التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

من هو الطفل البطيء التعلم

يخطئ من يظن أنه بوسعنا التعرّف إلى الطفل البطيء التعلم بمجرد النظر إليه، كون الرؤية غير كافية ولا علمية للنظر في أعماق الشخصية الإنسانية ومعرفتها. ولعلّ الأمثلة الواضحة من التاريخ تخبرنا بعكس ذلك. فكـم من معلـم ومربـي أخطأ الظن في ذلك، ولعل ما ظن معلمو العالمين ” أديسون Edison” و” نيوتن Newton ” فيهما خير دليل على ذلك. فما علينا والحالة هذه إلا أن نتعلم من الخطأ الذي وقع فيه غيرنا بأن لا نتسرع في الحكم على الأشخاص بمجرد رؤيتهم، وهذا ما يدفعنا بدوره إلى التمعن والتروي في محاولة البحث عن طبيعة البطيء التعلم.

إن تصنيف الناس والأشخاص إلى عاديين وموهوبين وبطيئي التعلم غير دقيق وإذا حدث أن كان هناك اختلاف فهو في الدرجة لا في النوع. فليست الأمانة والصدق والاستقامة وقف على فئة من الناس ولا الغباء والسرقة والنميمة وقف على فئة أخرى فهناك شيء من الخير في نفوس الشريرين وشيء من الشر في نفوس الخيرين.

ما المقصود ببطيء التعلم

يقصـد بتعبير “بطيء التعلم Slow Learner” بشكل عام التحري عن معرفة قـدرة الفرد على تعلّـم الأشيـاء العقليـة، حيث يجـري اختبـار تلك القدرة بواسطة اختبارات الذكاء الفردية اللفظية Individual Verbal Intelligence Test . لذلك من الناحية العملية وبناء على اختبار الذكاء المذكور يمكننا القول بأن الطفل الذي تكون نسبة ذكائه ما بين الـ 74 ـ 91 درجة يكون طفلاً بطيء التعلّـم. أما الأطفال العاديون فنسبة ذكائهم هي ما يزيد عن 90 درجة وعادة ما لا يستطيع الأطفال الذين تقل نسبة ذكائهم عن الـ 74 أن يحققوا نجاحاً في المنهاج المدرسي العادي، ويشار إليهم على أنهم متخلفون عقلياً فيوضعون بناء عليه في صفوف خاصة. لذلك يفضل ان لا ينظر إلى الحد الأدنى أو الأعلى للمجموعة بل إلى متوسطها أي حوالي 85 درجة تقريباً.

بناء عليه يُفضل أن يطلق تعبير “بطئ التعلم” على كل تلميذ يجد صعوبة في تعلّـم الأشياء العقلية، وليس من الضروري أن يكون بطيء التعلم متخلفاً في سائر أنواع النشاط، فقد يحرز تقدماً في نواح أخرى كالتكيّـف الاجتماعي، أو القدرة الميكانيكية، أو التذوق الفني، بالرغم من عدم تمكنه من القراءة المطلوبة والعمليات الحسابية.

ومن الجدير ذكره أن الطفل البطيء التعلم لا يكون بطيئاً في جميع نواحي النشاط العقلي الأخرى، فالعمليات الحسابية والخط مثلاً لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقراءة أو التفكير الرياضي ، كذلك لا تعتمد القدرات الميكانيكية والمهارات والتكيّـف الاجتماعي والإحساس بالجمال على القراءة. لذلك علينا أن لا نعتبر أن البطيء التعلم في ناحية يكون بالضرورة بطيئاً في النواحي الأخرى.

مقارنة بين البطيئي التعلّم والعاديين

لا شك أن هناك صفات معينة خاصة بالأطفال البطيئي التعلّـم ممّا يميزهم عن الأطفال العاديين خاصة إذا كانت ذات طابع وراثي، لأنه كما معلوم، ان الاستعدادات الوراثية هي التي تحدد نمو الطفل ومعدله في النمو وهذا لا يمكن تغييره بدرجة كبيرة ويمكن حصر هذه المقارنة بالصفات التالية:

1 ـ الصفات الجسمية Physical Characteristic

بناء على البحوث والدراسات تبين أن معدل النمو لدى الأطفال البطيئي التعلم أقل في تقدمه بالنسبة لمتوسط معدل نمو الأطفال العاديين.

من هذه الفروقات بالنسبة للبطيئي التعلم ما يلي:

ـ أقل طولاً، أقل تناسقاً، أثقل وزناً، احتمال انتشار ضعف السمع، عيوب الكلام، سوء التغذية، مرض اللوزتين والغدد، عيوب الإبصار.

