هل يصطف طلاب المدارس في الفصل للحصول على أدويتهم, مثل المرضى في جناح العلاج النفسي؟ نعم، وأصبح هذا حدثًا يوميًّا، وتكون معظم الحبوب التي يتم توزيعها عليهم عقاقير نفسية موصوفة: منبهات نفسية لعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، ومضادات القلق، ومضادات الاكتئاب، وكذلك مضادات الذهان؛ لجعل مضادات الاكتئاب تعمل بكفاءة أكبر، فإلى أين وصلنا؟
أصبحت مشكلات الصحة النفسية شائعة اليوم بين الأطفال، والمراهقين، وكذلك بين البالغين، وقد أفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأن نحو واحد من كل خمسة أطفال في الولايات المتحدة يعاني اضطرابات نفسية في أي سنة معينة، وأنه من بين هذه الاضطرابات اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، والتوحد، والقلق، والاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، والذهان، والوسواس القهري، بالإضافة إلى اضطرابات تتعلق بعادات تناول الغذاء وتعاطي الدواء، وتتكلف الولايات المتحدة ما يزيد على 240 مليار دولار سنويًّا لتغطية نفقات مشكلات الرعاية الصحية، والخدمات التعليمية، ونقص الإنتاجية. ويتم التشخيص باستخدام معايير محددة عندما تتضرر قدرة الطفل على التعلم، أو التصرف، أو التحكم في انفعالاته، أو التفاعل بصورة واضحة. وربما تكون الأسباب الكامنة وراء هذه الاضطرابات غير واضحة كلية؛ لكن أغلب الظن أن هناك عوامل جينية وأخرى بيئية تسهم في الأمر بشكل كبير.
يزيد استخدام الأطفال والمراهقين العقاقير النفسية سريعًا في الولايات المتحدة، وعلى مستوى العالم، وطبقًا لبرنامج استقصاء الصحة الوطنية وفحص التغذية الأمريكي, فإن 6 % من المراهقين الأمريكيين قد تعاطوا عقاقير نفسية في الشهر السابق. إضافة إلى ذلك، كثيرًا ما تستخدم مثبتات المزاج (ليثيوم، وحمض الفالبوريك ] ديباكوت [ ، وغيرهما) لحالات العدوانية والاضطراب ثنائي القطب، على الرغم من كون المعلومات المتاحة عن مدى كفاءة هذه المجموعة من العقاقير وأمانها للأطفال والمراهقين محدودة.
ونادرًا ما تعالج العقاقير الأمراض النفسية في مرحلة الطفولة، بل إنها في أفضل الأحوال تعالج الأعراض الانفعالية والسلوكية، وعندما تكون الأعراض حادة، ربما تكون العقاقير جزءًا مهمًّا من خطة العلاج الشامل، مع اعتبار خطر الآثار الجانبية مقبولًا مقارنة بالفوائد قصيرة المدى. لكن كثيرًا جدًّا ما يكون هناك نقص في المصادر الكافية والمناسبة في حياة الطفل، وفي نظام الصحة النفسية لعلاج العوامل البيئية والأنماط السلوكية المساهمة في الاضطراب. قد يستغرق إيجاد معالج جيد شهورًا، كما قد لا تكون النسبة التي يغطيها التأمين الطبي كافية. وربما تبدو العقاقير النفسية حلًّا سريعًا وسهلًا؛ فهي أول ما يلجأ إليه الأطباء، وهي الأسلوب العلاجي الذي تم دفع الآباء إلى أن يؤمنوا بأنه الأفضل.
في الوقت الحالي، يخضع الطب النفسي لتحكم نموذج الطب الحيوي، الذي يُرجع أي خلل في الوظائف النفسية والعاطفية إلى وجود خلل في كيمياء المخ، يمكن علاجه بالأدوية. لكن إن كانت المسألة هكذا فعلًا؛ فإن الأدوية النفسية تكون أكثر فاعلية مما هي، وكل ما هنالك أن الشركات المصنعة للمستحضرات الطبية تبالغ في فوائدها وتهون من مخاطرها عند تسويقها لكل من الأطباء والمستهلكين.
