من أطفال التوحد من يتعلم عن طريق الإبصار؛ أي عن طريق أداء عملي مثل مشاهدة التلفاز أو الرسم، أو عمل هندسات، أو النحت، وهناك من يتعلم عن طريق السمع مثل الموسيقى والاستماع أو الإصغاء، أو كثرة الكلام والمحادثة، أو عن طريق اللمس بالنسبة إلى من فقد حاستي السمع والإبصار، وهناك من يتعلم عن طريق السمع والبصر، أو عن طريق الممارسة اليدوية واللمس مثل الميل إلى فتح الأدراج، أو الخزائن، والعبث بالأشياء.
وبشكل عام إن أي تدريب يجب أن يصحبه تعزيز (Reinforcement)، ويجب تعليم المهارات في مواقف مختلفة مما يساعد مهارات التواصل، والمهارات الاجتماعية، ومهارات الحياة اليومية، ثم المهارات الدراسية والحسية والاستعدادات المهنية – العملية. ولا بدَّ عند تدريب أطفال التوحد من مراعاة النقاط التالية:
1 – على المدرب التركيز على الجانب البصري في التعليم مثل استخدام صور، ورموز، أو إشارات؛ فهي تساعد الطفل لأنه يعاني ضعف القدرة على التجريد.
2 – البدء بالأشياء المحسوسة أو البصرية؛ لأن تجارب الطفل مع المدخلات البصرية تجعله يستغل طاقته، إضافة إلى أن التعلم عن طريق البصر، أبقى في الذاكرة من التعلم عن طريق السمع (الذاكرة البصرية Optic memory).
3 – على المدرب تنظيم البيئة الصفية لمساعدة الطفل على الانتباه والتركيز، والاستمرار بالعمل بشكل متسلسل مفهوم.
4 – تحليل المهمة المراد التدريب عليها (Task analysis)، وتقسيمها لأجزاء حسب قدرات الطفل، والطفل لا ينقل إلى تدريب آخر، إلا بعد إتقانه التدريب الأول، ويعطى الطفل الوقت الكافي اللازم للتدريب على المهارة. ويجب جعل المهمة مرنة وقابلة للتغيير لكي تبعد الأطفال عن التعب والملل، وتناسب قدرات الطفل القوية والضعيفة. ولا بد من التركيز على النواحي الإيجابية لدى الطفل لأن ذلك يزيد من دافعية الطفل، ويخلق لديه انتماء إلى جماعة الصف، مثلاً إذا كان الطفل يحب السيارات، فيمكن استغلال ذلك في تعليم القراءة، أو الحساب، ولا بد للمدرب من استخدام فنية الحث (Prompting) والتلاشي (Fading)، وتجنب الإسهاب اللفظي واستخدام المعينات اللفظية.
ويمكن أثناء التدريب دمج الطفل مع العاديين، والتعامل معه بعيداً عن السخرية أو الاستهزاء، مع تشجيع الأنشطة الجماعية من خلال اللعب، والرحلات الجماعية، والمكتبة، والسباحة، والرياضة.
تدريب الأطفال على مهارة التواصل
وهي من المهارات الأساسية والهامة، وخاصة المهارات اللغوية اللفظية (Verbal communication)، وكذلك المهارات غير اللفظية (Nonverbal Skills)، حيث إن هناك علاقة بين اللغة والتفكير والنمو العقلي للوظائف العقلية، وهنا لا بد للمدرب من التواصل الوظيفي، وتكثيف التفاعلات، وتوضيح المطلوب من الطفل وبشتى الوسائل، البصرية، والكلام، والإشارات وغيرها، ولا ننسَ أن هناك علاقة إيجابية بين التواصل والسلوك، ولا بد من اعتماد ما يسمى باستراتيجيات التواصل المساند 29 (Augmentative Communication Strategies) مثل الاهتمام بعنصر المبادرة عن طريق جعل الآخرين يستثيرون الطفل، مستخدمين كل أنواع التعزيز لتحقيق المبادرة في التواصل، لتحسين اللغة، أما مهارات التواصل الأساسية (The Core of Communication Skills) فتستخدم فيها أساليب النمذجة (Modeling) والحث الجسدي، والإشارات البصرية والتعزيز بأشكاله، كما يمكن الاستعانة بما يسمى بالتدخل التوسطي للأقران (Peer\mediated intervention). أما عن المهارات الاجتماعية، فيمكن الاعتماد على القصص الاجتماعية؛ تأليف قصص، أو الاعتماد على قصص جاهزة، وعادة يقرأ المدرب القصة عدة مرات (2 – 3) مرات وذلك إذا كان الأطفال يستطيعون القراءة، ثم يقوم الطفل بالقراءة، ثم قراءتها يومياً بشكل مستقل (تحت الإشراف).
