لا يسعني أن أحصي عدد المرات التي سمعت فيها الأطباء يقولون: “ينبغي لنا وضع الستاتينات Statins في مصادر المياه”، ولا يمكنني تخيل فكرة خطأ أكثر من هذه؛ إذ إنها تعبر عن سوء فهم كبير لآثار هذه الأدوية الفعالة ومخاطرها مقابل فوائدها.
ليس هناك صنف من الأدوية مبجل قدر الستاتينات؛ فكثيرًا ما أثنى عليه الأطباء منذ الظهور الأول له في أواخر الثمانينيات، لكنهم صاروا ينتقدونه مؤخرًا بنبرة يزداد سماعها يومًا بعد يوم.
ما هو الكوليسترول؟
في عام 1910، تم اكتشاف أن اللويحات في الشرايين المصابة تحتوي على نسبة من الكوليسترول أكبر عشرين مرة من الموجودة في الأوردة الدموية العادية، وتُعرف هذه الأنسجة اللزجة أيضًا باسم تصلب الشرايين أو Atheromas ؛ وهو المقابل اليوناني لطبق العصيدة، أو حساء الشعير. وقد أجريت في خمسينيات القرن العشرين دراسة موسعة على سكان بلدة فرامينجهام في ولاية ماساتشوستس؛ حيث أكدت وجود علاقة بين ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم والوفاة الناتجة عن أمراض القلب؛ حيث يسري الكوليسترول في مجرى الدم بأشكال عدة، كلها ترتبط بمركبات جزيئات البروتين، أو البروتينات الدهنية. ومن بين أشكاله هذا البروتين الدهني مرتفع الكثافة، والمعروف بالكوليسترول “النافع”؛ لأنه يحمل الكوليسترول من الشرايين إلى الكبد ليخلص الجسم منه عن طريق إفرازه في العصارة الصفراء، وهناك أيضًا البروتين الدهني منخفض الكثافة، وهو الكوليسترول “الضار” الذي يلتصق بجدران الشرايين. كما توجد أنواع أخرى تندرج تحت الكوليسترول النافع والكوليسترول الضار ترتبط بمخاطر قلبية أكبر أو أصغر؛ فالجزيئات الصغيرة السميكة من الكوليسترول الضار مثلًا أكثر خطورة من الجزيئات الكبيرة المنفوشة. واليوم صار اختبار الدم الروتيني يقيس نسبة الكوليسترول الكلي في الدم، الكوليسترول الضار والكوليسترول النافع وإجماليهما؛ (إذ تشير النسبة العالية إلى ارتفاع احتمالية الإصابة بأمراض القلب).
ويمكن لكل خلية في جسم الإنسان تقريبًا أن تصنع الكوليسترول؛ لكونه مكونًا أساسيًّا لأغشية الخلية، وكذلك كونه السالف الحيوي لفيتامين د، والهرمونات الاستيرويدية، وأحماض العصارة الصفراوية. ويشتمل تصنيع الكوليسترول على عمل مجموعة من المسارات الكيميائية المعقدة بما يتطلب مشاركة أكثر من ثلاثين إنزيمًا، وقد بدأ العمل في خمسينيات القرن العشرين على تحديد المكونات التي يمكنها التدخل في هذه المسارات، وفي عام 1978 ، تم اكتشاف مثبط فعال لأحد الإنزيمات الرئيسية في تصنيع الكوليسترول، وهو مختزلة 3 – هيدروكسي – 3 – ميثيل جلوتاريل تميم الإنزيم أ، في أحد المنتجات الثانوية لأحد أنواع الفطر المخمرة، ليصبح أول دواء ستاتيني.
موافقة إدارة الغذاء والدواء على العقاقير الستاتينية
في عام 1987 ، صدَّقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على الاستخدام البشري لعقار لوفاستاتين (ميفاكور)، ومنذ ذلك الحين تم تسويق نحو عشرة عقاقير ستاتينية مختلفة، يتضمن كل منها تطورًا كيميائيًّا مختلفًا بشكل طفيف يعدِّل من أثره، وبالإضافة إلى عقار لوفاستاتين، اشتملت قائمة الستاتينات المصدق على استخدامها بشريًّا من قبل إدارة الغذاء والدواء على سيمفاستاتين (زوكور)، وفلوفاستاتين (ليسكول)، وبرافاستاتين (برافاكول)، وأتورفاستاتين (ليبيتور)، وروسوفاستاتين (كريستور)، وبيتافاستاتين (ليفالو)، ولا تزال كل هذه العقاقير متاحة بأسعار أرخص ما عدا عقاري روسوفاستاتين وبيتافاستاتين.
