إن تناول جرعة يومية من الجبن يمكن أن يزيد أوزاننا ويُحدث خللًا في هرمونات أجسامنا. كما أنه قد يؤدي أيضًا إلى عدد مذهل من المشكلات الصحية، بعضها خفي، وبعضها الآخر مهدد للحياة. وفي أغلب الحالات، لم تتخيل السبب على الإطلاق. قبل أن نبدأ، أود أن أذكر ملحوظة مهمة: سوف تجد أن أغلب المشكلات الصحية الواردة في هذا الموضوع لا ترتبط بالدهون أو الكوليسترول، وهما المسببان الرئيسيان لمشكلات الجبن وغيره من منتجات الألبان. أما المشكلات التي سنتناولها الآن فتتعلق بالبروتين . نعم البروتين – الذي يوجد بتركيزات عالية في الجبن – هو المتهم الأول في عدد هائل من مشكلات الحساسية.
التخلص من الحساسية والربو
الربو مرض خطير، يستشعر المريض في رئته كالمنجل، هو في الواقع مئات المناجل المجهرية؛ عضلات تضيق على امتداد المسارات الهوائية في وقت واحد. ويعاني 10 % من الأمريكيين الربو، ويلقى تسعة أشخاص مصرعهم كل يوم بسببه.
في بعض الأحيان، تأتي نوبات الربو دون سبب معروف، كما أنها قد تثار بسبب ممارسة التمارين الرياضية. ولكن في أغلب الأحيان، يكون المثير هو الحساسية. والحساسية تحدث عندما يُستدعى الجهاز المناعي للعمل في الوقت الخاطئ؛ فتهاجم ملايين الخلايا البيضاء التي من المفترض أن تهاجم الفيروسات والبكتيريا خلايا جسمك بدلًا من ذلك. وهي تفعل ذلك عن طريق إرسال أجسام مضادة؛ بروتين يشبه ” الطوربيدات” يسبب كل أنواع ردود الأفعال الكريهة في جسمك: كالطفح الجلدي، والحكة، والعطس، والربو.
حسنًا، ما علاقة كل ذلك بالجبن؟ في البداية وقبل كل شيء، بعض الناس لديهم حساسية للحليب وغيره من منتجات الألبان، تمامًا مثل من قد يعانون الحساسية تجاه البيض، أو الفول السوداني، او المكسرات، أو السمك، أو القمح، أو منتجات الصويا من بين أطعمة أخرى. ولكن هناك مشكلة أخرى. فبعض الناس لاحظوا أن منتجات الألبان يبدو أنها تجعل أنواع ً ا أخرى من الحساسية أسوأ ، وأن تجنب منتجات الألبان يبدو أنه يجعل حالات الحساسية تتحسن أو تختفي كليًّا. وبعد تجنب منتجات الحليب، لاحظ بعض الناس أن الحساسية لوبر الحيوانات – على سبيل المثال – تقل أو حتى تختفي تمامًا.
لماذا لم يخبرني أحد بذلك؟
لنجرب البحث على محرك جوجل، مستخدمين مصطلح “الربو الناتج عن منتجات الألبان”. يسفر البحث عن الناتج الأول؛ وهو موقع من المجلس القومي الأسترالي للصحة المعنية بالربو – “وهي منظمة لا تهدف للربح” تعمل على تحسين نتائج الصحة وجودة حياة مرضى الربو”. يبدو ذلك رائعًا. في الواقع، يأتي ذلك مع جزء بعنوان ” منتجات الألبان والربو”، وإليك ما ورد فيه:
غالبًا ما تعد منتجات الألبان مثيرًا للربو، ولكن هناك دليلًا علميًّا صغيرًا يدعم هذا القول. وقد خلُص بحث يلخص الدليل المتاح عن العلاقة بين الحليب والربو لما يلي: “الدليل الحالي لا يربط بين استهلاك الحليب والإصابة بالربو بشكل مباشر”. كما أن المجلس القومي الأسترالي للصحة المعنية بالربو لا ينصح بتجنب منتجات الألبان بصفة دورية، كطريقة للسيطرة على الربو. كما ينصح أن الحليب ومنتجات الألبان لا تزيد المخاط.
إذن، هذه المنظمة التي لا تهدف للربح تستبعد أي ارتباط بين منتجات الألبان والإصابة بالربو. ولكنها تستطرد قائلة:
لسوء الحظ، أغلب الأستراليين تفوتهم المزايا الصحية المصاحبة لتناول الحليب والجبن والزبادي، لأن نظمهم الغذائية لا تتضمن القدر الكافي من منتجات الألبان. ويقدر أن 8 من بين 10 أستراليين بالغين، وأغلب الأطفال الأستراليين يحتاجون لزيادة استهلاكم لمنتجات الألبان لتلبية الإرشادات الغذائية الأسترالية.
مممم، بدأ الأمر يبدو مضحكًا، لنبحث على شبكة الإنترنت عن قائمة رعاة هذه المنظمة، هناك ثماني جهات: الأولى منظمة منتجات الألبان الأسترالية، إلى جانب شركات الأدوية؛ أسترازينيكا، بورينج أنجلهايم، جلاكسوسميثكلاين، ميدا، ميناريني، مونديفارما، ونوفارتيس. بعبارة أخرى، الجهات الراعية لهذا الموقع الإلكتروني هي المؤسسات التي تجني أموالها إذا واظبت على تناول منتجات الألبان، أو ظللت بحاجة لتلقي الأدوية.
وهناك اتجاه مزعج في عالم الدواء حيث تُمول شركات الأطعمة والدواء منظمات الصحة التي ترفض – أو أحيانًا تعارض بقوة – الأساليب التي قد تحل المشكلات الصحية. سوف ترى ذلك في مرض السكري، وألزهايمر، وغيرهما من الحالات. فمع وجود كل هذه الأموال التي تُعتم رؤيتها، فقد فقدت هذه المؤسسات رؤية هدفها الأساسي. هذا لا يعني القول إن تغيير النظام الغذائي يحل المشكلة دومًا، أو أن الأدوية لا تلعب أي دور. ولكن إذا كان بإمكان تغيير بسيط في النظام الغذائي أن يحسن الصحة أو ينقذ حياة، فمن الصعب تبرير إخفائه.
