التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

معلومات أساسية عن غذاء وتغذية الطفل

ما المواد الغذائية “الصحية” لطفلك؟ وما المواد “غير الصحية”؟ بالنسبة للشهور الأولى من الحياة، لا توجد أي صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال. فحليب الأم هو دون أدنى شك الغذاء الصحي الأمثل للطفل وهو أفضل ما تستطيعين تقديمه لطفلك الرضيع. ويلي ذلك حليب البقر المعد صناعياً ليكون في تركيبه أقرب إلى حليب الأم وهو الذي نستعين به في حال عدم توفر حليب الأم لأي سبب من الأسباب أو عدم توفره بشكل كاف وعندها يعطى كحليب مساعد ويمكن إعطاء الحليب بالفنجان والملعقة إذا كان يعطى كحليب مساعد لحليب الأم أو بالزجاجة إذا لم يكن حليب الأم موجوداً.

ويحتاج الأمر إلى بضعة شهور حتى يستطيع الطفل الجلوس إلى مائدة طعام الأسرة ويستطيع أن يأكل مع أفرادها مما تقدمينه من أطعمة.

لاشك في أن لديك تصورات معينة عن الغذاء “الصحي” أو الطعام المفيد “ذي القيمة الغذائية العالية “. ولكن هل تحولين هذه التصورات إلى واقع؟ وتستخدمينها في حياتك اليومية؟ فمثلاً، هل تعتبرين البطاطا المقلية مع النقانق بالكاري والكولا أو اللحم المشوي على الفحم أو الطعام المعد بكثير من الدهن والسمن غذاءً صحياً؟ ما رأيك بكأس من الشراب البارد دفعة واحدة على عطش شديد؟ هل تعرفين أناساً يتصفون بالحكمة ويتمتعون بشخصية محببة إلى نفسك يأكلون ويشربون هذه الأشياء؟ نتساءل لماذا؟ لمَ يقوم أناس كثيرون بهذا بالرغم من أنهم في اليوم التالي قد يصبحون وعندهم آلام يشكون منها؟

الجواب بسيط، لا نهتم في انتقائنا لأطعمتنا بطرح السؤال: “ماذا أعتبر من الأغذية صحياً؟” بل إن ما نختاره من أطعمة يرتبط بمزاجنا، بمقدار استمتاعنا، بما نحب وبما نفضل. وإضافة إلى ذلك يرتبط بما نستطيع أن نبذل من مال ووقت لوجباتنا. وأخيراً وليس آخراً هناك أمر يلعب دوره في هذا المجال هو: هل نحب إعداد الطعام وهل نحسن ذلك، وهذان أمران مرتبطان معاً غالباً، أم أن إعداد الطعام يسبب لنا شيئاً من العذاب؟

صحيح أنه قد يكون لدينا تصورات واضحة عن التغذية الصحية والتغذية غير الصحية، ولكننا غالباً لا نلتزم بها. وحين لا نستطيع أن نقاوم الشوكولاته أو السيجارة أو الكولا بالرغم من أضرارها، فكيف نستطيع أن نقدم لأطفالنا الطعام “الصحي” فقط؟ في مثل هذه الحال ينسل إلى أعماقنا الشعور بالذنب في وقت نحن فيه كأهل بغنى عن تأنيب الضمير.


الأغذية المفيدة والأغذية المؤذية

يمكن تقسيم الأغذية إلى أغذية مفيدة وأخرى مؤذية. الأغذية المفيدة هي كل ما حبانا الله تعالى من نعم لأن الأصل فيما خلق الله تعالى من أشياء ومنافع هو الحل والإباحة.

جميع المواد الغذائية – إلا ما حُرّم منها – صحية ما لم تتجاوز مدة الصلاحية وما لم يضف إليها مواد مؤذية.

وعدا عن ذلك لم يثبت أن بعض المواد قليلة القيمة الغذائية تسبب بالضرورة أمراضاً وكذلك لم يثبت أننا نستطيع تفادي بعض الأمراض (السرطان مثلاً) بواسطة بعض المواد الغذائية عالية القيمة الغذائية.