مضادات الاكتئاب
عانى نحو 20 % من المراهقين الاكتئاب بوصولهم سن الثامنة عشرة من العمر، وإن لم تتم معالجته، يمكن أن يزيد من خطر الوقوع في المشكلات القانونية، وإدمان المخدرات، والأمراض الجسمانية، بالإضافة إلى مشكلات في المدرسة، والعمل، والتفاعل الاجتماعي. ولعل أكثر ما يثير الخوف هو زيادة خطر الانتحار، الذي يحتل المرتبة الثانية على قائمة أسباب الوفاة الأكثر شيوعًا في الفترة ما بين خمسة عشر عامًا وأربعة وعشرين عامًا.
وقبيل تسعينيات القرن الماضي، كانت العقاقير الوحيدة المتاحة لعلاج الاكتئاب لا تبدي فاعلية لدى الأطفال، ولم يكن يوصى بها لهم؛ لتخوفات بشأن مدى أمانها عليهم. وعندما أتيح أول مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية؛ لوكسيتين ( بروزاك)، في السوق، وجِد أنه مثالي في علاج الاكتئاب في المرحلة ما بين سن السابعة والسابعة عشرة. وتعمل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية على زيادة السيروتونين الكيميائي في الفراغات الموجودة بين خلايا الدماغ، ويتم الآن وصف العديد من هذه الأدوية على نطاق واسع: سيرترالين (زولوفت)، باروكستين (باكسيل)، سيتالوبرام (سيلكسا)، وإسكيتوبرام (ليكسابرو)، وقد ازداد استخدام مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية لدى الأطفال والمراهقين بشكل كبير في العقدين الماضيين، وهناك فئة ذات صلة بهذه الأدوية، وهي مثبطات استرداد السيروتونين والنورإيبينيفرين، التي تؤثر في كل من الناقلين العصبيين السيروتونين والنورإيبينيفرين، ومن بين الأمثلة لها فينلافاكسين (إفيكسور)، وديسفينلافاكسين (بريستيك)، ودولوكسيتين (سيمبالتا).
لكن ما مدى فاعلية هذه الأدوية لدى الأطفال والمراهقين؟ لقد أوضحت مجموعة من الدراسات المجمعة أن 61 % من الأطفال والمراهقين الذين يتلقون مضادات الاكتئاب عمومًا قد أظهروا تحسنًا (حيث انخفضت الأعراض بنسبة 50 % )، مقارنة ب 50 % من أولئك الذين تم إعطاؤهم علاجًا وهميًّا. (وهي نسبة فاعلية جيدة إلى حد ما بالنسبة إلى العلاج الوهمي، بالمناسبة، كما أنها لا تسبب أية آثار سلبية). وقد وجد أن مضادات الاكتئاب لدى الأطفال المصابين بالاكتئاب في الثانية عشرة من العمر أو أصغر أقل فاعلية مما كانت عليه لدى المراهقين؛ لكنها تميل إلى أن تكون أكثر فاعلية في علاج اضطرابات القلق؛ إذ سجلت المجموعة التي تتلقى الأدوية نسبة تحسن تصل إلى 70 % ، مقابل 40 % في المجموعة الثانية التي تتعاطى العقاقير الوهمية.
مشكلات استخدام مضادات الاكتئاب لدى الأطفال
يعاني من 20 إلى 45 % من الشباب آثارًا جانبية خلال بضعة أسابيع من بدء تعاطي مضادات الاكتئاب: الشعور بعدم الارتياح، والانزعاج، والاهتياج، والأرق، والعدوانية، والاضطرابات المزاجية، ولحسن الحظ إن هذه الآثار تتلاشى عند إيقاف العقار. أما الآثار الجانبية لمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، فيمكن أن تتخطى التأثير في السلوك وحده؛ إذ يربط أحد الأبحاث الأولية، على سبيل المثال، بينها وبين قلة كثافة الأملاح المعدنية في العظام، وبالنظر إلى أن فترة المراهقة هي فترة حاسمة فيما يتعلق بنمو العظام، يمكن إذن لهذا التأثير أن تمتد تبعاته طوال حياة الفرد.
