يعد اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ADHD حالة مرضية أخرى لم تكن موجودة عند نشأتي، لكنها صارت الآن حالة وبائية في أمريكا الشمالية، وصرنا نصدِّرها بنجاح، أو على الأقل نصدر فكرتها, إلى أجزاء أخرى من العالم، وعلى الرغم من أن التشخيص بهذا الاضطراب مشروع – وفي رأيي إنه كثيرًا ما يكون غير ذلك – فإن الأسباب الكامنة وراءه معقدة، وقد تنتج عن عدم توافق بين أساليب الفرد في التعلم، والعمل، والبيئات التي يفترض أن يتعلم منها، أو يعمل فيها، كما قد تشتمل على عوامل تتعلق بنمط التغذية أو نمط الحياة، لكن بالاتساق مع الميل إلى علاج المشكلات السلوكية والانفعالية علاجًا طبيًّا، يعتقد الآن أن السبب الرئيسي لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة يكمن في وجود خلل في كيمياء المخ، وأن العلاج الأفضل له يكون بالعقاقير الطبية.
اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة هو الحالة الأكثر إثارة للجدل في طب الأطفال
يُعرف اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بأنه اضطراب في النمو العصبي، يتسم بفرط الحركة، وصعوبات في التركيز أو الانتباه، والتهور. وعلى الرغم من أن الكثير من الأشخاص يتسمون بهذه الصفات؛ فلا بد من أن تكون الأعراض حادة بشكل كافٍ للتأثير في مجالين مختلفين في الحياة لتبرير التشخيص، وبالنسبة إلى الأطفال يكون هذان المجالان البيت والمدرسة. وقد زادت نسبة انتشار اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بدرجة مثيرة بعد أن كان متلازمة غير شائعة تؤثر في أقل من 3% من إجمالي الكثافة السكانية في السبعينيات من القرن العشرين؛ إذ تم مؤخرًا تشخيص حالة نحو 11 % من الأطفال – أي نحو 6 ملايين طفل – في الولايات المتحدة بهذا الاضطراب، ويعتبر اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة المرض المزمن الأكثر شيوعًا في مرحلة الطفولة، حتى إنه أكثر شيوعًا من الربو، كما حدثت زيادة ملحوظة في الفترة الأخيرة في إصابة البالغين به.
وهناك جدل كبير، داخل وخارج نطاق مهنة الطب، بشأن ما إن كانت هذه الزيادة الكبيرة تمثل زيادة حقيقية في عدد المرضى بهذه المتلازمة، أم إنها نتاج تفشي حالة من المغالاة في التشخيص بها. بل إن المبالغين في التشكيك لديهم شك في حقيقة وجود هذا الاضطر اب أصلًا. وبمجرد أن يتم تشخيص الحالة بهذا الاضطراب، يجري علاج معظم الأطفال بالمنشطات النفسية خلال فترة طويلة، وذلك بالاتساق مع توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال وغيرها من الهيئات الطبية.
وأنا أؤمن بأن اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة هو حالة حقيقية تكون لها تبعات خطيرة لدى من يعانونها بدرجة حادة؛ لكنني أؤمن أيضًا بأن هناك مغالاة في التشخيص بها، وهي ناتجة عن عوامل كثيرة أبرزها على وجه التحديد المطالب الكبيرة الملقاة على عاتق أطفالنا في ظل عدم وجود الدعم الكافي لهم، ومن غير المنطقي أن يكون هناك من 11 إلى 15 % من الأطفال ( 20 % من الأولاد) قد أصيبوا فجأة بحالة مرضية تتطلب علاجًا يستمر مدى الحياة.
والنقاش المستفيض بشأن كيفية حدوث ذلك قد يحتاج إلى كتاب كامل، ولكن إليك بعض المسائل التي توضح عدم الدقة في منهجية التشخيص التي نتبعها وطبيعتها الغريبة.
في عام 2010 ، أوضح باحث أن الأطفال المولودين في شهر أغسطس كانوا أكثر عرضة مرتين 2 لتشخيص حالاتهم باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، والعلاج بالمنبهات، من أولئك المولودين في شهر سبتمبر؛ لماذا؟ لأنهم كانوا الأطفال الأصغر سنًّا في الفصل. وقد أشارت التقديرات إلى أن هذا يشكل نحو 900000 حالة من التشخيصات الخطأ، وصدقت دراسات أجريت في كندا وأيسلندا على النمط نفسه، ولعل ما يشير إليه هذا الأمر هو فشل التمييز بين اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ومجرد عدم النضج.
