلى لحظة الإنجاب.
ويعتبر الحمل في حد ذاته عملية فيزيولوجية، تبدأ بالإخصاب أي تلقيح البويضة الأنثوية بالنطفة الذكرية، ويتم هذا الالتقاء عادة في الأنبوب (الذي يصل المبيض بالرحم). وبعد الإخصاب تبدأ مرحلة التعشيش على بطانة جدار الرحم المهيأ بيولوجياً لاستقبال البويضة الملقحة؛ تنطلق بعدها مرحلة تكوين المشيمة التي تؤلف المصدر الأساس لتموين الرشيم (مضغة أو حميل) وهو يسمى كذلك في فترة الأشهر الثلاثة الأولى وهي المرحلة التكوينية من الحمل، لينمو بعدها ويكبر ليدعى في هذا الجزء الثاني من الحمل: الجنين؛ ودور المشيمة أساسي في الإمداد بالمواد الغذائية والأوكسجين اللازمين لهذه الفترة من النمو داخل بيت الرحم، يتم ذلك من خلال الحبل السري الذي يشكل صلة الوصل بين الأم والجنين.
يقسم الحمل من الناحية العضوية إلى مرحلتين، الأولى مرحلة التكوين وتمتد طوال الأشهر الثلاثة الأولى من عمر الحمل، والثانية فترة النمو وتشمل المرحلة المتبقية من مدته. ويحسب عمر الحمل بطريقة بسيطة وهي أربعون أسبوعاً زائد أربعة عشر يوماً (فترة الإخصاب) لتصبح مدة الحمل الطبيعي الذي يؤدي إلى أوانه 42 أسبوعاً.
العلامات السريرية للحمل
تظهر علامات الحمل من خلال فحص طبي يجريه الطبيب الأخصائي بالأمراض النسائية والتوليد ويبدأ بفحص موضعي بعد فترة 4 إلى 5 أيام من تأخر العادة الشهرية (الطمث) من خلال زيادة إفرازات الفرج وغياب المادة المخاطية في عنق الرحم وتغير لونه نحو اللون الليلكي، وذلك مع غياب أي علامات تدل على مرض موضعي (كالحكة أو الحرقة). يأتي بعد ذلك البحث عن زيادة حجم الرحم وارتفاعه، يتأكد ذلك بعد مرور عشرين يوماً بواسطة الصورة الصوتية التي تظهر جيب الحمل.
أما العلامات الطبيعية للحمل فهي: انقطاع العادة الشهرية نتيجة لتغرز البويضة الملقحة في بيت الرحم وعند المرأة ذات الدورة الشهرية المنتظمة والتي لا تستعمل حبوب منع الحمل، وهذه العلامة أساسية لبداية الحمل إذ هي تظهر بشكل غير أكيد وواضح. ويمكن أن يحدث تأخر في التشخيص عند المرأة ذات الدورة الشهرية غير المنتظمة. أما بقية علامات الحمل فتتراوح بين اضطرابات مختلفة منها الغثيان، والوحام (عدم الرغبة في تناول مأكولات محددة والرغبة الزائدة بالحصول على أصناف أخرى كالمخللات والحوامض وعصير الحامض…) يصاحب ذلك أو يليه حالة تقيؤ يمكن أن تكون حادة وخطرة مسببة في بعض الأحيان خسارة في السوائل والأملاح ما يستوجب الاستشفاء. كما يلاحظ إفراط في إفراز اللعاب في بعض الحالات وإمساك غير ذي أهمية.
ومع تطور الحمل يحصل احتقان وأوجاع في الثديين (لون الحلمة يميل للاسمرار فوق العادة مع زيادة في بروزها).
يضاف إلى ذلك علامات بولية كالرغبة المتكررة في التبول بسبب ضغط الرحم على جدار المثانة من ناحية، وبتأثير هرمون الحمل على جدار المثانة من جهة أخرى.
ويصاحب فترة الحمل بعض الأوجاع في الحوض شبيهة إلى حد ما بأوجاع ما قبل بدء الحيض، وهي علامة طبيعية لا تدعو للقلق.
الفحص السريري العام
• يشمل الفحص السريري للمرأة الحامل السؤال أولاً عن السوابق المرضية (وراثياً، عائلياً وشخصياً)، العادات المتبعة ونمط الحياة (تدخين، تناول الكحول..) ارتفاع في ضغط الدم الشرياني، داء السكري، خلل في وظيفة الغدة الدرقية، قصور كلوي أو التهابات متكررة في مجاري البول أو المثانة، خلل في القلب، أمراض صدرية (ربو، التهابات متكررة…).