وتظل بعض العقاقير، مثل عقار سيمفاستاتين، في مجرى الدم بضع ساعات فقط قبل أن تتحلل في الكبد، بينما تبقى عقاقير أخرى، مثل عقاري أتورفاستاتين وروسوفاستاتين، في الدورة الدموية وقتًا أطول؛ حيث يصنع الجسم معظم ما يصنع من الكوليسترول ليلًا في أثناء النوم؛ ولهذا السبب يقتضي تعاطي العقاقير الستاتينية الأقصر مفعولًا، مثل عقار سيمفاستاتين، مساءً لتمديد أثره إلى الحد الأقصى، أما فيما يتعلق بالعقاقير الأطول مفعولًا، فلا يعتبر عنصر التوقيت مهمًّا.
وتتحلل معظم العقاقير الستاتينية في الكبد؛ حيث يتم تحليل كل نوع منها في مسار معين، ويمكن للأمور أن تتعقد عندما يتعاطى المريض العديد من العقاقير معًا؛ إذ تتنافس الكثير منها على المسار الكيميائي نفسه، الأمر الذي يمكن أن يسبب تعطيل عملية التخلص من العقاقير؛ ما يؤدي إلى فرط تراكم الستاتينات في الدم، وارتفاع احتمالية تسببها في آثار خطيرة.
حبوب خفص الكوليسترول ليست حلاً للمشكلات المتعلقة بنمط الحياة
ويوضح أحد الاستطلاعات الحديثة أن نسبة 26 % – وهي نسبة كبيرة – من البالغين في الولايات المتحدة يتعاطون الستاتينات الآن، ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم استنادًا إلى أحدث إرشادات الكوليسترول التي أوصت بها الكلية الأمريكية لطب القلب/جمعية القلب الأمريكية. فطبقًا لما ورد عنهما، فإن نصف البالغين الأمريكيين مرشحون لتعاطي الأدوية الستاتينية.
ويواجه الكثير من الأطفال المصير نفسه، وذلك طبقًا لإرشادات طب الأطفال الذي يدعو الآن إلى علاج الأطفال بداية من سن عشر سنوات ممن يواجهون خطر احتمالية ارتفاع نسبة الكوليسترول، أو ذوي النسب المرتفعة على نحو متواضع من الكوليسترول بالعقاقير الطبية. ويمكن للعوامل الوراثية رفع مستويات الكوليسترول الكلي أكثر من 500 مليجرام لكل ديسيلتر لدى الأطفال، وتستدعي هذه الحالات النادرة نسبيًّا علاجًا صارمًا؛ نظرًا إلى تدهور حالة مستقبلهم. أما بالنسبة إلى البقية، فيبدو من العبث محاولة علاج المشكلات التي تعود أسبابها إلى سوء النظام الغذائي، وعدم النشاط، بالعقاقير الطبية. وبالإضافة إلى عدم وجود دليل يدعم مد العلاج بالستاتينات إلى سن الأطفال، فإنه يبعث برسالة خاطئة؛ فليست الحبوب حلًّا للمشكلات المتعلقة بنمط الحياة، وهي حقيقة ينبغي لنا مساعدة أطفالنا على فهمها. ولا شك في قدرة الستاتينات على خفض نسبة الكوليسترول الضار في الدم؛ حيث يمكن للستاتينات خفض نسبة الدهون الضارة بمقدار 30 إلى 50 %، حسب المنتج والجرعة. أما مسألة أن تؤدي العقاقير الخافضة لهذا النوع من الكوليسترول إلى صحة أفضل من عدمها، فإنها لا تزال موضع نقاش.