إذاً، إن الخطأ الذي نقع فيه هو أقل بكثير مما نظن، والمهم أن نحسن انتقاء الأطعمة. وهذا ليس بالأمر الصعب، ولا يتطلب منك، أيتها الأم، أن تعرفي كل شيء عن الفيتامينات والمواد الزلالية (البروتينات) والمواد النشوية والسكرية (الكربوهيدراتية) والدهون والشحوم (المواد الدسمة)… ولست بحاجة إلى برامج حمية ولا قائمة بالفيتامينات. ولكننا نعرض لك قاعدتين أساسيتين مناسبتين تستطيعين تغذية طفلك من خلالهما بشكل جيد.


القاعدة الأساسية الأولى: ماذا تضعين على مائدة الطعام ؟ المكونات الأساسية للغذاء

لابد لنا من البحث في المكونات الأساسية للغذاء حتى نعرف كيف نشكل الوجبة المتكاملة أو التنوع السليم لغذاء طفلنا أو لغذائنا بشكل عام.

إذا نظرنا إلى الأطعمة جميعها الموجودة في هذه الدنيا وحللناها نجدها من حيث التركيب والمحتوى كمكونات مواد لا تخرج عن المحتويات التالية:

المواد الغذائية: مواد نشوية وسكرية، مواد زلالية، مواد دهنية، فيتامينات، أملاح ومعادن، ماء.

وتعتبر المواد النشوية سكريات معقدة، أي أنها بعد الهضم تدخل إلى الدم كسكريات وهي موجودة في:

• القمح ومشتقاته والبطاطا والأرز.

أما المواد الزلالية فهي تشمل:

• المواد الحيوانية الزلالية كالحليب ومشتقاته كاللبن والجبن واللبنة واللحم بأنواعه كالغنم والعجل والدجاج والسمك والأرانب وغيرها، والبيض.

• المواد الزلالية النباتية التي تحوي البقول كميات كبيرة منها كالفول والحمص والبازلاء والعدس.

والمواد الدهنية منها:

• الدهون الحيوانية: كالسمن والقشدة والدهنة الحيوانية.

• الدهون النباتية: كالزيوت النباتية بأنواعها.

والفيتامينات وهي جزءان:

• جزء ينحل في الماء ويدخل الجسم عن طريق الفواكه والخضار.

• وجزء ينحل بالدسم ويدخل الجسم عن طريق المشتقات الحيوانية.

والماء والسوائل والأملاح عناصر مهمة جداً للأطفال وبخاصة في الجو الحار في فترة الصيف في إقليم بلادنا العربية وفي حالات المرض كالإقياء والإسهال وحالات ارتفاع الحرارة وأهميتها لا تقل بل غالباً ما تكون أكثر أهمية من الأدوية.

إذا كانت جميع المواد الغذائية صحية، فماذا يختار الأهل لأطفالهم من أطعمة ليضعوها على مائدة الطعام؟ الجواب بسيط: كل شيء. التنويع في الطعام هو صمام الأمان للتغذية المتوازنة. هكذا نصل إلى القاعدة الأساسية الأولى في تقديم طعام جيد، والتي تقول: قدمي لطفلك كل ما هو موجود.

قدمي لطفلك كل ما هو موجود

هل يجلس طفلك معكم إلى مائدة الأسرة؟ هل يستطيع أن يعض جيداً ويمضغ ويبلع؟ هل يستطيع أن يأكل وحده؟ هل يستطيع أن يشرب بالفنجان؟ إذا كانت الإجابة نعم، يستطيع طفلك أن يأكل شيئاً فشيئاً من كل ما هو موجود على مائدة الطعام: الجبن والزيتون والأرضي شوكي والبطاطا والكوسا والسبانخ والدجاج والأرانب والتفاح والكمثرى والبرتقال والليمون…هل يبدو لك هذا التنوع غريباً أم باهظ التكاليف؟ لست مضطرة للمبالغة. إن أنواع الطعام غير المكلفة تحتوي أيضاً على ما يكفي من القيمة الغذائية. اختاري ودعي طفلك يتذوق كل شيء.