فإذا لم يستطع الطفل القراءة، فيتم وضع نص القراءة على شريط تسجيل بحيث يتضمن ذلك إشارة مثل صوت جرس، أو على شريط فيديو، مع تفاعلات اجتماعية مثلاً أثناء تناول الطعام. ولا بد من الإشارة إلى أهمية ما يسمى بالتعلم التعاوني في مجال التدريب؛ حيث يتم تقسيم الأطفال إلى مجموعات صغيرة من أجل التفاعل الاجتماعي وعمليات الدمج، مثلاً نضع كل (3 – 4) أطفال في لعبة أو مشاركة جماعية، ولكل طفل دور ثم تبدل الأدوار. ويمكن إعداد نشاط على شكل طفل توحّدي يقابله ثلاثة أطفال عاديين، ويمكن أن يتراوح العدد كما ذكرنا بين (3 – 4) أطفال، ويمكن أن يزداد هذا العدد إلى (5 – 6) أطفال في حالة الدمج، وهذا ما يحدده طبيعة النشاط والأطفال، والتعليم التعاوني له فوائد مثل التعليم الفردي، إلا أن هذا لا يعني رفض العمل الجماعي الذي هو أحد الأساليب الهامة في عمليات التفاعل والتواصل الاجتماعي، ومن خلال ذلك يتعلم الطفل عملية الضبط الذاتي وتحمل المسؤولية، والمشاركة في أداء المهمات، (يمكن تصميم لعبة يكون دور الطفل فيها إطلاق كلمة أنا).
تحليل المهارات التي يتم التدريب عليها skills analysis
يستخدم المعلم أو المدرب أو المعالج عدة طرق لتدريب طفل التوحد على عدة مهارات تعمل كلها على تنمية قدراته الذهنية، واللغوية، والاجتماعية، مثل طريقة التعزيز، والنمذجة والتقليد، والتمثيل، واللعب… وكذلك أسلوب تحليل المهارة إلى عناصر متسلسلة تبدأ من السهل إلى الصعب، وهي من الأساليب العلمية والتربوية المتبعة لإيصال طفل التوحد إلى التدرب على المهارة، والعمل على إتقانها (Mastering)، وكل مهارة تشمل عناصر أو عدداً من السلوكات الأساسية التي يقوم بها الطفل في حياته اليومية، مثل هذه المهارات الحياتية والأساسية:
– ترتيب السرير والغرفة.
– الدخول إلى الحمام.
– غسل اليدين والوجه.
– غسل الأسنان.
– ارتداء الملابس وخلعها.
– إعداد الطعام.
– تنظيف المائدة.
– غسل الأطباق.
– مهارات أخرى مثل التحية والسلام، الخلود إلى النوم.
مهارة غسل الأسنان باستخدام الفرشاة:
الهدف التدريبي هو تنمية قدرة الطفل على غسل أسنانه بالفرشاة والمعجون والماء دون مساعدة، وفي محاولتين ناجحتين يومياً ولمدة ثلاثة أيام (2 × 3 = 6 مرات).
ويتم توفير الأدوات المستعملة للطفل. بعد ذلك يتم تحليل هذه المهارة بحيث يتم تعزيز كل خطوة يقوم بها الطفل تكون صحيحة، ثم تعزيز تقريبي لأداء المهمة كاملة، ويمكن استخدام طريقة الصور، والتلفاز، وطريقة الملاحظة والنمذجة والتقليد. مثلاً يمكن تقسيم المهارة السابقة إلى العناصر التالية: (سلسلة حلقات أو سلوكيات):
1 – توجه الطفل إلى الدولاب (الخزانة) حيث يوجد معجون الأسنان والفرشاة.
2 – فتح الدولاب عندما يطلب منه ذلك.
3 – أن يحضر معجون الأسنان والفرشاة الخاصة به.
4 – التوجه إلى المغسلة، والوقوف أمامها.
5 – أن يفتح المعجون ويضع قليلاً منه على الفرشاة.
6 – إغلاق علبة المعجون.
7 – وضع الفرشاة على أسنانه وتحريكها بالشكل الصحيح.
8 – غسل الأسنان جيداً بالماء.
9 – غسل الفرشاة من آثار المعجون.
10 – تجفيف الفم باستخدام الفوطة.
11 – إعادة المعجون والفرشاة إلى مكانهما في الدولاب.
12 – إغلاق الدولاب والعودة إلى الطاولة لتناول الطعام، مع التعزيز.