وعلى الرغم من أن فوائد الستاتينات تتمثل في خصائصها الخافضة للكوليسترول، فإن هناك أدلة جديدة تشير إلى أنها تؤدي أدوارًا أخرى أيضًا، من بينها دورها المثير للاهتمام بوصفها مضادات للالتهاب. فنحن مدركون الآن الدور المحوري الذي يلعبه الالتهاب في الإصابة بأمراض الأوعية؛ حيث تُستدعى الخلايا الالتهابية إلى موضع اللويحات المُشبَّعة بالكوليسترول، حيث تُضعِف الغشاء الذي يُغلِّف اللويحة؛ ما يزيد من خطر التعرض للأزمات القلبية. وتقلل الستاتينات من الاستجابة الالتهابية؛ ومن ثم تحمي “الكسور” بين اللويحات من التهشم الكارثي.
من أكثر من يستفيد من العلاج بالعقاقير الستاتينية؟
هناك مجموعتان من المرضى يُحتمل انتفاعهم من العلاج بالعقاقير الستاتينية: أولئك الذين يواجهون خطر الإصابة بالأزمات القلبية بنسبة عالية حسب تاريخهم الطبي، ومرضى حالات الأوعية الدموية المعروفة – ومن بينهم المرضى الذين لهم تاريخ مع الأزمات القلبية، أو الجلطات، أو ضعف الدورة الدموية بالساقين.
وبالنسبة إلى أولئك الذين لم يُصابوا بأمراض القلب مطلقًا، تتضمن عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بالأزمات القلبية مستويات الكوليسترول بالغة الارتفاع (حيث تتخطى نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة حاجز ال 190 مليجرامًا لكل ديسيلتر)، وداء السكري، وتاريخ العائلة الطويل مع أمراض القلب، أو مزيجًا من مشكلات طبية أخرى من بينها ارتفاع ضغط الدم والتدخين.
وتتضمن أحدث الإرشادات عن الكوليسترول ما يُعرف ب”حاسب الخطر” الذي يقدر الخطر الذي يواجهه الشخص كل عشر سنوات للإصابة بأمراض القلب، أو الجلطات، لتقدير مدى استحقاقه العلاج بالستاتينات. وعلى الرغم من فائدة هذا الحساب باعتباره مؤشرًا على صحة القلب والأوعية، فإنه من الأفضل تفسير تقييم الخطر غير المحبب بوصفه ناقوس خطر لعلاج المشكلات التي تتعلق بنمط الحياة – وبخاصة النظام الغذائي، والنشاط البدني، والتوتر – على أن يكون مدخلًا لوصف العقاقير الطبية؛ فباستثناء عاملي العمر وتاريخ العائلة مع المرض، فإن كل عامل من عوامل الخطر يتمتع بحساسية فائقة تجاه تغيير نمط الحياة، كاتباع نظام غذائي مضاد للالتهاب، وزيادة النشاط البدني. وينبغي اعتبار الستاتينات الملاذ الأخير، وأن يقتصر وصفها فقط على أولئك الذين لا يمكن خفض عوامل الخطر لديهم إلى مستوى مقبول عن طريق تعديل نمط الحياة.
ويمكن لفرط الاعتماد على العلاج بالستاتينات أن يتسبب في مشكلة، وكذلك بالنسبة إلى من هم بحاجة إليها.
ولنضع فوائد الستاتينات في الحسبان؛ فقد كشفت أفضل الدراسات عن قدرة الستاتينات على تقليل احتمالية الإصابة بالأزمات القلبية لدى من يواجهون خطر الإصابة بها بنسبة لا تزيد على الثلث؛ وهي بالتأكيد فائدة ينبغي لنا استغلالها، لكن هذا يعني أنه لا يزال هناك ثلثان ممن يواجهون الخطر نفسه؛ ما يعني أنه لو كان هناك مائة مريض يُحتمل إصابتهم بالأزمة القلبية، فإنه يُفترض من الستاتينات ألا تحمي أكثر من ثلاثة وثلاثين شخصًا منهم، بينما يحتمل أن يُصاب سبعة وستون شخصًا بالأزمة القلبية على الرغم من تعاطيهم العلاج.