يتوقف الكثير من الأطفال والمراهقين عن تناول الأدوية بسبب آثارها الجانبية غير المزعجة التي يكون بعضها معروفًا، ويكون البعض الآخر غير موثق. على سبيل المثال: تعمل كل من مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية ومثبطات استرداد السيروتونين والنورإبينفرين على تغيير المواد الكيميائية التي تؤدي أدوارًا رئيسية في نمو الدماغ، وقد أُجري معظم الدراسات على آثارها في الدماغ في مرحلة النمو في الحيوانات، وعلى سبيل المثال: تم إعطاء فئران المختبرات دواء البروزاك في فترة المراهقة، ثم وضعت هذه الفئران في مرحلة بلوغها بعد التوقف عن إعطائها الدواء، ومقارنة بنظيراتها التي كانت تعطى علاجًا وهميًّا، فإن الفئران التي أعطيت بروزاك قبل النضج تبدو أقل يأسًا عند مواجهتها الإجهاد؛ لكنها تتفاعل أيضًا بمزيد من القلق. أيضًا، تظهر هذه الفئران مشكلات في السلوك الجنسي بوصفها فئرانًا بالغة، حتى بعد توقف الدواء فترة طويلة. ويعاني كثير من البشر البالغين الآثار الجانبية الجنسية لمضادات الاكتئاب، ومع ذلك، تم إجراء القليل من الأبحاث في هذا المجال مع الأطفال والمراهقين.
ماذا عن وصف أدوية نفسية متعددة للأطفال؟
على سبيل المثال: يتم تشخيص حالة العديد من الأطفال بالاكتئاب واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة على حد سواء، وبعد ذلك يتم علاجهم بمضادات الاكتئاب من مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية والمنبهات النفسية, مثل دواء ميثيلفينيديت (ريتالين). ولا يوجد أي بحث عن مدى سلامة تركيبة الدواء على المدى الطويل لدى الأطفال؛ لكن الأبحاث على الحيوانات تشير إلى أنها قد تكون ضارة، خاصة مع الجرعات الكبيرة. ولا نعرف شيئًا عن الآثار طويلة الأجل للجمع بين الأدوية في سن مبكرة من العمر على البشر؛ ولعل ما يثير القلق هو أن يكون للتعرض للأدوية خلال مرحلة الطفولة عواقب بعيدة المدى في مرحلة البلوغ.
فقبل ستينيات القرن العشرين، كان يتم تشخيص الأطفال، بشكل ضئيل، بالاضطراب ثنائي القطب؛ لكن بحلول التسعينيات من القرن ذاته، تضخم معدل إصابة الأطفال به بشكل أكبر من البالغين؛ فهل كانت هذه الزيادة المفاجئة بسبب زيادة حقيقية في انتشار هذا الاضطراب، أو الإدلاء بمعدل الإصابات على نحو أفضل، أو التشخيص على نطاق أوسع، أو ربما لاتجاه غير حكيم نحو إعطاء العقاقير النفسية للأطفال؟ لا نعرف، وقد توصلت دراسة أجريت على مجموعة من الأطفال مصابين بالاضطراب ثنائي القطب إلى أن نحو 60 % منهم قد عولجوا سابقًا بمضاد اكتئاب أو منبه نفسي، ومن غير الواضح إن كان هؤلاء الأطفال سيطورون هذا الاضطراب على أية حال أم أن العقار قد أسهم في تطور المرض، وأنه لولاه ما ظهر هذا الاضطراب.
