التصنيفات
صحة المخ والجهاز العصبي

مشاكل وأضرار الأدوية المنومة والمهدئة والعلاج البديل للأرق

إن الطريقة المثلى لمعرفة أعداد البشر الذين لا ينامون جيدًا هي معرفة مقدار استخدام العقاقير التي تستهدف علاج هذه المشكلة؛ حيث تقدر نسبة مستهلكي المنومات الموصوفة من الأمريكيين ب 10% إلى 25% ، وهم ينفقون نحو 4.5 مليار دولار كل عام عليها، وقد قفز عدد وصفات المنومات من 47 مليونًا عام 2006 إلى 60 مليونًا عام 2012 ، ولا تزال في زيادة منذ ذلك الوقت، ويستخدم كل من النساء، وكبار السن، والحاصلين على درجات تعليمية عالية المزيد من هذه العقاقير، كما تعتبر المنومات المتاحة دون وصفة طبية من أشهر السلع التي تباع في الصيدليات، لكنني أنصحك بأن تتوخى الحذر من هذه العقاقير كلها، وأن تكون على علم جيد بأي مما قد تتعاطاه منها.

أسباب الأرق

يعني الأرق إيجاد صعوبة في النوم، أو البقاء مستيقظًا، أو عدم الحصول على قسط النوم المجدد للنشاط. وتشير المؤسسة الوطنية الأمريكية للنوم إلى أن 40 مليون أمريكي يعانون اضطرابات مزمنة في النوم، وأن 62 % من الأمريكيين البالغين يواجهون مشكلات في النوم بضعة ليالٍ من الأسبوع.

ويعتبر الحصول على القسط الكافي من النوم هو حجر الأساس لسلامة الصحة النفسية والبدنية؛ فهو يستعيد الطاقة ويحمي الجهاز المناعي؛ حيث تؤدي مرحلة نوم حركة العين السريعة، وهي المرحلة التي نحلم فيها، دورًا محوريًّا في التعلم، وتكوين الذاكرة، وتنظيم الحالة المزاجية. ولقد ارتبطت عادات النوم السيئة بالالتهاب المزمن وزيادة خطر الإصابة بمجموعة واسعة من الأمراض، من بينها الاكتئاب، والسمنة، والسكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، واضطرابات المناعة الذاتية.

إن أسباب الأرق معقدة ومتداخلة مع نمط الحياة، وهناك ثلاثة أنواع من العوامل المسببة له، عوامل مهيئة، وعوامل تراكمية، وعوامل الاستدامة. وقد تتضمن العوامل المهيئة فرط الاستيقاظ، وفرط تعاطي المشروبات الكحولية الضارة والكافيين، واختلال الساعة البيولوجية (وهي دورة العمليات الفسيولوجية التي تستمر أربعًا وعشرين ساعة) عن طريق فرط التعرض للضوء في الليل، والتغيرات المرتبطة بالتقدم في العمر، وتشير العوامل التراكمية إلى الأحداث الضاغطة التي تدفع المرء إلى حد الوصول إلى عتبة الأرق، ومن بين الأمثلة على ذلك المرض، والانفصال بين الزوجين، وانقطاع الطمث، والعمل أو التحديات المالية. أما عوامل الاستدامة فتشير إلى المحاولات الضالة لعلاج أعراض الأرق، كتعاطي المنومات بانتظام. أيضًا يمكن للحالات الطبية التي تسبب ألمًا أو عدم ارتياح، أو تستنزف الطاقة، بالإضافة إلى العديد من العقاقير التي يشيع استخدامها، أن تهيئنا للإصابة بالأرق، وتراكم مسبباته لدينا، وتبقي على استدامته.

كيفية عمل الأدوية المنومة الموصوفة

هناك العشرات من الأدوية الموصوفة التي تتميز بعلاجها للأرق، منها على سبيل المثال أدوية البنزوديازيبين، وهو صنف من الأدوية المهدئة والمضادة للتوتر، الذي يستخدم على نطاق واسع وبجرعات كبيرة لعلاج الأرق، أيضًا هناك عدد من المنومات الموصوفة الأخرى تعرف باسم Z – drugs أو ” الأدوية زي”؛ نظرًا إلى احتواء اسمها النوعي على الحرف الإنجليزي z، وبوجه عام تعرف هذه العقاقير باسم العقاقير المهدئة المنومة، أو Hypnotics (وهي مشتقة من الكلمة اليونانية Hypnos). وعلى الرغم من أن هذه ليست وظيفتها الأساسية، فإن مضادات الاكتئاب المهدئة، ومضادات الذهان، ومضادات الهستامين تستخدم “بشكل ثانوي” أيضًا بوصفها منومات.

