التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

مصادر القلق عند الأولاد: توفير الأمان العاطفي

يدرك الأهل بأن كل طفل له نصيب كامل من الخوف والقلق. لكنهم على العموم لا يدركون مصادر مثل هذا القلق. عادة ما يتساءل الأهل، “لماذا يخاف ولدي كثيراً؟” ذهب والد بعيداً جداً ليقول لولده القلق، “توقف عن هذه التفاهة الكاملة. أنت تعرف بأنه ليس لديك شيئاً تقلق عليه!”.

لعله من المساعد أن نصف بعض مصادر القلق عند الأولاد وأن نقدم بعض الطرق للتغلب على القلق:

القلق الناتج عن خوف التخلي: الطمأنة من خلال التحضير

إن الخوف الأكبر للطفل هو أن لا يكون محبوباً أو أن يُترك من قبل والديه. عبّر جون ستاينبك عن هذا الموقف بشكل درامي في شرق عدن، “إن أكبر رعب يمكن أن يمرّ به طفل هو أن لا يكون محبوباً، والرفض هو جهنمه التي يخشاها… ومع الرفض يأتي الغضب، ومع الغضب يأتي نوع من الجريمة متمثل بالانتقام… رفض أحد الأولاد الحب الذي يتلهف عليه، يظهر بركل الهرة ويخفي ذنبه السري. يقوم طفل آخر بالسرقة لعل المال يجعله محبوباً. يحاول طفل ثالث قهر العالم – وفي كل هذه الحالات نجد الشعور بالذنب والانتقام وشعور أكبر بالذنب”.

يجب أن لا يُهدد الطفل بتركه أبداً. يجب أن لا يُنذر الطفل بهجره لا عن طريق المداعبة ولا عن طريق الهزل. أحياناً يُسمع والد غاضب في أحد الشوارع أو في أحد المخازن الكبرى يصرخ لولده المتجول على هواه، “إن لم تأتِ حالاً، فسأتركك هنا”. من شأن مثل هذه العبارة أن توقظ الخوف الكامن أبداً من الهجر. إنها تلهب نيران تصوّر أن يترك الطفل وحيداً في هذا العالم. عندما يتجول الطفل لوحده بشكل لا يمكن احتماله، فمن الأفضل أن يُسحب الطفل من يده على أن يُهدد بالكلمات.

بعض الأولاد يشعرون بالرعب عندما يرجعون إلى البيت من المدرسة ولا يجدون أباً أو أماً في انتظارهم. في هذه الحالة فإن القلق الكامن من الهجر يستيقظ مؤقتاً. كما أشرنا سابقاً من المساعد أن تُترك رسالة على لوحة الملاحظات حول مكان وجود الأهل أو بواسطة البريد الإلكتروني أو بواسطة آلة تسجيل. الرسائل المسجلة هي مساعدة بشكل خاص للأطفال الصغار. إن صوت الوالد أو الوالدة الهادئ وكلمات المحبة تساعدهم على تحمل فترة الفراق المؤقت بدون قلق زائد.

عندما تجبرنا تيارات قوى الحياة على الافتراق عن أطفالنا الصغار، يجب أن يُمهّد للفراق مسبقاً. يجد بعض الآباء صعوبة في نقل فكرة أنهم سيرحلون بسبب عملية جراحية، عطلة أو واجب اجتماعي. بسبب الخوف من ردة فعل الطفل، فإنهم يتسللون ليلاً أو عندما يكون الطفل في المدرسة ويتركون قريباً لهم كي يشرح الوضع.

كان على والدة توأمين بعمر الثالثة أن تخضع لعملية جراحية. كان جو البيت متوتراً ومضطرباً، لكن لم يجرِ إخبار الولدان أي شيء. في صباح يوم العملية الجراحية، تظاهرت الأم بالذهاب إلى المخزن الكبير للتسوق وحملت حقيبتها بيدها. غادرت البيت ولم تعد إلاّ بعد ثلاثة أسابيع.

