التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

مكافحة المحفزات والرغبات الملحة: علاج الادمان – ج3

إن عودتك إلى احتساء الكحول أو تعاطي المخدرات، من جديد، أمرٌ ليس صعباً. يمكن لفكرة شاردة أن تحفّز رغبتك الملحّة فيهما. أو أن تباغتك حاجتك الشديدة عندما تكون في نزاع مع زوجتك السابقة، أو بمرورك أمام الحانة التي اعتدت سابقاً أن تشرب في داخلها، أو توبيخ رئيسك في العمل لك، أو تذكّّرك أمراً مريراً من أيام طفولتك. آلاف الأشياء يمكن لها أن تبعث الحاجة إلى الشرب أو التعاطي من جديد.

سينصحك كثير من الناس بتجنّب هؤلاء الأشخاص والأوضاع، وقد تبلغ هذه النصيحة النابعة عن حسن نية مبلغاً تصبح فيه عارمة لدرجة كبيرة. غير أن محاولتك تجنب هذه الأوضاع والأفكار والأشخاص جميعاً ليست أمراً غير عملي بل هي في الواقع أمرٌ مستحيلٌ. في كل يوم، ستبرز لك أشياء كثيرة كأن تكون وحدك في المنزل، أو حصولك على راتبك الشهري، أو قيادتك سيارتك عبر حي محدد، أو استماعك إلى أغنية بعينها، ذهابك إلى الصرّاف الآلي، أو دخولك الحمام، جميعها أشياء يمكن أن تمثل محفزات بالنسبة إليك وعليك التعايش مع الكثير منها. تكمن الحيلة والمهارة لمواجهتها في أن تتعلم كيف تتعرف إلى محفّزاتك، ومن ثمّ كيف تبطل مفعولها قبل أن تعيدك إلى التعاطي من جديد. وعليك أن تكون متسلحاً بخطة للتعامل مع هذه الرغبات الجامحة عندما تظهر.

ما هي المحفّزات؟

المحفّز هو عبارة عن فكرة، مفهوم، شخص، مكان، شيء، أو حالة عاطفية تثير الحاجة إلى الشرب أو التعاطي. يمكن لأي شيء تقريباً أن يقوم مقام المحفز، حتى الأشياء الحسنة كترتيب حفلة ذكرى ميلاد شريك أو شريكة حياتك، أو اصطحاب الأطفال إلى المتنزه، أو حين تجد أن لديك القليل من النقود بين يديك. قد يبدو المحفّز بحد ذاته غير مؤذٍ البتة، إلا أن الارتباطات الذهنية التي يُوجِدها في عقلك يمكن لها إلى حدٍّ كبير أن تزيد قابلية عودتك إلى معاقرة الشراب أو التعاطي مجدداً. بعض المحفزات واضحة للعيان، إلا أن غيرها قد يكون مخفياً ويصعب التعرّف إليه. هاكم بعض المحفزات الشائعة:

–  الناس: الأصدقاء، زملاء العمل، شريك الحياة أو الحبيب، تجار المخدرات، الرؤساء في العمل، من خرجت معهم في مواعيد غرامية، والجيران.
–  الأماكن: بعض الأحياء بحدّ ذاتها، منزل أحد الأصدقاء، النوادي الليلية والمشارب، الفنادق، موقع عملك، الحفلات الموسيقية، أحد المخارج على الطريق السريعة، المخزن الذي تخبئ فيه بعضاً من أشيائك، المدرسة، مركز المدينة.
–  مناسبات: مثل اللقاءات الجماعية، الحفلات، يوم استحقاق الرواتب، الاتصالات من الدائنين، التنزّه، الذكرى السنوية لحدث ما، العطل، المواقف التي تتضمن لقاء أشخاص جدد.
–  الأشياء: الممتلكات الخاصة، الفن الإباحي، الأفلام، التلفاز، النقود، البطاقات الائتمانية، البطاقات المصرفية، جهاز الهاتف الذي اعتدت استخدامه للاتصال بمروّج المخدرات الذي كنت تتعامل معه، وكلّ غرض آخر يذكّرك بالأوقات التي كنت تشرب أو تتعاطى فيها.
–  التصرّفات والنشاطات: الاستماع إلى موسيقى محددّة، الذّهاب إلى موعد غرامي، إقامة علاقة حميمة، تناول الطعام خارجاً، الخروج للرقص، الجلوس وحيداً في المنزل، تمضية الوقت مع الأصدقاء، قيادة السيارة، النقاشات والمجادلات، دفع الفواتير.
–  الانفعالات والمشاعر: الخوف، القلق، الشعور بالذنب، الغضب، الثقة المفرطة بالنفس، الكره، الغيرة، الخزي، الاكتئاب، الشعور بعدم الملاءمة، الإرباك، الشعور بالرفض من الآخرين، التعرض للانتقاد، الملل، عدم الشعور بالأمان، التوتر، الحزن، الإحراج، الوحدة، الإرهاق، الإحباط، التعرض للإهمال، الشعور بالاسترخاء، الوقوع تحت الضغط، الإثارة، السعادة، الأمل، العاطفة الجياشة حين تتملكك، الثقة، الإثارة الجنسية.
–  الأحاسيس الجسدية المزعجة: إزعاج في المعدة، ألم مألوف بالنسبة إليك بسبب إصابة قديمة ما، ألم جديد من نوعه، بداية مرض، أعراض الامتناع عن الشرب أو التعاطي.

باختصار، يمكن للمحفّزات أن تكون أي غرض، شخص، مكان، موقف، فكرة، أو انفعال عاطفي يمكن له أن يحرّك دورة التفكير الهدام المفضي إلى الشرب أو التعاطي. فإذا أدى أي أمر إلى استجرار أفكار كالتالية فهو بمثابة حافز:

–  “لا أستطيع التعامل مع هذا الموقف…”.
–  “أحتاج إلى الهرب بعيداً…”.
–  “أحتاج إلى أن أنسى…”.
–  “التعاطي يشكل تمضية للوقت ممتعة بشدة”.