• يتحرى الطبيب عن عدد الولادات السابقة وعدد مرات الحمل، وعن وجود تعسر في الولادات أو أمراض نسائية أو حالات إجهاض (تلقائي أو إرادي)، سوابق حمل خارج بيت الرحم، ولادة قبل الأوان أو موت الجنين داخل الرحم…
• يكتمل الفحص السريري بتدوين الوزن والطول (هل قامة الحامل قصيرة؟ أم لديها ضيق في الحوض ما يقرر طريقة الولادة فيما بعد)، الاطلاع على وظيفة القلب والرئتين، قياس ضغط الدم (هل هناك استعداد لتسمم الحمل فيما بعد؟..)، فقر دم، مع طلب فحوصات مخبرية روتينية للدم والبول.
• بعد هذا الفحص الحاوي والشامل يتبين أن هناك 20 % من حالات الحمل هي حالات حمل سريع العطب تتطلب مراقبة سريرية عن قرب مع إجراء الفحوصات والتحاليل المخبرية وصور الأشعة اللازمة حسب كل حالة.
فحوصات تأكيد الحمل
من الفحوصات التي يمكن إجراؤها للتأكد من حصول الحمل:
1. رسم جدول الحرارة المتعلق بالإباضة إذ يوفر في بعض الأحيان دليلاً ثميناً لتشخيص مبكر للحمل من خلال استمرار ارتفاع الحرارة الداخلية للمرأة على المستوى نفسه لمدة 21 يوماً.
2. البحث المخبري عن هرمون الحمل (H.C.G) في بول أو دم المرأة الحامل، وهو اختبار يثبت التشخيص المتأرجح.
3. الصورة الصوتية وهي مفضلة في الفحص الدوري الأول للتأكد من وجود الحمل داخل بيت الرحم، وتقدير عمر الحمل بصورة دقيقة وعلامات نمو الجنين. يعتبر من غير الضروري إجراء هذا الفحص بعد مرور خمسة أسابيع على انقطاع الطمث، ولكنه يؤكد عمل قلب الرشيم (المضغة) ابتداء من الأسبوع السابع للحمل، ويحدد عمر الحمل بواسطة قياس طول الرشيم بشكل تقديري يزيد أو ينقص ثلاثة أيام.
علامات حمل غير طبيعية
• في مقدمة العلامات التي قد تشير إلى حمل غير طبيعي، يبرز النزف الرحمي الذي يمكن أن يحصل في 25 % من حالات الحمل بحسب الإحصاءات الفرنسية، ونصف هذه النسبة تتطور فيما بعد نحو الإجهاض التلقائي. كما أن عدم التلازم أو التزامن بين زيادة حجم الرحم وتوقيت توقف العادة الشهرية يدعو إلى الشك بوجود تطورات غير طبيعية.
• كما أن رحماً صغير الحجم، غالباً ما يؤدي إلى توقف الحمل، أو العكس فإن رحماً كبير الحجم يعني أن الحمل يزيد عن العمر المقدر أو هو متعدد توائم وينمو في رحم مكتنز العضل. وفي جميع الأحوال فإن الصورة الصوتية تقدم حلاً واضحاً للوضع في مثل هذه الحالات بصورة فورية أو بعد مرور بضعة أيام على الفحص الأول.
وسائل مراقبة الحمل
• تجري مراقبة الحمل الطبيعي الخالي من المضاعفات من خلال الزيارة الدورية الشهرية للطبيب الأخصائي، والهدف الأساس من هذه المراقبة هو الاكتشاف المبكر للعلامات أو الأعراض غير الطبيعية التي يمكن أن تطرأ خلال فترة الحمل، أو أي تطور طارئ لحالة موجودة سابقاً (ارتفاع ضغط الدم الشرياني، داء السكري..) أو ظهور علامات خطورة جديدة منها: ارتفاع ضغط الدم الشرياني10 %، داء السكري 10 – 15 % وولادة قبل الأوان 7 % بحسب الإحصاءات الفرنسية.
• ويمكن في بعض الحالات وجود خطر أو عاهة وراثية، وهو ما تزيد نسبة حصوله عند النساء ذوات السوابق غير الطبيعية فيما يخص الإخصاب أو الإنجاب. وهذا ما يستدعي إجراء فحص بالصورة الصوتية بهدف الاطلاع على شكل الجنين وهو فحص دقيق ومتشعب يتطلب اختصاصاً ودراية معمقة في هذا العلم الذي يسمح باكتشاف العديد من الأمراض والقيام بمعالجة البعض منها داخل بيت الرحم دون تشكيل أي خطر على متابعة الحمل، (يفضل إجراء هذا الفحص في الأسبوع العشرين من الحمل).