إذا رفض طفلك أن يتذوق صنفاً جديداً، لا تقلقي! إنه لأمر طبيعي أن يقابل المرء الشيء غير المعروف بالرفض عدة مرات في البداية. كلي واستمتعي بطعامك قائلة: ” كم أنا سعيدة لأنني أستطيع أن آكل كل هذا الطعام الشهي ! ما أطيب الطعام وما ألذه ! ” وقدّمي له في المرة التالية ودون أي علامة من علامات الغضب، شيئاً ما. أحضري الأطعمة دوماً إلى المائدة، وكوني القدوة الحسنة لطفلك. وستنتقل إليه على المدى الطويل عدوى الرغبة في تذوق أطعمة هذا العالم جميعها؛ حتى وإن استلزم الأمر وقتاً طويلاً من الصبر.


التنوع الغذائي

إن الفكرة الأساسية التي يجب أن تكون حاضرة في أذهاننا للكبار والصغار هي التنوع الغذائي. فيجب أن نتصور أن الطبق الغذائي المتكامل يجب أن يكون على الشكل التالي:

ويجب أن نعلم أن إحدى مكونات تلك الحصص الغذائية تغني عن الباقي. فمثلاً لا يجوز أن يأكل الإنسان في اليوم نفسه لحماً وبيضاً وسمكاً وحليباً ولبناً ولا أن يأكل خبزاً وأرزاً وبطاطا ومعكرونة ولا أن يأكل في الشتاء خضار الصيف والشتاء والربيع والخريف. فهذه أشبه شيء بفروض الكفاية إن حضر أحدها سقط عن الجميع. فمثلاً في اليوم الذي نأكل فيه البيض لا يلزمنا لا لحم ولا سمك ولا فروج وفي اليوم الذي نشرب فيه الحليب أو اللبن لا يلزمنا أن نتناول بقية المواد الزلالية… وهذا ينطبق على بقية الأغذية المتنوعة.

ومن الخطأ الفاحش من الزاوية التربوية إلزام الطفل شرب الحليب وأكل البيض وأكل اللحم بآن واحد وفي اليوم نفسه.

هل يجب فعلاً أن ندع الطفل يجرب كل شيء؟ حتى الهامبورغر والنقانق بالكاري والحلوى الملونة والتي تحتوي على مواد حافظة والتي يطلبها الأطفال بكل إلحاح كلما رأوها في أكياسها الملونة المغرية. نعم! لأن كل شيء تبعدينه عن الطفل أو تمنعينه من أكله، تتضاعف رغبته في الحصول عليه. ولكن يجب أن ترشّدي استهلاك مثل هذه المواد وألا تقدميها كل يوم أو بكميات كبيرة وألا تجبري طفلك الصغير على أكلها. بل عليك الانتظار حتي يطلبها هو بنفسه. ويمكن عقد حوار واتفاق مع الطفل بأنه سيأخذها بعد انتهاء وجبته. وأستطيع القول من خبرتي الشخصية أن الطفل الأول يتأخر في الحصول على مثل هذه المواد الغذائية ولكن إخوته بعد ذلك يتعرفون على الحياة الحقيقية مبكراً ويطلبون باكراً مثل هذه المواد.

لا يقتنع الطفل بقولك له: “لا يجوز أن تحصل على هذا، لأنه ضار بالصحة.” ماذا يحصل إذا أكل الأطفال نقانق بالكاري؟ إنهم لن يموتوا منه. وغالباً لن يتأذوا أو يمرضوا. إذاً ما الشيء غير الصحي في هذه الوجبة ؟ نستطيع أن نتوقع آثاراً تتعلق بالصحة إذا تناول المرء لفترات طويلة عدداً من النقانق بالكاري يومياً. ولكن كيف للطفل أن يستوعب هذا الأمر؟ وهل هناك من مانع إذا قدمت له النقانق بالكاري من وقت لآخر ضمن أنواع متعددة جداً من الأكلات؟