أوضحت دراسة أخرى أن معدل تشخيص حالات اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة قد تضخمت في مواقع تم فيها تنفيذ قانون “عدم إهمال أي طفل” وغيره من البرامج المشابهة، وفي ظل هذه البرامج، يجب أن يخضع كل الطلاب لاختبارات معيارية نتائجها تحدد استحقاق المدرسة تمويلات فيدرالية معينة، وإن لم تكن المدارس مؤهلة لذلك، يتم توقيع العقوبات عليها، ومن ضمنها عقوبة فصل طاقم الإدارة وطاقم العمل. ويبدو أنه عندما يعتمد المعلمون والمدارس في بقائهم الاقتصادي على نتائج الاختبار، يصبح تشخيص الأطفال وعلاجهم ليقدموا أداءً أفضل حلًّا جذابًا.
ولعل السببين الأكثر بروزًا للمغالاة في التشخيص باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة هما ( 1 ) كثرة المطالبة بالعلاج من قبل المعلمين، والمدارس، والآباء، ويصاحب هذا كله وضع الأطفال تحت ضغط ليحسنوا الأداء، و( 2 ) التقييمات غير الدقيقة والمتسرعة من قبل الأطباء وغيرهم من مقدمي الرعاية الصحية في ظل عدم كفاية الوقت لإجراء هذه التقييمات بشكل صحيح. وينبغي عند إجراء تقييم اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أن تُراعى كل العوامل في حياة الطفل، ومن بينها علاقته بأسرته، ومدرسته، ومجتمعه، وكذلك نقاط القوة والضعف الفردية. ويمكن الخلط بين كثير من الحالات واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة – كحالات صعوبات التعلم، والقلق، واضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية، وانقطاع التنفس في أثناء النوم – وسوف تمر هذه الحالات دون فحص دقيق.
عقاقير اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة
إن العقاقير الأكثر استخدامًا لعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة هي المنبهات، وأشهرها ميثيل فينيدات (ريتالين، وميتاديت، وكونسيرتا)، كما أن هناك أنواعًا أخرى, مثل ديكستروأمفيتامين/أمفيتامين (أديرال)، وليسديكس أمفيتامين (فيفانس)، وديكسميثايل فينيديت (فوكالين)، وأتوموكسيتين (ستراتيرا)، وكلها تعمل بأسلوب واحد، ولها الفوائد والمخاطر والآثار الجانبية المتوقعة نفسها.
وتزيد هذه العقاقير من فرص إفراز اثنين من الناقلات العصبية المهمة، دوبامين ونورإبينيفرين، وتحفز الفص الجبهي في المخ المسئول عن الوظائف التنفيذية – أي القدرة على التخطيط، والتركيز، والتحكم في الدوافع – وهي بالتحديد الأمور التي تصعُب على مرضى اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. وعندما تحسِّن العقاقير المنشطة الوظائف التنفيذية، فإنها كذلك تقلل بدرجة مثيرة من فرط الحركة.
لقد أوضحت مئات الدراسات قصيرة المدى أن هذه العقاقير تكون فعالة لدى نحو 70 % من المرضى المصابين فعليًّا باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، من كل من الأطفال والبالغين، وأنها قد تمكن الأطفال من الجلوس بثبات، والتركيز بشكل أفضل، والتعلم بكفاءة أكبر، وكبح جماح السلوك الاندفاعي؛ ومن ثم قد تكون المنشطات لدى بعض الحالات منقذة للحياة.
تتدرج تكلفة أدوية اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة من 15 دولارًا إلى 500 دولار في الشهر، وعلى الرغم من أن الأطفال لا يزالون هم المستخدم الأول لهذه الأدوية، فإن الزيادة البالغة في التكلفة في السنوات الأخيرة كانت من قبل البالغين.
مشكلات المنشطات النفسية
هناك مشكلتان خطيرتان للمنشطات، أولاهما أنه يمكن أن تكون لهذه العقاقير آثار خطيرة على المديين القصير والطويل، وثانيتهما أنه ليس هناك دليل قوي على وجود فائدة لها على المدى الطويل.
