إذا لم يكن إنتاج الطاقة في مخك يعمل بالشكل الأمثل، فقد تعاني الاكتئاب وضعف التركيز، و”تشوش” الذهن، والافتقار إلى الحافز الذهني، واضطرابات النوم، وضعف الذاكرة، والافتقار إلى الرغبة في عمل أي شيء وتقلب المزاج.
إذا كانت هذه الأعراض متفاقمة وتحول دون عمل مخك بالشكل الصحيح، فربما تحتاج إلى استشارة طبيب أمراض عقلية متخصص ليقدم لك المشورة، وربما يصف لك عقاقير مضادة للاكتئاب. لست ضد هذه العقاقير، وربما تكون ذات فائدة قصوى في الواقع، لكنك ستحتاج إلى التوقف عن تناولها إن عاجلًا أو آجلًا، وبالتأكيد ستحتاج إلى حلول أكثر طبيعية للتخلص من هذه الأعراض المؤسفة؛ لذا إليك اقتراحاتي لتوازن إنتاج المواد الكيميائية العصبية (النواقل العصبية) في خلايا المخ.
مكملات لتعزيز الطاقة العقلية وزيادة الإنتاجية
١. ليسيثين ، ٤٠٠٠ مجم يوميًّا
سوف يمنحك كولين إضافيًّا ليرفع مستوى مادة الأستيل كولين الموجودة في نواقل المخ، ولتعزيز تأثير الكولين، تناول الليسيثين مصحوبًا ب ٥٠٠ مجم يوميًّا من فيتامين ب ٥ (حمض البانتوثينيك)، و١٠٠ مجم يوميًّا من فيتامين ب ٦ (بيريدوكسين)، و١٠٠ مجم يوميًّا من فيتامين ب١ (ثيامين). تناول جميع هذه الفيتامينات مع الطعام، وعندها ستساعدك هذه العناصر على تحسين ذاكرتك، كما ينبغي أن تتناول الأطعمة الغنية بالكولين، مثل: فول الصويا، والبازلاء المشقوقة، والعدس، والفاصوليا الخضراء، والبيض، واللحم البقري، وبراعم الفول.
٢. الأحماض الدهنية الأساسية
مثل: ٣٠٠٠ – ٤٠٠٠ مجم يوميًّا من زيت زهرة الربيع المسائية، و٣٠٠٠ – ٤٠٠٠ مجم يوميًّا من زيت بذور الكتان (معروف أيضًا بالزيت الحار)؛ حيث تمنح مخك كمية مناسبة من الأوميجا ٦ والأحماض الدهنية أوميجا ٣ التي تساعد خلايا مخك بطرق متعددة. تشكل الأحماض الدهنية الأساسية كتلًا من الأغشية الدهنية التي تكون البنية السليمة لخلايا مخك، كما يعد المخ عضوًا دهنيًّا لينًا، مركبًا من دهون يطلق عليها الدهون الفسفورية.
من خلال تناول الأحماض الدهنية الأساسية سوف تحسن من إفراز النواقل العصبية من خلايا مخك، التي بدورها ستعزز الدقة العقلية لديك. يتسبب ارتفاع متوسط الأعمار للسكان في انتشار أمراض الخرف، خاصة مرض ألزهايمر الذي ارتفع بمعدل مخيف، ويتعلق الخرف بفقدان خلايا المخ؛ مما يسبب ضمورًا (انكماشًا) في المخ؛ حيث تنكمش هذه الخلايا المخية وتموت بسبب ضعف الأغشية، فتسبب الارتشاح وتصبح غير قادرة على حماية الخلايا؛ لذا تكون الميتوكوندريا الخاصة بخلايا المخ ، المتكونة أيضًا من أغشية دهنية، منعدمة الكفاءة، ما يسبب تراكم الأنسجة النشوانية أو أنسجة الأميلويد (فضلات الأيض) في خلايا المخ، فتخنقها في النهاية حتى الموت. ولكي تقلل فرص إصابتك بالخرف، من الضروري مد خلايا مخك بالأحماض الدهنية الأساسية، لبناء أغشية قوية وصحية حول الجانبين الداخلي والخارجي للخلايا.
٣. الأحماض الأمينية
هي لبنات بناء النواقل العصبية، وهؤلاء الذين يتبعون نظامًا غذائيًّا نباتيًّا صارمًا أو لديهم مشكلات في الهضم ربما كانوا يعانون نقصًا في بعض الأحماض الأمينية الأساسية؛ ما قد يؤدي إلى الإرهاق العقلي والاضطراب المزاجي، فإذا كنت تتبع نظامًا نباتيًّا صارمًا أو تعاني فقدان الشهية، فأنصحك بتناول كل من مكملات الأحماض الأمينية والسبيرولينا على الأقل مرتين يوميًّا.