كل هذه الحالات المذكورة لا تستدعي اهتماماً زائداً أو علاجاً خاصاً.

وهناك دراسات أجريت على عدد كبير من بطيئي التعلم تبين من خلالها أن هذا الطفل يعاني ممّـا يمكن تسميته ” بالضعف العامGeneral Weakness ” وهي عادة ما تحدث لهؤلاء الأطفال قبـل دخولهم إلى المدرسة حيث تظهر بشكل مجموعة من الأمراض والمتاعب تؤدي إلى نقص في حيوية الجسم، وهذا يعود إلى الوراثة من جهة، وإلى الظروف البيئية بعد الولادة من جهة أخرى كسوء التغذية وقلة النوم مثلاً.

ومن الجدير ذكره بأن عيوب السمع والبصر معرضة للوقوع عند جميع الأطفال ولكن علينا أن نعطيها اهتماماً أكبر في حال حصولها عند الأطفال البطيئي التعلّـم، لأن التغلب على العيوب الجسمية تعطي الأطفال البطيئي التعلم جرعة هامة من المناعة النفسية والعقلية بما توفره لهم من الطمأنينة والارتياح.

2 ـ عوامل شخصية Personality Factors

إن شخصية الفرد ـ أي فرد ـ على درجة من التعقيد يصعب وصفها بشكل دقيق بحيث يمكن القول انها: حسن، متوسط، أو ضعيف. وعلى الرغم من ذلك فإن اعتقاد بعض الناس بأن شخصية بطيئي التعلم تتصف بالضعف تقودهم إلى القول بأنهم أقل تكيفاً من الأطفال العاديين، وهذا ما دلت عليه الدراسات، لكن هذه الفروقات كانت بسيطة وذات دلالة إحصائية. ولقد دلت دراسة أجريت على الأطفال البطيئي التعلم في مجال الشخصية عبر مقارنتها مع الأطفال الموهوبين فتبين ان الأطفال البطيئي التعلّـم انفردوا بصفات هي:

ـ الاعتماد على الغير، الاحترام الزائد للغير، عدم الثقة بالنفس.

في حين انفرد الأطفال الموهوبين بصفات هي:

ـ القيادة والسيطرة، الثقة بالنفس، القدرة على تكوين الأصدقاء، الخلق والإبداع.

وعلى الرغم من هذا التمايز في الصفات إلاّ أن الفوارق كانت معدومة في المجالات التالية:

ـ العطف والطاعة، التملّـق، التعاون والأنانية، الرغبة في الاجتماع، الحماية والكرم.

3 ـ التعلم والانتباه Learning and Attention

هناك دلائل على وجود عامل الكسل عند البطيئي التعلّـم ولكنه يرجع إلى ضعف عام في الصحة وعدم تكيّـف مع المدرسة. أما في مجال الانتباه فإنه يبدو أقل من الأطفال العاديين، فمدة هذا الانتباه ومداه هو المقصود في هذا السياق، كونه مرتبط جزئياً بالنواحي العقلية. وعلينا هنا أن لا نعمم هذه الحالة واعتبارها صفة ملازمة ومتلازمة مع البطيئي التعلّـم. وينصح الباحثون في هذا المجال إعطاء موضوعات ذات علاقـة بالنشاط ذات معنى وهدف وليس إعطاء مواضيع دراسية قصيرة أو قليلة.

4 ـ عوامل عقلية Mental Factors

كلما ارتفعت عوامل التعلّـم العقلية كلما زاد الفرق بين البطيئي التعلّـم والعاديين. ويظهر الاختلاف واضحاً جلياً في بعض نواحي التعلّـم كالتمييز Recognition والتحليل Analysis والتركيب Synthesis والتعليل Reasoning ، وسبب هذه الفروقات هو ارتباطها واعتمادها على عامل الذكاء. وينفرد العنصر الأخير “التعليل” عن سواه في اختلاف البطيئي التعلّـم عن العادي بحيث يظهر أكثر وضوحاً من سواه من العوامل العقلية المذكورة أعلاه، وفي اعتقادنا أنه العامل الرئيسي المسؤول عن بطء تعلّـم البطيئي التعلّـم.