حسنًا، ماذا عن الدليل العلمي الذي كان المجلس القومي الأسترالي للصحة المعنية بالربو يتحدث عنه؟ هل العلاقة بين منتجات الألبان والإصابة بالربو كذبة أم لا؟ لنلق نظرة.
البحث العلمي الذي أشار إليه المجلس نُشر في دورية طبيب الأسرة الكندي عام 2012 ذكر البحث العديد من الدراسات، إحداها أُجريت في نيويورك، حيث شرب 11 شخصًا بالغًا مصابًا بالربو الحليب كامل الدسم، أو منزوع الدسم، أو الماء في أيام منفصلة، وقاس الباحثون مدى سرعة مرور الأكسجين من رئاتهم إلى مجرى الدم. عندما شرب المشاركون حليبًا كامل الدسم، تدهورت حالاتهم بشكل مطرد على مدار الساعات الثلاث مدة الاختبار. وخلُص الباحثون إلى أن هناك شيئًا في الحليب يحول بين أداء الرئة لوظيفتها لدى مرضى الربو.
كما ذكر البحث أيضًا دراسة إنجليزية ضمت 22 طفلًا؛ حيث قيم الباحثون قدرة الأطفال على التنفس بعناية، وقاسوا أقصى معدل للزفير . كان الاختبار بسيطًا؛ ينفخ طفل (أو شخص بالغ) في أنبوب، وهو ما يشير لمدى سرعة إخراجه هواء الزفير. في حالة الربو، يصبح التنفس عملًا شاقًّا، وأظهر الاختبار مدى انخفاض سرعة التنفس. بعد ذلك، بدأ الأطفال اتباع نظام غذائي خالٍ من الحليب والبيض. وبعد ثمانية أسابيع، أُعيد الاختبار. فكانت النتائج مذهلة: فقد تحسنت وظائف الرئة لدى الأطفال بنسبة 22 % في المتوسط. (عرضًا، تصادفت الدراسة مع أحد الاحتفالات، فأعطى الباحثون الأطفال شيكولاتة من مصانع دي آند دي للشيكولاتة، وهي شركة تصنع الشيكولاتة دون استخدام أي منتج حليب توجد في مدينة نونيتون).
لم تكن أي من هذه الدراسات كبيرة. ولكن بدلًا من استبعاد دور منتجات الألبان في حالات الربو، تناسبت نتائجها مع تجارب العديد من الناس، الأمر الذي يعني أن تجنب منتجات الألبان قد يُجدي نفعًا بحق. وبالمناسبة، لا يؤتي تغيير النظام الغذائي ثماره بين عشية وضحاها، فالأمر يحتاج لوقت، وليس من الصعب رؤية السبب: عندما تثير مسببات الحساسية إنتاج الأجسام المضادة، تحتاج لأسابيع حتى تختفي، وهذا مهم. فالدراسات التي استبعدت منتجات الألبان لأسبوع واحد فقط أو أسبوعين، أو التي بحثت في – لنقل – منع كوب واحد من الحليب من المحتمل أن تأتي خاوية الوفاض. فالآثار طويلة المدى هي ما نتحدث عنه هنا.
إذن، لماذا الجبن؟
تأتي منتجات الألبان في صور عديدة، الأمر الذي لسنا بحاجة لذكره. ولكن الجبن يحتل فئة خاصة بها. كما تعلم الآن، تركز صناعة الجبن نسب الدهون والبروتين في الحليب (وأيضًا الكوليسترول والصوديوم والسعرات الحرارية). إليك الأرقام: كوب واحد من الحليب يحتوي على 7.7 جرام من البروتين، في حين أن كوبًا من جبن الشيدر الذائب يحتوي على 56 جرامًا. كما أن كوبًا من الحليب يحتوي على 7.9 جرام من الدهون، بينما كوب من الشيدر يحتوي على 81 جرامًا. ومن ثم، إذا كان البروتين الموجود في منتجات الألبان يثير الحساسية أو يجعل أي حساسية أخرى لديك أسوأ، أو إذا كانت الدهون الموجودة في منتجات الألبان تحول بين أداء الرئة لوظيفتها، كما تقترح دراسة نيويورك، فإن الجبن يأتي في أعلى قائمة المشكلات.
مشكلات التنفس الأخرى
قد تصيب مشكلات الجهاز التنفسي أي مكان من الرئتين إلى الجيوب الهوائية، وحتى الأذنين. ويعاني كثير من الأطفال الصغار التهاب الأذن الوسطى؛ وهو التهاب مؤلم غالبًا ما يبدأ بعدوى في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي واحتقان في أنبوبي يوستاكيوس. ومع تراكم إفرازات الأذن الوسطى، تصبح مكانًا ملائمًا للعدوى.
لماذا تثير البروتينات الموجودة في منتجات الألبان هذه المشكلات؟ هل السبب أن الجهاز المناعي البشري يرى بروتينات منتجات الألبان باعتبارها أجسامًا غريبة، فيطلق الخلايا البيضاء لمهاجمتها والتخلص منها؟ قد تفسر الالتهابات سبب سيلان الأنف واحتقانه.
من وجهة نظري، لا يزال سبب كون تجنب منتجات الألبان غالبًا ما يساعد في حالات التهاب الأذن الوسطى أو غيرها من التهابات الجهاز التنفسي غير واضح. ولكن الخبر الطيب أنك لست بحاجة لأن تنتظر الباحثين حتى يصلوا النقاط الفسيولوجية ببعضها. ليس هناك خطر في تجنب منتجات الألبان. فإذا كنت تعاني مشكلات في الجهاز التنفسي، فإن اتباع نظام خالٍ من منتجات الألبان فكرة جيدة. وسوف ترى عما قريب أنها ستجدي نفعًا معك.
الصداع النصفي
الصداع النصفي ليس مجرد صداع سيئ، ولكنه ألم مبرح، يستمر لساعات. الغريب أنه غالبًا ما يحدث في جانب واحد فقط من الرأس، وهذا هو السبب وراء اسمه (فكلمة hemikrania اليونانية تعني “جانبًا واحدًا من الرأس”).