وتتراوح التكلفة التي يتكبدها المستهلك ثمنًا للجرعة الواحدة من هذه الأدوية ما بين أقل من 1 دولار وأكثر من 30 دولارًا، وترفع الشركات المصنعة للمستحضرات الطبية مبيعاتها عن طريق تكثيف الإعلانات الموجهة إلى المستهلك، وأيضًا عن طريق الإسهامات التي تؤثر في الثقافة العامة للنوم؛ فعلى سبيل المثال: تلقت المؤسسة الوطنية الأمريكية للنوم – وهي المؤسسة غير الربحية الرائدة المخصصة لتحسين الصحة على مستوى النوم – تمويلات ضخمة من العديد من الشركات المصنعة للمستحضرات الطبية.

وهناك عدد ضئيل ممن يعتمدون على أشهر المنومات هم من يعون كيفية عملها، وفاعليتها (أو عدم فاعليتها)، وآثارها الجانبية المحتملة، وردود أفعال الجسم الخطيرة تجاهها.

وعلى الرغم من أن تاريخ استخدام الأعشاب والمشروبات الدافئة لتحفيز النوم يعود إلى آلاف السنوات، لم تُبتكر العقاقير الطبية المنومة حتى القرن التاسع عشر؛ إذ ظهرت الباربتيورات – وهي صنف من الأدوية شديدة التحفيز على النوم، ولها مخاطر محتملة – في مطلع القرن العشرين؛ حيث هيمنت على سوق الحبوب المنومة حتى ستينيات القرن نفسه، ذلك عندما ظهر البنزوديازيبين باعتباره بديلًا أكثر أمانًا.

إن العقاقير المهدئة من أدوية البنزوديازيبين تقلل الشعور بالتوتر، وترخي العضلات، وتحفز على النوم، وتختلف العقاقير الكثيرة التي يتضمنها هذا الصنف في مدى سرعة ظهور أثرها، ومدة استمرار هذا الأثر، وتنتهي أسماؤها النوعية كلها بالمقطع “بام” أو “لام”؛ مثل ديازيبام ( فاليوم)، وألبرازولام (زاناكس)، وكلونازيبام (كلونوبين)، ولورازيبام (أتيفان)، وتريازولام (هالسيون)، وفلورازيبام (دالمين)، وتعمل جميعها عن طريق تحفيز ناقل الجابا (حمض الجاما-أمينوبيوتيريك)؛ وهو ناقل عصبي رئيسي يهدئ نشاط المخ. ونظرًا إلى ارتباط الكثير من حالات الأرق بالتوتر والقلق، فلا عجب في أن عقاقير البنزوديازيبين تساعد على التحفيز على النوم. وسواء أخذت هذه العقاقير لعلاج القلق أم الأرق، فإنها يمكن أن تكون فعالة بصورة مذهلة عند استخدامها في المرة الأولى؛ ومن ثم فهي ضمن الأنواع الأكثر وصفًا على مستوى العالم.

وعادة ما يُوصى باستخدام أدوية البنزوديازيبين على المدى القصير مدة أسبوعين أو أربعة أسابيع فقط، لكن الكثير من المرضى يتعاطونها بانتظام، ويعتبر الجمع بين هذه العقاقير والمشروبات الكحولية، أو غيرها من العقاقير المهدئة، أو مشتقات الأفيون أمرًا خطيرًا، وربما يكون فتاكًا. ومن بين الآثار الجانبية الشائعة لأدوية البنزوديازيبين النعاس، وانعدام التوازن، والدوار، والارتباك، والنسيان، وصعوبة التنفس، وعلى الرغم من أن أدوية البنزوديازيبين تساعدنا على النوم أسرع وفترة أطول، فإنها تخرب آلية النوم؛ أي دوائرنا الطبيعية من النوم والأحلام، وكي نكون أكثر دقة، فإنها تزيد من النوم الخفيف على حساب النوم العميق، كما تكبح جماح نوم الأحلام (أو نوم حركة العين السريعة). وكثيرًا ما يؤدي استخدام هذه العقاقير على المدى الطويل إلى تحمل الجسم لها – أي الحاجة إلى زيادة الجرعة للحفاظ على الأثر المنشود – واعتماده عليها، ولعل الاعتماد على أدوية البنزوديازيبين بشكل خاص يكون اعتمادًا مستعصيًا، حتى إن بعض خبراء الإدمان يقولون إنه أصعب من الإقلاع عن مشتقات الأفيون.