• كما يتطلب ذلك في بعض الأحيان إجراء تحديد الفئة الوراثية لدراسة الصبغيات ويجري ذلك على خزعة تؤخذ من المشيمة أو من السائل الأمنيوتيكي الذي يسبح فيه الجنين.
• أما الاضطرابات الأخرى التي يمكن أن تتعرض لها المرأة الحامل فهي تحت سيطرة الفحص الدوري الشهري الذي يشمل، إلى جانب الفحص العام كما أسلفنا: مراقبة الوزن ضغط الدم فحص البول (وجود زلال أو سكر).
• يبقى الفحص النسائي الدوري يراقب على نحو مطرد ثلاثة أمور: تطور ارتفاع الرحم، الإغلاق التام لقناة عنق الرحم وخصوصاً القناة الداخلية ومراقبة العلامات الحيوية للجنين (نبض القلب بين 120 – 160 خفقة في الدقيقة، مراقبة نوعية النشاط الحركي للجنين المرصودة من الأم مما يستوجب التحفظ لدى وجود نشاط حركي زائد وكذا بالنسبة إلى نقص النشاط).
• تبقى فحوصات وتحاليل نوعية في الدم، وقد أصبحت تطلب بشكل روتيني في البلاد المتقدمة صحياً، نذكر منها فئة الدم وفحص نسبة الأجسام المضادة للحصبة الألمانية والتوكسوبلاسما في دم المرأة الحامل للوقاية من هذين المرضين المعروفين بمضاعفاتهما وأثرهما السلبي على تكوين الجنين ونموه لجهة تشكيل تشوهات خلقية لديه، لاسيما على مستوى القلب، الدماغ، العين، الأذن، الكلى والعظام.
لمحة عن أشكال الولادة ومراحلها
تعتبر فترة الولادة المحطة الأخيرة من رحلة دامت تسعة أشهر، اجتازت فيها المرأة الحامل ظروفاً ومراحل مختلفة، سمحت لها بالتأقلم مع أوضاع صحية متقلبة عضوية كانت أم نفسية، وانتابتها خلال ذلك مشاعر وأحاسيس متناقضة بدءاً بهاجس الإخصاب ومن ثم الإنجاب، تلتها فترات إثبات الحمل وتثبيته مع اضطراباته الفيزيولوجية في تطور طبيعي لا تشوبه أية مضاعفات أو مشاكل مرضية، أو التوجس من حدوث خلل ما أو داء وراثي.
إلى جانب حرص المرأة على نمو وتطور جنينها، وزناً وعضوياً، وعلى مراقبته طوال هذا المسار تحت إشراف طبيبها الخاص، حيث تمكنت من الاطمئنان عليه، فعايشت تطور نشاطه الحركي داخل رحمها واستمعت واستمتعت بصوت نبضات قلبه عند كل فحص دوري شهرياً.
كما حصلت على كل ما يلزم من إرشادات ونصائح للوقاية من تعسر الوضع وعدم التعرض لعملية جراحية قد تطرأ في آخر لحظة قبل الولادة، هذا إلى جانب الاهتمام بالتحضير لبدء الرضاعة من الثدي.
في نهاية المطاف وبعد تحديد فترة الولادة بشكل تقريبي وبدء الاستعدادات لاستقبال المولود الجديد في جو مفعم بالفرح والأمل، ممزوجاً أحياناً بالترقب والحذر في رحلة يمكن أن تصبح، عند الخلاص المريح، أجمل مغامرة في الحياة، رغم ما يشوبها من آلام المخاض في بعض الحالات.
تجري الولادة في البلاد ذات الرعاية الصحية المتقدمة، داخل المستشفيات، في معظم الحالات، ويمكن أن تحصل في مراكز طبية أو عيادات خاصة تحت إشراف الطبيب أو القابلة القانونية؛ ولكن لا تزال نسبة من الولادات تجري في البيوت وخصوصاً في المناطق الريفية أو النائية لأسباب ربما اجتماعية أو اقتصادية.
في المستشفيات تتم الولادة في غرفة خاصة بالتوليد تحوي جميع اللوازم والأدوات الطبية والعلاجية، لاسيما للحالات الطارئة، وهي ملاصقة لغرفة إنعاش الأطفال حديثي الولادة بهدف التدخل سريعاً في حال لزم الأمر.