وإليك قائمة بأشهر آثارها الجانبية:
- آلام البطن
- الاهتياج
- التوتر
- فقدان الشهية وخسارة الوزن
- نقص النمو
- الهلاوس
- نوبات الصداع
- ارتفاع ضغط الدم (قد يكون هذا الأثر إشكاليًّا بشكل أكبر لدى البالغين)
- زيادة خطر فرط تعاطي الدواء وإدمانه
- التشنجات اللا إرادية
- صعوبة النوم
إن الآثار الجانبية المذكورة سابقًا شائعة الحدوث نوعًا ما، إضافة إلى ذلك تظهر على الكثير من الأطفال آثار طفيفة. وبعد أن يتعاطى الأطفال هذه الأدوية، قد يتصرفون بشكل جيد؛ لكن آباءهم يقولون “إنهم لا يشبهون أنفسهم”، ومثل “مايا”، قد تزول بهجتهم وعفويتهم. أيضًا قد يصبح بعضهم مكتئبًا، أو منفعلًا، أو غاضبًا بشكل صريح، وكثيرًا ما يمرون بفترات من زيادة فرط النشاط أو الانفعال مع ضعف أثر الدواء في نهاية عصر اليوم، وأحيانًا ما يتطلب الأمر أخذ جرعة إضافية، أو ضم عقاقير مختلفة إلى العلاج.
وتعتبر الهلاوس بوصفها أثرًا جانبيًّا للمنشطات مشكلة خطيرة، وربما تكون أكثر حدوثًا مما يتصور الآباء والأطباء. وقد اكتشفت دراسات حديثة أنه من 1 إلى 3 % من الأطفال قد أصيبوا بالهلاوس في أثناء تعاطي المنشطات، كما أوضحت دراسة أجريت مؤخرًا أن 62 % من أطفال الآباء ذوي التاريخ المرضي للاكتئاب الحاد، أو الاضطراب ثنائي القطب، أو انفصام الشخصية يعانون أعراضًا نفسية في أثناء تناولهم المنشطات، ويعد هذا نتيجة مؤرقة.
وتتلاشى معظم الآثار الجانبية عندما يتوقف العقار، على الرغم من أن التشنجات اللاإرادية قد تستمر، ومستوى النمو قد لا يلحق بالمستوى الذي يتوافق مع سن الطفل. ولحسن الحظ، إن معظم الأطفال قد يعودون إلى شخصياتهم الطبيعية سريعًا، تمامًا مثلما فعلت “مايا”.
إن الدراسات الجيدة طويلة المدى التي أجريت على أثر المنبهات في علاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة قليلة ومتباعدة، وأتت بنتائج محبطة، ولعل أشهرها كان دراسة تعرف بالعلاج متعدد الوسائط لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وقد أجراها أساتذة متميزون في جامعات أكاديمية مختلفة؛ حيث قسَّموا 564 طفلًا إلى أربع مجموعات بشكل عشوائي، وقد تلقت المجموعة الأولى العقاقير فقط، وتلقت المجموعة الثانية العقاقير وعلاجًا سلوكيًّا، وتلقت المجموعة الثالثة علاجًا سلوكيًّا فقط، وتلقت المجموعة الرابعة أي علاج يقترحه أطباء الأطفال المجتمعيون. وبعد سنة واحدة، كانت سلوكيات المجموعتين اللتين خضعتا للعلاج بالعقاقير أفضل بصورة ملحوظة، وهي نتيجة احتفى بها مؤيدو العلاج الدوائي. لكن في السنة الثانية، تلاشت نسبة 50 % من التحسن، وبعد مرور ثلاث سنوات لم يكن هناك فرق بين الأطفال الذين تعاطوا العقاقير وأولئك الذين لم يتعاطوها. وقد جاء في نص الدراسة: “إن التحسن المتواضع الذي وجدناه في التقييم الذي استمر مدة أربعة وعشرين شهرًا للعلاج متعدد الوسائط لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة قد تلاشى تمامًا خلال ستة وثلاثين شهرًا. وبالمثل؛ لم نجد أية اختلافات بين معدلات الحالات التي تم تشخيصها باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة وغيرهم من أصحاب الإصابات المرضية المشتركة على مستوى مجموعات العلاج المحددة في الأصل على مدار ستة وثلاثين شهرًا”. والخلاصة: إن الأطفال قد تحسّنوا بالعقاقير أو دونها.
