كثير من الناس يجدون أن بعض الأنواع أو بعض التركيبات (أو الأخلاط) من الأطعمة لا تناسبهم. وبناءً على هذه الملاحظة وبناءً أيضاً على البحث الذي أجراه دكتور هوارد هاي في مجال الصحة والتغذية ابتكر هذا العالم في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين خطة لنظام غذائي عرف باسم خلط الأطعمة (أو تركيب الأطعمة)، وقد ساعدت هذه الخطة الملايين من الناس في الحصول على صحة أفضل.
وكانت العناصر الرئيسية في النظرية الأصلية لدكتور هاي أن تأكل الأطعمة المكونة للقلويات، وأن تتجنب الأطعمة المكررة والمصنعة بدرجة مكثفة، وأن تأكل الفواكه بمفردها، ولا تخلط الأطعمة الغنية بالبروتينات بالأطعمة الغنية بالكربوهيدرات.
وكما رأينا، فإن البروتينات والكربوهيدرات يتم هضمها بشكل مختلف. فهضم الكربوهيدرات يبدأ في الفم حينما يبدأ إنزيم الأميلاز الهاضم، الذي يوجد في اللعاب، في التفاعل مع الطعام الذي تمضغه. وما إن تبتلع الطعام ويدخل إلى الوسط الحمضي نسبياً في المعدة حتى يتوقف الأميلاز عن العمل. وحينما يترك الطعام المعدة ويصل إلى الأمعاء، حيث يصير الوسط الهضمي أكثر قلوية، عندها فقط يمكن أن تتولى الموجة الثانية من إفراز إنزيمات الأميلاز (وهذه المرة تفرز من البنكرياس إلى الأمعاء الدقيقة) استكمال هضم الكربوهيدرات.
ومن ناحية أخرى، فإن البروتين لا يُهضم أبداً في الفم. فإنه يحتاج إلى الوسط الحمضي للمعدة، وقد يبقى مستقراً في المعدة لعدة ساعات حتى يتم تحليل كل البروتينات المعقدة إلى مجموعات صغيرة من الأحماض الأمينية. وهذا يحدث فقط في المعدة بفضل المستويات العالية من حمض الهيدروكلوريك الضروري لتنشيط إنزيم الببسين الهاضم للبروتين. وبمجرد أن تغادر مجموعات صغيرة من الأحماض الأمينية المعدة فإنها تقابل إنزيمات الببتيداز (مرة أخرى من البنكرياس) التي تحللها إلى أحماض أمينية مفردة جاهزة للامتصاص.
الخرافات المتعلقة بخلط الأطعمة
إن الأسلوب الشائع القائم على المبالغة في تبسيط الأمور يتضمن الفصل بين الأطعمة الكربوهيدراتية والبروتينية على أساس أنهما يهضمان بشكل مختلف. والحقيقة القائلة إن تناول أنواع معينة من البقول (أو الفوليات) يؤدي إلى تكون الغازات وحدوث التطبل غالباً ما يستشهد بها باعتبارها تأثيراً سلبياً لاحتواء الفوليات على كل من البروتينات والكربوهيدرات. ومع ذلك، فمن المعروف الآن أن هذا لا يعد مبرراً مقبولاً لما اكتسبته الفوليات من سمعة سيئة مرجعها أن بعض أنواع الفوليات توجد فيها بروتينات خاصة؛ منها نوع يسمى اللكتينات لا يمكن أن تهضمها الإنزيمات التي في قناتنا الهضمية حتى لو أكلنا الفوليات وحدها. ومع ذلك فهذه البروتينات يمكن أن تهضمها البكتريا التي تعيش في الأمعاء الغليظة. وعلى هذا، فإنك إذا أكلت نوعاً من الفول، فأنت لا تطعم نفسك وحدك وإنما تطعم أيضاً هذه البكتريا. وهذه البكتريا نفسها تنتج كمية من الغازات بعد تناولك قدراً لا بأس به من اللكتين. ومن ثم يحدث التطبل. وهذا في حد ذاته لا علاقة له بخلط الأطعمة. إن كثيراً من المجتمعات البشرية المتمتعة بالصحة في أنحاء العالم قد درجت على نمط غذائي يمثل الفول أو العدس طعاماً أساسياً فيه دون أن يعانوا من أية مشكلات هضمية.
البروتينات والكربوهيدرات: أطعمة متناقضة؟
بالطبع، نظراً لأن الأطعمة لا تتكون بكاملها من الكربوهيدرات أو البروتينات، فإنه من الناحية العملية يمكننا القول إن فصل البروتينات عن الكربوهيدرات يعني بالفعل عدم خلط الأطعمة البروتينية المركزة بالأطعمة النشوية المركزة. فاللحم يحتوي على 50% بروتين وصفر% كربوهيدرات. أما البطاطس فتحتوي على 8% فقط بروتين و 90% كربوهيدرات. وفيما بين هذا وذاك تقع الفوليات والعدس والأرز والقمح والكينوا. إذن فأين نرسم الخطوط الفاصلة، إذا رسمناها أصلاً؟!