إذا كان طعامك يحتوي على منتجات حيوانية، ومع ذلك تشعر بالإرهاق الذهني والاضطرابات المزاجية، فربما تكون مكملات الأحماض الأمينية المنفردة الخاصة ذات فائدة كبيرة لك، غير أن هذا يجب أن يكون تحت إشراف معالج طبيعي أو طبيب العلاج الغذائي. إن تناول الأحماض الأمينية بجرعات كبيرة آمن في المطلق، غير أنه لا يجب تناولها في أثناء تناول العقاقير المضادة للاكتئاب.
إذا كنت تشعر بالخمول والإحباط، وتريد أن تقضي يومك كاملًا جالسًا على المقعد دون القيام بأي شيء، فربما تعينك المكملات المنفردة من الأحماض الأمينية التيروسين والفينيل ألانين على استرداد نشاطك؛ حيث يعمل كل من التيروسين والفينيل ألانين على زيادة مستويات المواد الكيميائية في المخ، كالنورابينفرين والدوبامين المحفزين .
وإذا شعرت بأنك متقلب المزاج وعصبي، وكنت تعاني قلة النوم، ولم تعد تستمتع بالأشياء، فيمكنك أن تزيد من مستويات المواد الكيميائية المعروفة باسم السيروتونين في مخك من خلال تناول الحمض الأميني المنفرد التريبتوفان .
وإذا عانيت بطئًا شديدًا في التفكير وضعف “الانتباه” على غير العادة، فربما يساعدك مكمل الحمض الأميني المنفرد إل جلوتامين على التركيز، ويزيد من حدة ذهنك (مثل ذاكرة الرام في الكمبيوتر) التي تحتاج إليها. سوف يزيد الإل جلوتامين من مستويات الجلوتامين ومستويات الناقل العصبي المنظم المهم حمض الجاما أمينوبيوتريك ( GABA ) في المخ، كما تبين أنه يساعد على التخلص من الرغبة في تناول الكحوليات.
يجب تناول مكملات الحمض الأميني المنفرد مضافًا إلى الكربوهيدرات أو المشروبات المحلاة؛ لأنه إذا تم تناوله مع الأطعمة التي تحتوي على البروتين، فإنه لن يمر بالدم الواصل للمخ بكفاءة.
٤. الميلاتونين
يعد هرمونًا طبيعيًّا تفرزه الغدة الصنوبرية في قاع المخ؛ حيث يُفرَز الهرمون عندما ترى عيوننا الظلام ويدعم النوم الهادئ. في عام ١٩٩٥ أصبح الميلاتونين الهوس الأكبر بالصحة في أمريكا؛ حيث لم تستطع متاجر الطعام الصحي الاحتفاظ به على الرفوف؛ حيث يمكن لجرعة صغيرة من مكملات هرمون الميلاتونين تعجيل النوم والتغلب على إرهاق السفر دون حدوث الأعراض الجانبية المصاحبة للأقراص المنومة، كما يبطئ الشيخوخة، وبذلك لم يستطع الجمهور الأمريكي مقاومة جاذبية الدواء الطبيعي زهيد السعر لعلاج كل المشكلات الصحية؛ لذا أحدث الميلاتونين ثورة صحية. كان هذا الهوس مفيدًا لأصحاب متاجر الطعام الصحي، ولكن هل يجب أن يتناول ملايين المستهلكين الميلاتونين كأنه حلوى؟ ربما يبطئ الميلاتونين الساعة البيولوجية داخلنا؛ لكن لم يدرس أحد أبدًا تأثير استخدام الميلاتونين في الإنسان على المدى الطويل. فالبشر شأنهم شأن الحيوانات يفروزن قدرًا كبيرًا من الميلاتونين في مرحلة مبكرة من حياتهم، وتبدأ مستوياته بالدم في الانخفاض في أثناء البلوغ، ويقل إفراز الميلاتونين تدريجيًّا مع التقدم في العمر. تساءل الدكتور “بييرباولي”، إن كان هذا الانحدار متعلقًا بالشيخوخة، وحاول البرهنة على ذلك من خلال استبدال الغدد الصنوبرية جراحيًّا عند عشرة فئران صغيرة بالغدد الصنوبرية عند عشرة فئران متقدمة في العمر، وذلك لإعطاء الفأر المسن مستويات ميلاتونين شابة على حساب الفئران اليافعة، وكانت النتيجة مذهلة؛ إذ أصيب الفأر اليافع صاحب الغدة الصنوبرية المسنة بالضعف، ومات في أواسط العمر، بينما طالت حياة الفأر المسن بنسبة أكثر مما هو متوقع بنحو ٣٠٪! ولكن الأمر يحتاج من عشرين إلى ثلاثين عامًا، حتى يتم اكتشاف إن كان بإمكان مكملات الميلاتونين إحداث الأثر نفسه عند البشر، غير أن في أمريكا وقتما يتوفر الميلاتونين دون وصف طبي، فلن ينتظر الناس حتى يعرفوا النتائج.