ليزا شابة في الثانية والعشرين من عمرها. وهي تدرس في جامعة راقية، إنما كانت متأخرة عن برنامجها الدراسي ثمانية عشر شهراً، وقد رسبت في ستة فصول دراسية خلال السنتين الماضيتين بسبب استخدامها المسيء للكحول. لقد واجهت مصاعب جمة في التركيز على دروسها وتذكُّر ما ورد فيها. للأسف، ونظراً إلى تنامي شعورها بالإحباط وهبوط مستوى احترامها لذاتها، فقد تعاظم تناولها للكحول. لقد كانت تقيم في نادٍ للفتيات في الكلية، حيث جلست بشكل منتظم مع بعض من زميلاتها في الردهة، لتحتسي الكحول مساء. من الخميس إلى الأحد كانت تمضي الليالي وهي تعاقر الخمر مع شبان متنوعين من مركز أخوية مجاور قبل انطلاقهم معاً قاصدين المشرب. وكثيراً ما كانت تشرب بمفردها قارورة بأكملها من النبيذ في الأوقات المتأخرة ليلاً، في حين كان يفترض أنها تدرس. في معظم صباحاتها، كانت ليزا تستيقظ وهي تعاني صداع الكحول لدرجة تحثها على القسم ألا تعود إلى الشرب مدة أسبوع. إنما كانت عادة بحلول بعد ظهر ذلك اليوم نفسه تهرع ليزا إلى واحد أو أكثر من رفقائها في الشرب الذين يقترحون عليها أن يذهبوا سوياً لاحتساء بعض كؤوس البيرة أو أي مشروب آخر. وهكذا تغرق في جولة أخرى من الشرب.

يمكن تقسيم لائحة المحفزات المحتملة بطرائق عدة: المحفزات الخارجية (الأشخاص، الأماكن، المناسبات، الأشياء، التصرفات، والنشاطات). والمحفزات الداخلية (المشاعر السلبية، الإيجابية والطبيعية)، تلك الملموسة وغير الملموسة، المادية والعاطفية، الحقيقية والمتخيلة. إنما أياً كانت صورة المحفز أو الفئة التي يندرج تحتها، فإنه يؤدي إلى التفكير بصورة غير عقلانية، وهو عامل قوة التأثير للانزلاق عودةً إلى الإدمان على الكحول و/أو المخدرات.

ما هي الرغبات الملحّة؟

الرغبة الملحة عبارة عن حاجة أو ضرورة جسدية ترغم المرء على الشرب أو التعاطي، تتولد في الدماغ ويختبرها الجسد. حيث يستصرخك عقلك وجسدك كلاهما بلا رحمة أن تحتسي الكحول وتتعاطى المخدرات؛ والآن! يمكن أن تكون السيطرة على الرغبات الملحة صعبة جداً عندما تكون في أوجها، لكن ما إن تتسلح بالفهم لسبب ولكيفية حدوثها حتى تضحي أكثر استعداداً لدفعها عنك، أو على الأقل لتتغلّب عليها في بدايتها.

جون رجل يبلغ الخامسة والخمسين من عمره، يعمل منسقاً صوتياً، وقد مضى يحتسي الكحول منذ كان في الخامسة عشرة من عمره. وبالرغم من أنه كان يرى أن الكحول يعيث فساداً في حياته، إلا أنه كان يستمتع حقاً باحتسائه. فهو بنظره حسن المذاق، حسن الرائحة ويشعره بحالة جيدة. وعندما كان يمضي أي فترة زمنية من دونه كان يعاني جداً. كان يصف الرغبة الملحّة التي تعتريه بأنها شعور بتقلّصٍ في معدته ومذاق الكحول في فمه. كان يتطلع إلى مشاعر الارتياح والحبور التي تنتابه بعد أن يفرغ في جوفه بضع كؤوس من البيرة، وإلى الطريقة التي تتراءى له فيها المشكلات تذوب بعيداً. لقد ذكر لي أن بمقدوره أن يحمل نفسه على الشعور بشيء من الثمالة من دون أن يتناول أي كحول، وكأنها مشاعر “استباقية للثمالة”. شرحت لجون أن هذه المظاهر جميعها بالإضافة إلى الكثير غيرها تتولد عن منبهات كيموعصبية لمراكز تحكّم معيّنة عميقة في الدماغ عندما تواجَه بمحفزات خاصة.

أدِّ الاختبار الصغير التالي لتتعرف إلى مدى ما تعلمه عن الرغبات الملحّة. ثمَّ حاول تقييم كل من العبارات الآتية:

ما هي الرغبات الملحّة بالنسبة إليّ؟
1. أعارض بشكل كليّ 2. أعارض بشدة 3. أعارض نوعاً م 4. موقفي حيادي 5. أوافق بعض الشيء 6. أوافق بشدة 7. مؤيد بشكل كليّ
– 1. إن الرغبة الملحة هي ردّ فعل فيزيولوجي؛ لذا، فليس بمقدوري أن أفعل أي شيء حيالها.- 2. إن أنا لم أوقف الرغبات الملحة، فستزداد سوءاً.

– 3. يمكن للرغبات الملحة أن تقود المرء إلى الجنون.

– 4. الرغبة الملحة تجعلني أحتسي الكحول أو أتعاطى المخدرات.

– 5. سأعاني على الدوام من الرغبات الملحة للحصول على الكحول أو المخدرات.

– 6. ليس لي أي قدرة على السيطرة على رغباتي الملحة.

– 7. ما إن تبدأ الرغبات الملحة تعتريني، حتى أفقد كل سيطرة على سلوكي.

– 8. سأكون فريسة الرغبات الملحة طيلة حياتي.

– 9. إنني لا أطيق صبراً على الأعراض الفيزيولوجية التي تعتريني عندما تجتاحني الرغبة للشرب أو التعاطي.

– 10. إن الرغبة الملحة تمثل عقوبتي على الفترة الأولى عندما ابتدأت بتناول الكحول والمخدرات.

– 11. إن كنت لم تتعاطَ المخدرات أو لم تعاقر الخمر يوماً في حياتك فليس لديك أي فكرة عن كيف يغدو حالك مع الرغبة الملحة، وبالتالي لا يمكنك أن تتوقع مني مقاومتها.

– 12. إن الصور والأفكار التي تمر في خاطري خلال شعوري بالرغبة الشديدة في الشرب أو التعاطي خارجة عن إرادتي وقدرتي على التحكم فيها.

– 13. تجعلني الرغبات الملحة عصبياً للغاية، لدرجة لا أستطيع تحملها.

– 14. لن أكون يوماً مستعداً للتعامل مع الرغبات الملحة.

– 15. بما أنني سأتعرض للرغبات الملحة لبقية عمري، إذاً ربما عليّ أن أعاود تناول الكحول أو المخدرات.

– 16. عندما أكون في غمرة الرغبة الملحة لا أستطيع القيام بأي أمر.

– 17. إما أنني أرغب بالكحول أو المخدرات أو لا، ما من حل وسط.

– 18. إن ازدادت حدة الرغبات الملحة، فالمخرج الوحيد للتعامل مع ذاك الشعور هو في الشرب أو التعاطي.

– 19. عندما تجتاحني الرغبة بتعاطي المخدرات بشدة، فلا ضير من اللجوء إلى الكحول للتأقلم مع الموقف.

– 20. الرغبات الملحة أقوى بكثير من قوة إرادتي.