عملية التعلّم والطفل البطيء التعلم

إن الإجابة عن السؤال التالي: كيف يتعلم الطفل البطيء التعلّـم من الأهمية بحيث تدلنا وتقودنا بالتالي إلى الولوج في موضوع التعلّـم من بابه الواسع. ولعل أفضل إجابة عن هذا السؤال هي: يتعلم الأطفال البطيئي التعلّـم بنفس الطريقة الأساسية التي يتعلم بها الأطفال الآخرون وهي تكمن في استعمال خبراتهم السابقة عبر وضع الأهداف والتفكير والتجربة والتعميم. إن اعتمادهم على خبراتهم السابقة تساعدهم على مواجهة المواقف الجديدة والمستجدة، ومن الجدير ذكره أن الطفل البطيء التعلم عادة ما يركّـز على معرفة الهدف عندما يقوم بنشاط معين كما يهتم بمعرفة النتائج، لكنه في الوقت ذاته يريد الوصول إلى النتائج دون التفكير في الاحتمالات الأخرى، ويعود ذلك إلى أنه أقل تخيلاً ومقدرة على التنبؤ بالنتائج من الأطفال العاديين، وهناك سبب آخر يساهم في سرعة الوصول إلى النتائج يكمن في استجابته للنواحي العاطفية، لأنه على استعداد لقبول أقرب حل وأية نتيجة، أكثر من كونه حذراً في الموقف الذي يواجهه. ولا بُد هنا من التذكير بأن ميل إلى الحصول على النتائج معرّض للإضمحلال خاصة إذا ما تأجلت النتائج أو كانت غير ملموسة وواضحة، وهو لا يرتاح إلى العمل تبعاً لآراء وأفكار شخص آخر، ولكن هذا لا يعني عدم رغبته في المشاركة في النشاطات بل على العكس فإن مشاركته هذه تقوّي إحساسه بالانتماء.

مفاهيم خاطئة حول الطفل البطيء التعلّم

يُفترض فينا ونحن ندرس الطفل البطيء التعلّـم أن نتعرف على بعض المفاهيم الشائعة حوله كي نتجنبها ولا نساهم في ترويجها.

1 ـ الإنحراف

لا يوجد ما يدعونا إلى الافتراض بأن الطفل البطيء التعلّـم يميل إلى الانحراف أكثر من الطفل العادي أو الموهوب لمجرد كونه بطيء التعلّـم. فالدراسات والأبحاث التي أجريت دلت على أن الانحراف ليس مقصوراً على البطيئي التعلم بل على جميع الأطفال، ولكن شيوع هذه الأفكار والمفاهيم حولهم جعل الناس تعتقد أن الاستعداد للانحراف عند الطفل البطيء التعلم صفة ملازمة له. لكن علينا في الوقت ذاته أن نقول بأن فرص وجود الانحراف في بيئة الأطفال البطيئي التعلم أكثر منها في بيئـة الأطفال الآخرين بسبب الظروف البيئية والإمكانيات غير المتوفرة، واللعب غير الكافي، والدخل القليل، لذلك فإن هذه البيئة هي التي تساهم في دفع الطفل البطيء التعلم إلى الانحراف أكثر من كونه بطيء التعلّـم وحسب.

2 ـ العمل اليدوي والتفكير العملي

هناك خطأ شائع مفاده أن التفكير اليدوي مقصور على بطيئي التعلم، بمعنى أن تفكيرهم يدوياً أو عملياً حيث يظهرون براعة في النشاطـات اليدوية والعملية وينسى هؤلاء المخطئون بأن النشاط العملي صفة جيدة ومحببة تجعل الطفل أكثر شوقاً إلى القيام بالعمل فيقبل على التعلم برغبة وشوق. فضلاً عن أن الرغبة للقيام بهكذا عمل ليس وقفاً على البطيئي التعلم بل يتعداه إلى سواهم من الأطفال.

3 ـ التعويض

يخطئ المدرسون والمربون عندما يعتقدون بأن بطء التعلم عادة ما يتم تعويضه عبر الحجم والقوة، ويتجاهلون أو يجهلون بأن تلميذاً بطيء التعلم في صف متوسط قد يكون أكبر حجماً وأكثر قوة من باقي الأطفـال لأنه أكبر سناً . ولذلك فإن الطفل المتخلف في القراءة مثلاً ليس بالضرورة أن يكون متقدماً، أو متوسطاً في القدرات الأخرى خاصة العملية منها. إن هكذا أفكار هي مجرد خيال وافتراض لا يستند على أي أساس في الواقع، فالطفل البطيء التعلم في مادة الحساب مثلاً قد يكون بطيئاً في المهارة العملية.