في عام 2004 ،أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تحذير “الصندوق الأسود” من استخدام الأطفال والمراهقين مضادات الاكتئاب، وكان هذا الإجراء يستند إلى بيانات تفيد بحدوث زيادة مضاعفة (تبلغ 4 % من أولئك الذين يتعاطون مضادات الاكتئاب مقابل 2 % من أولئك الذين يتعاطون العقاقير الوهمية) في الأفكار والسلوكيات الانتحارية عند وصف مضادات الاكتئاب للشباب الذين لم يميلوا إلى الانتحار من قبل. وعلى الرغم من أن نسبة الخطورة المتزايدة تعتبر ضئيلة، فإن هذا الاستنتاج يستدعي ترشيد استخدام مضادات الاكتئاب ومراقبة متعاطيه من كثب؛ نظرًا إلى خطورة الانتحار.
مضادات الذهان
على مدار العقدين الماضيين، ارتفع معدل استخدام مضادات الذهان لعلاج الأعراض الانفعالية والسلوكية لدى الأطفال والمراهقين ارتفاعًا كبيرًا؛ ففي عام 2010 وحده، وصفت العقاقير المضادة للذهان لنحو مليون طفل ومراهق أمريكي. وعلى الرغم من أن مضادات الذهان توصف أصلًا لعلاج الأمراض النفسية الخطيرة، يشيع الآن وصفها بالاقتران مع مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية كخيار علاجي أول للاكتئاب لدى البالغين، ربما لتعويض الكفاءة السيئة لمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية. وبينما يمكن لهذه العقاقير تخفيف أعراض الاضطراب النفسي، والهوس الاكتئابي، والعدوانية، والأرق، والقلق، فإن لها آثارًا جانبية جسيمة؛ حيث تنقسم مضادات الذهان إلى مجموعتين أساسيتين، هما: الجيل الأول من مضادات الذهان، والجيل الثاني من مضادات الذهان، ولعل الجيل الثاني من مضادات الذهان هو النوع الذي يوصف للأطفال والمراهقين بشكل أساسي، ويؤثر في عملية معالجة الدوبامين والسيروتونين، ويشتمل على عقاقير مثل ريسبيريدون (ريسبيردال)، وأولانزابين (زيبريكسا)، وكويتيابين (سيروكويل)، وزيبراسيدون (جيودون)، وأريبيبرازول (أبيليفاي)، وآيلوبيريدون (فانابت)، وباليبيريدون (إنفيجا)، ولوراسيدون (لاتودا)، وأسينابين (سافريس)، وكلوزابين (كلوزاريل).
وقد صدقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في الولايات المتحدة على استخدام أدوية الجيل الثاني من مضادات الذهان لدى الأطفال والمراهقين المصابين بالفصام، والاضطراب ثنائي القطب، والاهتياج المرتبط بالتوحد، لكن أغلبية أدوية الجيل الثاني من مضادات الذهان تستخدم لغير غرضها الأساسي في علاج الاكتئاب، والقلق، والأرق، واضطرابات السلوك، دون معرفة الكثير عن مخاطرها مقابل فوائدها على المدى البعيد، وتتلقى نسبة ضئيلة فقط من الأطفال والمراهقين الذين توصف لهم هذه الأدوية الشديدة علاجًا نفسيًّا.