وتجري مراقبة المرأة الحامل ومتابعة الجنين ومراقبته من خلال جهاز خاص يراقب نشاط الجنين الحركي مع رسم دقات القلب مما يسمح بالتدخل السريع جراحياً عند حدوث أي معاناة للجنين؛ ونورد هنا مثالاً على ذلك عندما يحدث تبرز الجنين بالمادة الزفتية (العقي) وطرحه لهذه المادة داخل الجيب الأمنيوتيكي، حيث يسبح الجنين عادة ما يعرضه لتنشق هذه المادة ووصولها إلى الرئتين.
وينتج هذا السائل الأمنيوتيكي في غالبيته من عمل الكليتين عند الجنين، وفي حال ازدياد كميته أو العكس شح أو نقص في هذه الكمية فإن هذا يدل على حالة مرضية محددة عند الجنين (على مستوى الكليتين أو الأمعاء..) ويمكن مراقبة هذا الخلل واكتشافه باكراً بواسطة الصورة الصوتية. (تمكن هذه الصورة من اكتشاف العديد من الأمراض أو التشوهات عند الجنين وبصورة باكرة جداً، وهي تشكل اختصاصاً متطوراً وتتطلب خبرة علمية وعملية وصبراً وطول أناة، ويتوجب عليها مسؤوليات جسام نظراً لما تحمله من تشخيص مبكر وإمكانية العلاج أو العكس الإهمال وما يترتب تجاهه من مسؤوليات مهنية وقانونية على السواء)
وعندما يحين أوان الولادة، يبدأ المخاض أو ما يعرف بالطلق، بتواتر تقلصات عضلات الرحم، منتجاً بذلك مغصاً سببه ضغط وزن الجنين من ناحية وتقلص الرحم من جهة ثانية؛ ويؤدي ذلك إلى دفع الجنين نزولاً خارج بيت الرحم عبر قناة عنق الرحم التي تدفع بسدادة عنق الرحم خارجاً (وهي صمام أمان للحمل للوقاية من الإجهاض) ويلي ذلك تشقق ثم تمزق لغشاء الجيب المائي (وهو ما يسمى بالعامية فقش ماء الرأس).
وتستغرق عملية الولادة الطبيعية، بين بدء الطلق أو المغص الذي تتواتر وتتقارب سرعته وحدوث الولادة فعلاً، ساعات عديدة بحسب وضع كل امرأة جسدياً ونفسياً، وهي عموماً تدوم ساعات أطول لدى المرأة في حملها الأول منه لدى المرأة التي أنجبت أكثر من مرة قبلاً؛ هذا في حال الولادة الطبيعية التلقائية.
أما في حالات التحريض على الولادة أو استعجالها لأسباب طبية تتعلق بوضع المرأة الصحي أو المولود الجديد، عندها يتم تسريب المصل في وريد المرأة لتمرير أدوية نوعية لها مفعولها في تسريع تقلص عضلات الرحم.
كما يلجأ الطبيب في حالات خاصة إلى بضع الفرج أو قص عضلة العجان لتسهيل وتسريع مرور رأس الطفل في حال عدم تقدمه من الحوض، أو استخدام الملقط الجراحي، أو استعمال محجم أو حجامة للمساعدة على الخروج المتباطئ للرأس.
وفي بعض الحالات قد تكون الولادة عاجلة وتحصل خلال دقائق، أو خديج أي قبل أوانها، أو ولادة آجلة أي متأخرة بعد أوانها، أو اضطرارية إذ إنها تحمل مضاعفات.
وبعد الولادة يطمئن الطبيب النسائي على وضع المرأة التي وضعت توّاً حملها، لجهة عدم وجود نزف، ويعمل على فحص المشيمة بعد هبوطها في وقت محدد من بيت الرحم ويتأكد من وضعها العام (اللون، الشكل، اكتمالها وعدم وجود نقص أو شوائب: التهابات أو إنتان)، ويجري فحصاً داخلياً ومراجعة لبيت الرحم للتأكد من عدم بقاء جزء، ولو صغير، من المشيمة داخل بيت الرحم لاتقاء حدوث مضاعفات لاحقة خطيرة (نزف، إنتان…).
هذا في الشكل، أما في المضمون فإن وضعية الجنين داخل بيت الرحم تخضع للمراقبة طوال فترة الحمل، لتحديد شكل الولادة، إذ هناك المجيء الرأسي وهو يشكل 80 % من حالات الولادة الطبيعية، ثم الوضع المقعدي والقدمي والمستعرض ما يستوجب تدخلاً جراحياً قيصرياً في الكثير من الحالات وهي تكون مقررة سلفاً في مجمل الأحوال.