عادة ما يأتي إلينا من يعانون من مشكلة الغضب غير منشغلين سوى بأن يصبح غضبهم أقل، أو يبالغون فيتمنون ألا يغضبوا أبدا (وبالطبع، هذا مستحيل). فنخبرهم بأن هذا غير كافٍ؛ فالتقليل من حدة الغضب هو نصف المسافة فقط، فلا يزالون بحاجة إلى أهداف إيجابية يستبدلونها بما لديهم من أفكار ومشاعر وأفعال سلبية؛ ولا يزالون بحاجة إلى استبدال تلك الفترة برمتها بمزيد من الأفكار والمشاعر والسلوك الإيجابي. فإذا لم يكن لديهم كل هذا، فلن تثمر جهودهم سوى بمساحة خالية في عقولهم ذات طاقة أقل بحيث لا يثورون غضبا ولكنهم أيضا لا يقومون بشيء إيجابي؛ وتُدعى عملية استبدال الطاقة السلبية بغيرها الإيجابية بمبدأ الاستبدال.
فكّر بعدد الساعات التي تضيعها يوميا في مشاعر الغضب بسبب مزاجك المتعكر، وأفكارك السيئة، والجدال العقيم. اسأل نفسك الآن، كيف يمكنك استغلال هذا الوقت بعد أن تخليت عن المبالغة في غضبك؟ هل بإمكانك أن تتصور سلوكا جديدا أو فكرا مختلفا ومزاجا جديدا؟ على سبيل المثال، يمكن أن يكون السلوك الجديد أن تلعب الكرة مع أطفالك، فتكون الفكرة الإيجابية الجديدة “هذا أمر ممتع!”، ويكون مزاجك الجديد هو الشعور بالسعادة وأنت بين أبنائك بدلا من المزاج المتعكر.
بمنتهى البساطة والوضوح، نحن نرى أنه من المهم بالنسبة لك أن تُعطي لمبدأ الاستبدال مكانة رفيعة؛ بوضوح أكثر، لن تتمكن من نيل ما تصبو إليه نفسك إلا إذا التزمت التزاما جديا بأن تُغير مما تقوله وما تفعله وما تشعر به.
فكّر في هذا المثال: رجل اسمه “بوتش”، يوما ما أراد بوتش التوقف عن إدمان الكحول، أراد ذلك حقا، فهو بالتأكيد يرغب في التوقف قبل أن يُدمر الشرب حياته. لذا ذات يوم توقف بوتش عن الشرب بشكل مفاجئ. رائع! لقد فعلها حقا! ولكن إذا سألته هل اختلفت حياتك، فستكون إجابته، لا، لم يتغير شيء. ذلك أنه لم يُغير نظام حياته نهائيا. في الحقيقة، لا يزال بوتش يرتاد الحانة المفضلة لديه عدة مرات أسبوعيا، “لأن أصدقائي يتقابلون هناك حيث أقضي أفضل أوقاتي”. ما احتمالات استمراره بعيدا عن الشرب إذا؟ لا تزيد فرصه عن واحد بالمائة على الأكثر.
ولكن لازال بوتش متحيرا لأنه لم يعد يرى صديقه “ليني”. السبب هو أن ليني يدرك مبدأ الاستبدال، فقد قرر استبدال الوقت الذي كان يقضيه بالحانة في أن يقوم بالتخييم مع زوجته وأبنائه، فيتشاركون القصص في مجموعات مساعدة الذات، والتمرين في صالة الرياضة. لذا من الواضح تماما أن فرص ليني في أن يظل متزنا أكبر بكثير من فرص بوتش.
فإذا فعلت مثل بوتش وكنت تمضي وقتك مع أشخاص غاضبين وتُجاريهم في أسلوب حياتهم، فمن المؤكد أنك قريبا ستصبح غاضبا مثلما اعتدت أن تكون من قبل. ولكن إذا تصرفت بذكاء وغيرت من أسلوب حياتك للأفضل، فحينها ستكون قادرا على البقاء هادئا. وهكذا، يكون اتباعك لمبدأ الاستبدال وقاية لك من الانتكاسة.
لاحظ أن التخلص من الغضب يتطلب أكثر من مجرد تغيير ما يحدث بداخل عقلك، بل سيتوجب عليك اختيار من تقضي معهم وقتك، وربما ينبغي عليك قضاء الوقت مع نوعية مختلفة من الناس في حال كان من تقضي معهم وقتك الآن من عائلتك وأصدقائك هم مجموعة من الحانقين الغاضبين. فتقليل غضبك ينتج عن مجموعة من التغييرات التي تقوم بها، بعضها يمكن التنبؤ به والبعض الآخر لا. فالأمر بمثابة إلقاء حجر فى بركة، فأنت تعلم أنه سيُحدث أمواجا، ولكنك لا تعلم تحديدا أين ستذهب، أو أي تأثيرات ستنتج عنها.
تمرين. سنوجه إليك سؤالا صعبا: هل هناك أشخاص في حياتك يزيدونك غضبا عندما تكون ثائرا؟ إذا كان كذلك، فما هى خطتك للتعامل معهم حتى تصبح أقل غضبا؟ هل ستقلل من عدد المرات التي تلتقيهم فيها؟ أم ستحتاج لأن تبتعد عنهم تماما؟ إذا كان أولئك الأشخاص هم أفراد عائلتك، فماذا ستفعل لتقلل من الفترة السلبية التي تمضيها معهم ولتزيد من أنماط اتصال أكثر إيجابية؟ حاول أن تُفكر في حل وسط بين الأمرين: ألا تفعل شيئا على الإطلاق ولكنك تتمنى الأفضل، وبين أن تضع كل شيء خلف ظهرك وتبدأ من جديد. ولتكن صادقا مع نفسك. ما الذي تحتاج لفعله كي تتبع مبدأ الاستبدال وتتجنب الانتكاسة؟