عندما نتحدث عن مشكلات الطفل بطيء التعلّم فإننا نعني المعلم من جهة والأسرة من جهة أخرى نظراً لعلاقتهما المباشرة بمعظم المشكلات التي يواجهها هذا التلميذ.
ولعل الدور الذي يقوم به المعلم أشبه ما يكون بدور الأخصائي الاجتماعي بالإضافة إلى دوره كمرشد نفسي وما يترتب عليه من تفهم للمشكلات الانفعالية والشخصية والعقلية للأطفال بطيئي التعلُّم.
وبما أن بعض هذه المشكلات شخصية بحتة فإنه من الصعب أن يلجأ المعلم إلى حلّها في أثناء الصف بشكل علني بل عليه أن يقوم بدرسها بشكل مباشر ودقيق تبعاً لظروف كل تلميذ على حِدة.
لذلك نفترض في المعلم أن يقوم بما يلي:
ـ خلق جو نفسي مناسب يؤمن للتلميذ أمناً اجتماعياً.
ـ تنمية الميل الاجتماعي.
ـ الشعور بالانتماء والإحساس بالقدرة على التحصيل والنجاح.
ـ جعل التلامذة ينظرون إلى المعلم كصديق كبير يتطلعون إليه بالنصح والإرشاد.
المشكلات المنزلية وأثرها على الطفل بطيء التعلُّم
يلعب الوالدان دوراً كبيراً ومؤثراً في حياة الطفل بطيء التعلُّم بشكل أو بآخر. ومن الجدير ذكره أن وضع الأسرة الاجتماعي والثقافي والاقتصادي من الأهمية بحيث أنه يؤثر سلباً أو إيجاباً في سلوك هؤلاء الأطفال. فتأمين الحاجات الأساسية كالمأكل والملبس والمشرب والمأوى والرعاية الطبية والنشاطات المختلفة كلها تؤثر في حياة الطفل. مثلاً ان سوء التوافق بين الوالدين وعدم الانسجام بينهما بترك بصماته على الأطفال. كذلك سوء الفهم وسوء التربية أمثلة أخرى تسيء إلى نمو الأطفال بشكل صحيح. فإهمال الأطفال والقسوة الجسمية، وتفضيل بعض الأخوة على البعض الآخر خير أمثلة على ذلك.
وممّا يزيد الأمر سوءاً الفقر والفاقة والعَوز بحيث يؤدي إلى انتشار الرذيلة. فازدحام الشوارع بالمنازل يدفع بالأسرة إلى زج الأولاد للتسكع في الطرقات، بل قد يهرب إليها الأطفال من حدّة العراك والشجار المستمر في المنزل. ومن الطبيعي والحالة هذه أن ينخرط الأطفال في مجموعات السوء التي تهدف إلى التدمير والتخريب ومعاداة المجتمع. وهنا نلفت النظر إلى أمر هام جداً وهو عدم النظر إلى أن جميع الأطفال بطيئي التعلّم هم نِتاج هذه الأسرة فقط دون سواها. من هنا ضرورة وعي المعلم لمثل هذه الظروف حتى يتمكن من الإحاطة بالموضوع. لذلك يقتضي النظر إلى الموضوع بشكل يجعل المعلم قادراً على التمييز بين الحالات المختلفة للأطفال. فالتلميذ الجائع أو الخائف، أو المتردد، أو المهمل، أو المضطرب سوف لا يكون في حالة عقلية تسمح له ببذل الجهد الكافي، والتعاون الإيجابي مع زملائه ومعلميه في المدرسة. مثل هذا التلميذ بحاجة ماسة إلى حـزم وعناية وإشراف دقيق.
بالعودة إلى ما سبق الحديث عنه من أن الأسرة الفقيرة لا تعتبر المصدر الرئيسي للأطفال بطيئي التعلّم، فإن الأسر ذات المدخول الأعلى قد تنتج هي بدورها أطفالاً بطيئي التعلّم، إذ أن الكفاية الاقتصادية لا تعني بالضرورة كفاية في النواحي النفسية والانفعالية لأنه قد يأتي عدم الكفاية هذا من إهمال الطفل بطيء التعلم نتيجة للاهتمام المفرط الذي يلقاه أخوته العاديون أو النابهون، وعادة ما يحدث هذا الإهمال دون قصد، كما أن سوء التقدير للتلميذ في المدرسة، والعلامات الضعيفة التي يحصل عليها، والتنافس الذي لا يستطيع مجاراته بين زملائه، كل هذه العوامل منفردة ومجتمعة لها تأثيرها على قدرة التلميذ وفي ضبط انفعاله، بل إنها تؤدي إلى صراع انفعالي بينه وبين أخوته في البيت الأمر الذي يجعل حياة التلميذ بطيء التعلّم غاية في الضعف والارتباك. فوفرة الطعام والملبس والرعاية الصحية ليست كافية لتحقيق الاتزان الانفعالي.