إن كانت أيُّ من إجاباتك غير رقم 1 فقد تم تضليلك! ففي حين أنه لا يمكنك فعلاً الحؤول دون استثارة الرغبات الملحة، إلا أنك قادر على السيطرة على ما إذا كنت ستستجيب لها بالشرب أو التعاطي أو لا. تكمن الحقيقة المذهلة في أن الأشخاص في مرحلة الشفاء يستسلمون نموذجياً لنحو 5 بالمئة فقط من رغباتهم الملحّة! إن هذا يعني أنك في 95 بالمئة من المرّات لن تشرب ولن تتعاطى بناء على الرّغبة الجامحة التي ستعتريك. وأيضاً هذا يعني بالنتيجة أنك ستقاوم سلفاً كل الرغبات التي ستنتابك تقريباً؛ ومن خلال بذل الوقت والجهد ستكون قادراً على مقاومة الباقي. تذكّر هذا الرقم: 95 بالمئة. اكتبه على قصاصة من الورق، احمله معك، وانظر إليه باستمرار بين الفينة والأخرى.

كيف تولد المحفزاتُ الرغبات الملحّة؟

إنك تستخدم الكحول أو المخدرات لتولد لديك المشاعر الطيبة التي ندعوها الغبطة أو الانتشاء. تقوم هذه المواد بتنبيه نظام المكافأة في الدماغ بتفعيل ناقل عصبي يدعى الدوبامين. إن دارات الدوبامين محاطة بحُصَين الدماغ الذي يقوم بتوليد ذكريات جديدة، والجهاز الحوفي الذي يتحكم بالمشاعر. عندما يفعّل كل من الكحول أو المخدرات نظام الدوبامين، يبدأ الحُصين بالعمل ضامناً أنك ستتذكر كل ما يتعلق بالتجربة بكل وضوح، لا شعورك بالنشوة وحسب، بل أيضاً الناس والأماكن والأشياء والروائح والطعمات المرتبطة فيها (إنها محفّزاتك). من ناحيته يسهم الجهاز الحوفي في صبغة عاطفية قوية استجابةً لذلك الخليط. لذا، فعندما تمر لاحقاً بالأشخاص أو الأماكن أو الأشياء أو الحالة العاطفية المرتبطة بكحولك أو مخدراتك، يقوم الحصين بتفعيل نظام الدوبامين ليعلمك أنك على وشك اختبار شعور جيد جداً. يمكن لهذا أن يثير أفكارك حول الشرب والتعاطي، وكذلك حاجتك القوية إلى القيام بتلك الأشياء.

مما يزيد الطين بلة هو أنه يمكن للكحول والمخدرات أن تحدث ضرراً في الحُصَين، والجهاز الحوفي، وأجزاء أخرى داخلية من الدماغ. عندما تتأذى هذه المناطق يتأذى معها التوازن الدقيق في الهرمونات، مما يضعف من قدرة دماغك على استيعاب المحفّزات والرد عليها. إن من جوهر هذه المواد قدرتها على إضعاف مقاومة دارات دماغك، مسببة في إرساله إشارات غير فعالة أو بلاغات كاذبة، مخبراً دماغك أن أمراً ما جيد في حين أنه ليس كذلك، أو أنه سيّئ في حين يكون، في الواقع، حسناً حقاً.

ما إن يتأذى الدماغ جراء تعاطي الكحول أو المخدر فإن هذه الإشارات ستستمر في المرور سريعاً في رأسك، لتحثك على الشرب أو التعاطي. وحتى إن كنت تمتنع عن ذلك، وتحاول جهدك أن تبقى صاحياً فإن دماغك سيعطيك الرسائل غير الصحيحة. إن هذه الرسائل المتمردة الصادرة عن الأجزاء الداخلية المعطوبة من دماغك ستدخل في صراع مع المنطق السليم المتعلّق بضرورة امتناعك عن هذه المواد، والذي تقدمه القشرة المخية، وهي القسم العقلاني من الدماغ. أيهما سيربح هو أمر يعتمد على ما ستفعله عندما تظهر حاجتك إلى الشرب والتعاطي، بل وما ستفعله لتحول دون ظهور هذه الحاجة الملحة في الأساس.

باختصار، إن محفزاتك ليست مجرد رغبات تافهة تعوم في ذهنك: إنها مرتبطة بأسلاك توصيل مع دماغك، وجزء من داراتك العصبية. فحتى وإن كانت لديك رغبة قوية بالبقاء صاحياً أو نظيف الجسم من المواد الإدمانية، إلا أن تعرّضك للمحفز سيفعّل دارات الذاكرة والدوبامين لديك بصورة آلية، وسيكون عليك أن تكافح الحاجة الماسة إلى الشرب والتعاطي.

الإشراط التقليدي وكلب بافلوف

يتساءل الكثير من الأشخاص ممن هم في مرحلة الشفاء: كيف انتهى بهم المآل إلى وجود هذا الكم الكبير من المحفزات التي تؤثر فيهم؟ يكمن الجواب في ما يدعى الإشراط التقليدي.

الإشراط التقليدي هو مفهوم اكتشف بداية من قبل بافلوف، العالم الروسي الذي أجرى تجربته الشهيرة مستعيناً بالكلاب. لقد استخدم المحفز البصري المتمثل بقطعة لحم لإخراج لُعاب الكلاب. في المرحلة التالية قام بافلوف بقرع جرس كلما قدّم إلى الكلاب قطعة اللحم، جاعلاً في دماغ الكلاب صلة بين رؤية اللحم وقرع الجرس. وفي نهاية الأمر أخذ لُعاب الكلاب يخرج عند سماعها الجرس، حتى وإن لم يقدّم إليها اللحم. ففي دماغها كانت المكافأة (التي هي تناول اللحم) مقرونة بصوت الجرس.

إن الظواهر المادية والتي يقودها الدماغ للإشراط التقليدي هي تماماً ما يجري عندما تقع المحفزات. إنك تستخدم الكحول أو المخدرات لتنتشي. فينشأ رابط لديك بين هذا النشاط الذي تحس به وبين كل ما تراه، أو تشتمّه، تسمعه، أو تحس به خلال تعاطيك، أو تماماً ما قبل تعاطيك المخدرات أو الكحول، وهذا الأمر يدخل في برمجة دارات ذاكرتك. وعليه، فكلما مررت بالأشخاص والأماكن والأحداث أو انتابتك المشاعر المرتبطة بتعاطيك للكحول أو المخدرات، تتفعّل دارات الدوبامين لتنبئك بأن أمراً مبهجاً للغاية على وشك أن يحصل.