وأيضًا تعتبر الأدوية “زي”، وهي أول ما تم تصنيعه من العقاقير بشكل خاص لعلاج الأرق (وتم التصديق عليه في التسعينيات)، من بين أشهر المنومات على مستوى العالم؛ فقد ارتفعت نسبة وصف هذا الصنف من الأدوية بنسبة 350 % في الفترة ما بين 1990 و 2010 ، وكمثل عقاقير البنزوديازيبين، تزيد الأدوية “زي” من نشاط إفراز حمض الجاما – أمينوبيوتيريك؛ لكنها أكثر انتقاءً في الأجزاء التي تستهدفها، ويفترض أن لها آثارًا جانبية أقل من الآثار الجانبية لعقاقير البنزوديازيبين، كما أنها لا تخرب كيفية النوم.

وتتشارك الأدوية “زي” الأساسية – زولبيديم (أمبين)، وزاليبلون (سوناتا)، وإسزوبيكلون (لونستا) – بنية كيميائية أساسية؛ لكنها تتنوع فيما يتعلق بمدى فاعليتها، ومدة سريان مفعولها، وسرعة عملها، وآثارها الجانبية. وقد ارتبط استخدام الأدوية “زي” بالخطل النومي؛ وهو مجموعة غريبة من الاضطرابات السلوكية الليلية غير الواعية، وتشتمل على السير في أثناء النوم، والنوم في أثناء القيادة، وفي أثناء الحديث عبر الهاتف، والطهو، وتناول الطعام، وكذلك في أثناء ممارسة العلاقة الحميمية، كما أنها ترتبط بآثار جانبية أخرى كالنعاس، والنسيان، والصداع، والدوار، والاكتئاب. وينبغي عدم المزج بين الأدوية “زي” والكحول، أو العقاقير المهدئة المنومة الأخرى.

وظهرت مضادات الاكتئاب المهدئة، مثل أميتربتيلين (إلافيل)، ودوكسيبين (سيلينور)، وميرتازابين (ريميرون)، وترازودون (ديسيريل)، أولًا في الخمسينيات، وتستخدم بكثافة في علاج الأرق، على الرغم من أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لم تصدِّق على استخدامها لهذا الغرض، وتنتمي مضادات الاكتئاب المهدئة إلى صنف مضادات الهستامين، وتسبب جميعها النعاس بوصفه أثرًا جانبيًّا شائعًا. ويتم وصف مضادات الاكتئاب المهدئة بجرعات صغيرة لعلاج الأرق، ويزعم أن استخدامها آمن على المدى الطويل، وعلى الرغم من أن آلية عملها غير واضحة تمامًا، فإن العقار ترازودون واحد من أشهر المنومات المستخدمة اليوم، وقد يفيد في علاج الأرق الذي تسببه مضادات الاكتئاب التي تندرج تحت صنف مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية.

وتتميز مضادات الاكتئاب المهدئة بما لها من أثر فعال مضاد للكولين؛ ما يعني أنها تثبط نشاط الأسيتيل كولين؛ وهو ناقل عصبي رئيسي، ويرتبط الكثير من آثارها الجانبية بهذا النشاط: النعاس في فترة النهار، وزيادة الوزن، ومشكلات القلب، وعسر الهضم، والصداع، وجفاف الحلق، والرؤية المشوشة. أيضًا تفاقِم مضادات الاكتئاب المهدئة من أعراض متلازمة تململ الساقين، وتعوق نوم حركة العين السريعة. وتثير هذه المشكلات القلق خاصة لدى المسنين، الذين يستخدمون المزيد من الأدوية المضادة للكولين بوجه عام، كأدوية الحساسية، ومضادات التقلص، ومضادات الغثيان، والعقاقير الباسطة للعضلات. وعمومًا إن فرط المداواة بمضادات الاكتئاب المهدئة هو إجراء قد ينطوي على خطر الوفاة.