لقد تم إيضاح القيود المفروضة على تعاطي الستاتينات في ظل عدم إجراء أية تغييرات فيما يتعلق بنمط الحياة في الحالة الثانية المذكورة سابقًا؛ حيث كان “جيم” يتعاطي دواءه الستاتيني كل يوم؛ لكنه لم يغيِّر نظامه الغذائي، أو مستوى نشاطه البدني، ولم يفعل شيئًا فيما يتعلق بشعوره بالتوتر؛ ما جعله يعاني من أزمة قلبية ثانية، وهو سيناريو يحدث كثيرًا جدًّا.
مشكلات أدوية علاج ارتفاع الكوليسترول
على الرغم من أن استخدام الستاتينات يكون في حالات علاج المرضى الذين يواجهون الخطر بنسبة كبيرة، فإنه من الممكن أن تكون له تبعات خطيرة غالبًا ما يتم إغفالها؛ حيث يتنوع مجال الآثار الخطيرة المحتملة ما بين آلام العضلات والشعور بالوهن إلى الاختلال المعرفي، والإصابة بداء السكري، والفشل الكبدي. بينما يميل مصنعو هذه الأدوية ومؤيدوها إلى التقليل من حجم هذه المشكلات، وأحيانًا تجاهلها.
آلام العضلات
تقوم شركات المستحضرات الدوائية بالإبلاغ عن نسبة متدنية جدًّا من حالات آلام العضلات كأثر جانبي لتعاطي الستاتينات، وتقول إنها تحدث ل 1 إلى 5 % من المرضى فقط، إلا أن الكثير من المرضى والأطباء يعطون صورة مختلفة تمامًا عن ذلك. وتُعتبر آلام العضلات الناتجة عن تعاطي الستاتينات أحد أكثر الآثار الجانبية شيوعًا للأدوية على مستوى الطب السريري كله؛ ففي دراسة حديثة أجريت مؤخرًا، تعرض له 25 % من المرضى الذين يتعاطون الستاتينات.
ونظرًا إلى كون آلام العضلات أمرًا شائعًا، فقد يصعب تحديد ما إن كان وجود ألم جديد شيئًا ناتجًَا عن تعاطي الستاتينات أم عن شيء آخر، لكن كثيرًا جدًّا ما لا يستفيد، المرضى الذين يشكون في معاناتهم مشكلات تتعلق بالستاتينات من حسن النية؛ حيث كشفت دراسة أجريت عن كيفية تفاعل الأطباء مع مثل هذه الشكاوى، أنه من بين المرضى الذين اشتكوا من أعراض تخص عضلاتهم، رفض الأطباء فورًا في 47 % من الحالات أن يكون الدواء هو السبب في هذه الآلام.
وتتطور هذه الأعراض خلال الشهر الأول تحديدًا من الاستخدام، لكن قد تتدرج فترة ظهورها من بضعة أيام إلى عدة أشهر، وهو فارق زمني يمكنه إخفاء الرابط بين الأعراض وتعاطي دواء الستاتين. وبالنسبة إلى البعض، تتطور مشكلة العضلات بسرعة وشراسة، تاركة احتمالًا ضئيلًا للشك في كون العقار هو السبب في هذا الألم، وبالنسبة إلى آخرين، فمثلما وصفت “جانيس” في بداية الفصل، تكون الأعراض مخادعة، وبطيئة في تطورها، وكثيرًا ما يتم إرجاعها خطأً إلى التغيرات المرتبطة بالتقدم في العمر.
وفي حالات نادرة، يمكن للستاتينات أن تسبب للعضلات تلفًا مهددًا للحياة – داء انحلال الربيدات – يؤدي إلى الفشل الكبدي والكلوي، وتزيد احتمالية حدوث هذا الأمر مع الجرعات العالية جدًّا، وتفاعل الأدوية بعضها مع بعض.
الاختلال المعرفي
يمكن للستاتينات أيضًا التأثير في وظائف المخ؛ حيث تتضمن قائمة المشكلات المعرفية المرتبطة بتعاطي الستاتينات التفكير المشوش، وقصور الذاكرة، والاكتئاب. وبالطبع تشيع هذه الأعراض بين المسنين، وتزيد احتمالية تعاطي كبار السن الستاتينات. وقد يكون الربط بين المشكلات المعرفية وتعاطي الستاتينات من قبيل المصادفة، لكن بصرف النظر عن ذلك، تنحل هذه المشكلات لدى الكثير من المرضى بمجرد توقفهم عن تعاطي أدوية الستاتينات.