ما هي محفزاتك؟

بعض المحفّزات – كمنظر شخص يحتسي الكحول، أو آخر يأخذ جرعة من الكوكايين – تؤثر في المدمنين برمتهم تقريباً، غير أن الغالبية من المحفزات تكون ذات سمات شخصية. ما الذي يشعل رغبتك بالتعاطي؟ أو من ناحية أخرى، ما الذي يسهم في انضباطك؟ التمرين التالي من شأنه أن يساعدك على اكتشاف الجواب.

ورقة عمل المحفزات

1.       ضع لائحة بالأماكن التي يرجح فيها بقوة أن تتعاطى المخدرات أو تحتسي الكحول.
2.       ضع لائحة بأسماء الأشخاص الذين يرجح بقوة أن تشرب أو تتعاطى معهم.
3.       ضع لائحة بأوقات اليوم التي يرجح بقوة تناولك الكحول أو المخدرات فيها.
4.       ضع لائحة بالنشاطات التي تزيد من احتمال تناولك الكحول أو المخدرات.
5.       ضع لائحة بالأماكن التي يستبعد أن تتناول الكحول أو المخدرات فيها.
6.       ضع لائحة بالأشخاص الذين يُستبعد أن تحتسي المشروب أو تتعاطى المخدرات معهم.
7.       ضع لائحة بالأيام والأوقات التي يستبعد أن تشرب أو تتعاطى فيها.
8.       ضع لائحة بالنشاطات التي تقلل من احتمال تناولك الكحول أو المخدرات.

الأماكن، الأشخاص، الأوقات، والنشاطات بدءاً من رقم 1 وحتى 4 هي نطاقات خطر بالنسبة إليك، بينما تلك التي في رقم 5 وحتى 8 هي مناطق الأمان. فلتُمضِ أكبر وقت ممكن، منطقياً، في مناطق الأمان الخاصة بك خلال المراحل الأولى من عملية شفائك. فكلما كنت أكثر قدرة على تجنب نطاقات الخطر، كلما قلّت المحفزات التي ستصطدم بها، وكلما كان الحفاظ على حالة الصحو لديك أكثر يسراً.

وضع مخطط بياني لمحفّزاتك

إن معظم الناس لا يدركون أن أفكارهم حول الشرب والتعاطي نابعة من محفّز ما، وأن هذه الأفكار لها القدرة على الحث على استحضار سلوكيات إدمانية. بدلاً من ذلك، فإنهم يعتقدون أن هذه الأفكار محتومة وغير قابلة للمقاومة على الدوام. إن هذا ينحو بهم إلى التفكير أنه ما من جدوى للمحاولة أصلاً. ولكن إن هم أدركوا كيف أن آلية المحفّز، والرغبة الملحّة هما ما يحفزان سلوكياتهم، فسيدركون أنهم قادرون على التحكّم بأفعالهم وقادرون على البقاء صاحين.

أضعُ في مخطط بياني العملية برمتها، من المحفز إلى الفكرة إلى التعاطي؛ سيساعد هذا على زيادة فهمك للعملية، وسيعطيك ما تفخر به حين تتتبّع سير نجاحاتك في تعلم السيطرة على المحفزات. إليكم مخططاً بيانياً بسيطاً للمحفزات اليومية، يظهر كيف يحفز الموقف الأفكار أو المشاعر، والتي تقود بدورها إلى السلوك، وتبعيات هذه الأمور:

مخطط المحفزات اليومية:
الموقف (المحفز) الأفكار والمشاعر السلوك النتائج الإيجابية العواقب السلبية
يحضر صديق إلى شقتي حاملاً معه بعض الكوكايين. تبدو أشياء جيدة. يمكنني فعلاً أن أحصل على النشوة، فأنا أستحق فترة استراحة. أستعمل نصف غرام من الكوكايين، ومن ثم غراماً آخر. حصلت على النشوة. إنني لا أذكر الكثير عن الأمسية لكنني ولا بد من أنني قد استمتعت. هدرت 300 دولار. ونهضت متأخراً إلى العمل في اليوم التالي، ففاتني اجتماع مهم، مما حدا بالمشرف أن يضمِّن ملفي تأنيباً وذكر أن تغيببي مرة واحدة بعد سيؤدي إلى صرفي من العمل.
بعد انقضاء يوم العمل، يقول الأصدقاء: فلنذهب إلى المشرب. أعلم أن علي الذهاب إلى المنزل. إنني متعب لكنني أعلم أنني سأتعاطى بعض الكوكايين مما سيساعدني. أذهب إلى المشرب، وأحتسي بضع كؤوس من البيرة، وآخذ حقنة بنصف غرام من الكوكايين. أنعشتني البيرة بعد يوم عمل طويل، لكنني شعرت بالنعاس مع تأخر الوقت ليلاً. فساعدني الكوكايين على النهوض. غضبت زوجتي لأنني بذّرت 75دولاراً. ذراعي تؤلمني، وأعاني من صداع السكر الرهيب. أشعر بالغثيان في معدتي، ورأسي يكاد أن ينفجر.
مساء السبت إنه وقت الحفلات، أشعر برغبة بالانتشاء، والبقاء في المنزل سيكون أمراً مملاً. أذهب إلى شقة توم مصطحباً بضع رزم من علب البيرة. ومع بعض الكوكايين انتشي حتى الثالثة صباحاً. كانت جرعة جيدة من كوكايين، شعرت حقاً بالنشوة. وقد التقيت بعض الأشخاص الجدد وإن كنت لا أستطيع تذكر من كانوا. أضعت 200 دولار هباء. حطمت السيارة في طريق عودتي إلى المنزل. ذراعي تؤلمني. أضعت على نفسي حضور مباراة يشارك فيها ولدي صباحاً. زوجتي في غاية الحنق وتهدد بأن تهجرني مصطحبة الأطفال معها.

كيف تتعامل مع محفزاتك؟

هناك طريقتان رئيستان للتعامل مع المحفزات: إما تجنبها – كلما كان ذلك متاحاً – أو إخمادها. كما هو واضح، يملي المنطق السليم علينا الابتعاد عن الأفكار، الأشخاص، الأماكن، والحالات العاطفية التي تؤجج الحاجة الماسّة إلى التعاطي. وفي حين أن هذا غير ممكن على الدوام، فإن معظم الأشخاص يجدون أنهم قادرون على التخفيف من تعرضهم للمحفزات إلى حدٍّ بعيد. أما في ما يخص إخماد هذه المحفزات، فيمكن في الواقع إعادة برمجة دارات الذاكرة عندما يدرك الدماغ أن الاتصال مع المحفز لا يولد شعوراً بالنشوة. لكن إليك الحيلة: الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك؛ هي مقاومتك بثبات الحاجة الماسّة إلى التعاطي عند تعرضك إلى محفّز.