بدا الذوى على الأطفال خلال هذا الوقت. لم تُجدِ تفسيرات الأب في مواساتهم. كانوا يبكون في الليل حتى يغلبهم النعاس. أمضوا معظم الوقت خلال النهار أمام النوافذ، وهم قلقون على أمهم.

يستطيع الأطفال أن يتحملوا عبء الفراق بسهولة أكبر عندما يُحضّرون لذلك مسبقاً. إن التحضير الحقيقي يتطلب أشياء أكثر بكثير من التفسير اللفظي العادي. يتطلب الأمر التواصل مع الطفل بلغته الأم لغة الألعاب والمرح، وهي اللغة التي تحادث قلب الطفل.

في حالة أخرى، أبلغت أم ابنتها، وهي في الثالثة، حول حادثة مؤجلة وذلك قبل أسبوعين من دخولها إلى المستشفى. أظهرت مريم اهتماماً قليلاً بالأمر، لكن أمها لم تنخدع بغياب فضول ابنتها. قالت لها، “تعالي نلعب لعبة الماما ذاهبة إلى المستشفى”. أبرزت هذه الأم مجموعة من الدمى (يجري شراؤها لهذه المناسبة أو تُصنع بمساعدة الطفل)، والتي تمثّل الأشخاص في العائلة، والطبيب، وممرضة. وخلال تحضير الدمى المناسبة والتكلم معها، قالت الأم، “الماما ذاهبة للمستشفى كي تتعافى. الماما لن تكون في البيت. ولن تكون في المطبخ، ولا في غرفة النوم، ولا في غرفة الجلوس. الماما في المستشفى، كي ترى الطبيب وتتعافى. بكت مريم، أريد أمي. أريد أمي. لكن ماما في المستشفى كي تتعافى. الماما تحب مريم، وتشتاق إليها. إنها تشتاق إليها كل يوم. إنها تفكر بمريم وتحبها. مريم تحب أمها أيضاً. ثم تعود مامي إلى البيت ومريم مسرورة جداً لتعانق أمها وتقبلها”.

لعبت الأم وابنتها تمثيلية الفراق وإعادة اللقاء مراراً وتكراراً. في البداية قامت الأم بمعظم الحوار، لكن مريم سرعان ما أخذت دورها.. وباستعمال الدمى المناسبة، طلبت من الطبيب والممرضة أن يهتما جيداً بالماما، ويجعلانها تتعافى، وأن يرسلاها إلى البيت سريعاً.

قبل أن تغادر أمها البيت، طلبت منها مريم أن تعيد التمثيلية مرة أخرى. قامت مريم بمعظم الحوار وأنهت تمثيلها بتطمين: “لا تقلقي، ماما، سأكون هنا عندما تعودين”.

قبل أن تغادر الأم قامت ببعض التحضيرات المساعدة الأخرى: عرّفت مريم على مربيتها الجديدة، ووضعت صورة كبيرة تجمعها مع مريم على الطاولة، وقامت بتسجيل عدد من القصص المفضلة عند مريم على جهاز التسجيل كي تستمع إليها قبل خلودها للنوم كما سجلت رسالة محبة أيضاً. خلال لحظات الوحدة المفروضة، كانت صورة الأم وكلماتها المسجلة هما عاملا تطمين لمريم ويؤكدان محبة أمها القريبة منها.

القلق الناتج عن الشعور بالذنب: القليل يكفي على المدى الطويل

يثير الآباء سواء عن عمد أو غير عمد الشعور بالذنب عند الأطفال. الشعور بالذنب مثل الملح، عامل مساعد بتطييب الحياة، لكن لا يجب أن يكون أبداً الوجبة الرئيسية. عندما يخرق الطفل قاعدة من قواعد السلوك الاجتماعي أو الأخلاقي، فهناك مكان لعدم الموافقة والشعور بالذنب. عموماً، عندما يُحرّم على الطفل أن تكون عنده مشاعر سلبية أو أفكاراً (سيئة)، فالطفل سيكوّن في النهاية الكثير من الشعور بالذنب والقلق.