مشكلات استخدام مضادات الذهان لدى الأطفال
إن الآثار الجانبية لأدوية الجيل الثاني من مضادات الذهان أكثر شيوعًا لدى الأطفال مما لدى البالغين؛ إذ تؤثر في العديد من الأجهزة، ومنها الآثار الجانبية التي تظهر على الجهاز العصبي، كالنعاس، والتشنجات، والحركات غير الطبيعية، حتى إن بعض الدراسات تشير إلى صغر حجم المخ بمرور الوقت نتيجة استخدام هذه العقاقير. أيضًا يمكن أن يتأثر جهاز الغدد الصماء بهذه العقاقير؛ حيث تحدث تغيرات في مستويات الهرمونات تؤثر بدورها في النمو، والتطور، والنوم، والحالة المزاجية، والأيض، والوظائف الجنسية. فعلى سبيل المثال: ازدادت شهية “ماريزا” بمجرد أن بدأت تتعاطى دواء سيروكويل؛ حيث تسبب معظم أدوية الجيل الثاني من مضادات الذهان زيادة ملحوظة في الوزن في فترة قصيرة، وفي إحدى الدراسات مثلًا، نتج عن تعاطي الدواء أبيليفاي زيادة في الوزن بمقدار 5 كيلوجرامات تقريبًا بعد أحد عشر أسبوعًا من استخدامه، ونحو 9 كيلوجرامات نتيجة تعاطي دواء زيبريكسا، ونحو 6 كيلوجرامات نتيجة تعاطي الدواء سيروكويل، ونحو 5 كيلوجرامات نتيجة تعاطي الدواء ريسبيردال. أيضًا تزيد أدوية الجيل الثاني من مضادات الذهان من خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري، كما أنها ترفع مستويات الكوليسترول وهرمون البرولاكتين في الدم، بينما يعتبر الأثر الأخير إشكاليًّا بصورة خاصة في فترة البلوغ، كما يرتبط ارتفاع هرمون البرولاكتين بانقطاع الطمث (أي توقف الحيض)، وثر الحليب (أي تكوُّن الحليب في الثديين في ظل عدم وجود حمل أو ولادة)، وانخفاض الرغبة الجنسية، وضعف الانتصاب، وهشاشة العظام.
مرة أخرى؛ ليس مدى أمان هذه العقاقير على المدى الطويل هو مصدر القلق الوحيد؛ فنظرًا إلى قدرة أدوية الجيل الثاني من مضادات الذهان على تخفيف الأعراض الانفعالية، كثيرًا ما يتم استخدامها دون إيلاء أي اهتمام لمدى تعقد العوامل التي تسهم في مشكلات الصحة النفسية لدى الأطفال، كسوء التغذية واضطراب النوم، أو غياب التنشئة السليمة، أو نقص تطور مهارات التنظيم العاطفي، أو المهارات الاجتماعية، وعدم الاتساق بين نمط التعليم وحاجات الطفل التعليمية. ويتزايد عدد الخبراء الذين يشعرون بأن أخطار تعاطي الأطفال والمراهقين العقاقير المضادة للذهان تفوق فوائدها، وأن استخدامها الحالي في كثير من الحالات غير مناسب.
مضادات القلق: أدوية البنزوديازيبين
تشتهر أدوية البنزوديازيبين بآثارها المهدئة، والمحفزة على النوم، والمضادة للقلق، والمضادة للتشنجات، وتبعث على استرخاء العضلات بشكل سريع خلال دقائق أو ساعات. ومن بين الأدوية الشائعة من هذا النوع البرازولام (زاناكس)، وديازيبام ( فاليوم)، وكلونازيبام (كلونوبين)، ولورازيبام (أتيفان). ولم تحصل أدوية البنزوديازيبين على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لاستخدامها من قبل الأطفال والمراهقين المصابين بمشكلات صحية نفسية. وقد كانت التجارب القليلة التي أجريت لتقييم هذا الصنف من العقاقير بوصفه علاجًا لحالات القلق لدى الأطفال (كرفض الذهاب إلى المدرسة، والقلق العام، واضطراب قلق الانفصال) قصيرة، وغير جيدة، ولم توضح لهذه الأدوية أية فائدة أكثر من كونها مجرد عقاقير وهمية. وعلى الرغم من ذلك، أحيانًا ما توصف هذه الأدوية لغير غرضها الأساسي، استنادًا إلى فوائدها التي لوحظت على البالغين.