كانت نتائج دراسة أخرى طويلة المدى، تحت عنوان اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في مرحلة ما قبل دخول المدرسة، مشابهة. وفيها تم تتبع 230 طفلًا في سن ما قبل المدرسة، جرى تشخيص حالاتهم باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وتتراوح أعمارهم بين ثلاث وخمس سنوات حتى بلوغهم سن السنوات العشر. وبوصولهم إلى هذه السن، كان 79 % من مجموعة الأطفال الذين يتعاطون العقاقير لا يزالون يعانون أعراض المرض مقابل 73.1 % من مجموعة الأطفال الذين لم يتعاطوها، وكانت الأعراض الظاهرة على أولئك الذين تعاطوا العقاقير حادة بدرجة الأعراض ذاتها الظاهرة على الأطفال الذين لم يتعاطوا العقاقير.
فلماذا تفشل الأدوية التي تبدي فاعلية في البداية، في الحفاظ على التحسن على المدى الطويل؟ ربما يكون ذلك لأن المخ يطور مناعة ضد آثار هذه الأدوية؛ أو لأن العلاج بالعقاقير لم يتم بالشكل الأمثل؛ أو لأن الكثير من الأطفال يتحسنون من تلقاء أنفسهم، فلا يمكن رصد أي تحسن.
وهناك معلومات بحثية تدعم الاحتمالية الأخيرة؛ فقد عمل الباحثون في إحدى الدراسات على قياس سمك القشرة المخية في الفص الجبهي من المخ في أثناء نمو الأطفال، ووجدوا أن الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة لديهم تأخر بمعدل ثلاث سنوات في تطورها؛ لكن الكثيرين منهم استطاعوا تعويض هذا التأخر بعد أن نضجوا. والحقيقة، إنه من 30 إلى 50 % فقط من الأطفال الذين تم تشخيص حالاتهم باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، هم من تظل معايير الاضطراب تنطبق عليهم وهم بالغون؛ ومن ثم نحن نعالج الكثير من الأطفال الذين سيتحسنون من تلقاء أنفسهم.
إن لم نستطع إثبات فاعلية المنشطات النفسية على المدى الطويل، فكم ينبغي أن نكون قلقين بشأن الأضرار المحتملة، وبالتحديد آثارها على المخ النامي؟ فلا يبدو أن هناك آثارًا جانبية واضحة لها على المدى الطويل، ولعلنا نستخدم هذه العقاقير منذ الخمسينيات، ولا يصاب المرضى الذين يعالجون بها بالسكتة القلبية، أو أمراض الكلى، أو غيرها من المشكلات الفسيولوجية الخطيرة، كما أننا لا نرى زيادة في الأمراض النفسية الخطيرة مثل الانفصام أو الاكتئاب الحاد؛ لكن هناك قلقًا واضحًا بشأن إدمان هذه العقاقير في ظل علمنا بأعداد المرضى الذين يعتمدون على المنشطات النفسية. وعلى الرغم من ذلك؛ لم يستطع أحد دراسة الآثار غير الملحوظة لهذه العقاقير؛ لكن ما دامت المنبهات تعدل الناقلات العصبية، ووظائف المخ، ويواصل المخ التطور حتى المراحل الأولى من البلوغ، يكون من غير المنطقي أن نفترض أن هذه العقاقير لن تؤثر في تلك العملية، غير أنه لا أحد يعلم ذلك علم اليقين. ونحن نجري تجارب موسعة على عدة ملايين من الأطفال، وتأتي بنتائج يصعب توقعها إلى حد كبير.
ويصعب إجراء الدراسات طويلة المدى التي يمكنها أن تعطينا أجوبة محددة؛ لكنها قد أجريت على الفئران، وينبغي للنتائج التي أتت بها هذه الدراسات أن تجعلنا نتوقف لحظة؛ فقد ارتبط تعرض الفئران في سن المراهقة لدواء ميثيل فينيدات بتبعات سلوكية عصبية مستديمة في فترات لاحقة من حياتها؛ حيث تجعلها أكثر حساسية للتوتر، وأكثر قلقًا؛ وهي تغيرات نود بشكل ما ملاحظتها لدى أطفالنا.
