التعلق هو العلاقة التي تظهر وتنمو بين الأم والطفل بعد الميلاد مباشرة، بل وقبل ذلك في المرحلة الجنينية. والتعلق أساسي من أجل ميلاد «ذات» الطفل، ومن أجل الحماية وبقاء النوع، فسلوكيات الرضيع مثل البكاء والابتسام والرضاع والالتصاق والمتابعة.. تؤدي إلى حث الأم على رعاية الرضيع والاهتمام به وتعزيز التواصل بينهما، والأم بدورها تستجيب لسلوكيات الرضيع فترعاه وتهتم به وبالتالي يتعزز التواصل بينهما.
وكلما نما التعلق بين الأم والرضيع، ظهر على الرضيع الخوف من الانفصال عنها والخوف من الغرباء. وعن طريق التعلم الارتباطي يتعلم الرضيع أن وجود الأم يكون مصحوباً بالراحة، بينما يكون غيابها مصحوباً بالضيق. وعندما يكون وجودها مصحوباً أيضاً بالانزعاج أو الضيق بسبب تصرفاتها السلبية كميلها للقسوة والصراخ، وبسبب الخلافات الزوجية، فإن تعلق الرضيع بها قد يزداد لأن موضوع التعلق (الأم) هو نفسه موضوع الخوف فيزداد الصراع، ويفرط في تعلقه بها خوفاً من فقدان حبها ورفضها له، فالخوف من الرفض هو قمة القلق الوجودي.
يدل التعلق المفرط على أن ارتباط الرضيع بأمه غير آمن، إنه تعلق قلق، أي أن الرضيع يشعر بأن أمه صعبة المنال، ولا يثق في تواجدها عند حاجته إليها، وبذلك يتكون لديه ردود أفعال قوية للانفصال عندما تبتعد عنه، فيتعلق بها ليمنعها من الابتعاد، وفي نفس الوقت يزداد خوفه من كل ما هو غريب وغير مألوف وقد يصل الأمر إلى العصاب، أي يصبح خوف الطفل من الانفصال عن أمه مرضياً فهو يراها جزءًا من ذاته، ولا ينمو لديه الشعور بأنها منفصلة عنه، فيعجز عن التوافق مع العالم الخارجي وتكوين علاقة مع الآخر. وقد يكون للأم دور في تعلق الطفل بها بطريقة ما، نظراً لمعاناتها النفسية أو رفضها اللاشعوري له.
ويعتبر تعلق الطفل بأمه في مرحلة الطفولة المبكرة أمراً طبيعياً نظراً لدور الأم الأساسي في حياته، لكن عندما تتحول هذه الحالة إلى حد الالتصاق وإصابة الطفل بالفزع عند ابتعادها عنه مع تقدمه في العمر، وقد يرفض الطعام ويتجنب الآخرين خوفاً منهم، فإن هذا السلوك يستدعي الاهتمام..
ما هي أسباب تعلق الطفل المفرط بأمه؟
يعتبر استخدام الأم للأساليب السلبية في التربية من أهم الأسباب المؤدية إلى تعلق الطفل المفرط بها، كالتلاعب بالحب والتهديد بتركه أو هجرانه والقسوة والصراخ والحماية الزائدة والخوف المبالغ فيه عليه، والخلافات الزوجية التي تحمل في مضمونها أن أحدهما قد يرحل، وأيضاً تغيب الأم المؤقت غير المنتظم عن الطفل.
كيف تتعامل مع الطفل المفرط التعلق بأمه؟
– يجب أن تعبري عن حبك وحنانك باللمس والعناق والتقبيل والربت وبالكلمات أيضاً، كي يشعر الطفل بالأمان والطمأنينة.
– ساعدي الطفل على تحمل المسؤولية حسب تدرجه في النمو، ليتعلم الاستقلالية والاعتماد على النفس.
– حددي قواعد ثابتة وواضحة، ونظمي أوقات النوم والأكل واللعب وعمل الواجبات المدرسية.. وأيضاً نظمي أوقات غيابك وحضورك. كي يعي الطفل أن غياب أمه يتبعه دائماً حضورها، وحضورها يكون إيجابياً يتسم بالهدوء والأمان.
– استخدمي أساليب إيجابية في التعامل مع طفلك، مثل الحوار المستمر وقول كلمة (لا) عند الضرورة، والثناء والتشجيع على التعاون واستخدام أساليب وضع الحدود، وعدم استخدام الأساليب السلبية في التربية.
– قصي عليه قبل النوم قصصاً هادفة عن أطفال تعلقهم بأمهاتهم طبيعي، أي يتفهمون سبب غياب أمهم المؤقت ويتقبلونه لأنهم يتوقعون حضورها بعد فترة قصيرة.
– دربيه على الانشغال بأنشطة محببة له كالرسم والتلوين، ألعاب يلتهي بها عند خروجك من البيت.
– العبي مع طفلك ألعاباً خيالية، تمثلين فيها دور طفل متعلق بأمه تعلقاً مبالغاً فيه، ليعبر عن مخاوفه وبالتالي تساعدينه على التخلص منها.
– لا تتركيه لفترات طويلة في مدرسة الحضانة عند التحاقه بها، بل يجب أن تزداد فترة مكوثه في المدرسة تدريجياً كي يعتاد عليها. وأيضاً عليك التحلي بالحزم مع الحنان دون أن تلبي رغبة الطفل في البقاء معه في المدرسة.
– يجب على الأم أن لا تخرج من البيت متخفية، بل عليها أن تخبر طفلها بصدق وببساطة إلى أين ستذهب والوقت الذي ستقضيه في الخارج، ليشعر طفلها بالأمان.
– شجعي طفلك على اللعب مع أطفال آخرين.
تأليف: د. فاطمة الكتاني