مشكلات استخدام أدوية البنزوديازيبين لدى الأطفال والمراهقين
تتضمن الآثار الجانبية لأدوية البنزوديازيبين “بلادة” الذهن، وصغر حجم الذاكرة قصيرة المدى، وزيادة الاهتياج لدى بعض الأطفال، والاعتماد عليها، وأعراض الانسحاب (كالأرق، والانفعال، وزيادة القلق) عند خفض الجرعة أو التوقف عن تعاطي الدواء فجأة.
وفي ظل كون المراهقين من بين المجموعات التي تواجه النسبة الكبرى من خطر إساءة استخدام المستحضرات الطبية، فينبغي أن تكون احتمالية إدمان أدوية البنزوديازيبين مصدرًا للقلق البالغ؛ فمرحلة المراهقة هي فترة السعي وراء التجديد والابتكار، ودون الأدوات المناسبة للتأقلم مع المشاعر والمواقف المحبطة، يحتمل أن يبحث المراهقون عن أساليب لتخدير مشاعر الغضب، أو الخوف، أو الحزن لديهم. وبمجرد أن يجربوا “شعور زاناكس” يكونون أكثر احتمالية للسعي إلى تجربته بشكل متكرر؛ حتى إن إحدى الدراسات كشفت أن المراهقين الذين وصفت لهم أدوية البنزوديازيبين كانت احتمالية إساءة استخدام هذه العقاقير بغرض الانتشاء لديهم أكثر عشر مرات من غيرهم (مقارنة بالمراهقين الذين لم توصف لهم هذه الأدوية من قبل)، وأكثر احتمالية ثلاث مرات لتعاطي الدواء الموصوف لشخص آخر.
أوجه قصور العقاقير النفسية لدى الأطفال والمراهقين
إن أسباب المشكلات العاطفية والسلوكية لدى الشباب معقدة؛ فمنذ بداية مرحلة الإدراك تؤدي عوامل جينية وبيئية أدوارًا محورية في تطور الجهاز العصبي للطفل. ولعل ضغوطات الحمل والولادة، والتعرض للأدوية والعقاقير، والأمراض النفسية لدى الأبوين والخلافات الأسرية، والتغذية في مرحلة الطفولة، والنوم، والنشاط البدني كلها عوامل لها دور في مدى حسن تأقلم الطفل مع ضغوط الحياة دون الإصابة بالأمراض. وحصول الطفل على فترات لعب مناسبة ومتنفس إبداعي، وشعوره بالحب والانتماء، بالإضافة إلى التنشئة السليمة والحدود الصحية، هي كلها تسهم في صحته النفسية. وعلى النقيض، يمكن للتعرض للصدمات في سن مبكرة (نفسية كانت، أم جسمانية، أم جنسية) أن تؤثر بالسلب في صحته النفسية طيلة سنوات آتية، ويحتاج فصل كل هذه العوامل المساهمة بعضها عن بعض وقتًا وقدرًا كبيرًا من الصبر، وكثيرًا ما لا يصرَّح بذلك في النموذج الطبي الحالي. ولا يمكن لدواء أو مزيج من الأدوية “جعل الأمور كلها جيدة”.
وبداية من مرحلة الإدراك فصاعدًا، يتعرض العقل للنمو والتغيير بقدر كبير؛ ففي البداية يكون هناك إفراط في الروابط بين الخلايا، ولاحقًا في أثناء مرحلة المراهقة، يتم “تقليم” هذه الروابط الإضافية لمساعدة العقل على التكيف مع حاجات البيئة المحيطة؛ وهي عملية من إعادة الصياغة تظل متقلبة حتى الخامسة والعشرين من العمر. وليست لدينا أية فكرة عن كيفية تأثير العقاقير المضادة للذهان في تطور العقل، وماذا يمكن أن تكون تبعات استخدامها في سن مبكرة على المدى البعيد.