أحيانًا تسبق الألم هالة من الأضواء اللامعة، والبقع العمياء، أو أي ظاهرة حسية أخرى – مثل ضيق المجال البصري لدى ” لورين”. إلى جانب ذلك، تشعر بالتعب، ويصعب عليك تقبل الأضواء والأصوات، الأمر الذي يجبر كثيرًا ممن يعانون الصداع النصفي على الاستلقاء في غرفة مظلمة أملًا في انقشاع النوبة.
عادة ما يكون التشخيص مباشرًا، حيث يستعرض طبيبك المعايير التالية، التي حددتها جمعية الصداع الدولية:
1 – خمس نوبات أو أكثر (أو نوبتان فقط تتسمان بألم مبرح)
2 – استمر أربع ساعات إلى ثلاثة أيام
3 – اثنان مما يلي:
1 – جانب واحد
2 – نبضات قوية
3 – متوسط الشدة إلى حاد
4 – تفاقم أو تسبب في تجنب الأنشطة البدنية اليومية
5 – واحد أو اثنان مما يلي:
1 – دوار و/أو قيء
2 – حساسية للضوء والصوت
قد تقلل العقاقير تكرار الصداع النصفي، وقد تعالجها عندما تحدث، وقد تكون بمثابة المنقذ للبعض، ولكن كانت فائدتها محدودة وكانت لها أعراض جانبية أيضًا. والغريب في الأمر أن تكرار استخدام مسكنات الألم قد يؤدي إلى نوبات صداع مزمنة.
ما الذي يسبب هذه النوبات المروعة؟ الإجابة ليست معروفة تمامًا. رغم حقيقة أن الصداع النصفي شائع للغاية، فإن آليته لا تزال غير مفهومة ؛حيث يحدث مزيج من التغيرات في الأوعية الدموية، وأنسجة المخ، والناقلات العصبية.
يميل الصداع النصفي للحدوث عندما تكون تحت وطأة ضغط، أو تحرم من النوم، أو تتأخر عن تناول وجبة، أو قرب موعد الدورة الشهرية. كما أن التغيرات المناخية، والروائح غير المعتادة قد تسببه أيضًا. ويلعب الطعام دورًا كبيرًا أيضًا.
ويسبب الجبن نوبات الصداع لكثير من الناس؛ خاصة الجبن المعتق.
الأطعمة والصداع النصفي
ما الذي في الجبن؟ لماذا قد يثير الصداع النصفي؟ التفسير المعتاد هو التيرامين ، وهو مركب يوجد في الجبن المعتق، وأيضًا في اللحوم الحمراء، والشيكولاتة، وصوص الصويا، والكرنب المخلل، وغيرها من الأطعمة. وينتج التيرامين من حمض أميني يسمى التيروسين ؛ والذي يوجد في كل من هذه الأطعمة. خلال التخمير، يتحول التيروسين إلى تيرامين، المتهم في إحداث الصداع النصفي.
ولكن التيرامين قد لا يكون السبب الوحيد. فكثير من الأشخاص الذين يعانون الصداع النصفي يجدون أن منتجات الألبان بصفة عامة – وحتى غير المختمرة منها – قد تزيد نوبات الصداع لديهم، كما يمكن أن تفعل كثير من الأطعمة ذلك أيضًا، مع اختلاف كبير بالطبع من شخص لآخر.
عام 1983 ، اختبر باحثون بمستشفى لندن للأطفال نظامًا غذائيًّا معينًا على الأطفال الذين يعانون الصداع النصفي. كانت الفكرة هي استبعاد مجموعة واسعة من المثيرات الشائعة للصداع النصفي. والغريب في الأمر، أنه من بين 88 طفلًا، تعافى 78 منهم تمامًا، وتحسنت حالة أربعة منهم لحد كبير. وفي البالغين، أدى استبعاد أطعمة معينة من النظم الغذائية لنتائج أقل توافقًا، ولكن ومع ذلك، فإن النظم الغذائية الخالية من مسببات الصداع النصفي ساعدت كثيرًا من الناس، يصل عددهم لحوالي نصف المشاركين في الدراسات البحثية. وأن تجنب الأطعمة الغنية بالدهون ساعد أيضًا في تقليل تكرار الصداع وحدته.
كما أن الأطعمة قد تفيد بشكل غير مباشر أيضًا. فقد وجد فريقنا البحثي أن اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون له تأثير قوي على الهرمونات، الأمر الذي يقلل التشنجات المصاحبة للدورة الشهرية، والأعراض المرتبطة بسن اليأس، وهذا يعني أن إدخال نفس التغيرات على النظام الغذائي يجب أن يفيد في الوقاية من الصداع النصفي الذي يتبع بلوغ سن اليأس.
التخلص من الصداع
إن هدفنا في مركزنا البحثي هو مساعدة الأشخاص الذين يعانون الصداع النصفي على تحديد مسبباته في نظمهم الغذائية واستبعادها. كان أغلبهم قد سمع بالفعل أن الجبن المعتق، والشيكولاتة، وبعض المشروبات، واللحوم الحمراء المعالجة قد تسبب الصداع، ولكن بدا أن هناك مثيرات أخرى شائعة أيضًا. لذلك طلبنا من المشاركين استبعاد كل الأطعمة التي قد تسبب الصداع النصفي، حيث أعددنا لهم قائمة بها. وبعد ذلك، بمجرد أن تخلصوا من الصداع، أو قلت نوباته قدر المستطاع، طلبنا منهم العودة إلى الأطعمة التي قد تسببه من جديد، بالعودة لطعام واحد في كل مرة، لنرى أيها يسبب الصداع وأيها بريء منه.
آلام المفاصل
هل يمكن لشطيرة من الجبن أن تسبب لك آلامًا في المفاصل؟ التهاب المفاصل هو شيء نرجعه إلى التقدم في السن، أو ربما لعوامل وراثية ورثتها عن أبويك. ولكن التهاب المفاصل الروماتيزمي هو حالة التهاب؛ حيث لا تؤلمك مفاصلك فحسب، ولكنها تتورم وتصبح ضعيفة، وهذا يعني أن شيئًا يسبب نوبات هذا الألم. وإذا كان ذلك صحيحًا، فهو يعني أنه قد يكون بإمكاننا تعقب المتهم في ذلك واستبعاده.