كيف هو الحال مع عبارات مثل: ” يجب أن تأكل الخضار، وإلا فإنك سوف تمرض”، “الجزر يقوّي النظر”، “خبز النخالة يقويك”، تأكدي أن طفلك لن يصدق كلمة واحدة مما تقولين. هل يصبح نظره حاداً بعد طبق الجزر الذي أكله ؟ وهل تكبر عضلاته بمجرد أن وصل خبز النخالة إلى معدته؟ ليس الأمر بهذه البساطة. إذا صحّت هذه الآراء فإن آثارها تظهر بعد سنين وربما عشرات السنين. وليس “التعلم عن طريق إبداء وجهة النظر” ممكنا. وتسبب المناقشات مع الطفل حول ما هو “صحي أو غير صحي” التوتر ولا تؤدي إلى المطلوب. لذا، لا تتناقشي مع طفلك حول ما تقدمين له من طعام. وإذا كنت على المدى الطويل تقدمين له كل شيء ولا تمنعين عنه شيئاً فإنك لن تحتاجي للبحث عن تبريرات، حيث لديك مجال كبير لاختيار وتقديم ما تريدين في كل وجبة على حدة.


القاعدة الأساسية الثانية: ماذا وكم تضعين على المائدة من كل نوع من أنواع الطعام؟

إذا راعيت القاعدة الأساسية الثانية في تقديم طعام جيد فلن تخطئي أبداً:

• قدمي لطفلك الكثير من المواد النشوية والقليل من الدهون.

لقد شرح خبير التغذية الألماني الأستاذ فولكر بودل(Pudel, Volker 1995) هذه القاعدة بشكل مفصل ونكتفي هنا بذكر أهم النقاط.

لمَ يعتبر الإكثار من تناول الدسم سيئاً ؟

لقد ذكرنا أن الدسم الكثير قد يربك برنامج الضبط الذاتي. تحتوي الوجبات الدسمة ولو كانت بكميات صغيرة على حريرات كثيرة لأن كل 1 غ من الدسم يعطي تسع حريرات. وهذا ما يقود إلى تناول الطعام أكثر مما يتطلبه الجوع. ويعود ذلك أيضاً إلى أن الدسم تعطي الطعام مذاقاً لذيذاً. وكثرة تناول الطعام تعني دائماً: كثرة تناول الدسم. يكفي لو أن النسبة كانت أقل من 30%.

لمَ يعتبر الإكثار من تناول المواد النشوية جيداً ؟

يتكون جزء كبير من المواد الغذائية النباتية كالأرز و البطاطا وجميع منتجات الحبوب كالخبز والمعكرونة إلى حد بعيد من المواد النشوية. وتتمتع هذه المواد بالمقارنة مع الدسم بميزات كثيرة. فهي تعطي الإحساس بالشبع وهي إضافة إلى ذلك غنية بالفيتامينات والمعادن. ويعتبر الغذاء دوماً عالي القيمة إذا كان أكثر من نصف ما نحتاج إليه من الطاقة يأتي من المواد النشوية والسكرية.

يشير فولكر بودل في دراسته إلى ميزة عالية جداً للمواد النشوية والسكرية وهي أن الإنسان يمكن أن يستهلك منها كميات كبيرة دون أن تسبب له البدانة. لأن الإنسان، بخلاف الحيوانات المخبرية، يحول كل حريرة دسم لا يحتاجها إلى دسم في جسمه بينما يستهلك حريرات المواد النشوية والسكرية ولا تخزن كدهون إلا في ظروف خاصة جداً. وكي يحصل هذا التخزين يجب أن يكون الإنسان قد أكل قبل ذلك كميات كبيرة جداً من الكربوهيدرات، مثلاً 3 كغ من البطاطا أو 2 كغ من المعكرونة المسلوقة أو 500 غ من السكر الصافي. ولكن هل من بشر يلتهم هذه الكميات ؟

تحتوي الأطعمة الدسمة وإن كانت بكميات قليلة على حريرات كثيرة لأن كل 1 غ من الدسم يعطي تسع حريرات كما ذكرنا أعلاه. والطريف في الأمر، أنها تعطي إحساساً بالرغبة بالمزيد، ولذا فإن الخطر كبير في أن نأكل منها أكثر مما نحتاج إليه.