لمنع الشعور بالذنب غير الضروري، يجب على الآباء أن يتعاملوا مع تجاوز الطفل بنفس الطريقة التي يتعامل فيها الميكانيكي الجيد مع سيارة عندما تتعطل. إنه لا يقوم بتوبيخ مالك السيارة، لكنه يكتفي فقط بالإشارة إلى الأشياء التي ينبغي إصلاحها. إنه لا يلوم أصوات السيارة ولا قعقعتها ولا صريرها، بل يكتفي باستعمال هذه الأصوات لغايات التشخيص. إنه يسأل نفسه عما عساه يكون سبب العطل.

إنها لراحة كبيرة للأولاد أن يعرفوا في أعماقهم بأنهم أحرار ليفكروا بالطريقة التي يحبونها دون مخاطر خسارة محبة الأهل وموافقتهم. عندما يكون هناك عدم اتفاق، فإن عبارات كالتالية ستكون مساعدة: “أنت تشعر بطريقة، لكنني أشعر بطريقة أخرى. إننا نشعر بطريقة مختلفة حيال الموضوع”. “رأيك يبدو مصيباً بالنسبة لك. إن رأيي مختلف. أحترم وجهة نظرك، لكن لي وجهة نظر مختلفة”. يحتمل أن يُكوّن الآباء عن غير قصد الشعور بالذنب عند أولادهم بالإكثار من الكلام وإعطائهم تفسيرات غير ضرورية. إن ذلك يصح خصوصاً عند الآباء الذين يعتقدون بأنهم يجب أن يحكموا بموافقة الأولاد حتى ولو كان الموضوع معقداً والولد غير ناضج.

كان زكريا، وهو في الخامسة، غاضباً من معلمة الحضانة لأنها غابت بسبب مرضها لمدة أسبوعين. أمسك بقبعتها يوم عادت وراح يركض في الملعب، ثم لحقه أبوه وأمه.

المعلمة: “القبعة تخصني ويجب إعادتها”.
الأم: “زكريا، تعرف جيداً أن هذه القبعة ليست لك. إن احتفظت بالقبعة، ستصاب الآنسة نادين بالرشح وتمرض ثانية. أنت تعرف أنها كانت مريضة لمدة أسبوعين. والآن، يا زكريا، من المؤكد بأنك لا تريد أن تمرض معلمتك مرة ثانية. أتريد ذلك؟

تكمن الخطورة بمثل هذا التفسير بأنه يحتمل أن يحمل زكريا على الشعور بالمسؤولية عن، وبالذنب تجاه مرض المعلمة. كان التفسير الطويل خارج الموضوع ومؤذياً. كل ما كان مطلوباً حينها هو استعادة القبعة. قبعة واحدة باليد هي أفضل من تفسيرين على أرض الملعب.

لعل المعلمة ستناقش لاحقاً مع زكريا غضبه بشأن غيابها، وتدله على أفضل الطرق للتغلب عليه.

القلق الناتج عن عدم الثقة أو نفاد الصبر: إعطاء الولد فرصة للنمو

عندما يُمنع الطفل من الانشغال بنشاطات أو تحمل المسؤوليات والتي يكون قادراً على تحملها، فإن رد الفعل الداخلي هو التذمر والغضب. لا يكتسب الأطفال الصغار المهارات بسرعة بشكل متقن ولامع. إنهم يستغرقون وقتاً طويلاً ليتعلموا ربط أحذيتهم، وتزرير معاطفهم أو ارتداء ستراتهم أو فتح غطاء إناء أو برم مسكة الباب. إن أفضل مساعدة نقدمها لهم هي الانتظار الصبور والتعليقات الخفيفة حول صعوبة المهمة. “ليس من السهل أن نرتدي سترة”. “إن غطاء ذلك الإناء هو صعب الفتح”.