وأحياناً يساهم الآباء في حدة هذا الصراع دون وعي عبر محاولاتهم إطراء ومدح أبنائهم العاديين والنابهين دون سواهم ـ بطيء التعلّم ـ ممّا يؤدي إلى زيادة الشرخ في العلاقة بين الآباء وهؤلاء الأطفال على الرغم من أن هذا التعليق أو ذاك ليس مقصوداً ولا يحمل في ذهن قائله أية أهداف سلبية.
الحاجة إلى زيارات منزلية
إن حالات كهذه التي سبق ذكرها ـ مشكلات أسرية ـ تستدعي أحياناً اللجوء إلى هيئات خيرية لحلها أو عبر تدخلات رجال الشرطة، ولكن يمكن حلها بطريقة أسهل عبر زيارات يقوم بها المعلم إلى منازل تلك الأسر شريطة أن يكون المعلم مؤهلاً ومدرباً على مواجهة هكذا مشاكل، ولعلّ جذب اهتمام التلامذة وإشباع حاجاتهم أفضل الطرق وأقصرها للوصول إلى الحل المناسب. إن زيارة المنزل تعطي المعلم فرصة للتعرف على الظروف المنزلية التي يعيش فيها أولئك الأطفال والاطلاع عن كثب على العوامل المختلفة التي تؤثر فيهم.
وهناك أسر لا ترغب في زيارة المعلم وتعتقد انه يأتي من أجل تحقيق كسب مادي ـ وهذا يعني شك في النوايا كونهم يعتقـدون، أحياناً ـ أن المعلم ما جاء ليزورهم إلاّ لمجرد الشكوى من ولدهم لا رغبة في المساعدة.
من هنا ضرورة تجنب المعلم دور المرشد الواعظ بالإضافة إلى عدم إظهار التأفف والاشمئزاز أو ضيق الصدر.
الإفراط في العناية والرعاية الزائدة
قد يحدث أن يواجه المعلم أطفالاً ضمن أسر مفرطة في الرعاية الزائدة ممّا يجعلهم غير قادرين على فهم نفسهم بشكل حقيقي وواقعي. هذا الإفراط في العناية يجعل الطفل إتكالياً يعتمد على الآخرين عوض الاعتماد على نفسه.
إن المديح المبالغ فيه والعطف المفرط، وعدم الصبر في السماح للتلميذ بطيء التعلّم بأن يأخذ الوقت الذي يحتاج إليه، وعدم التعلّم من الأخطاء التي يقع فيها كلها منفردة ومجتمعة تجعل من هذا التلميذ غير قادر على الوقوف على قدميه بثبات وثقة.
من هنا ضرورة بذل جهد خاص من قبل المعلم لمساعدة التلميذ بحيث يُفهمه بأن المديح في غير محله أمر لا لزوم له وانه لن يُمدح على عمل أهمل فيه.
ومن الجدير ذكره بأنه كلما لجأ المعلم إلى جمع أكبر قدر من المعلومات عن خلفية الطفل النفسية والعاطفية والاجتماعية استطاع تشخيص الموقف أو المواقف التي تستدعي تدخلاً مباشراً أو غير مباشر. إن من شان التعرّف هذا أن تزداد الصداقة وتتعمق، مما يساعد المعلم في التعرّف على كيفية التكيُّف العام للتلميذ وللأسرة على وجه العموم.
المشكلات المدرسية وأثرها على الطفل بطيء التعلم
ليست المشكلات المدرسية بأقلّ تأثيراً على الطفل بطيء التعلم إذ أن المدرسة تلعب دوراً مكملاً للمنزل، لأن المشكلات التي تنشأ عن الموقف المدرسي تؤثر بشكل مباشر على سلوك الطفل ومسلكه.
وتزداد هذه المشكلة كلما كان الطفل منطوياً، خاصة بطيء التعلّم، لأن حالة الانطواء هذه تجعله مفتقراً إلى الأصدقاء والأصحاب والزملاء، فهو يبدو غريباً بينهم يعيش وحيداً في ساحة اللعب وكذلك داخل الصف.
إن عدم اختلاط هذا الطفل مع رفاقه يجعله انعزالياً يؤثر الوحدة على الاختلاط. فهو عادة ما لا يشارك في الألعاب الجماعية ولا في النشاطات المختلفة، وإذا شارك فبجسمه لا بعقله. لذلك قلّما يختاره زملاؤه كعضو في لجنة أو جماعة إلاّ إذا لم يجدوا غيره. وإذا شارك فعادة ما يكون صامتاً خلال المناقشات الاجتماعية.
هذا ويصاحب حالة الانطواء هذه خجلاً شديداً بسبب إهمال الآخرين له وعدم مصادقتهم له.