خيارات الطب التكاملي لعلاج الاضطرابات المزاجية لدى الأطفال والمراهقين
لعلاج المشكلات النفسية لدى الأطفال والمراهقين بشكل كامل، تكون المنهجية التكاملية عنصرًا ضروريًّا؛ فلا بد من أن يخوض كل طفل تحديًا مستمرًّا مهمًّا ألا وهو كيفية معالجة الاستجابات الانفعالية والسلوكية عندما يواجه مطالب ومسئوليات أعلى. ويتطلب الأمر تعلم أساليب صحية للتعبير عن المشاعر وممارستها والمرور بها دون التعثر فيها فترة. ولا يعتبر الضغط في حد ذاته غير صحي؛ لكن يمكن للضغط الذي يزيد على حجم الدعم أن يسبب الحزن والمرض، بينما عند موازنة التحدي بالمصادر الداعمة، يمكن للأطفال اكتساب إحساس متزايد بالسيطرة يمكنهم من الانتعاش، ومن غير الضروري أن تكون الأعراض الانفعالية والسلوكية لدى الأطفال مشكلات ينبغي التخلص منها، بل يمكن أن يكون من المفيد بشكل أكبر اعتبارها إشارات تحذيرية لمشكلات تحتاج إلى الانتباه إليها والاهتمام بها.
وتعتبر التغذية أحد أهم العوامل التي يسهل إغفالها في الصحة النفسية للطفل، والنظام الغذائي الذي يتكون من الأطعمة الكاملة غير المصنعة، مع وفرة من الخضراوات والفواكه الطازجة، والبروتينات النباتية، والأسماك، مع قدر ضئيل يصل إلى حد الاستغناء عن كل من السكر، والدقيق الأبيض، والمواد الحافظة، والألوان الاصطناعية يمكن أن يحد من تعرض الجسم للالتهابات، ويساعد على تعزيز الصحة النفسية؛ (حيث قام بحث أجري مؤخرًا بالربط بين الاكتئاب وزيادة الالتهاب). ويعتبر تحويل الطفل الذي يواجه صعوبات تتعلق بالصحة النفسية إلى اتباع مثل هذا النظام الغذائي خطوة مهمة في العلاج، كما يمكن لتناول مكملات أحماض أوميجا 3 الدهنية (زيت السمك) وفيتامين D دعم وظائف المخ بشكل أكبر.
ويعتبر الحصول على قدر كافٍ من النوم المريح عنصرًا أساسيًّا آخر في عملية العلاج، وقد يتضمن روتين النوم الصحي الاستماع إلى موسيقى هادئة، والاستمتاع بحمام دافئ، واستخدام الزيوت الأساسية التي تبعث على الاسترخاء (خاصة زيت اللافندر)، واحتساء الشاي العشبي (مثل البابونج)، وممارسة التأمل، والتصور الموجه، وقراءة شيء مناسب. ويتطلب النوم المثالي خفض الإضاءة القوية، والضوضاء، والأنشطة المختلفة المتعلقة بالشاشات (كالتلفاز، وألعاب الفيديو، والهاتف الخلوي) قبل موعد النوم بساعتين. أيضًا يعتبر الإقلاع عن الكافيين مهمًّا؛ إذ يعرقل دورة النوم ويمكن أن يسبب القلق أو يجعله أسوأ.