وتنشر قاعدة بيانات كوكرين للمراجع المنهجية تقييمات عن مدى فاعلية التدخلات العلاجية بالعقاقير وأمانها، وهي ربما الهيئة الطبية الأكثر قبولًا على نطاق واسع في هذا الموضوع. وفي عام 2015 ، بحثت مكتبة كوكرين مدى فاعلية دواء ميثيل فينيدات في علاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة؛ حيث شككت الاستنتاجات في مدى صحة الأدلة المستخدمة لدعم استخدامه، وأشارت إلى الحاجة إلى إجراء دراسات أفضل، وسلطت الضوء على “الحاجة الملحة لتجارب عشوائية موسعة للعلاج غير الدوائي”.
هناك مصدر قلق أخير عما إن كانت المنشطات النفسية تزيد من احتمالية تحوُّل الأطفال الذي يُعالجون بها إلى مدمنين عندما يكبرون، وهو سؤال مهم؛ لأن نسبة الإصابة باضطراب الإدمان لدى المراهقين المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة هي 10 % , مقارنة ب 3 % من الأصحاء المعافين من هذا الاضطراب الأخير. ولا تشير المعلومات البحثية المتاحة إلى وجود أية علاقة بين الأمرين؛ لكن خطر فرط استخدام المنشطات النفسية أو إدمانها بين طلاب الجامعة يعد مشكلة خطيرة؛ ذلك لكون هذه العقاقير متاحة بشكل غير قانوني داخل أي حرم جامعي في بلادنا. ويستخدم بعض الطلاب المنشطات فقط للحصول على علامات أفضل، مثلما كانت الأجيال السابقة تستخدم الكافيين أو حبوب التخسيس؛ حيث كان الكثيرون يستخدمونها بغرض الانتشاء، وكثيرًا ما كان الأمر يأتي بعواقب وخيمة. وفي أحد الاستطلاعات، وُجِد أن نحو ثلثي الطلاب في إحدى الجامعات الكبرى بالإقليم الأطلسي الأوسط قد عُرض عليهم تناول عقار منشط؛ واعترف 31 % منهم بإدمانهم أدوية اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. وكما جاء في نص إحدى الدراسات، قال أحد الطلاب: “نبتلع حبوب أديرال للمذاكرة، ونستنشقها للاستمتاع”.
خيارات الطب التكاملي لعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة
في ظل أوجه القصور الكثيرة للمنشطات النفسية، ما الأساليب الأخرى التي يمكننا بها علاج المرضى الذين يتم تشخيص حالاتهم باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، الذين يحتاجون إلى العلاج حقًّا؟
أولًا وقبل كل شيء، ينبغي دومًا التوصية بالعلاج السلوكي لاضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، بالاقتران مع العلاج بالعقاقير، وقد يشتمل الأمر على تدريب الأبوين، واتباع علاج سلوكي مباشر، وإضفاء بعض التعديلات المحددة فيما يتعلق بالفصل الدراسي، وكثيرًا جدًّا ما يتم إهمال العلاج السلوكي بمجرد بدء العلاج الدوائي، لكن تغيير أسلوب الأبوين أو بيئة المدرسة يمكنه أن يكون فعالًا بقدر فاعلية أي دواء مع الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. (تذكَّر أن حالة “مايا” قد تحسّنت كثيرًا في أحد الأعوام، وساءت في العام التالي؛ فأحيانًا ما يصنع التنسيق بين الطالب والمدرسة أو المعلم كل الفارق).
ويمكن للطب التكاملي الاستفادة من عدد من التدخلات الفعالة ذات القليل من المخاطر والآثار الجانبية؛ إذ يمكن مثلًا للحمية الغذائية، مع أحد الأطفال، أن يكون لها أثر بالغ في تخفيف أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة؛ فقد أوضح العديد من الدراسات أن الكثير من الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة يكونون “حساسين” تجاه أطعمة معينة، على الرغم من أنهم غير مصابين بالحساسية بشكل فعلي؛ ومن ثم عندما يتم استثناء هذه الأطعمة من نظامهم الغذائي، تتحسن الأعراض. وعلى سبيل المثال: أفادت دراسة نشرت عام 2011 في المجلة الطبية البريطانية المرموقة ذا لانسيت The Lancet بأن 64 % من الأطفال قد تحسنوا بدرجة كبيرة عند اتباعهم نظامًا غذائيًّا قائمًا على الإقصاء. وتعتبر العناصر المزعجة الأشهر هي الجلوتين (الموجود في القمح وغيره من الحبوب) وبروتين الكازين (الموجود في حليب الأبقار). أيضًا يمكن للألوان الاصطناعية وغيرها من الإضافات أن تجعل أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أكثر سوءًا، كما أوضحت دراسات عديدة. وفي أوروبا يتم أخذ هذا البحث على محمل الجد إلى حد كبير؛ حتى إنه يصبح من الضروري وضع ملصق تحذيري على المنتجات الغذائية التي تحوي أنواعًا معينة من الألوان الاصطناعية.