بالإضافة إلى عقاقير البنزوديازيبين ومضادات الاكتئاب المهدئة، فإن من بين العقاقير التي يشيع استخدامها بوصفها منومات في غير غرضها الأساسي أدوية الذهان، مثل كويتيابين (سيروكيويل) وأولانزابين (زيبريكسا)، ومضادات الصرع, مثل جابابنتين (نيورونتين) وبريجابالين (ليريكا)، بالإضافة إلى ذلك هناك مضادات الهستامين الأقدم, مثل هيدروكسيزين (فيستاريل، وأتاراكس). وعلى الرغم من أن هذه الأدوية تتشارك جميعًا في كونها مهدئة بوصف هذا أثرًا جانبيًّا شائعًا، فإننا لا نعرف عن مدى فاعليتها وأمانها في علاج الأرق سوى القليل نسبيًّا.

وفي السنوات الأخيرة حصل الدواءان راميلتيون (روزيريم) وسوفوريكسانت (بلسومرا) – وهما نوعان جديدان من الأدوية يحفزان على النوم بأساليب مبتكرة – على تصديق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. وعلى عكس غيره من المنومات، يحفز دواء راميلتيون على النوم عن طريق استهداف مستقبلات المخ للميلاتونين؛ وهو الناقل العصبي الذي ينظم ضربات القلب، ولكون دواء راميلتيون مخصصًا لعلاج صعوبات النوم، فهو عقار خفيف نسبيًّا، لكن آثاره الجانبية تتضمن النعاس وقت النهار، والشعور بالإعياء، ومواجهة صعوبات في التركيز، والصداع، وتقليل الرغبة الجنسية، ومشكلات في الخصوبة.

ويُوقِف دواء سوفوريكسانت عمل الأوركسين (الملقب ب هيبوكريتين)؛ وهو الناقل العصبي الذي يحفز على الاستيقاظ، وقد تم التصديق على علاجه الأرق عام 2014 ، لكن ليس قبل أن تحد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية من الجرعات المقترحة منه بصورة ملحوظة لتقليل آثاره الجانبية، ومن أكثر هذه الآثار شيوعًا الخمول، وعدم القدرة على القيادة، والاكتئاب، والتفكير في خواطر انتحارية، وأحلام غير معتادة، وهلاوس، ونوبات من الخطل النومي مشابهة لتلك التي تحدثها الأدوية “زي”. ويمكن أيضًا لعقار سوفوريكسانت أن يسبب الشلل في أثناء النوم؛ وهي حالة مرعبة من العجز عن الحركة أو الكلام بضع لحظات في أثناء النوم أو الاستيقاظ.

فاعلية الأدوية المنومة الموصوفة

أثار بحث حديث، استُخدمت فيه قياسات موضوعية للنوم، عدة تساؤلات خطيرة بشأن فاعلية المنومات بوجه عام، وقد أوضح هذا البحث أن الأدوية “زي” في المتوسط تقلل الفترة التي تستغرقها كي تغط في النوم بمقدار 13 دقيقة، ويضيف إلى مدة النوم الكلية 11 دقيقة فحسب، وأن عقاقير البنزوديازيبين تقلل فترة الشروع في النوم بمقدار 10 دقائق، وتزيد من مدة النوم الكلية بمقدار 32 دقيقة، وأن دواء سوفوريكسانت يقلل فترة الشروع في النوم بمجرد 2.3 دقيقة مع زيادة في مدة النوم الكلية بمقدار 21 دقيقة، وعلى الرغم من أن معظم هذه التحسينات تعتبر بارزة على المستوى الإحصائي، فهي غير ذات قيمة على المستوى الوظيفي.

من المثير أيضًا وجود تباين بين هذه الاستنتاجات العامة والتقارير الفردية عن نسبة الرضا عن فاعلية هذه الأدوية؛ فحسب تقدير مستخدمي الحبوب المنومة، زادت مدة النوم الكلية التي ينامونها بمقدار 52 دقيقة مع استخدام عقاقير البنزوديازيبين، وبمقدار 32 دقيقة مع استخدام الأدوية “زي”. وفي أغلب الأحيان يتداخل فقدان الذاكرة المرتبط بهذه الأدوية مع تذكر مدى سوء الفترة التي ناموها فعليًّا. ويمر من يتناولون المنومات بانتظام بفترات من الاستيقاظ ليلًا أطول من مرضى الأرق الذين لا يستخدمون هذه المنتجات، وعندما سأل مراسل مجلة نيويورك تايمز ممثل إحدى شركات المستحضرات الطبية عن هذه المسألة، علَّق قائلًا: “إن نسيتَ كم استلقيت في فراشك، وظللت تتقلب فيه، فهذا بشكل ما جيد كما النوم”.