مقاومة التهاب المفاصل بالطعام
يحدث التهاب المفاصل بصور عديدة. فالف ُ صال العظمي حالة شائعة عادة ما نُرجعها لبلى وتلف الغضاريف المفصلية والعظام. والتهاب المفاصل الروماتيزمي هو خلل في المناعة الذاتية؛ بمعنى أن الجسم يصنع أجسامًا مضادة تهاجم أنسجة الجسم نفسه، وتسبب التهابًا في مفاصل اليدين والقدمين، وتصل في النهاية إلى الرسغين، والمرفقين والكتفين والكاحلين والركبتين والفخذين. فتصبح المفاصل ضعيفة ومتورمة، وغالبًا ما يصاحبها تصلب في الصباح. أما التهاب المفاصل الصدفي فهو حالة آلام المفاصل أحيانًا يصاحبها تقشر الجلد والحكة؛ وهي حالة تسمى الصدفية .
إذا كنت تعاني التهاب المفاصل الروماتيزمي، أو الصدفية أو التهاب المفاصل الصدفي، أو أي نوع آخر من الالتهابات فأسرع – ولا تتوان – في اتباع نظام غذائي خالٍ من منتجات الألبان، ويعتمد في الأساس على الأطعمة النباتية. فلطالما علم الباحثون أن هذه الحالات تتبع نمطًا جغرافيًّا، فقد كانت هذه الحالات نادرة الحدوث في اليابان والصين فيما مضى، وكانت شائعة في أوروبا وأمريكا الشمالية. وغالبًا ما تعكس الاختلافات الجغرافية اختلافات في النظام الغذائي. فلم تكن تجد الكثير من كعك الجبن في اليابان والصين، أو على الأقل فيما مضى. وهذا ينطبق على كل منتجات الألبان بوجه عام. لم تكن هذه الأطعمة جزءًا من ثقافتها حتى أدخلها نشر النظم الغربية في العقود الأخيرة الماضية. وفي آسيا، تمامًا مثلما كانت الحال في المدن الغربية، صارت الصدفية أكثر شيوعًا مع زيادة سوء نظمنا الغذائية الجماعية.
ولطالما علم الباحثون أن الأطعمة تسهم في التهاب المفاصل الروماتيزمي، وأن تغيير النظام الغذائي بإمكانه أن يحدث فارقًا. وبالعودة لعام 1991 ، اختبر الباحثون في النرويج نظامًا غذائيًّا خاليًا من منتجات الألبان وخاليًا من اللحوم الحمراء على مجموعة من الأشخاص الذين يعانون التهاب المفاصل الروماتيزمي. وخلال شهر، وجد الباحثون أن تورم مفاصلهم وضعفها تحسن كثيرًا، وأن التصلب الذي يعانونه في الصباح قد اختفى. وقد أكدت اختبارات الدم ذلك بالفعل، وأظهرت أن الالتهابات تراجعت لحد كبير. وأظهرت دراسات أخرى فوائد مماثلة. فقد وجد الدكتور “جون ماكدوجال” أن الالتهابات يمكنها أن تتحسن في غضون أربعة أسابيع فقط، عند اتباع نظام غذائي منخفض الدهون وخالٍ من منتجات الألبان، ويعتمد في الأساس على الأطعمة النباتية. فالألم، والتصلب، وتورم المفاصل وضعفها جميعها تحسنت.
التهاب الأوتار
بينما نستعرض مشكلات العلاج الطبيعي التقويمي، قد تؤثر الأطعمة أيضًا على أوتارك؛ تلك الأشرطة الليفية التي تربط عضلاتك بعظامك؛ مثل وتر أخيل الذي يربط عضلة الربلة بكعبك. عندما تتعرض تلك الأوتار للالتهاب، تسمى الحالة التهاب الأوتار .
وعادة ما نربط هذه المشكلة بفرط الاستخدام. ولكن هناك شيئًا آخر واضح الحدوث. في البداية، مرضى السكري أكثر عرضة لالتهاب الأوتار، حيث من الواضح أن هناك شيئًا في كيمياء الجسم يسهم في تفاقم المشكلة. ثانيًا، وجد الباحثون بجامعة موناش بأستراليا علاقة بينه وبين الكوليسترول، ووجدوا أن الأشخاص الذين يعانون مشكلات في الأوتار عادة ما ترتفع لديهم نسبة “الكوليسترول السيئ” (وهو البروتين الشحمي منخفض الكثافة أو ما يعرف اختصاراً LDL)، في دمائهم. كما تنخفض لديهم نسبة الكوليسترول المفيد (أو البروتين الشحمي مرتفع الكثافة أو ما يعرف اختصارًا HDL).
أنت تعرف بالفعل أن الجبن يحتوي على الدهون والكوليسترول اللذين يمكنهما زيادة نسب “الكوليسترول السيئ في الجسم، ويبدو أنه مثلما تسهم نسب الكوليسترول الضارة في الإصابة بأمراض القلب، فإنها ترتبط أيضًا بمشكلات الأوتار.
لا أحد يعرف عن التهاب الأوتار أكثر من “ديفيد كارتر”. ففي عام 2014 ، كان لاعب كرة قدم أمريكية محترفًا يبلغ وزنه 129 كيلوجرامًا، عندما تعرض لإصابة. كان يعاني التهاب أوتار شديدًا لدرجة أنه لم يكن يقوى على النهوض بنفسه من حوض الاستحمام. وذات يوم، بينما كان يشاهد فيلمًا وثائقيًّا عن التغذية والصحة، علم أن منتجات الألبان قد تكون جزءًا من المشكلة. بعبارة أخرى، بعض الأطعمة التي يسرف في تناولها قد تكون عاملًا مسهمًا في الالتهابات التي يعانيها. لذلك امتنع عنها، واتبع نظامًا نباتيًّا تمامًا، وتغيرت حياته للأفضل. في غضون شهرين، كانت آلامه قد زالت. كما تحسنت سرعته وقوته. وبعد ذلك، كانت مشكلته الوحيدة هي الحفاظ على وزنه كلاعب ظهير، حيث صار نحيفًا للغاية بعد اتباعه هذا النظام الغذائي!