تجنّب محفّزاتك

إليك بعض الاقتراحات الممتازة كي تُبقِي محفزاتك بعيدة في الظل:

–  تنحَّ بعيداً عن رفاق الشرب أو المخدرات.
–  ابقَ بعيداً عن الأبنية التي كنت تتعاطى فيها، وكذلك الأحياء السكنية.
–  اختر مطاعم ومقاهيَ ودور عرض سينمائية وأماكن أخرى يمكن الاستمتاع فيها.
–  اطلب إلى زوجك أو الأشخاص المقربين منك أن يتعهدوا بإنجاز شؤون الفواتير، أو استخدم بطاقات الصرّاف الآلي لنفسك.
–  ارم بعيداً أي معدات شخصية كنت تستخدمها في التعاطي.
–  تجنّب الجدالات.
–  ابقَ بعيداً عن الأشخاص والأحداث المزعجة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
–  اشترِ قطعة أثاث جديدة تستبدل بها تلك التي كنت تتعاطى وأنت جالس عليها.
–  اختر طرقات جديدة لعملك.
–  إن كنت تعلم سلفاً أن مناسبة قادمة، كحفل زواج أو حفل عشاء، ستثير لديك الرغبة بشرب الكحول أو تعاطي المخدرات، فلا تذهب!
–  إن كنت في موقف بدا لك أنه يحفز أفكاراً خطيرة عن الشرب أو التعاطي، فغادر في الحال!
–  إن عرض عليك أحدهم كأساً من المشروب أو جرعة مخدر فقل: “لا، شكراً” وحسب. لست مضطراً إلى شرح الأسباب، لكن إن فعلت، فاعلم أن لديك مشكلة مع الكحول أو المخدرات، أو أنك كففت عن الشرب والتعاطي.
–  والأفضل من ذلك كله، أن تكون مترقباً ومحتاطاً للأمر بأن تطلب إلى الناس ألاّ يعرضوا عليك تلك المواد أصلاً.

بعيد نقاشات عديدة، توصلت ليزا، طالبة الجامعة المدمنة على الكحول، إلى فهم الصلة الخطيرة بين المحفزات التي تزخر بها بيئتها وبين الحاجات الملحة التي تتملّكها. لقد بذلت جهوداً بالتنسيق معي لتتجنب ما أمكنها منها، بأن وضعت لائحة لمحفزاتها، ثم أوجدت سبلاً للتخلص منها أو الابتعاد عنها. على سبيل المثال، لقد انتقلت من نادي الفتيات، في الكلية، الذي كانت تقطن فيه، وتوقفت عن زيارة الشبان في الأخوية المجاورة. كما امتنعت عن مخالطة الفتيات اللواتي كن يحتسين المشروب وتجنبت الذهاب إلى المشرب في المنطقة. كما أنها خصصت وقتاً للدراسة في بداية النهار، في الوقت الذي لا تزال تحتفظ فيه بنشاطها وقدرتها أكثر على التركيز، منجزة معظم دراستها في المكتبة. ابتعادها عن المحفزات إلى حدٍّ متطرف جعلها تدرك أنها تستطيع التوقف عن الشرب كليّاً من دون كبير عناء. وكان لذلك بصمته لا على مشكلتها مع الشرب وحسب، والتي خمدت بدورها، إنما أيضا تحسنت ذاكرتها وأداؤها الدراسي بشكل ملحوظ.

إخماد محفزاتك

لو كان من الممكن تجنب محفزاتك كافة، لكانت طريقك إلى الشفاء ممهّدَةً وأقصر مما هي عليه حقيقةً. ولكن لسوء الحظ، المحفزات لا يمكن تجنبها، وكذلك توقعها. قد تعترضك ستة منها في اليوم الأول، وثلاثون في اليوم التالي؛ قد يولد أحد المحفزات رغبات بالشرب والتعاطي معتدلة وقابلة للتدبير، في حين يشعل محفّزٌ آخر حاجات لا تقاوم. لهذا السبب عليك أن تتعلم كيف تخمد محفزاتك وتسلبها قوة تأثيرها بألا تشرب أو تتعاطى حين تصادفها.

إن أنت قاومت باستمرار الحاجة الملحة إلى الشرب أو التعاطي عند تعرضك للمحفز، فإن الجهاز الحُصَيني في دماغك سيبلغ مرحلة الإدراك، وأيضاً جسدك، أن المحفز ليس إشارة إلى أن أشياء حسنة في طريقها إليك. ولن يتفعل نظام الدوبامين بعد ذلك بشكل آلي، وفي نهاية الأمر سيخفق المحفز في إثارة رغبتك العارمة في التعاطي والشرب. لهذا السبب تضعف رغباتك الملحة كلما طالت المدة التي تمضيها صاحياً.

بطبيعة الحال قد تكون المقاومة أمراً صعباً. ففي بعض الأحيان تكون الرغبات الملحة عارمة لدرجة هائلة، يبدو معها عدم الاستسلام لها أمراً مستحيلاً. وهنا يكون تناول الأدوية آمنة الاستخدام، التي لا تسبب الإدمان وتخفف من الرغبات الملحة، أمراً يساعد كثيراً في هذه الحالة. هناك أدوية أخرى يبدو أنها تعيد برمجة دارات الدماغ المتضررة من الإدمان، واضعة تأثير المحفز على الحياد مباشرة تقريباً.

من النقاط المفتاحية المتعلقة بنوعية المعالجة: من الأمثل أن تخمد ما استطعت من المحفزات بأسرع ما يمكن، غير أن ذلك يتطلب التعرض لها. فإن كنت مريضاً خارجياً، تقطن في منزلك بينما تتابع برنامج معالجة ستكون حينها أكثر قابلية لهذا النوع من التعرض. لكن إن كنت تتبع برنامج معالجة يستدعي الإقامة الداخلية في مركز العلاج، فستكون حينئذ محاطاً ببيئة اصطناعية لا تتعرض فيها لأي محفز. لذلك ربما تبلغ مرحلة الصحو في هذا المحيط من دون أن تكون مستعداً لمواجهة محفزات الحياة الواقعية، كالجلوس على الأريكة التي اعتدت أن تشرب أو تتعاطى عليها. تشير الأبحاث الحديثة إلى أن المعالجة الخارجية هي في سوية المعالجة الداخلية إن لم تكن حتى تضاهيها قليلاً، لأنها تخمد محفزات الحياة الواقعية. إننا لا نعرض الأمر هنا على أن المعالجة الداخلية غير فعالة – فهي تؤتي أكلها بشكل طيب لدى بعض الأشخاص – ولكن الأحرى بنا أن نقول إنها غير متكاملة، بشكل لا تكون معه معافىً ولا حتى قريباً من كونك معافىً عند انتهائك منها. فلا يزال ينتظرك الكثير من العمل لتقوم به؛ فأنت بحاجة إلى متابعة علاجية واستشارات تساعدك على التغلب على المحفزات الكثيرة التي ستمر بك عند مغادرتك لمرافق المعالجة الداخلية.