الأدوية المنومة المتاحة دون وصفة طبية

يتناول 10 إلى 20 % من الأمريكيين كل عام أصنافًا من المنومات المتاحة دون وصفة طبية, مثل زيكويل، ويونيسوم، ونيتول، وسومينكس، والعديد من “أدوية الطب الشخصي”. وقد تنبع شهرتها من اعتقاد أن المنتجات المتاحة دون وصفة طبية آمنة أكثر من المنومات الموصوفة، وهي بالطبع أسهل في الحصول عليها وأرخص ثمنًا، غير أن لها قدرة على التسبب في آثار جانبية غير مرجوة.

ويحتوي معظم المنومات المتاحة دون وصفة طبية على مضادات الهستامين، مثل ديفينهيدرامين (بينادريل)، ويحتوي البعض أيضًا على أسيتامينوفين أو أسبيرين. ومثل مضادات الاكتئاب المهدئة، تحفز المنومات المتاحة دون وصفة طبية على النوم عن طريق تثبيط الهستامين، ومن بين الآثار الجانبية الشائعة لها الخمول فترة طويلة، والارتباك، والإمساك، واحتباس البول، وتشوش الرؤية، وجفاف الحلق، وقلة نوم حركة العين السريعة.

مشاكل الأدوية المنومة

● بعيدًا عن الآثار الجانبية العديدة وردود الفعل الخطيرة للمنومات، هناك مشكلات أخرى تتعلق باستخدامها على المدى الطويل، فعلى سبيل المثال أثر “الثمالة” الذي يشيع لدى استخدام معظم هذه العقاقير يمكن أن يترك مستخدميها في حالة من الخمول، حتى عندما يشعرون بأنهم في كامل الاستيقاظ، وهو ما يمكن أن يزيد بصورة ملحوظة من خطر حوادث الدراجات النارية والسقوط، خاصة بين كبار السن.

● وينتج عن الاستخدام طويل المدى لعقاقير البنزوديازيبين، والأدوية “زي”، والمنومات المتاحة دون وصفة طبية، وبخاصة مضادات الاكتئاب المهدئة، تحمل الجسم لها؛ ما يبعث على الحاجة إلى زيادة الجرعة للحفاظ على التأثير نفسه؛ حيث يشجع هذا التحمل على فرط تعاطي العقار من ناحيتي المبالغة في الجرعات، والجمع بين مجموعة من الأدوية والمواد الخطيرة معًا، ولعل التاريخ يكون حافلًا بقصص المشاهير الذين فقدوا أرواحهم بسبب فرط تناول العقاقير في محاولات يائسة للنوم، ولسوء الحظ إن هناك المزيد من القصص غير المعروفة لأشخاص عاديين جرى لهم الأمر نفسه.

● على الرغم من الزعم بأن العقاقير المنومة تعالج الأرق، فإنها في واقع الأمر تكبح جماح الأعراض؛ أي أنها تحجب الأرق مع فشلها في علاج الأسباب الأصلية الكامنة وراءه؛ وبالتبعية؛ كثيرًا ما ينتج عن إيقاف هذه العقاقير ارتداد الأرق، وعودة الأعراض الأصلية، وأحيانًا تكون أسوأ كذلك، ويمكن للأرق الذي يرتد إلى المريض أن يستمر من أيام إلى شهور، معاودًا بذلك كَرة الاعتماد على تلك العقاقير وإدمانها.

● وفي حين أن أخطار تحمّل الجسم تلك العقاقير، والاعتماد عليها، وارتداد الأرق مع تعاطي الأدوية “زي”، تبدو أقل ظاهريًّا مما يكون مع تعاطي عقاقير البنزوديازيبين، فإن النوعين في واقع الأمر متشابهان فيما يتعلق بردود الفعل الخطيرة التي يمكن لكل منهما أن يسببها. ولعل أحد العيوب الأبرز لأدوية البنزوديازيبين هو احتمالية الإدمان الحقيقي الذي يمكن أن تسببه للمريض، مع أعراض انسحاب صعبة حقًّا.

فلا تتوقف عن تعاطي المنوم فجأة، الخيار الأكثر أمنًا هنا هو أن تقلل الجرعة بالتدريج، وتحت إشراف طبي. ويمكن أن تتراوح أعراض انسحاب المنوم ما بين عقبة عابرة ومحنة طويلة تمتد أسابيع أو أشهرًا، وذلك يتوقف على نوع الدواء، والجرعة، ومدة استخدامه، وتتسم عملية الانسحاب بأعراض تشتد وتضعف، من بينها ارتداد الأرق، والتوتر، والاكتئاب، وبعض الصعوبات المعرفية.