تطور الهضم في الإنسان
إن قيامنا برحلة قصيرة إلى ماضي حياتنا البدائية قد يحل هذا اللغز. فإن ثمة إجماعاً عاماً على أننا معشر البشر كنا على مدى ملايين السنين نأكل طعاماً نباتياً في أغلبه، مع إضافة قليل جداً من اللحم أو السمك بين حين وآخر. وأما القردة فيمكن تقسيمها إلى نوعين مختلفين: نوع يتميز بقناة هضمية شبه مجترة ويهضم ببطء حتى أصعب الأطعمة الليفية هضماً، وهو في نمطه الغذائي يشبه البقرة إلى حد كبير؛ ونوع يتميز بجهاز هضمي أشد سرعة بكثير وأكثر تقدماً من الناحية التطورية، وينتج سلسلة كاملة من مختلف الإفرازات الإنزيمية. وإننا كبشر نندرج ضمن الفئة الثانية. فجهازنا الهضمي أكثر كفاءة ولكنه يستطيع أن يتعامل فقط مع الأطعمة الأكثر سهولة نسبياً في هضمها مثل الفاكهة وأوراق النباتات الناشئة الغضة وبعض الخضراوات (بدون أعناقها!). وتعتقد النظريات الثورية أن هذا النموذج الأحدث للجهاز الهضمي يقوم بأمرين: أولاً أنه يمنحنا دافعاً لنحسن عملية المعالجة الذهنية والحسية بحيث نعرف متى وأين نجد الطعام الذي نحتاجه؛ وثانياً أنه يمنحنا العناصر الغذائية اللازمة لتكوين مخ وجهاز عصبي أكثر تقدماً وتطوراً.
هل كان رجال الكهوف يأكلون اللحم مع بعض الخضر؟
إنني أعتقد أن لدينا طريقتين أساسيتين لهضم الطعام. الأولى هي لهضم البروتينات المركزة (اللحم، والسمك والبيض). فلهضم هذه الأطعمة يجب أن ننتج كميات كبيرة من الحمض المعدي والإنزيمات الهاضمة للبروتين. وعلى أية حالة، فلو أن أحد أسلافنا اصطاد حيواناً، فهل تظن أنه سيذهب إلى الغابة ليلتقط قليلاً من الخضر ليصنع “وجبة متوازنة”؟ إنني أشك في هذا وأتخيل أن أسلافنا كانوا يأكلون ما يصطادونه بما فيه من أحشاء وغيرها بأسرع وقت ممكن قبل أن يهاجمهم أحد الحيوانات الضارية ليأكل من الفريسة. وربما قضوا يومين لا يأكلون شيئاً سوى البروتين الحيواني المركز (من لحم الفريسة). وعلى أية حال، فإن اللحم العضوي النيء الطازج مغذٍ بدرجة عالية.
الفاكهة: الفارس الوحيد
في بعض أوقات السنة يجب أن نتناول أنواعاً معينة من الفاكهة. ولا شك أننا لسنا المخلوقات الوحيدة التي تأكل الفاكهة. ونظراً لأن الفاكهة هي أساساً أفضل وقود للحصول على طاقة فورية، إذ تحتاج إلى القليل جداً من الهضم، فإن بإمكاننا بسهولة أن ننتج الإنزيمات والهرمونات الضرورية لمعالجة كربوهيدراتها البسيطة. ومرة أخرى أقول إننا غالباً ما نأكل الفاكهة وحدها. فعلى أية حال، إذا أكلت ثلاث أصابع موز، فلن تشعر برغبة شديدة في أن تأكل الخضراوات بعدها مباشرة.
وهناك أنواع كثيرة من الفواكه اللينة تتخمر سريعاً بعد نضجها. وهي تفعل نفس الشيء إذا وضعتها في وسط دافئ وحمضي وهو ما يكون داخل المعدة. وهذا ما يحدث إذا أكلت شريحة من اللحم وقطعة من البطيخ أو الشمام بشكل متتابع فوري. لذا، فإن نصيحة د. هاي بأن تأكل الفاكهة منفصلة عن غيرها من المأكولات نصيحة معقولة جداً. إذ إن الفاكهة تستغرق حوالي 30 دقيقة حتى تمر خلال المعدة، بينما يستغرق البروتين المركز ساعتين إلى ثلاث ساعات. وهذا يعني أن أفضل وقت لتناول الفاكهة هو أن تتناولها كتصبيرة (سناك) قبل أية وجبة بأكثر من 30 دقيقة، أو بعد أية وجبة بما لا يقل عن ساعة إلى ساعتين، وربما أكثر من هذا إذا أكلت كمية كبيرة من البروتين المركز. والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو خلط الفواكه التي لا تتخمر بسهولة مثل الموز أو التفاح أو الكمثرى (لاسيما الأصناف الصلبة منها) بالأطعمة الغنية بالكربوهيدرات المعقدة (أو المركبة) مثل الشوفان أو الدخن. وهكذا فمن الجائز تناول عصيدة التفاح (تفاح مع دقيق) أو الموز بالجاودار الكامل.