من المؤسف أن هذه المعلومة لم تعمم على نطاق واسع بشكل كافٍ، لذا، ترى معظم الناس لا يزالون مقبلين على المعالجة الداخلية بوصفها المعيار الذهبي لمعالجة الإدمان.

سحق الرغبات الجامحة

إن الرغبات الملحّة هي عبارة عن استجابات آلية في الدماغ تشير إلى ترافق بين محفز ما ومادة الإدمان الخاصة. وبالنسبة إلى المدمن في طور الشفاء، فإن أي استخدام للكحول أو المخدر – حتى وإن كان على شكل وصفة طبية – ينحو إلى إبقاء المحفز والرغبة الملحة معاً ناشطين. لهذا السبب، فإن محاولات التحكم بالتعاطي (أي بمعنى: سأقوم بالأمر بين حين وآخر) لن تكون ذات جدوى. إن الامتناع أو الانقطاع المطلق عن استخدام المادة الإدمانية (أي لا كحول، لا مخدرات على الإطلاق) هي الطريقة الأنجع والأسرع لفكّ الترابط السابق بين المحفّزات والمادة التي تتعاطاها، وبالتالي، تراجع الرغبات الملحّة بشكل فعّال.

على كل حال، فإن الرغبات الملحة ستبقى تعترض طريقك حتى بعد مضي سنوات على امتناعكالكامل. إنها جزء طبيعي من عملية الشفاء. من هنا تنبع الضرورة الحيوية لك بأن تطور تقنيات سحق للرغبات الملحّة تنتفع بها عندما تعترضك الحاجة الماسة إلى التعاطي.

في حين يمكن أن تكون الرغبات الملحة كاسحة لدرجة تصعب مقاومتها، فإن هذه التقنيات ستساعدك على الثبات، والمقاومة وسحق الكثير من – إن لم نقل جميع – رغباتك الملحة.

ساحق الرغبات الملحّة الأول: التحدّث

قد يكون التحدّث هيناً غير أنه واحد من السبل الأكثر جدوى للثبات بمواجهة الرغبة الملحة. لذا، عندما تعترضك رغبة ملحة فابدأ الحديث عنها مباشرة مع شخص صاحٍ.

ستتعلم في مجموعة الدعم والتشجيع الخاصة بك كيف تناقش تجربة الرغبة الملحة، ما المشاعر التي تجعلك تمر بها، وما عليك فعله في رأيك تجاهها. حين تباغتك الرغبة الملحة اتصل على الفور بصديقك، معالجك، شريك حياتك/الشخص المهم في حياتك، أو بأي شخص يعلم ما يجب أن يقال في هذا الظرف. إنه لأمر جوهري أن يعلم الشخص الذي تتحدث إليه أن الرغبات الملحة أمر طبيعي، وأن التحدث عنها إلزامي، وأن هناك طريقة محددة للتحدث عن المشكلة.

ساحق الرغبات الملحة الثاني: تشتيت انتباهك

الرغبات الملحة هي أحداث تحُدّ ذاتها، وتتولّد جسدياً، وستذهب من تلقاء نفسها. إن لم تستطع تشتيت انتباهك عن الرغبة، فقد تتمكن من الثبات. إن الانشغال فعال هنا لأن الرغبة الملحة عبارة عن استجابة فيزيولوجية في داخل الدماغ. فإن استطعت حمل دماغك على التركيز على أمر آخر، فستزول الرغبة الملحة.

هناك وسائل متنوعة يمكنك من خلالها إلهاء نفسك، علماً أن فاعليتها تختلف من شخص إلى آخر ومن موقف إلى آخر. إليك بعض الأفكار في هذا الشأن:

–  حل الكلمات المتقاطعة.
–  ممارسة نشاط بدني.
–  القيام بتمارين اليوغا.
–  التأمل.
–  القيام بالتمارين الرياضية.
–  صرف الوقت على هواية ما.
–  إحضار ما تأكله.
–  الخروج للتريض.
–  الذهاب إلى السينما.
–  الاستماع إلى الموسيقى.

فلتكتشف بنفسك أي وسائل الإلهاء لها الأثر الأكبر بالنسبة إليك. ثم حضّر لائحة، جهّز معدّاتك (ككتيب كلمات متقاطعة بحجم الجيب، جهاز الآي بود/iPod، حذاء للمشي، أقراص ليزرية، وغير ذلك) ولتكن مستعداً.

ساحق الرغبات الملحة الثالث: استخدام بطاقات الفلاش

إن هذه الأداة البسيطة فعالة جداً في سحق الرغبات الملحة. على أحد جانبي البطاقة تكتب الأمور الأربعة الأكثر إيجابية والتي ستحدث إن أنت حافظت على صحوك؛ وعلى الجانب الآخر تكتب الأمور الأربعة الأسوأ التي ستقع في حال أنك تعاطيت. على سبيل المثال:

بطاقة فلاش:
الأمور الأربعة الأكثر إيجابية التي ستحصل لي إن بقيت صاحياً:

1. سأتمكن من العودة إلى المنزل كل مساء لأستمتع بصحبة زوجتي وأطفالي.

2. سأستطيع انتشال نفسي من أزمتي المالية بأن أحافظ على عملي.

3. ستتوقف هذه الرغبات الملحة عن إزعاجي في نهاية المطاف.

4. سأكون مثالاً وقدوة أفضل لأبنائي.

الأمور الأربعة الأكثر سلبية التي ستحصل لي إن أنا تعاطيت أو انتكست:

1. قد أتعرض للسجن إن ظهر على شاشة الفحص أن هناك مخدراً في دمي، لأنني أكون قد
خرقت شروط فترة الاختبار التي أُلزمت بها.

2. لن أكون قادراً على رؤية أبنائي بعد الآن.

3. سأفقد عملي.

4. قد أقوم بالقيادة وأنا ثمل مرة أخرى، إنما هذه المرة أتسبب بمقتل أحدهم.

إن إعداد بطاقة فلاش أمر سهل، ابدأ بقطعة من الورق، اكتب عليها لائحة من عشرة أمور إيجابية ستحدث إن قاومت الرغبة الملحة. قد تتضمن لائحتك بنوداً من قبيل:

1.  سأقترب خطوة أخرى من حالة الصحو الكامل.
2.  سأكون قادراً على تولي أحاديث مع زوجتي/زوجي بذهن صافٍ.
3.  سأكون قادراً على الاستيقاظ من دون آلام بالرأس.
4.  سأكون قادراً على الوصول إلى عملي في الوقت المحدد وإرضاء رئيسي.
5.  سأكون قادراً على تمضية وقت بنّاء مع أسرتي.
6.  سأكون قادراً على أن أكون مثالاً يحتذى لأولادي.
7.  سأكون قادراً على القيادة بأمان.
8.  سأكون قادراً على توفير المال.
9.  سأكون قادراً على الإيفاء بالتزاماتي الأسرية.
10. سأكون قادراً على تناول وجبات صحية مغذية.