● وبينما تكون الآثار طويلة المدى للأدوية “زي” على نوم حركة العين السريعة غير واضحة، فإن أدوية البنزوديازيبين، ومضادات الاكتئاب المهدئة، والمنومات المتاحة دون وصفة طبية تشتهر بمنعها الأحلام. وقد ارتبطت هذه الأدوية بالاكتئاب، والخرف، وألزهايمر، كما ارتبطت حالات أخرى بتدهور نوم حركة العين السريعة.

● وقد أثارت كثير من الدراسات الكثير من التخوفات بشأن العلاقة بين تعاطي المنومات وزيادة معدلات الإصابة بالسرطان والوفاة، وقد كشفت إحدى الدراسات التي أجريت على أكثر من عشرة آلاف شخص يتعاطون الأدوية “زي” أو أدوية البنزوديازيبين عن زيادة بنسبة 35 % في معدلات الإصابة بالسرطان، بالإضافة إلى وجود رابط بين الاستخدام المتزايد وارتفاع معدلات الوفاة، كما زادت احتمالية الوفاة بين الأشخاص الذين يتعاطون أقل من ثماني عشرة حبة في العام.

خيارات الطب التكاملي للتعامل مع الأرق

على الرغم من التخوفات المعلنة على نطاق واسع بشأن مدى أمان المنومات وكفاءتها، فإن هذه الأدوية تظل هي العلاج الأشهر للأرق، وقد تم تأكيد هذا الأمر عن طريق العلاج الطبي للنوم، وهو المفهوم الذي اختلقته صناعة المستحضرات الطبية، الذي يقول إن سبب الأرق هو خلل في توازن العناصر الكيميائية في المخ يمكن علاجه عن طريق التدخل السريع للعقاقير الطبية، وينفي هذا المنظور سمة الشخصية عن النوم، كما يثني عن علاج المشكلات الخطيرة المرتبطة بالشخصية، ونمط الحياة، ويقلل من أهمية كفاءة النوم الذاتية؛ أي الإيمان بقدرتنا على علاج مشكلاتنا في النوم.

وكما هي الحال مع نزلات البرد الشائعة، فإن الأرق العرضي سريع الزوال، وعادة ما يتلاشى من تلقاء نفسه؛ لكن ينبغي علاج الأرق المزمن بشكل احترافي تمامًا مثل نزلة البرد التي تستمر بعض الوقت.

ونظرًا إلى عدم تدرب ممارسي الرعاية الطبية الأولية بوجه عام على علاج الأرق بكفاءة، بالإضافة إلى عدم توافر الوقت لديهم؛ فهم أكثر احتمالية لوصف المنومات، أو تحويل المرضى لإجراء فحوصات غير ضرورية لفحص حالة النوم ليلًا. وعلى النقيض، يكون متخصصو طب النوم السلوكي متدربين على علاج الأرق بالعلاج السلوكي المعرفي المخصص لعلاج الأرق. وهناك عدد من المواقع الإلكترونية التي توفر برامج العلاج السلوكي المعرفي للأرق، ويمكن الجمع بينها وبين نصائح الطب التكاملي.

ويشجع الطب التكاملي على اتباع منهجية شاملة لعلاج الأرق بشكل أكبر من المنهجية الكيميائية الخالصة، وتعتمد هذه المنهجية على مبدأ الشفاء الداخلي ؛ وهو اعتقاد قدرتنا الفطرية وميلنا الطبيعي إلى النوم؛ فبدلًا من إجبار الأفراد على العودة إلى النوم عن طريق الأدوية، يدعم الطب التكاملي منهجية أكثر لينًا من التحفيز على النوم ، وذلك عن طريق المشاركة الفعالة للمريض، ولنلقِ نظرة على بعض الأساليب المستخدمة في هذه المنهجية.

خفض ضوضاء الجسم

ليس السبب في معظم حالات الأرق عدم كفاية الحاجة إلى النوم، بل فرط التحفيز الناتج عن عوامل طبية بيولوجية، أو نفسية، أو بيئية، أو “ضوضاء تتعلق بالجسم، والعقل، والفراش”. ويعني خفض الضوضاء تحديد أنواع المحفزات المفرطة التي تتداخل مع ميلنا الفطري إلى النوم وتدبر أمرها.