في عام 2016 ، أعلن لاعب الوسط بفريق جرين باي باكرز “آرون برودجرز” أنه سيستبعد الجبن من نظامه الغذائي. ما الذي يجعل بطلًا رياضيًّا محبًّا لتناول الجبن أن يمتنع عن تناوله؟ قال في ذلك: “أريد فقط أن أتمتع بصحة أفضل”. وفي سن 32 ، صار “رودجرز” شغوفًا بتحسين حياته المهنية، والامتناع تمامًا عن كل منتجات الألبان كجزء من خطة نظامه الغذائي.
قال في ذلك: “من خلال ما تتناوله، يمكنك تقليل الالتهابات. وبسبب حالة ركبتي التي عانيتها لفترة طويلة، وخضوعي لعملية جراحية، فكرت كثيرًا فيما سأتناوله في الأسابيع القليلة التي تلي الجراحة لكي أقلل من التهابات ركبتي، ثم واظبت على النظام الجديد بعد ذلك”.
بشرة صحية
ماذا عن بشرتك؟ إذا كان يُمكن للجبن وغيره من منتجات الألبان أن يؤثر على رئتيك، ومخك، ومفاصلك، فهل يمكنه أيضًا أن يُلهب جلدك؟ هل يمكنه أن يسبب انتشار الحبوب على البشرة؟
منتجات الألبان والحبوب
حتى وقت قريب نسبيًّا، لم يأخذ أغلب الخبراء دور الأطعمة في ظهور الحبوب بعين الاعتبار. ليس الجبن، أو الشيكولاتة أو الدهون هي ما يسبب البثور، كما قالوا، بل إن المشكلة هرمونية، وهذا صحيح بالفعل، فالهرمونات تسبب تفاقم المشكلة.
ولكن رؤية جديدة جاءت من دراسات للثقافات القديمة. فسكان جزيرة بابوا بغينيا الجديدة، وقبائل الأتشاي بباراجواي، والإنويت بكندا الشمالية، وأوكيناوا قبل الحرب العالمية الثانية؛ جميعهم لم يعانوا الحبوب طالما اتبعوا نظمهم الغذائية. أما بعد انتشار الثقافة الغربية في النظام الغذائي ” واتباع الطرق “العصرية” وتناول الجبن مع البرجر والبيتزا، صارت الحبوب مشكلة شائعة.
عام 2005 ، سألت مجموعة من الباحثين بجامعة هارفارد أكثر من 47000 ممرضة عما تناولنه في مرحلة المراهقة، وما إذا كانوا قد عانين حب الشباب في مرحلة المراهقة. كانت الأرقام مذهلة، واتضح أن الشيكولاتة لم تكن المتهم الرئيسي، أو المشروبات الغازية، أو البطاطس الفرنسية، أو البيتزا – كان الطعام الذي ظهر في الإحصائيات هو الحليب. فقد عانت الممرضات اللاتي احتسين الحليب انتشار الحبوب أكثر من غيرهن. ووصلت نسبة الحبوب المستعصية بين من احتسين أكثر كمية من الحليب كامل الدسم لحوالي 12 % . أما من احتسين الحليب خالي الدسم في الغالب، فكن أكثر عرضة لمعاناة حبوب مستعصية بنسبة 44 % . بعبارة أخرى، الحليب كامل الدسم يمثل مشكلة، ولكن الحليب منخفض الدسم يمثل مشكلة أكبر.
أدرك الباحثون أن ذكريات بعض الناس قد تكون السبب عندما يتعلق الأمر بتفاصيل نظمهم الغذائية في مرحلة المراهقة. لذلك، أجروا دراسة جديدة تتعامل مع المشكلة مباشرة. فتابعوا 4273 صبيًّا، و 6094 فتاة تتراوح أعمارهم بين 9 و 15 سنة، على مدار ثلاث سنوات، وتتبعوا الأطعمة التي يتناولونها وما إذا ظهرت لديهم حبوب أم لا. فعكست النتائج ما أظهرته دراسة سابقة: كلما احتسى الأطفال حليبًا أكثر، زادت احتمالية ظهور حبوب لديهم. كما كان الحليب خالي الدسم متورطًا في ظهور الحبوب تمامًا مثل الحليب كامل الدسم. من الواضح أن الحليب خالي الدسم يحتوي على نسبة أقل من الدهون، لكنه يحتوي على نسبة أعلى من البروتين والسكر ( اللاكتوز).
إذن، رغم أن الدهون الموجودة في الحليب قد تؤدي لزيادة الوزن وغيرها من المشكلات الأخرى، فإنه بالنسبة للحبوب، يكون المتهم الأساسي هو البروتين الموجود في الحليب.
لا يزال موضوع الطعام وعلاقته بظهور الحبوب في مهده. ولكن التجارب المشتركة للأشخاص الذين امتنعوا عن تناول الحليب ومنتجات الألبان وجدوا أن بشرتهم قد تحسنت كثيرًا، وهو ما يبين أن اتباع نظام خالٍ من الحليب ومنتجات الألبان يستحق التجربة.
هضم أفضل
حتى الآن، استعرضنا الربو، وغيره من مشكلات الجهاز التنفسي، والحساسية، والصداع وآلام المفاصل ومشكلات الجلد، وكيف يمكنها أن تتحسن كثيرًا عندما يتوقف الناس عن تناول الجبن وغيره من منتجات الألبان. وهناك جزء آخر من الجسم يُركز عليه هذا الموضوع: جهازنا الهضمي الذي كثيرًا ما يعاني معنا.
رغم أن الباحثين يعرفون منذ قديم الأزل أن منتجات الألبان قد تؤدي إلى الإمساك لدى الأطفال الصغار، لم يدرك كثير من اختصاصي التغذية هذه المعلومة.
السكري من النوع 1
السكري من النوع الأول حالة مرضية تحدث عندما لا يكون البنكرياس قادرًا على إنتاج الأنسولين؛ وهو الهرمون الذي ينقل الجلوكوز (السكر) من مجرى الدم إلى خلايا الجسم. وعادة ما يتم تشخيص هذه الحالة في مرحلة الطفولة أو البلوغ المبكر، كما أن هذا المرض يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب، وعيوب الإبصار، وعدم قدرة الكلى على أداء وظائفها، وبتر الأطراف، وغيرها من المشكلات الأخرى الخطيرة.