يشكل السكر حالة خاصة. إنه يتكون من الكربوهيدرات بشكل خالص. وكما هو الحال مع الخبز أو الأرز أو المعكرونة يتحول السكر في الجسم إلى غلوكوز. إذاً، ليس السكر من حيث المبدأ ضاراً أو غير صحي. ورغم ذلك يجب ألا تؤكل منه كميات كبيرة لأن له مساوئ عدة:

• يسبب السكر تسوس الأسنان.

• لا يحتوي السكر، بخلاف سائر المواد الغذائية الأخرى الغنية بالنشويات، على مكونات ذات قيمة غذائية عالية مثل الفيتامينات.

• يربك السكر، تماماً مثل الدسم، التنظيم الذاتي الداخلي، ويتسبب في أن يأكل الإنسان أكثر من حاجته.

• غالباً لا يؤكل السكر صافياً وحده بل مع كثير من الدسم في وجبة واحدة. ولنتذكر بهذه المناسبة المعجنات والشوكولاته والبوظة. لذا فإن الأكلات الحلوة هي صانعة السمنة.

• يشكل السكر مع الدسم أعلى درجات الإغراء.

ونتيجة لذلك يمكن إجراء شيء من التحديد على قاعدة تقديم الطعام لتصبح:

• قدمي قدر الإمكان لطفلك الكثير من النشويات ولكن ليس الكثير من السكر.

هل تفتقدين زلال البيض في القواعد الأساسية لتقديم طعام جيد؟ لا تقلقي بشأن زلال البيض، فنحن نتلقى منه ما يكفي حاجتنا إليه، لأنه موجود في المواد الغذائية النباتية والحيوانية. وعلى النباتيين فقط أن ينتبهوا ويتأكدوا من أن أغذيتهم تحوي ما يكفي منه.

ما المهم أيضاً ؟ يجب الانتباه إلى أننا نتلقى ما يكفي من اليود ومن الكالسيوم. اليود مادة مهمة لتقوم الغدة الدرقية بعملها بشكل جيد. والكالسيوم ضروري للعظام وبخاصة في فترة النمو. يتوفر من اليود كمية كافية في الملح ذي اليود ونتلقى من اليود ما يكفي إذا استخدمنا الملح ذا اليود وأكلنا الخبز الذي أضيف له هذا الملح. ونتلقى ما يكفي من الكالسيوم إذا ضمت تشكيلة الطعام لدينا الحليب ومشتقاته بشكل كامل.


الهرم الغذائي

نختم هذه الدراسة حول التغذية بالهرم الغذائي. ويجب أن يعرف كل طفل وكل أم هذا الهرم حرفياً؛ وأن يكون مطبوعاً على كل غلاف للمواد الغذائية وفي ذاكرتنا وأن يشكل مادة تعليمية ضمن مقرر التربية الصحية بدءاً من روضة الأطفال. ويبدي لنا هذا الهرم كل ما ذكرناه حتى الآن بوضوح.

نجد لدى النظر إلى هذا الهرم، أن منتجات الحبوب والمعكرونة والأرز والبطاطا، أي المواد الأساسية الغنية بالكربوهيدرات، تشكل أساس تغذيتنا. ولحسن الحظ فإن هذه المواد الغذائية الأساسية رخيصة الثمن. وبإمكانك أن تستخدميها بكثرة ما دمت لا تضيفين لها الكثير من الدسم والسكريات لدى إعدادها.

ويصح الكلام ذاته بالنسبة للطبقة التي فوقها من الهرم. فالفواكه والخضار غنية أيضاً بالكربوهيدرات. وهي تحتوي إضافة إلى ذلك على الماء وعلى فيتامينات كثيرة. ومهما زاد استهلاكنا منها فلن يكون مؤذياً. وبإمكانك استخدامها دون حدود مادمت لا تضيفين لها السكر الكثير والدسم والملح أثناء إعداد بعض الأصناف منها. فالخالق سبحانه وتعالى خلق لنا في تلك الأصناف كلها ما يكفينا من محتويات وعلينا ألا نفسد ذلك التوازن الإلهي.