لقد تبين أن نقص مستويات الحديد والزنك يرتبط باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وتنخفض بشكل عام مستويات أحماض أوميجا 3 الدهنية، الموجودة بشكل أساسي في الأسماك، لدى الأطفال المصابين بهذا الاضطراب؛ لذلك يمكن لتعاطي مكملات زيت السمك أن يكون مفيدًا. وعلى الرغم من أن هناك أبحاثًا محدودة فقط على الميكروبيوم واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، أظهرت إحدى الدراسات أن إعطاء المعينات الحيوية التكميلية للرضع يقلل بشكل كبير من فرص إصابتهم بهذا الاضطراب. أتيح مؤخرًا خيار مثير، وهو استخدام الارتجاع العصبي، وفيه يستخدم الأطفال أساليب الارتجاع البيولوجي لتعلم تعديل موجات أدمغتهم. وتظهر الأبحاث الجيدة أن هذا الأسلوب مثالي، على الرغم من أن كلفته تعد عائقًا كبيرًا. أيضًا يتم العمل على تطوير تقنيات واعدة أخرى بمساعدة جهاز الكمبيوتر لتحسين الإدراك والتركيز.
كذلك يعتبر كل من تقييم مشكلات نمط الحياة وتصحيحها إجراءين مهمين جدًّا، بداية من مشكلات النوم؛ فقد يكون توقف التنفس في أثناء النوم، والنقص البسيط في النوم، مساهمين رئيسيين في شدة حالة اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. وفي الحقيقة، يمكن أن يكون مقدار النوم الذي يحصل عليه الطفل مؤشرًا مهمًّا على النجاح في المدرسة. وينطبق الأمر نفسه على ممارسة الرياضة؛ فقد أوضح العديد من الدراسات أن التمرينات مفيدة لمن يعانون اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وللأسف لا يمارس معظم أطفالنا إلا القليل من التمرينات، أيضًا اتضح أن قضاء المزيد من الوقت في الطبيعة ارتبط بتخفيف حدة أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.
ويمكن كذلك للتدخلات القائمة على علاقة العقل والجسم، مثل اليوجا وتدريب الذهن، أن تقدم المساعدة؛ فقد بدأت الدراسات الجارية إظهار فائدة مثل هذه التدخلات. كما يمكن أن تكون تدريبات التنفس علاجًا فعالًا لفرط النشاط.
الخلاصة
هناك مغالاة كبيرة في تشخيص الحالات باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وينبغي تقييم الأطفال ذوي صعوبات التعلم، أو المشكلات السلوكية، بحرص قبل أن يتم تشخيص حالاتهم بهذا الاضطراب. وبالنسبة إلى مرضى هذا الاضطراب، يمكن للعلاج بالعقاقير أن يكون خيارًا مجديًا، لكن ينبغي أن يكون هذا مكونًا واحدًا من مكونات خطة العلاج التكاملي، ويكون العلاج بالعقاقير مبررًا إن تحقق أحد الظروف التالية:
- عجز الطفل عن التعلم.
- تسبب اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في صعوبة بالغة في البيئة المنزلية.
- عجز الطفل عن تكوين الصداقات أو الاحتفاظ بالأصدقاء بسبب اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.
- تدني مستوى الثقة بالنفس لدى الطفل بسبب أي من المشكلات المذكورة سابقًا.
بل في ظل هذه الظروف، قد ينصح بتجربة المنهجيات غير الدوائية أولًا؛ لأن الفاعلية طويلة المدى للمنبهات في علاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة مشكوك فيها، كما أن مدى أمان استخدامها على المدى الطويل – خاصة فيما يتعلق بتطور المخ – غير معروف، ولا تنسَ أنه علاوة على ذلك، أصبح دواء ميثيل فينيدات غير القانوني، وغيره من المنبهات المشابهة، من الأدوية الرئيسية التي يفرط في استخدامها ويدمنها الكثير من الأشخاص.