لسوء الحظ، إنه ليس هناك اختبار معين لمعرفة ما إن كانت الستاتينات هي سبب حدوث الاختلال المعرفي، ولعل الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هي التوقف عن تعاطي الدواء بضعة أسابيع، ومراقبة التحسن من عدمه؛ فإن تلاشى التفكير المشوش، أو قصور الذاكرة بشكل ملموس، فيُحتمل أن يكون الدواء الستاتيني هو السبب، ولا تشير الدرجة الكبيرة من التحسن إلى سبب آخر.
تزايد خطر الإصابة بداء السكري
إننا نواجه بالفعل أزمة صحية عامة: فقد أصبح 50 % من المواطنين الأمريكيين الآن مصابين إما بداء السكري، وإما أنهم يمرون بمرحلة ما قبل الإصابة به، ولعل المخيف في الأمر أن تكون الستاتينات عنصرًا مشاركًا في تفشي هذا الوباء. ولوضع الأمور في نصابها، اعلم أن حالة واحدة فقط من الإصابة بداء السكري نتيجة تعاطي الستاتينات ستحدث بين كل 250 مريضًا بعد أربع سنوات من العلاج، لكن مع وضع ضخامة حجم استخدام الستاتينات حاليًّا في الاعتبار – إذ يتعاطاها أكثر من 40 مليون مواطن أمريكي – نجد أنه الزيادة الطفيفة في الخطر هي في الواقع زيادة بارزة.
وفيما يتعلق بمن هم عرضة بنسبة كبيرة لخطر الإصابة بالأزمات القلبية، خاصة أولئك الذين يعانون بالفعل أمراض الأوعية الدموية، فإن المنفعة التي تعود عليهم من تعاطي الستاتينات تتخطى مخاطر الإصابة بداء السكري، لكن مع ذلك تنشأ مشكلة أكبر عندما يتم وصف الستاتينات لمن هم عُرضة بنسبة ضئيلة لهذا الخطر؛ حيث تكون المنفعة طفيفة، وتكون احتمالية الإصابة بداء السكري موجودة بنسبة لا يُستهان بها، أما بالنسبة لمن يُحتمل إصابتهم بنسبة ضئيلة بأمراض القلب، فقد يتسبب الاستخدام المفرط للستاتينات في الإصابة بالأمراض بنسبة أكبر من الوقاية منها.
التهاب الكبد
إن الكبد مسئولة عن تحليل الستاتينات والتخلص منها، وعادة ما تُجهدها هذه العملية، وتسبب تهيجها بفعل ارتفاع مستوى الإنزيمات في الدم. وفي المعتاد يكون هذا العرض الجانبي غير ذي أهمية، لكن هناك حالات سجلت مشكلات خطيرة في الكبد بفعل تعاطي الستاتينات؛ حيث يتم إجراء اختبارات للدم قبل تعاطي أدوية الستاتينات للتأكد من مدى سلامة الكبد، ثم يتم تكرار الإجراء نفسه على فترات منتظمة بمجرد بدء تعاطي الدواء، وإن أشارت اختبارات وظائف الكبد إلى وجود مشكلة، ربما يتم خفض الجرعة، أو إيقاف تعاطي الدواء كلية كذلك. فإن كنت تتعاطي الستاتينات، يمكنك تقليل خطر إصابتك بقصور وظائف الكبد بالامتناع عن تناول الكحول، والعمل مع طبيبك على ترشيد استهلاكك للعقاقير الأخرى التي ترهق الكبد.
نصائح للتعامل مع الآثار الجانبية لأدوية الكوليسترول
يُعد تطور العرض الجانبي المشكوك فيه للدواء الستاتيني فرصة جيدة لإعادة التفكير في الحاجة إلى تعاطي هذا الدواء أصلًا، فبإمكان أولئك الذين يواجهون نسبة أقل من خطر الإصابة بهذا العرض الجانبي استشارة أطبائهم فيما يتعلق بإيجاد بدائل وقائية أخرى، ومن بينها تكثيف الجهود المبذولة لتحسين نمط الحياة.