وتشير ضوضاء الجسم إلى مجموعة كبيرة من المشكلات الطبية البيولوجية التي يمكنها أن تسهم في الأرق، ومن بين الأمثلة على ذلك الآثار الخطيرة للكافيين أو الكحول، والشعور بالألم أو عدم الارتياح، ومشكلات الهضم مثل أعراض داء الارتداد المعدي المريئي، ومسببات الحساسية الموجودة في الهواء، أو الأنواع المختلفة لحساسية الطعام، وفترة ما قبل انقطاع الطمث، ومتلازمة تململ الساقين، والآثار الجانبية للعقاقير الطبية. كذلك يعد كل من عدم ممارسة القدر الكافي من النشاط البدني، بالإضافة إلى تشنج العضلات المزمن، الذي عادة ما يكون المسبب الرئيسي له التوتر، من بين الأمثلة لضوضاء الجسم.

ويساعد كل من تدبر النظام الغذائي بحرص، وتعاطي الأدوية، وعلاج الأعراض المرضية على خفض ضوضاء الجسم، ومن الضروري أيضًا تقييم الآثار الجانبية المحتملة للعقاقير التي تستخدمها في النوم، والتفكير في بدائل لها إن لزم الأمر. وهناك العديد من آليات العقل والجسد المتاحة التي يمكنها المساعدة على تخفيف تشنج العضلات: كاليوجا، واسترخاء العضلات التدريجي، وتمارين التنفس، والتنويم المغناطيسي الذاتي، والتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، والارتجاع العصبي. ويعتبر أسلوب الحد من التوتر القائم على الوعي التام أحد أشكال التأمل الفعالة، الذي اتضح أنه مفيد جدًّا في تحسين جودة النوم ، كما أنه يجعل من عملية الإقلاع عن تناول العقاقير المساعدة على النوم عملية يسيرة. وتشير ضوضاء العقل إلى الأفكار والمشاعر المتأصلة في الاعتقادات المضللة التي تحول دون الخلود إلى النوم، ولعل الأسلوب الأكثر فاعلية لعلاجها هو العلاج السلوكي المعرفي للأرق، وهو عبارة عن مجموعة من الآليات التي تساعد على تغيير الأفكار، والمعتقدات، والسلوكيات التي تعوق النوم. وعلى الرغم من أن العلاج السلوكي المعرفي للأرق لا يأتي بنتيجة سريعة كالمنومات، فإنه أكثر فاعلية واستمرارًا بدرجة بارزة، وعادة ما يتضمن هذا الأسلوب التحكم في المحفز والعلاج بتقييد مدة النوم، وهما استراتيجيتان تقللان الأرق بصورة انتقائية عن التقليل من الوقت الذي يقضيه الفرد في الفراش. ويعتبر العلاج السلوكي المعرفي للأرق مفيدًا على وجه التحديد في تخفيف الجهد المبالغ فيه المبذول من أجل الخلود إلى النوم، وهو الميل الشائع إلى بذل جهد جاد للخلود إلى النوم، وهو يأتي حتمًا بنتائج عكسية.

ويدرك الطب التكاملي أيضًا البعد النفسي الروحي للنوم؛ فإن كان هناك سر فيما يتعلق بالخلود إلى النوم، فهو التسليم بأن الجانب المستيقظ منا، بطبيعته؛ لا يمكنه الخلود إلى النوم ببساطة، فإننا بشكل ما لا نحتاج أبدًا إلى “الخلود إلى النوم”؛ لأن النوم يكمن في داخلنا بالفعل، ولكننا بدلًا من ذلك نحتاج إلى ممارسة التخلي عن الاستيقاظ. ويمكن لإتقان آليات الاسترخاء، مثل التحكم في عملية التنفس أن تساعدنا على ذلك بدرجة عظيمة، كما يمكن لتقليل مدة استخدام جهاز الكمبيوتر، والهواتف المحمولة، وغيرهما من أشكال التكنولوجيا التطفلية أن يكون أمرًا مهمًّا إلى حد بعيد.

وتشير ضوضاء الفراش إلى تلك العوامل البيئية, مثل الضوضاء بمعناها الحرفي، والضوء الساطع في الخلفية، ورداءة نوعية الهواء، وكون درجة الحرارة المحيطة دافئة بنسبة كبيرة (أي فوق 20 درجة مئوية). وينبغي أن يشعر المرء بالأمان في الغرفة المحفزة على النوم، وذلك على المستويين الجسدي والنفسي.