على الورقة ذاتها دوّن عشرة أسوأ أمور يمكن أن تقع إن أنت استسلمت للرغبات الملحة. يمكن أن يظهر في لائحتك التالي:

إن لم أقاوم هذه الرغبات الملحة فسيحدث التالي:

1.  قد أفقد عملي.
2.  قد أقود وأنا ثمل وأتسبب بحادث.
3.  قد أزيد الطين بلة في زواجي.
4.  قد أعرّض أولادي للخطر.
5.  قد أفك عرى صداقة ما.
6.  قد ألحق المزيد من الضرر بصحتي.
7.  قد أفقد احترام أسرتي وأصدقائي لي.
8.  قد أفقد احترامي لذاتي.
9.  قد أهمل واجباتي في المنزل.
10. قد أزيد مشكلتي مع الإدمان سوءاً.

الآن على بطاقة فهرس من مقاس 3×5 اكتب: إن قاومت هذه الرغبة الملحة، ثم سجل في لائحة بنودك الأربعة الأفضل بالترتيب مستعيناً باللائحة السابقة. على الوجه الآخر، اكتب: “إن لم أقاوم هذه الرغبات الملحة” ثم أدرج بنودك الأسوأ بالترتيب من لائحتك السابقة كذلك. اصنع نسخاً من هذه البطاقة لتحتفظ بواحدة منها في عملك، وأخرى في حافظة نقودك، وثالثة في سيارتك، وهكذا.

احرص على أن تضع البطاقات في الأماكن التي يرجّح أن تختبر فيها الرغبة الملحّة، كمكتبك، أو قرب أريكتك القديمة التي كنت تتعاطى عليها، وهكذا. ألقِ نظرة على هذه البطاقات بشكل متكرر كي تنعش ذاكرتك بتذكر عواقب الشرب والتعاطي. عندما تظهر الرغبة الملحة، فإن قراءتك لهذه البطاقات لن يعمل على إلهائك وحسب، بل سيساعدك على تفعيل أنظمة المنطق في قشرتك المخية.

بما أن تداعيات التعاطي وكذلك الامتناع عن التعاطي ستغيّر عبر مسيرة الشفاء، فقد ترغب بصنع بطاقات جديدة مرة كل أسبوع خلال الأسابيع الاثني عشر الأولى من برنامجك العلاجي. سيساعدك هذا على الإبقاء على لائحة الإيجابيات والسلبيات الخاصة بك محدّثة، ما ييسر لك التركيز على أولوياتك.

ساحق الرغبات الملحّة الرابع: استخدام تقنيات التعامل مع الضغوط

بالرغم من أن الرغبات الملحّة كثيراً ما تظهر خلال فترات الضغط الشديد، غير أنه حتى ضغوطات الحياة اليومية الطبيعية يمكن أن تشعل فتيلها كذلك. لهذا السبب، فإن تقنيات التعامل مع الضغوط لها أهمية حيوية لردع ما يطرأ من رغبات ملحة مستقبلية، وللتعامل بنجاح مع تلك التي تطرأ حالياً.

هناك الكثير من الأدوات والتقنيات الفعالة للتعامل مع الضغوط، بما فيها الاسترخاء التقدمي، اليوغا، التأمل، التنفس بعمق، والتنويم المغناطيسي الذاتي. كذلك يمكن أن تكون نُهُج التخفيف من الضغوط التي تمارس بالأيدي كالتدليك، وعلم المنعكسات، والضغط الإبري، والوخز الإبري ذات عون كبير. بإمكانك أن تتعلم عن هذه الموضوعات وغيرها من الكتب والتسجيلات، أو من الإنترنت، أو بحضورك لصفوف في النوادي الصحية المحلية، أو في الكلية الأهلية. اسأل طبيبك أو معالجك إن كان بمقدوره أن يوصي لك بصفوف أو بمعلمين محددين، وتأكّد ما إذا كان تأمينك الصحي يعرض حسومات على تلك الصفوف، أو يقدم لوائح بمن يزودون المرء بمثل هذه الخدمات.

ساحق الرغبات الملحة الخامس: التصور

إن كان باستطاعتك تخيل نفسك وأنت تقاوم هذه الرغبة الملحة، فهناك فرصة لأن تترجم تصورك هذا إلى واقع عملي. بإمكانك كذلك استخدام التصور لتهدئة نفسك عندما تشعر بالضغط، هروباً من المواقف التي عادة ما تقدح زناد السلوكيات الإدمانية.

كي تقوم بذلك، أغمض عينيك وتخيَّل بأدقَّ التفاصيل، مشهداً يسبب لك غاية الحبور والانشراح. على سبيل المثال: بإمكانك تخيل شاطئ استوائي برمله الدافئ الأبيض، وبحره الفيروزي، والأمواج تلاعبُ صخوره، وأشجار النخيل تتمايل مع النسائم العليلة، وأرجوحة شبكية مريحة مربوطة إلى جذعي شجرتين. تنشق رائحة المحيط، واستشعر النسمات الدافئة وهي تلفح وجهك، المس الوسائد المريحة التي تنتظرك على الأرجوحة، ثم اصعد إليها وتمدد داخلها. والآن تخيل الغمائم المنتفشة تطفو فوق رأسك واسترخِ تماماً.

من المهم أن تستخدم حواسَّك الخمس خلال عملية التصور لأن ذلك سيشرك مناطق مختلفة من دماغك في العملية، وسيساعدك على سد الطريق على الرغبات الملحة بصورة أكثر فاعليّة. تدرب على استدعاء هذا المشهد إلى ذهنك، وعندما تعترضك تلك الرغبة الملحّة، خذ وقتاً مستقطعاً لتذهب إلى ذلك المكان الجميل الموجود في رأسك.