وعادة ما تظهر علائم الانطواء في وجهه ومسلكه ممّا يجعله سهل الاكتشاف من قبل معلمه الذي يُفترض أن يتيح له الفرص اللازمة للقيام بنشاط تعويضي يمكنه القيام به كتشغيل التلفزيون، أو العناية بتنظيم غرفة الدرس. أما إشراكه في التمثيل أو نواحي النشاط التي يمكن أن تجرح كرامته فأمر غير مستحب وبالتالي يُفترض في المعلم أن لا يشركه في ذلك.
ويجب أن لا يقتصر متابعة هذا التلميذ داخل الصف والمدرسة فحسب بل خارجها أيضاً كالتأكد من إنتمائه إلى ناد معين أو حبه للتنزه في الحي أو الحديقة المجاورة، أو عضواً في جمعية الكشافة، والصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التي تهتم ببناء الشخصية وتكوينها.
فليس هناك أقدر من المعلم على دفع هذا التلميذ الخجول والمنطوى إلى المشاركة الإيجابية داخل المدرسة وخارجها بحيث يجعله قادراً على التكيُّف مع ما يوجد في البيئة التي يعيش فيها.
وهنا نطرح السؤال التالي: هل يُعزى الانطواء والخجل عند الطفل بطيء التعلّم على الإحساس بالنقص وعدم الأمن؟
لا شك في ذلك، ولعل من الأسباب الكامنة وراء هذا الشعور هو الفشل المتكرر الذي يقابله الطفل في سنواته الأولى، بالإضافة إلى مواقف الإحباط والإهمال التي عاشها مع أهله ومعلميه وزملائه، كل هذا يقنع التلميذ بأنه سيفشل في كل تجربة جديدة، لذلك يتجنب مثل هذه الخبرات في المستقبل.
ويبدو عدم الأمن فيما يتبعه التلميذ من أساليب تعويضية كالغرور مثلاً أو المضايقة المستمرة لزملائه في المدرسة وكذلك للمعلمين، بالإضافة إلى التدمير المتعمد لممتلكات الغير، وكثرة النقد اللاذع للآخرين والتهريج، وارتداء الملابس الشاذة وما شابه ذلك، كل هذه الأعمال محاولات لجذب الانتباه وتأكيد أهميته كفرد له اعتباره وكيانه.
ومن الجدير ذكره أن التلميذ عندما يلجأ إلى هذا النوع من التصرف والسلوك فإنما يفعله دون وعي منه بالدوافع الحقيقية لما يفعله، وقليل منهم يتعمد هذا السلوك وبعضهم يمارسه بشكل متكرر حتى يصبح عادة متأصلة فيهم.
وقد يدهشنا أن نعرف أنه لا يوجد شيء يسعد التلميذ بطيء التعلم أكثر من قدرته على مضايقة المعلم ليس لأنه يكرهه ولكن لأن المعلم بالنسبة إليه رمزاً للسلطة وعادة ما يكون المعلّم هدفاً بديلاً لكل الناس والهيئات والمؤسسات التي عانى منها قبل دخوله المدرسة.
لذلك لا عجب إذا وجدنا أن استجابات هذا التلميذ لدعوة المعلم للتعاون غير مشجعة ويسودها طابع العنف، فقد يبالغ هذا التلميذ في عنايته بغرفة التجهيزات فيحرم زملاؤه من التمتع بها، بل انه قد يزيد من سيطرته إذا سمح له أن يقود الألعاب ونواحي النشاط الأخرى.
وقد يلجأ إلى بعض الألفاظ النابية في التعبير عن النشاط أو الميول والمشاعر التي عادة ما تكون منافية لتلك التي يجب أن تناقش أمام المعلم أو التلامذة.
وعلى الرغم من كل هذا فعلى المعلم أن يحتفظ بثباته وصبره ورباطة جأشه ويعطيه الوقت الكافي حتى يتمكن من التخلص من هذه العادات السيئة، وعليه أن يعطيه قدراً من الاهتمام والسلطة لإقناعه بأهميته وقيمته ولكن ليس على حساب الآخرين.
وهناك أمور أخرى كاستجداء المديح، والملاحظات التي تثير ضحك الآخرين، ومحاولة خدمة المعلم بعد انتهاء الدرس والمدرسة، كل هذا دليل على عدم الشعور بالأمن مما يؤدي إلى ازدياد في الحساسية، والميل للبكاء، والضحك، وغيرها من مظاهر التوتر العصبي.
وهنا نفترض وجود أخصائيين آخرين يأخذون زمام المبادرة كالطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي كي يساعدوا المعلم في مواجهة هذه المشكلات التي يعاني منها هذا التلميذ وحتى لا يكون كل هذا حملاً ثقيلاً على كاهل المعلم الذي ليس بوسعه أن يقوم مقام الجميع في حل هذه المشكلات.