نجد في الطبقة التالية من الهرم، وهي أضيق من سابقتها بشكل واضح، الحليب ومنتجاته على طرف والسمك واللحم والدجاج والبقول على الجانب الآخر. وحاجتنا من محتويات هذه الطبقة أقل بكثير مما نحتاجه من قاعدة الهرم. وعليك أن تقللي ما تقدمينه منها. وهذا يراعي محفظة نقودك. لأن اللحم والسمك والجبن مواد غذائية غالية الثمن. وهناك سبب آخر يدعو إلى الاقتصاد في استهلاكها هو أن اللحم والجبن يحتويان على كميات كبيرة من الدسم. وإنها أشبه شيء بفروض الكفاية إذا أكل الإنسان صنفاً أغناه عن بقية المواد الزلالية. وهذا ما يساعد على التنويع في الغذاء على مدار الأسبوع مما يجعل الغذاء أشهى وأغذى وأصح وقبل كل شيء أوفر.

وفي قمة الهرم، لم يبق مكان واسع، لأنه لا يجوز أن تقدمي الدسم والسكر على مائدة الطعام دون حدود. وهذا لا يعني أن تستغني عنهما. فما طعم اللحم والخضار دون زيت أو سمن ؟ وكيف سيكون طعم حلوى ما بعد الوجبات دون سكر؟ بما أن الدسم والسكر يعطيان طعامنا نكهته، عوّدي نفسك على ترشيد استخدامهما وحاولي مثلاً أن تستغني عن البطاطا الشيبس الدسمة التي تؤكل أثناء مشاهدة التلفاز.

تزيد المشروبات المحلاة التي نتناولها مثل الليموناده أو عصير الفواكه غير الممدد من كمية السكر التي نستهلكها، لذا يستحسن استبدالها بأحسن ما يطفئ الظمأ وهو الماء أو الشاي غير المحلى أو عصير الفواكه الممدد بالماء. أما الحليب وعصير الفواكه غير الممدد فهما غير مناسبين لإطفاء الظمأ ولكن لهما مكانة في وجبات الطعام. وما وضع الليموناده التي لها عشاق كثيرون، عامليها معاملتك لبقية الحلويات التي تتواجد أحياناً ولكن ليس دائماً.

لمَ لا نرى في الهرم الغذائي الفيتامينات الهامة جداً للتغذية؟ إذا اتبعت قواعد الطعام المقترحة ووضعت على المائدة طعاماً غنياً متنوعاً حقّ لك أن تكوني مطمئنة إلى أن طفلك لن يصاب بنقص في التغذية. حتى وإن كان يبدو وكأن طفلك أحادي الانتقاء في طعامه. ولا ضرورة لفيتامينات إضافية إذا كان الطعام المقدم جيداً ومتكاملاً ومتنوعاً. وكما سبق وقلنا فإن الفيتامينات قسمان: قسم ينحل في الماء وهي موجودة في الخضار الطازجة والفواكه الطازجة شرط ألا تتعرض للحرارة لأنها تفسد بالطبخ؛ وقسم ينحل بالدسم وهو موجود مع المشتقات الدهنية الحيوانية والنباتية كاللحوم والحليب والبيض وزيت الزيتون والزيوت الأخرى.


استنتاجات

محور الموضوع ” ماذا يحتاج طفلك للحياة من طعام ؟ ”

إجابتنا باختصار هي: كل ما حبانا الله تعالى من طيبات

• كلما كان الطعام منوعاً كلما كان أفضل.

• الكثير من المواد النشوية والقليل من الدسم والسكر.

• الهرم الغذائي وسيلة مرئية معينة لدى اختيار ما نقدمه من طعام.

وهكذا وصلنا مرة أخرى إلى ” قواعد التغذية السليمة “. أنت تقررين ماذا تقدمين لطفلك. أنت التي تضعين الأطعمة المتنوعة والغنية بالقيم الغذائية على مائدة الطعام. وأنت تحرصين على توفر المواد الغذائية الغنية بالكربوهيدرات دائماً بكميات كافية: ومهما استهلكت وطفلك من المواد الغذائية الأساسية، الفواكه والخضار الطازجة فلن يكون أكثر من اللازم.