مثل هذه التعليقات تساعد الطفل سواء نجح في مجهوداته أم فشل. إذا نجح الطفل، هناك الارتياح لمعرفة بأن عملاً روتينياً صعباً قد تم التغلب عليه. إذا فشل الطفل، فهناك العزاء بأن الأهل يعرفون أن المهمة كانت صعبة. يتمتع الطفل في كلتا الحالتين بالتعاطف والدعم، وهذا ما يؤدي إلى حميمية أكبر بين الوالد أو الوالدة والطفل. إن الفشل في مهمة لا يُحتّم اعتبار الطفل غير قادر. من الضروري أن لا نحكم على حياة الطفل بحسب حاجة البالغ للفعّاليّة. الفعّاليّة هي عدوة الطفولة. إنها مكلفة جداً بالنسبة لاقتصاديات الطفل العاطفية. إنها تستنزف موارد الطفل، وتمنع نموّه، تقمع ميوله، ويمكن أن تؤدي إلى الذوبان العاطفي. يحتاج الأطفال إلى فرص للتجريب، الكفاح، وللتعلم بدون أن يتم استعجالهم أو إهانتهم.

القلق الناتج عن الاحتكاك بين الوالدين: الحرب الأهلية والنتائج المتخلفة

عندما يتعارك الوالدان، يشعر الأولاد بالقلق وبالذنب – بالقلق لأن منزلهم مهدد، وبالذنب بسبب دورهم الفعلي أو المُتخيل في العراك العائلي. يفترض الأطفال بأنهم سبب النزاع في البيت، بدون اعتبار لوجود المبررات أو غيابها في هذا الافتراض. لا يبقى الأطفال محايدون في الحرب الأهلية التي يشنها أهلهم. إنهم إما أن يقفوا مع الأب أو مع الأم. تكون العواقب مؤذية لتطور شخصيتهم. عندما يجد الأب والأم نفسيهما مضطرين للتنافس للحصول على تعاطف الأولاد، فإنهم عادة ما يستخدمون وسائل مثل الرشوة، المديح، والأكاذيب. ينمو الأطفال بولاء منقسم وانقسامات ملزمة. أبعد من ذلك، فإن حاجة الأب أو الأم للحماية ضد الطرف الآخر والفرصة لدعم واحد ضد الآخر تترك آثارها على شخصية الأولاد. يدرك الأطفال منذ طفولتهم الباكرة قيمتهم المثمنة أكبر من واقعها للطرفين المتنافسين، ويضعون سعراً متزايداً مقابل خدماتهم. إنهم يتعلمون التلاعب والاستغلال، والتخطيط والابتزاز، والتجسس وإطلاق الإشاعات. إنهم يتعلمون أن يعيشوا في عالم حيث النزاهة هي تبعة والصدق عائق.

يمكن للوالدين أن يتدبروا اختلافاتهم بالنقاش الهادئ أو يؤجلوها إلى وقت انفرادهما. من المساعد للأولاد أن يعلموا بوجود اختلافات بين والديهم تتطلب مفاوضات لتسويتها، وبنفس الوقت فليس من المساعد للأولاد أن يروا والديهم يهاجمان بعضهما بعضاً.

تتفاقم هذه الحالة عندما يحدث الطلاق بين الوالدين ويجري استعمال الأولاد كمخالب في المعركة الناشبة بينهما. غالباً ما يطلب طرف التجسس على الطرف الآخر، ويُشجع على الشكوى عليه ويأخذ موقفاً. يُستعمل الأولاد أيضاً كقناة لإيصال رسائل غير مسرة. وعندما يحدث ذلك، فبالتأكيد لن تتحسن حياة الأولاد. غالباً ما يلعب الأولاد موقف البالغين ويطمئنون والديهم بأنهم يحبونهم على السواء.