وإن كان هناك داعٍ إلى استكمال الدواء الستاتيني، يمكن لعدد من الاستراتيجيات أن يفيد في تقليل الآثار الجانبية له، ومن المهم أن تعرف أن أثر الستاتينات في الجسم يختلف من شخص إلى آخر، وأن كل فرد يبدي استجابة مختلفة لها؛ لذلك أحيانًا ما يكون استبدال الدواء بدواء ستاتيني آخر، أو تقليل الجرعة، هو كل ما يتطلبه الأمر (حيث يمكن تعاطي بعض الستاتينات بين اليوم والآخر، أو حتى مرتين في الأسبوع لتقليل آثارها الجانبية المحتملة).
لقد اتضح أن الليمون الهندي يحتوي على عناصر كيميائية تسد مسارًا رئيسيًّا تستخدمه الكبد في تخليص نفسها من عقاقير ستاتينية معينة، خاصة لوفاستاتين، وأتورفاستاتين، وسيمفاستاتين؛ لذلك ينبغي على المرضى الذين يتعاطون هذه الأنواع من الستاتينات الحد من كمية الليمون الهندي التي يتناولونها، أو يشربونها، لتجنب ارتفاع نسبة الدواء في الدم، وما ترتبط بهذا من آثار جانبية.
يُعد نبات الخرفيش ( السلبين المريمي ) علاجًا عُشبيًّا آمنًا يحمي الكبد من الإصابة بالسموم، ويمكن تناوله مقترنًا بالدواء الستاتيني من قبل مرضى التهاب الكبد، أو من لديهم تاريخ مرضي مع أمراض الكبد.
وأحد المكملات الذي يمكنه المساعدة على علاج الآثار الجانبية لأدوية الستاتين هو مرافق الإنزيم Q10 ؛ حيث يصنِّع الجسم هذا المركَّب، ويستخدمه لإنتاج الأدينوسين ثلاثي الفوسفات، وهو مصدر الطاقة الأهم للخلايا، من بينها خلايا العضلات، وتقلل الستاتينات من مستوى مرافق الإنزيم Q10 في الدم؛ وهو ما قد يفسِّر آلام العضلات وغيرها من الآثار الجانبية لهذه الأدوية.
لقد تناولت العديد من الدراسات الصغيرة استخدام مكملات مرافق الإنزيم Q10 من قبل المرضى الذين يتم علاجهم عن طريق الستاتينات، وعلى الرغم من أن بعض هذه الدراسات أوضحت أن هناك تحسنًا فيما يتعلق بالآثار الجانبية للستاتينات، فإن معظمها لم يتحسن، لكن أفادت الكثير من التقارير غير الرسمية بفائدة هذا المكمل. ونظرًا إلى مدى سلامة مرافق الإنزيم Q10 ، فإنني أؤمن بأن وضع المكملات في الاعتبار هو أمر يستحق التجربة عند الشك في ظهور الأعراض الجانبية للستاتينات. وتكون الجرعة المعتادة لهذا المكمل بتناول من 60 إلى 100 مليجرام مرتين يوميًّا في شكل كبسولات جيلاتينية يتم تعاطيها مع وجبة تحتوي على الدسم لضمان امتصاصها.
ويمكن لمشكلات أيضية معينة أن تثير مشكلات تتعلق بالستاتينات؛ فنقص فيتامين D مثلًا يؤثر في الوظائف الخلوية على مستويات عدة؛ ومن ثم يمكنه تخفيف وطأة الآثار الجانبية لأدوية الستاتين؛ لذلك يمكن لرفع مستوى فيتامين D عن طريق المكملات أن يخلص الجسم تمامًا من ردود الأفعال التي تبديها أجسام البعض تجاه الستاتينات؛ ولهذا السبب أقترح على معظم الأشخاص تعاطي 2000 وحدة دولية في اليوم من مكملات فيتامين D ؛ أي ما يعادل 50 ميكروجرامًا. وإن لم تكن قد أجريت اختبار قياس مستوى فيتامين D في الدم، فافعل ذلك: فربما تحتاج إلى تعاطي جرعات أعلى في البداية، إن كانت نسبته لديك ضئيلة جدًّا.