إن ما تتصوره منوط بك. هاك أربع فئات من التصورات الفعالة بشكل عام بالنسبة إلى الأشخاص الذين يُعمل على تغلبهم على أشكال إدمانهم:

1.  سيناريو الاسترخاء: هذا هو نوع التصور الذي وصفناه آنفاً. أن تتخيل نفسك في محيط هادئ – يدعوه بعض الناس مكانهم السعيد – يمكن أن يكون مدعاة لكثير من الاسترخاء، والإلهاء، وتخفيف الإجهاد.
2.  السيناريو الإيجابي: قد تتخيل نفسك وأنت محافظ على صحوك مصطحباً أولادك إلى المتنزه، أو أنك تؤدي عملاً ممتازاً، أو أن علاقتك مع شريكة حياتك يسودها الوئام.
3.  السيناريو السلبي: تخيل أحد مرضاي نفسه وهو يحقن وريده بالهيروين في منزل جدته، ثم يغيب عن الوعي والإبرة لا تزال مغروزة في ذراعه، فتكتشفه جدته على هذا الحال فتصاب بنوبة قلبية وتخر ميتة فوقه. لقد مارس هذا النوع من التصورات السلبية جداً مرات عدة، وذكر لي أنه عندما كانت تنتابه رغبات ملحّة، فإن هذا السيناريو كان يمده بالقوة ليتجاوزها.
4.  سيناريو الانتصار: بما أن للرغبات الملحة حدوداً زمنية، فقد تجده أمراً مفيداً أن تتصور الرغبة الملحة كالموجة العاتية التي لا بد لها في النهاية من أن تنسحب وتتلاشى. وأنت هو راكب الأمواج الذي لا يمارى، تركب الموجة على لوح تزلجك وصولاً إلى الشاطئ منتظراً انسحابها بعيداً. أو لعلك ترغب بتصور الرغبة الملحة على أنها الشخص الشرير في لعبة فيديو وأنت تلعب فيها دور الشخص الطيب، مفجراً الرغبة الملحة وقاضياً عليها في النهاية.

إنك لست مقيّداً بهذه الفئات الأربع من التصورات، فإن كانت هناك سيناريوهات تعمل بشكل أنسب بالنسبة إليك، فاستخدمها. المهم في الأمر أن تطوِّر تصوراتك وتتدرب على تخيّلها الآن وقبل ظهور الرغبة الملحّة.

بإمكانك اكتساب المزيد من المعرفة عن التصورات من الكتب والتسجيلات والإنترنت. كما قد يكون معالجك أو كفيلك أو الأشخاص الذين تضمهم مجموعتك قادرين على تعليمك كيفية التصوّر.

وسائل جوهريّة للسّيطرة على رغباتك الملحّة

لقد غيّر الإدمان حياتك نحن الأسوأ، والآن يجب عليك أن تغيّرها نحو الأفضل. عندما تقوم بتغييرات جوهرية مساعدة للشفاء، تكون على الفور قد خفّضت من تواتر الرغبات الملحة المستقبلية وقوة تأثيرها.

تذكر على الدوام أنك قادر على التحكم برغباتك الملحة بأن تقلل من تعرضك للمحفزات قدر ما أمكن، وأن تظهر الاستجابة المناسبة للرغبات المؤذية حينما تشعر بها. ولتُبقِ في ذهنك هذا الرسم البياني الصغير:

المحفز | الفكرة | الرغبة الملحة

يعتقد الكثير من الناس خطأً أن هذا التلاحق المريع أمر محتوم لا مفر منه. لعله ليس بمقدورك تنحية العوامل التي تعرضك للمحفزات بشكل مطلق، لكنك دائماً قادر على السيطرة على أفكارك. قد يكون أمراً صعباً استبدال الأفكار المؤيدة للإدمان بأفكار البقاء صاحياً وكل ما يرتبط بذلك من فوائد، لكنه ممكن. واظب العمل على التقنيات المحددة التي تستبدل بواسطتها الأفكار المؤيدة للإدمان بتلك المؤيدة للصحو، متذكراً المبادئ العامة التالية:

–  أن تبقى ملتزماً بحياة نظيفة خالية من الكحول والمخدرات.
–  غيّر نمط حياتك بإحداث صداقات جديدة والقيام بنشاطات جديدة أيضاً.
–  كن صبوراً.
–  كن مثابراً.
–  كن متيقظاً.
–  لا تستسلم للمغريات، فأي تعاطٍ للكحول أو للمخدِّر سيقوي هجمات رغباتك الملحة.
–  تجنّب المواقف غير الصحية، فلا تختبر نفسك هناك.
–  قل نعم وكن منفتحاً لإقامة صداقات جديدة مع أناس صاحين، وللقيام بنشاطات لمن هم صاحين.

وتذكّر أن الرغبات الملحة جانب شائع في عملية الشفاء. إنها ليست علامة ضعف أو فشل. فالرغبات الملحة كالأمواج في محيط: قد تأتي عالية وقوية لكنها تتلاشى في النهاية من دون أثر يُذكر.

مراجعة النقاط المفتاحية

– المحفز هو أي فكرة، مفهوم، شخص، مكان، شيء، أو حالة عاطفية، يمكن لها أن تحفز التفكير الهدام الذي بدوره يثير الحاجة إلى الشرب أو التعاطي.
– بإمكانك مساعدة نفسك على التحكم برغباتك الملحة بتجنبك المحفزات ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
– لأنك لا تستطيع دوماً تجنب محفزاتك جميعاً، فعليك أن تتعلم السيطرة على ردود أفعالك تجاهها.
– عندما تحتسي الكحول أو تتعاطى المخدرات، فإن دماغك يتذكر الشعور بالنشوة والنشاط الذي مررت به في تلك الأثناء، ويربط هذه المشاعر الممتعة بالأشخاص والأماكن والأشياء والأفكار، وحتى المشاعر ذات الصلة بالشرب والتعاطي.
– تكمن الخطوة الأولى في طريق التحكم بمحفزاتك في التعرف إليها.
– إن وضعك لهذه المحفزات في مخطط بياني، ومتابعته بشكل يومي، يمكن أن يساعدك على فهم كيفية عمل هذه المحفزات.
– إن بمقدورك إضعاف تأثير الرغبات الملحة بأن تقاوم باستمرار الحاجة إلى الشرب والتعاطي عند تعرضك للمحفزات.
– الامتناع المطلق هو الطريقة الأضمن لفصم عرى الترابط السابق بين المحفّزات وبين المادة التي تتعاطاها، وبالتالي يقلّل بصورة فعالة الرغبات الملحة.
– نموذجياً، يستسلم الأشخاص الذين هم في طور الشفاء إلى 5 بالمئة فقط من رغباتهم الملحّة. معنى هذا أن بمقدورك الآن مقاومة رغباتك الملحة كلها تقريباً.
– إن التحدث، وإلهاء نفسك، واستخدام بطاقات الفلاش، وتطبيق تقنيات إدارة الضغوط، والتصور، جميعها أساليب فعّالة لمقاومة الرغبات الملحة، الثبات في وجهها وسحقها.
– هناك العديد من الأدوية آمنة الاستخدام وغير المسببة للإدمان، يمكن لها أن تقلل من الرغبات الملحّة.
– إن الرغبات الملحّة مظاهر طبيعية ولا يمكن تفاديها، لكنك لست مضطراً إلى الاستسلام لها.