بالنسبة لأولاد الأهل المطلّقين، فإن الحياة معقدة بما يكفي بدون التعرض للمساوئ المستمرة التي أدت إلى الطلاق. إنهم يحتاجون للتطمين بأنهم محبوبون من قبل كلا الوالدين وأنهم لن يُقحموا في مشّادات والديهم. يحتاج الأطفال بعد الطلاق أيضاً إلى وقت للتأسي بسبب خسارة بيتهم الذي كان آمناً وللتعوّد على واقعهم الجديد.

القلق الناتج عن نهاية الحيلة: اللغز المقنع بأحجية

بالنسبة للبالغين، فإن مأساة الموت تتجسد في عدم قابليتها للنقض. الموت، نهائي، هو نهاية كل أمل. إذاً فالموت هو غير قابل للإدراك من الناحية الشخصية. إننا عاجزون عن تصوّر نهايتنا الذاتية، وانحلال ذواتنا نحن. تشتمل النفس على ذكريات وآمال، على الماضي والحاضر، والناس لا يستطيعون رؤية ذواتهم بدون مستقبل. إن العزاء الذي يجلبه الإيمان يقع تماماً ضمن هذا المجال. إنه يقدم المستقبل للناس، كي يعيشوا ويموتوا بسلام.

إن كان الموت هو لغز للبالغين، فإنه معضلة مغلفة بالألغاز بالنسبة للأولاد. لا يستطيع الأولاد الصغار أن يدركوا أن الموت هو نهائي ولا شيء يرجع الراحل. إن بطلان التمنيات السحرية بوجه الموت هو ضربة موجعة للأولاد. إنه يزعزع إيمانهم بقوتهم على التأثير على الأحداث بواسطة التفكير المتمني، ويجعلهم يشعرون بالضعف وبالقلق. ما يراه الأطفال هو، أنه بالرغم من الدموع والاحتجاجات، فإن شخصاً أو حيواناً أليفاً محبوباً لا يعود موجوداً بقربهم. ونتيجة لذلك فإنهم يشعرون بأنهم متروكين وغير محبوبين. ومخاوفهم يعكسها سؤالهم الذي عادة ما يسألوه لأهاليهم: “بعد أن تموت، هل ستسمر في محبتك لي؟”.

يحاول بعض الأهالي القيام بحماية أولادهم من تجربة الألم والحزن الكامن في فقدان شخص يحبونه. إذا ماتت سمكة مفضلة أو سلحفاة، فإنهم يسارعون إلى تعويضها بواحدة جديدة، آملين بأن الولد لن يلاحظ الفرق. إذا ماتت هرة أو كلب، فإنهم يسارعون إلى تقديم بديل أجمل وأكثر كلفة للطفل الحزين. ما هي الدروس التي يتعلمها الأولاد من هذه التجارب المبكرة للفقدان الفجائي والتعويض السريع؟ يمكن أن يستنتجوا بأن خسارة الأشخاص الذين يحبونهم هي ليست بتلك الأهمية الكبيرة، وأن الحب يمكن أن يُنقل بسهولة وأن الولاء يمكن أن يُحوّل بسهولة.

الأولاد (والبالغين) يجب أن لا يُجردوا من حقهم بالحزن أو بالحداد. يجب أن يكونوا أحراراً كي يشعروا بالحزن لفقدان شخص يحبونه. إن إنسانية الأولاد تتعزز وتكتسب شخصياتهم النبالة، عندما يندبون نهاية الحياة والحب. إن الافتراض الأساسي هو أنه يجب أن لا يُستبعد الأولاد من مشاركة الأحزان كما لا يتم استبعادهم عن مشاركة الأفراح التي تبرز حتماً في مسار الحياة العائلية. عندما تحدث وفاة ولا يتم إعلام الطفل بالذي حدث، فإنه أو أنها يبقى محاطاً بقلق غير محدد. أو أن الطفل يحاول أن يملأ فراغ معرفته بتفسيرات مخيفة ومشوشة. من الممكن أن يلوموا أنفسهم على الفقدان ويشعروا بالانفصال ليس فقط عن المتوفي ولكن أيضاً عن الأحياء.