التوازن الصحي
يبدو، مع ما قيل سابقاً، أن أسلافنا في أغلب الأحيان كانوا يأكلون غذاءً نباتياً متفاوتاً في نوعيته. وهذا يعني أنهم كانوا يأكلون الخضراوات الورقية والخضراوات الجذرية والمكسرات والبذور والبقول والنباتات الناشئة. وهذا ما أفترض أنه النوع الثالث من أنواع الهضم أو من أنواع القناة الهضمية وأكثرها شيوعاً، وهو ما يتعامل مع خليط من الأطعمة يحتوي على خليط من الكربوهيدرات والبروتين، ولكنه لا يكون بروتيناً مكثفاً مثل اللحم. ولا أرى أية مشكلة في خلط الأرز والعدس والفول والخضر والمكسرات والبذور.
وصحيح أن فصل البروتينات المركزة عن الكربوهيدرات المركزة قد يجعل الهضم أسهل قليلاً، ولكن من المعروف الآن أن إضافة البروتين إلى وجبة من الكربوهيدرات يبطئ انطلاق السكريات من الكربوهيدرات مما يجعل المحافظة على استقرار مستوى السكر في الدم أكثر سهولة. وهذا يكون مفيداً بصفة خاصة كجزء من نظام لإنقاص الوزن ولجعل مستويات الطاقة مستقرة. لذا فإن فصل البروتين عن الكربوهيدرات قد يكون مفيداً جداً لاستعادة الهضم السليم لأولئك الذين يعانون نقصاً إنزيمياً، ولكنه ليس بالضرورة أسلوباً ثابتاً في الحياة.
وباختصار، يمكن ضغط قضية خلط الأطعمة في خمس خطوات بسيطة (مبينة في الشكل). ولو كان أحد الأشخاص ما زال يعاني مشكلات في هضم تلك الأخلاط من الطعام فقد تكون لديه حالة نقص إنزيمي، أو حالة عدم تحمل للأطعمة أو ضعف في بنيته الجسدية.
بصفة عامة، لكي تساعد عملية الهضم لديك، عليك بمراعاة ما يلي:
• تناول 80% في صورة أطعمة مسببة للقلوية و20% أطعمة مسببة للحموضة. وهذا يعني تناول كميات كبيرة من الخضراوات والفواكه والأطعمة البروتينية الزهيدة مثل الفول والعدس والحبوب الكاملة بدلاً من اللحم والسمك والبيض.
• تناول الفواكه سريعة التخمر والفواكه الحمضية بمفردها كتصبيرات. فأغلب الفواكه اللينة تتخمر بسهولة. وهي تشمل الخوخ والبرقوق والمانجو والفراولة والبطيخ والشمام. وكذلك، فإن الفواكه عالية الحمضية (رغم أنها مسببة أو مكونة للقلوية) قد تثبط أيضاً هضم الكربوهيدرات. وهذه تشمل البرتقال والليمون والجريب فروت والأناناس. وجميع هذه الفواكه تحتاج إلى قليل من الهضم، وتطلق محتواها من الفركتوز الطبيعي بسرعة. فتناولها منفردة كتصبيرة حينما تحتاج إلى منشط للطاقة.
• تناول البروتين الحيواني منفرداً أو مع الخضراوات. تحتاج البروتينات المركزة (مثل اللحم والسمك والجبن الصلب والبيض) إلى كميات كبيرة من الحمض المعدي وإلى مكثها لوقت طويل في المعدة (حوالي ثلاث ساعات) لكي تهضم. لذا لا تخلط الأطعمة التي تطلق محتواها السكري سريعاً أو الأطعمة سريعة التخمر مع البروتين الحيواني.
• تجنب جميع الكربوهيدرات المكررة، وتناول الكربوهيدرات غير المكررة وسريعة الإطلاق للسكريات مع الكربوهيدرات غير المكررة بطيئة الإطلاق للسكريات. فالفواكه سريعة الإطلاق للسكريات التي لا تتخمر بسهولة مثل الموز والتفاح وجوز الهند يمكن خلطها بالأطعمة النشوية الكربوهيدراتية بطيئة الإطلاق للسكريات مثل الشوفان والدخن.
• لا تأكل بعد استيقاظك من النوم إلا بعد مرور فترة كافية. اترك مدة لا تقل عن ساعة بين استيقاظك من النوم وتناولك للطعام. فإذا كنت تمارس الرياضة في الصباح، يمكنك تناول الطعام بعد ذلك. ولا تبدأ يومك باستعمال مادة منبهة (مثل القهوة أو الشاي أو السجائر). فهذه الحالة من التوتر تثبط الهضم. وتناول فقط أطعمة الفطور المحتوية أساساً على كربوهيدرات مثل الأطعمة النشوية مع الفواكه غير سريعة التخمر أو الفواكه وحدها أو التوست المصنوع من حبوب الجاودار الكاملة.