التدريب على مهارة استخدام الحمام:
للتدريب على استخدام الحمام هناك عدة خطوات تتم مع مساعدة الأم أو البديل عنها، وفي عملية التدريب هذه يقوم المدرب (أو المعلمة) بأخذ الطفل إلى الحمام مستخدماً طريقة الترغيب والحث والمعززات، ويتم توضيح ذلك للطفل بأن الهدف من ذلك هو التخلص من الفضلات، وعلى أن يعطى الطفل قبل ذلك الشراب والطعام، ويفترض مساعدة الطفل على خلع ملابسه، ويمكن تعزيز الطفل وهو جالس في المرحاض (إعطاء الطفل لعبة يحبها، أو استخدام الأطعمة أو الشراب)، مما يساهم في بقاء الطفل في المرحاض، ويمكن للأم أو للمدرب أن يعانقه وعند الانتهاء العمل على تنظيفه، ثم مساعدة الطفل على ارتداء ملابسه، والعمل على إبعاد الطفل عن كل ما يسبب له الخوف، وتعليم الطفل الذهاب بشكل متكرر إلى الحمام، بصحبة المدرب أو الأم تدريجياً ثم الذهاب بمفرده. وهذا ما يساعد الطفل على بناء الاستقلالية والتحرر تدريجياً من الاعتمادية، بحيث يذهب الطفل وحده إلى الحمام، ولكن يمكن للأم أو للمدرب مساعدة الطفل على خلع ملابسه وارتدائها قبل الذهاب إلى الحمام (Role Playing)، وإذا أتمَّ الطفل ذلك يقدم له المعزز، وقد يمثل الطفل دور الذهاب إلى الحمام، وخلع الملابس، ثم ارتداء الملابس بشكل صحيح، ويُعطى الطفل المعزز، وإذا لم يتبع التعليمات لا يُعطى المعزز، ويعاود الذهاب مرة أخرى إلى الحمام، وإذا وسَّخ ملابسه فعليه تنظيفها لأنه لم يلتزم بالتعليمات.
ولا بد من متابعة الخطوة السابقة عن طريق المراقبة والضبط في كل فترة زمنية، ويمكن أن تسأل الأم أو المدرب كل ربع ساعة (هل أنتَ مبلل؟)، ويتم التأكد من جواب الطفل عن طريق اللمس، وإذا كان الطفل غير مبلل يتم تعزيزه أو معانقته، أما إذا كان الوضع عكس ذلك فالطفل يمنع من التعزيز ويؤنَّب.
وفي حالة التدريب على مهارة ارتداء الملابس وهي من مهارات العناية الذاتية والتي لها أبعاد إيجابية على الطفل، مثلاً تحدد للطفل أسماء الملابس؛ القميص، البنطال، السحّاب، الأزرار… إلخ، ويمكن تدريب الطفل عن طريق جعله يُلْبِس دمية ما ملابسها، وبعد ذلك يطبق على نفسه.
التدريب على مهارة القراءة والكتابة والحساب
وهكذا يتم تحليل المهارات الدراسية بهدف تعليم الطفل مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وتعتمد هذه المهارات على القدرة العقلية للطفل، مثل هذه المهارات الأولية والعامة والأساسية هي:
1 – تعلم بعض الكلمات والأسماء المقربة من الطفل.
2 – الإشارة إلى الاسم الصحيح من بين عدة أسماء موجودة أمامه على البطاقات.
3 – الإشارة إلى صورة الكرسي من بين عدة صور، وذلك حين يطلب منه ذلك.
4 – التلفظ بكلمة (قلم) حين يشير المدرب إلى القلم…
5 – تعرف الأعداد ونطقها.
6 – تعرف وحدات النقود وأجزائها.
7 – تعرف الألوان.
8 – تعرف الأشكال الهندسية.
9 – تعرف المتضادات مثل كبير صغير، طويل قصير، ضيق عريض، ناعم خشن،… إلخ.
10 – تعرف الجهات واليمين واليسار.
لابد من مراعاة قدرات الطفل النمائية، وعمليات التعزيز، والاختيار الجيد للمعززات المناسبة للطفل (س)، وذلك منعاً لتسرب النفور أو الكراهية، أو الملل إلى الطفل، أو رفض محاولات التعليم أو التعديل أو التدريب وغيرها، ويمكن للوالدين وللمعلم والمعالج والمدرب لأطفال التوحد معرفة خصائص التسلسل النمائي العادي أو الطبيعي للأطفال في مرحلة الطفولة وقدراتهم الحركية، والحسية، والعضوية، والعقلية، والدراسية اللغوية وغير اللغوية، والاجتماعية، والشخصية (الذات)، والصحية، وذلك لمراعاة هذه القدرات عند تدريب المهارات أو التعليم؛ لأن كل تدريب على مهارة وبشكل مبكر (قبل العمر المناسب) يترتب عليه مضاعفات، وكذلك التأخر في عملية التدريب والتعليم عن العمر النمائي المناسب يتسبب أيضاً في مشاكل ومضاعفات تنعكس سلبياً على الطفل في المستقبل (ويشترط في عمليات التعليم والتدريب توافر عوامل الدافعية، والنضج، والتعزيز).