إذاً يستطيع طفلك أن يقرر وحده كم يريد أن يأكل من الطعام. وبما أن الطعام الذي تقدمينه متنوع جداً، لابد من أن طفلك يستطيع أن يقرر إذا كان يريد أن يأكل شيئاً منه. ولابد من أن شيئاً ما مما قدمته من طعام سوف يرضيه. وإذا لم يكن الأمر كذلك، لا تبتئسي ولا تجعلي من أمر الطعام مشكلة أو كارثة، ليبق دون طعام حتى الوجبة القادمة حيث سيقرر من جديد ما سيأكله. ومهما كان ما يأكله طفلك قليلاً، فلا يمكن أن يكون الوضع داعياً للقلق ما دام طفلك صحيح الجسم ومادمت تقدمين طعاماً منوعاً وغنياً بالقيم الغذائية.

أنت أيضاً تحددين كميات الأطعمة السكرية والدسمة المقدمة للطعام. ويستطيع طفلك أن يتناول منها بمقدار ما تقدمينه على مائدة الطعام وليس أكثر من ذلك. أنت بمثابة ” حارس البوابة “، فأنت تقررين متى توضع هذه الأطعمة على مائدة الطعام وكم يوضع منها. وهذا يعني عملياً: يستطيع طفلك أن يتلقى طبقاً ثانياً من الطعام من الأرز والبطاطا والخضار ودعماً من الخبز والفواكه، ولكن لا يجوز أن يتلقى طبقاً ثانياً من المهلبية أو الشوكولاته أو الكاتو أو بطاطا الشيبس أو اللحم الدسم، هذه الأصناف التي وضعتها أصلاً بحذر على مائدتك. وإذا كانت الحلويات الدسمة التي جهزتها فاخرة، قدري لكل فرد من أفراد الأسرة مقداراً محدداً منها على مائدة الطعام. ومرة أخرى يقرر طفلك إذا كان يريد أن يأكل منه وكم يريد أن يأكل منه. وبإمكانه أن يشبع جوعه في كل وجبة من المواد الغذائية الموجودة في قاعدة الهرم الغذائي، أو من الطبقة الأولى بعد القاعدة.

هنا اعترضت والدة غسان قائلةً: هذا أمر لا يجدي، لأني إذا تركت لغسان مهمة انتقاء ما يريد من الطعام فإنه سيختار النوتيلا في كل صباح حتى وإن كانت أفضل أنواع الأطعمة موجودة على المائدة.

يبدو أن والدة غسان لم تستوعب “قواعد التغذية السليمة” بشكل كامل. ما الذي فاتها أن تدركه ؟ الشوكولاته المصنوعة من كريم اللوز هي المفضلة بطبيعة الحال عند الأطفال. فهي حلوة المذاق ودسمة. وما الطعم الأطيب مذاقاً منها بالنسبة لأفواه الأطفال؟ لا مانع من أن يوجد هذا النوع من الطعام على المائدة، ولكن هل هناك ما يجعل من الضروري تواجده كل يوم على مائدة الطعام ؟

إن لوالدة غسان أن تقرر: كم مرة في الأسبوع ترغب بوضع النوتيلا على المائدة. وماذا يفعل غسان حين لا يجد طبق النوتيلا؟ ربما يفتقده ويطلبه. وإذا لم يتوصل إلى تحقيق المطلوب، سوف يتخلى بعد وقت ما عن طلبه. وربما يرغب باختبار والدته، ويتنازل نهائياً عن وجبة الإفطار. إذا وافقت الأم، وكان على غسان أن ينتظر حتى موعد الوجبة التالية فإن المشكلة سوف تحل نفسها. وإذا كان غسان فعلاً لا يرغب بتناول الجبن أو اللبن أو الزعتر أو الزيتون أو المكدوس أو الحلاوة أو المربى أو سلطة الفول المدمس أو أي شيء آخر من مائدة الطعام، لا بأس، يوجد الكثير من الخبز كل يوم على المائدة، وبإمكانه أن يحصل منه بقدر ما يريد.