لسنوات عديدة، يعرف الباحثون أن الأطفال الرضع يتناولون تركيبة من الحليب البقري ترفع احتمالات خطر الإصابة بالسكري، مقارنة بمن ينعمون برضاعة طبيعية. ومن المحتمل أن الأجهزة المناعية للأطفال الرضع تتعامل مع بروتينات الحليب البقري باعتبارها أجسامًا غريبة، وتستجيب لذلك عن طريق إنتاج أجسام مضادة تهاجمها. وهذه الأجسام المضادة – بدورها وسهوًا – تهاجم البنكرياس الخاص بالرضيع، وتقتل الخلايا المنتجة للأنسولين.
عام 1992 ، ذكرت دورية نيو إنجلاند الطبية نتائج اختبارات أجريت على 142 طفلًا شُخصت حالتهم حديثًا بأنها سكري من النوع 1؛ حيث وُجدت بداخل كل طفل أجسامًا مضادة لبروتينات الحليب البقري. وفي دراسات تالية، اتضح أن نسبة من بروتينات الحليب البقري تضاهي على المستوى الحيوي الكيميائي بروتينًا في خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين. وبالتالي فإن الأجسام المضادة للحليب سوف تعمل على مهاجمة وتدمير هذه الخلايا – على المستوى النظري على الأقل، وهي حالة كارثية تسمى “النيران الصديقة”.
بحثت دراسة أولية إذا ما كان تجنب تركيبات الحليب البقري قد تمنع السكري من النوع 1. وخلصت الدراسة إلى أن 242 طفلًا حديث الولادة مُعرض لخطر الإصابة بالسكري (كل منهم لديه قريب من الدرجة الأولى مصاب به). وقد شجع الباحثون أمهات الأطفال على إرضاعهم طبيعيًّا، وعندما تكون الأمهات مستعدات لإرضاع أطفالهن من الزجاجة، طلب الباحثون من نصف الأمهات استخدام تركيبة خاصة تم تكسير بروتين الحليب فيها لأحماض أمينية فردية. وطُلب من نصفهن الآخر استخدام تركيبة من الحليب البقري العادي. وتابع الباحثون الأطفال خلال الست إلى السنوات الثماني الأولى من حياتهم، واتضح أن التركيبة المعدلة قللت بالفعل خطر الإصابة بالسكري. أما عن هذا البحث، فإن النتائج الكاملة لم تظهر بعد.
بقول ذلك، أجد أننا بحاجة لاتخاذ خطوة أبعد. هذه الدراسة الأولية قللت استهلاك الحليب في الشهور العديدة الأولى فحسب، ولم تطلب من الأمهات المرضعات استبعاد الحليب البقري من نظمهن الغذائية. وبالتالي كانت الأمهات لا يزلن يعطين أطفالهن بقايا بروتينات الحليب البقري في كل مرة يرضعنهم طبيعيًّا أو يعطينهم منتجات ألبان فيما بعد.
إذا كانت منتجات الألبان المتهم الرئيسي في الإصابة بالسكري من النوع 1 ، فإن طريقة تجنبه هي ( 1 ) تجنب منتجات الألبان خلال مرحلة الطفولة، و( 2 ) توجيه الأمهات بتجنب منتجات الألبان خلال فترة الرضاعة، لتجنب تمرير بروتينات الحليب إلى أطفالهن عبر الرضاعة الطبيعية. والجبن يأتي على رأس قائمة المنتجات التي يجب تجنبها، نظرًا لاحتوائه على تركيزات عالية من بروتينات الحليب. ليس هناك خطر في تجنبه، ولكن قد تكون هناك فائدة كبيرة في ذلك.
فهم السكري
السكري يعني وجود كمية كبيرة للغاية من السكر – الجلوكوز – في مجرى الدم. إن بروتينات الحليب قد تلعب دورًا في تدمير خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين. وفي النوع الثاني الأكثر شيوعًا، يظل البنكرياس ينتج الأنسولين، ولكن خلايا الجسم لا تستجيب له بشكل طبيعي. وعندما لا يمكن للأنسولين أن يؤثر في الجلوكوز الموجود في الخلايا، فإنه يتراكم في مجرى الدم.
تُظهر كثير من الأدلة العلمية أن العامل المساهم في انهيار وظائف الأنسولين هي الدهون – تتراكم جزيئات مجهرية من الدهون داخل العضلات وخلايا الكبد ما يمنع الأنسولين من العمل بشكل جيد. وتحدث هذه العملية بسرعة مذهلة. وفي التجارب المحكمة، حقن الباحثون جزيئات الدهون في مجرى دم المتطوعين، ما أدى لارتفاع الأنسولين بشكل مفاجئ، ثم انخفاضه في غضون ساعات قليلة. لحسن الحظ هذه العملية يمكن عكسها، ولكننا ما زلنا في طور البحث ولم نحقق النتيجة المرجوة. تبدو الدهون المشبعة (وهو النوع المنتشر في الجبن واللحوم الحمراء) أكثر إعاقة لأداء الأنسولين لوظيفته مقارنة بغير المشبعة (النوع الموجود في زيوت الخضراوات).
يجب ألا تخضع لحقن خارجي للدهون كي تصاب بالسكري، فقد يحدث الشيء نفسه من تناول الأطعمة الغنية بالدهون. والجبن يحتوي على كثير من الدهون، كما تعرف بالفعل، والأشخاص الذين يتناولون الجبن وغيره من الأطعمة الغنية بالدهون معرضون لنسبة أعلى لخطر الإصابة بالسكري، مقارنة بالأشخاص الذين يتجنبون تناولها.
التغلب على السكري
تعامل ” مارك” مع مشكلاته بشكل أكثر جدية. فأخذ يحسب السعرات الحرارية ويزيد من ممارسته التمارين الرياضية. ولكن النتائج كانت محدودة، وبعد كثير من المحاولات، أدرك أن إنقاص الوزن ليس بالأمر السهل.