هناك عنصر حاسم آخر، وهو ممارسة الأنشطة البدنية بانتظام؛ حيث ثبتت قدرته على تعزيز الحالة المزاجية والنوم. وينبغي ألا يقتصر التمرين على المشاركة في الرياضات المنظَّمة؛ فبالتأكيد يمكن للحركات المبهجة أن تأتي في صور مختلفة من الرقص الإيقاعي، أو اليوجا، أو القفز على الترامبولين، أو التنزه مع الكلب. كذلك يعتبر كل من الاشتراك في اللعب، وقضاء الوقت بين أحضان الطبيعة، والاستمتاع بوقت جيد مع الأصدقاء والأسرة، أمورًا ضرورية. ويحتاج الأطفال والمراهقون إلى روتين يومي صحي، وإلى التشجيع، والنظام، ودون الشعور بالاستقرار والقوامة يكون الأطفال أكثر عرضة لأن يبقوا عالقين بأنماط انفعالية وسلوكية غير صحية. يمكن للأساليب العلاجية كالعلاج السلوكي المعرفي، الذي يمكنه مساعدة الطفل أو المراهق على التعرف على أنماط الفكر غير المفيدة وتغييرها، والآليات مثل التنفس العميق بغرض استرخاء العقل والجسد، أن تكون مفيدة مثل العقاقير المضادة للاكتئاب لدى بعض الأطفال. ولأن مثل هذه المنهجيات تنمي مهارات التعبير عن المشاعر وتنظيمها، وتحسن الوعي بأنماط الفكر والمشاعر، فإنها تميل إلى أن يكون لها أثر مطول أكثر من أثر العقاقير عند الاعتماد عليها وحدها.
ويمكن للعلاج الأسري أن ينفع الأطفال وأسرهم ليصبحوا أكثر وعيًا بأنماط التواصل أو التأقلم غير الصحية، وتعلم اتباع أساليب أفضل في التفاعل. ويمكن للمجموعات العلاجية التي تعلم الأطفال والمراهقين طرقًا ممتعة وفعالة لتنظيم مشاعرهم (باستخدام الرسم، والموسيقى، والحركة، وكتابة اليوميات، والتأمل الفردي والجماعي على سبيل المثال) أن تساعد على تنمية مهارات السيطرة على الانفعالات وتحسين التفاعلات الاجتماعية. وفي أطر المجموعات الصغيرة الآمنة يمكن للأطفال بسهولة أكبر أن يتعلموا كيفية التعبير عن المشاعر الصعبة وعلاجها.
الخلاصة
ليس الأطفال والمراهقون نسخًا مصغرة من البالغين؛ فنمو أدمغتهم وأجسامهم لم يكتمل بعد. ولهذا السبب؛ ليس من الضروري أن تجدي العقاقير الفعالة مع البالغين نفعًا مع الأطفال، أو أن تكون آمنة؛ إذ إننا لم نجرِ الأبحاث لمعرفة الآثار طويلة المدى لهذه الأدوية، ووقعها على العقل النامي، أو مدى أمان الجمع بينها. وبصراحة، نجري تجارب موسعة مع أطفالنا ليواصل الكثير منهم تعاطي العقاقير النفسية.
وفي سياق خطة علاج تكاملي، يمكن للعقاقير أن تكون محفزًا للتغيير الإيجابي عند علاج مشكلات الصحة النفسية، ولا بد من مقارنة مخاطر عدم علاج الأعراض بالآثار الجانبية للدواء وأضرارها المحتملة على المدى الطويل. وعندما يستخدم العقار، يمكن تقليل الآثار الجانبية عن طريق البدء بجرعة صغيرة، ثم زيادتها ببطء، وهو ما سيسمح أيضًا للوقت بقياس مدى فاعلية الدواء. وينبغي أن يقترن العلاج الدوائي دومًا بالعلاج النفسي وغيره من المنهجيات غير الدوائية، كما ينبغي إيقافه بأسرع ما يمكن، على الرغم من أنه من المهم ألا يتم إيقاف الدواء فجأة؛ نظرًا إلى ما قد يسببه هذا الأمر من ردود فعل انسحابية مزعجة.
ويعتبر الاستثمار في صحة الأطفال مفتاح مستقبل عالمنا، وعلى الرغم من أن نظامنا ومنهجياتنا الحالية تساعد على الحفاظ على السلامة النفسية للعديد من الأطفال والمراهقين، تظل أعداد كبيرة منهم تعاني أعراضًا مرضية، ولعله من غير المنطقي والخطير أيضًا الظن أن العلاج الدوائي النفسي يمكنه حل هذه المشكلة.