وبينما لا يزال تأثير الميلاتونين مع تقدم العمر يتطلب المزيد من الأبحاث، فلا شك أنه يساعد هؤلاء الذين يعانون اضطراب النوم، فمن خلال الدراسات على عينات عشوائية وجد الباحثون أن جرعات صغيرة للغاية من الميلاتونين (عُشر مجم) تسهل النوم بصرف النظر عن وقت تناوله خلال اليوم، كما تبين أنه يقلل الشعور بالإرهاق بسبب السفر.
إذا كنت تبحث عن معلومات حول الميلاتونين عبر الإنترنت، فستجد أن ٨٠ ٪ من المواضيع تتحدث عن فوائد تحسين جودة النوم؛ بسبب الميلاتونين، وأغلب المواضيع ستكون إيجابية وستشجع المصابين بالأرق على الحصول على قدر من النوم عن طريق الميلاتونين، غير أن بعض المستخدمين أصابهم الإحباط؛ حيث قال ١٠ ٪ من الذين تناولوا الميلاتونين إنه لم يكن فعالًا على الإطلاق، واشتكى ١٠٪ آخرون الأعراض الجانبية المصاحبة له، مثل: الكوابيس، والصداع، والترنح في الصباح، والاكتئاب المؤقت، وضعف الرغبة في العلاقة الزوجية الحميمة، ولكن رغم التضارب حول استخدام الميلاتونين، فلم تتلق إدارة الغذاء والدواء شكاوى كثيرة حول أعراضه الجانبية، وكانت الأعراض الجانبية التي تم التبليغ عنها هي خلل النوم، وآلام الأعضاء التناسلية، والغثيان، غير أن إدارة الغذاء والدواء لم تتمكن من الجزم بأن هذه الأعراض بسبب الميلاتونين؛ حيث إن عدد الشكاوى كان محدودًا، بيد أن بعض خبراء الصحة يحذرون ويرون أن العديد من الناس يتلاعبون بهرمون قوي التأثير قبل أن يُفصل في أثره، إذ يجب تحري تأثير الجرعات الكبيرة التي يتناولها بعض الناس؛ لأن الجرعة التي تبلغ ملليجرامًا واحدًا هي ثلاثة أضعاف الكمية الطبيعية التي تفرزها الغدة الصنوبرية، ويمكن أن يكون لهذه الجرعات الكبيرة آثار مجهولة على المدى الطويل، والمقلق أيضًا أنه لا توجد في الولايات المتحدة قوانين تحدد الكمية أو المواصفات لبيع الميلاتونين في المتاجر؛ لأن إدارة الغذاء والدواء لا تراقب بيع المكملات الغذائية، والأمر الغريب أن يُصرَح ببيع الميلاتونين في أمريكا باعتباره مكملًا غذائيًّا، بينما هو هرمون!
ويعد الميلاتونين أكثر أمانًا من الأقراص المنومة، ولا يسبب الإدمان، غير أنه يجب على بعض الناس تجنبه على الأقل الآن حتى يتم التوصل إلى معلومات أكثر عن مخاطره، مثل: المرأة الحامل، أو الأم المرضعة، والمصابون بأمراض المناعة الذاتية، الذين يعانون حساسية شديدة، أو سرطانًا في جهاز المناعة (مثل سرطان الغدد الليمفاوية أو اللوكيميا)، والأطفال الطبيعيون الذين تفرز لديهم مستويات عالية من الميلاتونين بشكل طبيعي، كذلك من الحكمة تجنب تناوله إذا كنتِ تحاولين الإنجاب؛ لأن الجرعات الكبيرة من الميلاتونين تعمل مانعًا للحمل.
حاليًّا من المحتمل أن يكون الميلاتونين هرمونًا مفيدًا، ومن هنا تسارع صناعة الأغذية الصحية في أمريكا ببيعه، غير أنني كنت سأشعر براحة أكبر لو اقتصر بيعه على المنافذ الطبية، وأتيح للبيع فقط بوصفة طبية. ومن المثير للاهتمام أن الغدة الصنوبرية تزيد من إفراز الميلاتونين بعد ممارسة بعض أنواع التأمل، ولهذا يشعر الأشخاص الذين يمارسون التقنيات القديمة بالسعادة والاسترخاء.
كذلك يُعتقد أن غياب إفراز الميلاتونين هو أحد الأسباب التي تفسر الشعور بالإرهاق واضطراب النوم والضيق المصاحب لتقدم العمر، فإذا كنت تمر بهذه الأعراض، فأعتقد أن تناول مكملات هرمون الميلاتونين يستحق التجربة؛ إذ كان له أثر جيد جدًّا في نسبة كبيرة من الذين استخدموه، وبالطبع لم يسبب لهم الأعراض الجانبية التي تسببها الأقراص المنومة أو المهدئات، وعليه يجب تناول الميلاتونين تحت إشراف طبيب وبجرعات تتراوح بين ١-٣ مجم وقت الغروب.