إن أول خطوة لمساعدة الأولاد على مواجهة خسارتهم هي بالسماح لهم بالتعبير عن مخاوفهم، وتصوراتهم، ومشاعرهم بشكل كامل. السلوى والعزاء يأتيان من مشاركة المشاعر العميقة مع شخص يصغي ويهتم. يمكن أن يقوم الوالدان بالتعبير عن بعض المشاعر التي يتحتم على الطفل أن يمتلكها، ولكن يجد صعوبة بالتعبير عنها. على سبيل المثال، بعد وفاة جدة كان الطفل متعلقاً بها، يمكن أن يقول الوالد:

“إنك تفتقد جدتك”.
“إنك تفتقدها كثيراً”.
“لقد أحببتها كثيراً. وهي أحبتك”.
“إنك تتمنى لو كانت معنا”.
“أنك تتمنى لو كانت ما تزال على قيد الحياة”.
“من الصعب التصديق بأنها قد ماتت”.
“من الصعب التصديق بأنها لم تعد بيننا”.
“إنك تتذكرها جيداً”.
“تتمنى لو تستطيع زيارتها مجدداً”.

مثل هذه التعابير تنقل للأولاد اهتمام والديهم بمشاعرهم وأفكارهم، وتشجعهم على مشاركة مخاوفهم وتصوراتهم. إنهم يريدون أن يعرفوا ما إذا كان الموت يؤلم، وما إذا كان الميت يعود في يوم من الأيام، وما إذا كانوا هم أنفسهم وأهلهم سيموتون يوماً. الأجوبة يجب أن تكون مختصرة وصادقة: عندما يموت شخص ما، لا يعود للحياة، وكل الناس سوف يموتون في النهاية.

عند التحدث مع الأولاد حول موضوع الموت، من الأفضل عدم اللجوء إلى تلطيف الكلام. عندما علمت طفلة بعمر الرابعة بأن جدها قد دخل في نومه الأبدي، سألت ما إذا كان جدها حمل معه ثياب النوم. كانت تخشى أن يكون جدها غاضباً منها لأنها لم تتمنَ له ليلة سعيدة قبل استغراقه بالنوم. وعندما أخبر صبي بعمر الخامسة بأن “جدّه قد ذهب إلى السماء وأصبح ملاكاً”، قام بالدعاء أن تموت بقية العائلة كي يصبحوا ملائكة هم أيضاً.

عندما نعطي الحقائق للطفل ببساطة وصدق، مصحوبة بعناق رقيق ونظرة حنونة، فإن هذا الطفل يشعر بالاطمئنان. يكون هذا النهج فعّالاً عندما يتقبّل الوالدان أيضاً حقائق الحياة والموت. في كل المسائل المهمة فإن المواقف تتكلم بصوت أعلى من الكلمات.

إن عملية النمو ليست سهلة. إنها مليئة بالأفكار والمشاعر المشوشة، مثل الشك، الشعور بالذنب، والقلق على الأخص. يخاف الأولاد أن يُتركوا، وهم يُعذبون بالصراع بين والديهم، ويشعرون بالبلبلة والقلق حول الموت والفناء. لا يستطيع الآباء إلغاء كل قلق أولادهم، لكن بإمكانهم المساعدة على مواجهته عندما يعبرون عن تفهم كل ما يقلق أولادهم ويحضّرونهم لمواجهة الأحداث المنغصة والمخيفة.

تأليف:هايم جينو
مراجعة وتحديث: د. اليس جينو ود. والس غودارد