أيضًا يزيد خمول الغدة الدرقية من احتمالية الإصابة بالمشكلات المتعلقة بتعاطي أدوية الستاتينات، ويسهل الخطأ في تشخيص هذه المسألة؛ نظرًا لكون الأعراض مبهمة وشائعة مع التقدم في العمر: على سبيل المثال: الإرهاق، وعدم القدرة على تحمل البرودة، وجفاف البشرة. لذلك ينبغي اختبار أداء الغدة الدرقية عن طريق الدم إن كان هناك شك في الآثار الجانبية للعقاقير الستاتينية.
خيارات الطب التكاملي لعلاج ارتفاع الكوليسترول
● تتجاوز إحدى المنهجيات التكاملية لصحة القلب تناول العقار وحده بغرض الوقاية من هذا الداء، وذلك على نطاق واسع؛ حيث تبدأ هذه المنهجية باتباع نظام غذائي مضاد للالتهابات يزخر بالخضراوات، والفواكه، والبقوليات، والمكسرات، والحبوب الكاملة، وتقليل تناول اللحوم الحمراء، وزيادة تناول الأسماك، واستخدام نوع عالي الجودة من زيت الزيتون البكر.
● وتُعتبر ممارسة النشاط البدني بصورة دورية عنصرًا أساسيًّا للحفاظ على صحة القلب، والممارسة الطفيفة كذلك في هذا الصدد تكون مفيدة – مثل السير كل يوم مدة ثلاثين دقيقة، فهذا له أثر بالغ. وبالنسبة إلى أصحاب الوزن الزائد، من المريح معرفة أنه حتى إن لم يؤدِّ برنامج التمرين إلى خسارة الوزن، فإنه لا يزال يقلل بنسبة لا بأس بها من احتمالية الإصابة بالأزمات القلبية.
● وتعتمد الحالة الصحية المثالية للقلب على توازن العلاقة بين العقل والجسد؛ فالتوتر، والغضب، والقلق، والاكتئاب تحفز الإصابة بمرض الشريان التاجي ، بينما الشعور بالتفاؤل والامتنان هما بمنزلة مرطبات للقلب. ومن حسن الحظ أن تحسين الحالة المزاجية والانفعالية لدينا يقع في أيدينا .
● وتمثل ممارسة التنفس مدخلًا متفردًا للجهاز العصبي اللاإرادي، وتُعتبر أسلوبًا فعالًا للاسترخاء. ومن بين الآليات بالغة الفاعلية تمرين التنفس 4 – 7 – 8 ، وتكون كالآتي: خُذ نفسًا وعُد 4 عدات، واحبس نفسك ل 7 عدات، ثم أطلق النفس في أثناء العد 8 عدات، وكرِّر هذا النمط عدة مرات على مدار اليوم. أيضًا تعتبر ممارسة التأمل مفيدة بدرجة بارزة، كما تم التوثيق في دراسة أوضحت أن الممارسة الدورية للتأمل تقلل من احتمالية الإصابة بالأزمات القلبية المفاجئة بنسبة 48 % .
● وفيما يتعلق بمن يعجزون عن خفض مستوى الكوليسترول في دمهم بدرجة كافية عن طريق تغيير نمط الحياة، وكذلك ليست لديهم القدرة على تحمل الآثار الجانبية للستاتينات، يمكن لمكمل يُدعى أرز الخميرة الحمراء أن يحقق فاعلية معهم؛ وهو عبارة عن منتج مخمَّر مصنوع من فطر موناسكاس بيربرس الذي ظل يُستخدم قرونًا في الصين بوصفه مكوِّنًا غذائيًا، وكان الغرض الأساسي من ذلك هو إضفاء اللون الأحمر على الطعام، لكن هذا بالإضافة إلى فوائده الصحية التي يُعتقد فيها؛ إذ إنه يحتوي على العديد من المركبات المُخفِّضة لنسبة الكوليسترول في الدم، التي تتشارك جميعها البنية الكيميائية للستاتينات. (والمثير في الأمر أن أحد هذه المركبات، وهو موناكولين كي، هو المركب نفسه الذي يدخل في تركيب عقار لوفاستاتين وهو أول عقار ستاتيني يتم التصديق عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية).