بعد ذلك، وفي عام 2011 ، تعلم أسلوبًا مختلفًا تمامًا، فبدلًا من حساب السعرات الحرارية، يجب أن يتجنب المنتجات الحيوانية، ومن خلال تجنب الدهون الحيوانية والكوليسترول، كانت لديه فرصة للتمتع بصحة جيدة.
كان فريقنا البحثي رائدًا في هذا النظام الغذائي، ووجد أن السكري غالبًا ما يتحسن لحد كبير، بل وقد يُشفى تمامًا. وهذا منطقي، فإذا كانت جزيئات الدهون داخل الخلايا تلتهم قدرة الأنسولين على أداء وظيفته، فماذا سيكون أفضل من تجنب استهلاك الدهون الحيوانية تمامًا، وإعطاء الخلايا فرصة لتنظيف نفسها؟ وقد ثبت أن هذا مفيد أيضًا في تحسين وزن الجسم، والكوليسترول، وضغط الدم.
الجبن وأمراض القلب
إن الامتناع عن تناول الجبن وغيره من المنتجات الحيوانية يمس جوانب أكثر من علاج السكري، حيث إن له تأثيرًا قويًّا على أمراض القلب. ففي عام 1990 ، نشر الدكتور “دين أورنيش” نتائج دراسة بارزة. كان قد طلب من مجموعة من مرضى القلب البدء في اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون، إلى جانب إجراء بعض التعديلات الصحية على أسلوب الحياة؛ مثل ممارسة تمارين رياضية بسيطة، وتقليل التعرض للتوتر، وتجنب التدخين. وبعد عام، قاس نسبة اللويحات في شرايين القلب من خلال تصوير الأوعية الدموية – بواسطة جهاز يستخدم أشعة إكس – وقارن النتائج بالاختبار نفسه الذي كان قد أُجري قبل إجراء الدراسة.
وقد كتبت تلك الدراسة تاريخًا طبيًّا؛ حيث بدأت شرايين المرضى التي كانت قد ضاقت تتسع؛ تتسع لحد كبير، حيث يمكن قياس الفارق في 82 % من المشاركين في العام الأول. حتى ذلك الوقت، كان الأطباء يفترضون أن أمراض القلب لا يمكن علاجها. ولكن من خلال اتباع النظام الغذائي الصحيح، وإجراء تعديلات على أسلوب الحياة، صارت للمرضى قوة لم يتمتعوا بها من قبل: صار بإمكانهم خفض نسبة الكوليسترول، وضغط الدم، ووزن الجسم، وإعادة توسيع شرايين القلب، وتقليل فرص تعرضهم لنوبات قلبية لحد كبير.
دعني أطلعك على بعض الأساسيات المتعلقة بمرض القلب:
تحدث أمراض القلب الشائعة عندما تشق جزيئات الكوليسترول الموجودة في مجرى الدم طريقها إلى جدران الشرايين مكونة لويحات؛ وهي تحدبات تتكون من الدهون والكوليسترول، فضلًا عن زيادة نمو خلايا العضلات بشكل أكثر من اللازم ما يضيق مسار الدم. ويمكن للويحات أن تنفتح مثل البثور. عندما تفعل ذلك، قد تحفز تكوين خثرة دم تكون أشبه بسدادة في الشريان، فيتوقف تدفق الدم. ودون تدفقه، تموت كمية من الخلايا العضلية للقلب، فيما يعرف باحتشاء عضلة القلب ، أو النوبة القلبية.
من أين تأتي كل جزيئات الكوليسترول هذه؟ جزء كبير منها يأتي من اللويحات، كما تحتوي منتجات الألبان، واللحوم الحمراء والبيض على الكوليسترول، وكثير منه يمر إلى مجرى الدم، ما يزيد نسبة الكوليسترول الموجودة فيه بالفعل. والأهم من ذلك أن الدهون المشبعة (“الضارة”) الموجودة في منتجات الألبان واللحوم الحمراء تزيد نسبة الكوليسترول في مجرى دمك.
إذا كنت ستتجنب المنتجات الحيوانية – كالجبن واللحوم الحمراء وغيرهما – ستقل كثيرًا نسبة الدهون المشبعة لديك، ولن يتراكم الكوليسترول على الصفائح الدموية، كما سوف تنخفض نسبة الكوليسترول لديك.
جسمك يصنع كل الكوليسترول الذي تحتاج إليه
عادة ما يُصنِّع الجسم كميات ضئيلة للغاية من الكوليسترول، والتي تقوم بوظائف عديدة. أولًا، تحافظ جزيئات الكوليسترول على مرونة خلاياك. لذا تعامل معها وكأنها مفصلات صغيرة في أغشية خلاياك. كما أن جسمك يستخدم الكوليسترول كمادة خام لبناء الهرمونات؛ كالتستوستيرون، والإستروجين، وغيرهما من الهرمونات – فضلًا عن العصارة الصفراوية التي تساعدك على هضم الطعام. وبالتالي فإن جسمك يُصنِّع دائمًا نسبة صغيرة من الكوليسترول لتلبية هذه الاحتياجات.
ولكن إليك السر: يُصنع جسمك كل الكوليسترول الذي تحتاج إليه. فإذا تناولت الأطعمة التي تحتوي على كوليسترول أو التي تأوي الدهون التي تزيد نسبة الكوليسترول في مجرى دمك، تنتهي بك الحال بارتفاع نسبة الكوليسترول في دمك أكثر مما تحتاج، وتصبح أكثر عرضة لمعاناة مشكلات صحية.
إذن، الامتناع عن تناول اللحوم الحمراء، ومنتجات الألبان، والأطعمة الغنية بالدهون بشكل عام، فكرة طيبة. ولكن لأي مدى يكون الجبن سيئًا بحق؟ هل يجعلني حقًّا عرضة للأمراض؟
حسنًا، ألقِ نظرة على ما يحتويه 56.6 جرام من الجبن؛ وهي الكمية التي قد يضعها شخص في شطيرة:
أولًا، الدهون: ترفع الدهون المشبعة نسبة كوليسترول الدم، ويعتبر الجبن وغيره من منتجات الألبان أكبر مصدر للدهون المشبعة في النظام الغذائي الأمريكي، كما سترى في الرسم البياني اللاحق. تحتوي شطيرة من الجبن تحتوي على 56.6 جرام من الشيدر على كمية من الدهون المشبعة (“الضارة”) كالموجودة في 8 شرائح من اللحم المقدد ( 11 جرامًا).