العلاجات العشبية وغيرها من المنتجات الطبيعية

يمكن لبعض الأدوية العشبية والمكملات المنومة المصنوعة من مكونات طبيعية أن تقلل من الأرق وأن تساعد أيضًا على عملية الانسحاب من تناول المنومات. وعمومًا إن هذه المنتجات أكثر أمانًا وأرخص ثمنًا من المنومات التقليدية، ويكون استخدامها بالشكل الأمثل جزءًا من البرنامج التكاملي لخفض الضوضاء. وعلى الرغم من أن هناك زخمًا من المعلومات على الإنترنت بشأن المنومات الطبيعية، فإنني أوصي بالحصول على النصيحة من أحد المختصين – مثل طبيب صيدلي، أو طبيب بشري على قدر من العلم – بشأن استخدامها. ولعل المنتجات الثلاثة الأشهر هي: نبات الناردين المخزني، وعنصر الثيانين، وهرمون الميلاتونين، وقد خضعت جميعها لدراسات دقيقة.

● يعتبر الناردين المخزني عشبة فعالة في التسبب في الشعور بالنعاس، ويمكنها دعم كل من بنية النوم الطبيعية والنوم العميق، ونوم حركة العين السريعة. وظل الناردين المخزني يستخدم خلال قرون طويلة في أجزاء من العالم الغربي؛ ومن ثم فهو آمن؛ لكن ينبغي ألا يتم الجمع بينه وبين غيره من المواد أو العقاقير المنومة. ومن الأفضل تعاطي الناردين المخزني في شكل كبسولات قياسية من خلاصة العشبة، من 400 إلى 600 مليجرام، قبل الخلود إلى النوم بنصف ساعة.

● والثيانين هو حمض أميني آمن وفعال في التقليل من التوتر والتحفيز على الاسترخاء، ونظرًا إلى استخلاصه من الشاي؛ فإنه يزيد من تذبذبات موجات ألفا (وهي موجات تشير إلى استرخاء العقل) ومستويات حمض الجاما-أمينوبيوتيريك. ونظرًا إلى كون التوتر عاملًا شائعًا في حالات الأرق، يمكن للثيانين أن يكون مفيدًا في علاج الأرق، كما يمكنه التصدي لبعض آثار الكافيين المنشطة، وتتراوح الجرعة الاعتيادية منه بين 200 و 250 مليجرامًا.

● والميلاتونين هو ناقل عصبي يؤدي دورًا أساسيًّا ومعقدًا في فسيولوجيا أجسادنا ليلًا عن طريق تنظيم الساعة البيولوجية، وتحفيز النوم الصحي والأحلام. وحيث إنه متاح بجرعات مختلفة وصيغ منتظمة معدلة التحر ر في الجسم، يمكن للميلاتونين أن يساعد على علاج العديد من مشكلات النوم عند استخدامه على نحو مناسب، ولسوء الحظ فإنه كثيرًا ما يساء فهم الميلاتونين ويساء استخدامه؛ فعلى الرغم من سجله النظيف في مسألة الأمان، فإن تعاطي جرعات كبيرة ليس ضروريًّا ليحقق لك الإفادة منه، بل ربما يتسبب ذلك في الحيلولة دون الخلود إلى النوم. وهناك أشكال متعددة لجرعات الميلاتونين، وأوصي شخصيًّا بتناول 2.5 مليجرام في هيئة قرص استحلاب (يوضع تحت اللسان) عند الخلود إلى النوم.

الخلاصة

إن الأرق هو أحد الأعراض الجسيمة لنمط الحياة غير الصحي، وكل ما تفعله المنومات هو كبح جماح هذه الأعراض وتستبدل بها نومًا مزيفًا لا يمت إلى النوم الطبيعي بصلة. ونظرًا إلى كفاءتها المحدودة، وآثارها الجانبية، وردود الفعل الخطيرة المرتبطة بها؛ ليس ثمة مبرر في الإفراط في وصفها واستخدامها. فإن كان لا محالة من تعاطيها، فإن أفضل استخدام لها هو الاستخدام قصير المدى لعلاج مشكلات النوم، كتلك المشكلات التي ترتبط بالصدمات العاطفية (كوفاة أحد أفراد العائلة مثلًا)، أو السفر إلى بلد ذي نطاق زمني مختلف، ولا بد دومًا من أن يتم تغليب التدخلات الطبيعية الآمنة والفعالة التي تعالج الأرق بوصفه مشكلة ناتجة عن نمط الحياة غير الصحي