ومع أن أرز الخميرة الحمراء يمكنه التسبب في الآثار الجانبية نفسها للعقاقير الستاتينية الموصوفة، فإن احتمالية ذلك أقل كثيرًا؛ ربما بسبب قدرة الجسم على تحمل المزيج الطبيعي للجزيئات نفسها بشكل أفضل من تحمله لجزيء واحد فقط، (ولعل السبب في ذلك غير واضح، لكنه أسلوب لاحظته في منتجات طبيعية أخرى مقارنة بالعقاقير الطبية النقية). وفي دراسة عشوائية تم إجراؤها، وُجِد أن 85 % من المرضى الذين عجزوا عن تحمل العقاقير الستاتينية الموصوفة كانوا قادرين على تناول أرز الخميرة الحمراء دون أن تظهر عليهم أية آثار جانبية له، ومع ذلك فإن استبداله بالعقاقير الستاتينية هو استبدال مركب فعال بآخر أقل فاعلية. وتعمل الكمية المعتادة منه (من 1200 إلى 2400 مليجرام في اليوم) على تقليل الكوليسترول الضار في الدم بنسبة 20 إلى 25 % ، مقارنة بتقليل العقاقير الستاتينية الموصوفة لهذا النوع من الكوليسترول بنسبة 30 إلى 55 % . وللعلم إن أرز الخميرة الحمراء يُصرف دون روشتة طبية، ويُوصى بأن تكون الجرعة المبدئية منه 600 مليجرام مرتين في الأسبوع مع أطعمتك المعتادة.
● ومن بين المنتجات الأخرى التي يمكنها المساهمة في خفض نسبة الكوليسترول في الدم الألياف، خاصة قشور بذور القطونة، وكذلك مركبات ستانول وستيرول النباتية التي تقلِّل بنسبة بسيطة من كمية الكوليسترول التي يتم امتصاصها من الطعام، وتوجد هذه المركبات في الفواكه، والخضراوات، والبقوليات، والمكسرات، والبذور، بالإضافة إلى الأغذية الغنية بالفيتامينات والمقويات (مثل بعض أنواع عصير البرتقال، وحبوب الفطور، والجرانولا)، وهي أيضًا متاحة بوصفها مكملات غذائية.
الخلاصة
توفِّر العقاقير الدوائية وحدها حماية محدودة ضد أمراض القلب، وتُعتبر الستاتينات فعَّالة جدًّا في خفض نسبة الكوليسترول الضار في الدم، لكنها منفعة وحيدة في مقابل العديد من المخاطر. كما نود أيضًا أن نكون قادرين على رفع نسبة الكوليسترول النافع في الدم، وتغيير حجم جزيئات الدهون الضارة، لكن ليست هناك عقاقير من شأنها أن تفعل ذلك. وعلاوة على ذلك، إن نصف أولئك الذين واجهوا الإصابة بالأزمات القلبية للمرة الأولى كانوا يتمتعون بمستويات كوليسترول طبيعية في الدم. واعلم أن التوتر، والغضب، ونمط الحياة الذي لا يدعم النشاط والحركة، والنظام الغذائي الذي يعزز الالتهابات هي كلها عوامل تسهم في انسداد الشرايين التاجية. ويعتقد العديد من الأطباء أن بإمكانهم علاج المرضى الذين يواجهون خطر الإصابة بأمراض القلب، وذلك ببساطة عن طريق وصف الستاتينات لهم، وتجاهل الأسباب المعقدة وراء ذلك.
واستنادًا إلى أساس التغذية وأسلوب الحياة، هناك منهجية تكاملية تخص صحة القلب تقر بقيمة الستاتينات، لكن نظرًا إلى ما لهذه الأدوية من قدرة على خفض مستوى الكوليسترول الضار في الدم وخطورتها، يتطلب الأمر ترشيد استهلاكها، كذلك لا بد من الموازنة بين تأكيد اتباع الأساليب العلاجية التي تتضمن تعاطي الستاتينات وتغيير نمط الحياة.