يواجه الطفل الذي يولد وهو مصاب بمتلازمة داون Down syndrome تحديات تتعلق برحلة نموه وتطوره بالإضافة إلى المخاطر الطبية. ففي البداية تكثر المشكلات المتعلقة بالأكل وتأخر الطفل في اكتساب مهارات النمو والتطور. فمعظم الأطفال المصابين ب«متلازمة داون» يكون لديهم درجة من درجات الإعاقة الذهنية بدءا من الدرجات الخفيفة ووصولا إلى الإعاقات الحادة، وهم ينمون ببطء مما يجعلهم عرضة لمشكلات في السمع والإبصار وعدوى الأذن والجيوب الأنفية واضطراب النوم ونقص هرمون الغدة الدرقية ومشكلات القلب والمفاصل وغيرها من المشكلات، وأي طفل قد يواجه عددا قليلا من هذه المشكلات أو عددا كبيرا منها أو قد لا يتعرض لها على الإطلاق.
ولكن لا تزال هناك إمكانية أن يعيش الطفل المصاب ب«متلازمة داون» وأسرته حياة طبيعية ومرضية لا ينقصها شيء. ويرجع الفضل في هذه النظرة الإيجابية إلى الآباء الذين رفضوا إخفاء أطفالهم المصابين ب«متلازمة داون» عن أعين الناس وطالبوا المجتمع بإعطاء الأطفال والبالغين المصابين بهذا المرض وبكل الإعاقات الأخرى حقوقهم كاملة.
تعريف المرض ومخاطره
تعد المتلازمة ببساطة مجموعة من الأعراض التي غالبا ما يتلازم حدوثها معا. وكلمة «داون» هي الاسم الأخير للطبيب البريطاني جون لانجدون داون وهو أول من قدم وصفا لهذه المتلازمة في عام 1865. وبعدها بمائة عام تقريبا اكتشف العلماء سبب هذه المتلازمة وهو وجود مادة جينية زائدة من الكروموسوم رقم 21. فمعظم الأشخاص المصابين ب «متلازمة داون» لديهم ثلاث نسخ من هذا الكروموسوم بدلا من وجود اثنتين فقط، ومن هنا يأتي اسم «تثلث الكروموسوم 21» والذي يطلق أيضا على «متلازمة داون» ومعناه ببساطة وجود ثلاث نسخ من هذا الكروموسوم لدى الطفل. وفي أحيان نادرة يكون السبب في «متلازمة داون» هو انتقال جزء صغير من الكروموسوم رقم 21 الزائد إلى كروموسوم آخر، وهو ما يعرف علميا بالتغيير الجيني، ويزيد هذا التغيير من احتمالية أن يكون الطفل الثاني لهذه الأسرة مصابا ب«متلازمة داون».
من بين كل 800 طفل يولد طفل مصاب ب«متلازمة داون» مما يجعلها من الاضطرابات الجينية الشائعة. وتزداد احتمالية أن تحمل البويضات نسخة زائدة من الكروموسوم رقم 21 لدى الأمهات الأكبر سنا وبالتالي تزداد احتمالية إنجاب الأم لطفل مصاب ب«متلازمة داون». فبوصول الأم إلى الخامسة والثلاثين من العمر تكون احتمالية إنجابها لطفل مصاب بالمرض هي واحدة من بين كل 250.
تشخيص متلازمة داون
يمكن تشخيص المرض خلال الثلث الأول من فترة الحمل من خلال فحص السائل الأمنيوسي (بزل السائل الأمنيوسي) أو جزء من المشيمة (من خلال أخذ عينة من الزغابات المشيمية)، ويوصي معظم أطباء التوليد بإجراء واحد من هذين الاختبارين للأمهات البالغات خمسة وثلاثين عاما أو أكثر. وقد تشير الموجات فوق الصوتية التي تجرى أثناء الحمل إلى احتمالية وجود المرض.
ويمكن أيضا للفحص الطبي الذي يجرى عند الولادة أن يشير إلى وجود المرض، ولكن التشخيص النهائي يعتمد على إجراء تحليل للدم ويستغرق الأمر أسبوعا أو اثنين حتى تظهر نتيجة هذا التحليل.
العلاج
لا يوجد دواء أو نظام غذائي أو مكمل غذائي أو أي علاج آخر يمكنه أن يشفي المريض من «متلازمة داون». ولاتزال العقاقير السحرية والعلاجات الجديدة تظهر كل فترة، ولكن لم تثبت فعالية أي منها حتى الآن عند الخضوع للفحص العلمي الدقيق. وعلى الآباء أن يوازنوا بين قرارهم بأن يجربوا كل شيء من أجل العلاج من ناحية وبين الاستنزاف العاطفي وخيبة الأمل التي تصيبهم مرة بعد الأخرى من ناحية أخرى، فمن المهم أن يتقبل الآباء أطفالهم حتى وهم يبحثون عن طرق تحسن حياتهم.
يستفيد الأطفال المصابون ب«متلازمة داون» من وجود خدمة الرعاية الطبية المنزلية، يستطيع أي طبيب متخصص في متابعة الطفل أن يساعد الأبوين على توقع الأمور الصحية المختلفة المقرر لها أن تحدث ويساعدهما أيضا على الوصول إلى من يحتاجون إليهم من الأخصائيين والمعالجين. والبحث عن طبيب متخصص يمتلك الخبرة التي تمكنه من التعامل مع الأطفال ذوي الإعاقات وبالأخص «متلازمة داون» هو أمر يستحق أن نتعب من أجله. فمثلا لدى مثل هذا النوع من الأطباء على الأرجح خرائط خاصة للنمو يمكن أن تساعدنا على اكتشاف صعوبات النمو التي يعاني منها الأطفال المصابون ب«متلازمة داون».
ويجب أن توضع خطة تعليم وفقا لاهتمامات الطفل الخاصة وحالته المزاجية وأسلوبه في التعلم، وبالطبع يجب أن تأخذ تلك الأمور في الاعتبار مع كل الأطفال، ولكنها تكون ذات أهمية حساسة جدا بالنسبة للأطفال المصابين ب«متلازمة داون». غالبا ما يسير دمج هؤلاء الأطفال في الفصول المدرسية العادية على نحو جيد، ولكنه يتطلب في الغالب دعما خاصا من الأخصائيين في مجال التعليم ممن يمتلك المعرفة الملائمة أو من الطبيب النفسي الموجود بالمدرسة.
تكون رعاية الأطفال المصابين ب«متلازمة داون» في أفضل صورها عندما يعمل الآباء والأطباء والمعلمون معا كفريق واحد، ولابد بالطبع أن يكون هذا الفريق تحت قيادة الآباء. والمشاركة في إحدى مجموعات دعم الآباء يمكن أن تزود الأبوين بما يحتاجان إليه من معلومات ودعم لكي يقودا الفرق التي ترعى طفلهما بنجاح.