في حالة إذا كنت تتساءل، الجبن المصنوع من حليب الماعز ليس أفضل حالًا. في الواقع، أحد الأسباب التي تدفع الناس لاختياره هو مذاقه الأكثر دسامة؛ نظرًا لاحتوائه على نسبة أعلى من الدهون مقارنة بأنواع الجبن المصنوعة من الحليب البقري. ألقِ نظرة على الجبن المصنوع من حليب الماعز نصف الطري على موقع وزارة الزراعة التابع للولايات المتحدة ، وسوف تجد أن 56.6 جرام من الجبن يحتوي على 12 جرامًا من الدهون المشبعة. وإذا كان مصنوعًا من حليب الماعز، فإن هذا الرقم يقترب من 14 جرامًا. وهذا أشبه بتناول 8 قطع من النقانق.
ثانيًا، الكوليسترول: يحتوي 56.6 جرام من جبن الشيدر، ويحتوي أيضًا على 56 ملليجرامًا من الكوليسترول. وهذا يزيد على النسبة الموجودة في اللحوم الحمراء المعتادة أو أكثر بكثير.
ثالثًا، الصوديوم: يرفع الصوديوم ضغط الدم، والذي يزيد بدوره من خطر إصابتك بأمراض القلب. ويستخدم القائمون على صناعة الجبن كميات كبيرة جدًّا من الملح. إليك الأرقام:
من باب المقارنة، تحتوي تفاحة متوسطة الحجم على ملليجرام واحد من الصوديوم، وتحتوي برتقالة على ملليجرامين، بينما تحتوي حصة من الجبن تزن 56.6 جرام من جبن الشيدر أو المونستر على أكثر من 350 ملليجرامًا، كما تحتوي الفيلفيتا على 800 ملليجرام من الصوديوم، وهي كمية تكفي لرفع ضغط دمك، وإثقال العبء على قلبك كي يؤدي وظيفته، كما أنها تسهم في الفشل القلبي.هذا فضلًا عن أن الأطعمة الغنية بالدهون كالجبن تجعل الدم أكثر “كثافة”، أي لزوجة، ما يجعل القلب والأوعية الدموية تحتاج لجهد أكبر لضخ هذا الدم الأكثر لزوجة. ونتيجة ذلك، يرتفع ضغط الدم لديك.
هذا صحيح، يسبب الجبن الكثير من المشكلات.
مرض ألزهايمر
نظرًا لارتفاع نسبة الدهون والكوليسترول في بعض الأطعمة، فإن هذا يجعلها مضرة بقلبك، الأمر الذي يزيد من خطر إصابتك بالسكري. ولكنها قد تفعل ما هو أسوأ من ذلك. فمع التقدم في السن، يعاني كثير من الناس مرض ألزهايمر، ويفقدون قدرتهم على التفكير المنطقي والتذكر، وأداء المهام البسيطة يومًا بعد يوم.
عام 1993 ، شرع مشروع شيكاغو للصحة والتقدم في السن في معرفة ما إذا كان لهذه المشكلة الكارثية أية علاقة بالطعام أم لا. فتتبعوا بعناية العادات الغذائية لمجموعة كبيرة من المتطوعين، وبعد ذلك، انتظر الباحثون حتى يعرفوا من أصيب بعد ذلك بمرض ألزهايمر، ومن لم يُصب به.
بعد عشر سنوات، كانت النتائج مدهشة. فالدهون المضرة (المشبعة) نفسها المتضمنة في الإصابة بمرض القلب، مرتبطة أيضًا بمرض ألزهايمر. وتحديدًا، وُجد أن من تناولوا أعلى نسبة من الدهون المشبعة (الموجودة في الجبن، واللحوم الحمراء… إلخ بصفة يومية) يرتفع خطر إصابتهم مرتين إلى ثلاث مقارنة بمن يتناولون كميات أقل من هذه المنتجات.
كما استعرض باحثون في فنلندا مشكلات الذاكرة الأقل شدة، فوجدوا علاقة مشابهة مع الدهون المضرة. في مجموعة من البالغين بلغ عددهم 1341 ، وُجد أن مَنْ يحصلون على أعلى نسبة من الدهون المشبعة في نظمهم الغذائية كانوا أكثر عرضة لتطور مشكلات الذاكرة بمقدار الضعف مع التقدم في السن، مقارنة بمن يتناولون كميات أقل.
لماذا يرتبط الجبن ومثيلاته من الأطعمة بمرض ألزهايمر؟ قد يكون السبب هو الكوليسترول. فقد تتبع الباحثون بمؤسسة كايزر بيرمانينتي بمدينة أوكلاند بكاليفورنيا نسب الكوليسترول في 9844 فردًا بالمؤسسة، ووجدوا أنه كلما ارتفعت نسبة الكوليسترول لدى الأفراد، زاد احتمال إصابتهم بمرض ألزهايمر. يبدو أن الكوليسترول يلعب دورًا في التغيرات التي تحدث في المخ، تمامًا مثلما يفعل مرض القلب.
تلعب عوامل أخرى أدوارًا مهمة في مشكلات المخ أيضًا. فالدهون المتحولة؛ كالموجودة في الدوناتس، وغيره من الأطعمة التي تؤكل كوجبات سريعة، ترتبط بالإصابة بمرض ألزهايمر، تمامًا مثل الدهون المشبعة. وهناك أشياء معينة تقينا منه: مثل الأطعمة الغنية بفيتامين E ، وممارسة التمارين الرياضية تحديدًا.
مصنعو الأطعمة يردون الهجوم، ثانية.. لم تقف صناعة الأطعمة مكتوفة الأيدي أمام هذا النقد. ووجدت طرقًا مفصلة للحد من الضرر الذي تعرضت له سمعة الجبن وغيره من الأطعمة غير الصحية. ونظرًا لأن أساطير الصناعة سيطروا على الدعاية والفهم الشائع، أود أن آخذ بعض الوقت لمساعدتك على تحديد الأشياء، بدءًا بإحدى الأساطير التي يفضلها العالم عن التغذية.