يوسّع الجلوس آفاق طفلك، وبه يبدأ موسم رائع من الأمومة. غالباً ما تشكل التغذية مشكلة أساسية ويكون اختبار المأكولات الصلبة مصدر متعة كبيرة. وفي الوقت الذي تنتج هذه التطورات إحساساً بالنمو، يستطيع دماغ طفلك الشعور بمخاوف جديدة وخاصة الخوف من الغرباء والابتعاد عنك.
قصة الجلوس
في بعض التقاليد، من أساطير الشرق القديمة إلى مرشد البيتل مهاريشي ماهش يوغي إلى فرسان جيدي في حرب النجوم، كل ما يُبحث عنه هو الجلوس في وضعية اللوتس والانغماس في حالة عميقة من التأمل إلى أن تُقهر حدود الجاذبية ويتمكن المرء من الارتفاع عن الأرض. ولكن الطفل يبدأ قصة الجلوس متصالب الرجلين، متأرجحاً بلطف ومعلقاً رأساً على عقب في عالم الرحم المائي. عندما يأتي اليوم الموعود، يحطّ في عالم حيث تثبته الجاذبية في مكانه. يستطيع تحريك ذراعيه وساقيه ولكن تحريك جسمه يحدث في وقت لاحق. ويرى العالم من خلال الاستلقاء على ظهره ومن وقت تناول الوجبة المحدودة.
يجد طفلك عندما يكون في وضعية الجلوس في حضنك، في مقعد السيارة أو في الأرجوحة، متعته كبيرة في رؤية العالم من خلال هذه الوضعية. ومن تجاربه في الجلوس، أشك بأنه سيعيرك انتباهاً فيما تجلسين في السيارة، على المائدة أو على الأريكة. يتمثل طموحه في الجلوس كل يوم، الأمر الذي نستخف به عادةً أي الجلوس بوضعية منتصبة ومريحة واليدين غير مقيدتين للعب أو العمل أو تناول الطعام في يوم ما.
يعتبر الجلوس حدثاً أساسياً في الطفولة، إنجازاً سيحتفي به طفلك بكل فخر. إنّ تمضية بعض الوقت في التمرّن على الجلوس، يمكن أن يتخم رغبته في تحقيق هذا الإنجاز، ويعزز شوكته ويمنحه التوازن في التمرين. إنه أمرٌ ممتع. لقد استخدمت الأراجيح، التمارين، والقفز لتدريب أطفالي على الجلوس، الوثب، التحرّك بشكل دائري والاهتزاز برؤية مستقيمة مع إيقاع الموسيقى المعزوفة. يا لها من بهجة! كان القفز أكثر متعة من المنزلقة المائية والتمرين أفضل من الذهاب إلى الحديقة العامة. يمكن أن تكون هذه الأدوات مثل القفازات اللزجة باليدين بالنسبة إلى الشوكة. ولكن اللعب على هذه الأدوات لوقت طويل (أو في الحديقة العامة) قد يضرّ بالطفل. إن التوازن أثناء الجلوس مهم بالنسبة إليه ومهم أيضاً بالنسبة لنا كأهل.
نصر ثلاثي القوائم
مع التمرين، يتمكن الطفل من المحافظة على وضعية الجلوس بقدر أقل من المساعدة الخارجية. يفعل ذلك عبر وضع يديه أمامه مشكلاً حاملاً بشرياً ثلاثي القوائم. لا يمكنه استخدام يديه للعب. إن شعر برغبة في رفع يده للمس لعبة، عندئذٍ سيقع. إلا أنه سرعان ما سيقع في جميع الأحوال.
ستلاحظين مهارة طفلك المتنامية في الجلوس فيما تقترب يداه من جسمه عند جلوسه. سرعان ما سيتمكن من المحافظة على توازنه إلى الأمام وإلى الخلف، ولكنه سيبقي يداه مسمرتين إلى جانب حفاضه لتحولا دون انقلابه إلى الجانبين. إنْ تجرأ على مدّ يده لبلوغ لعبة ما، سيقع على هذه الجهة.
إلى أن يحين اليوم الذي ينجح فيه في رفع ذراعيه والجلوس لبضع ثوانٍ. ثم يقع مجدداً. لا ينجح الأمر في المرة القادمة. ولكنه سينجح بعدئذٍ. ربما لوقت أطول.
ستبدئين بملاحظة أن التمرّن على الجلوس يومياً الذي نستخف به هو مثل التمرن على رياضة أولمبية بالنسبة إلى طفلك. ولكنها رياضة جماعية. مع كل سقطة من هذه السقطات، لن يستطيع العودة إلى وضعية الجلوس للمحاولة من جديد دون مساعدتك. إنه رياضي مواظب يملك طاقة عظمى. وأنت الشريكة القيمة في هذه المغامرة.
أنظري أمي، لا أستخدم يديّ!
يشعر طفلك بسعادة عارمة عندما يتمكن من الجلوس دون استخدام يديه، لكنه قد يركز كثيراً على التوازن لدرجة أن المرح لا يبدو ظاهراً على وجهه. في البداية، قد لا يجازف باللعب بدمية لأنه يعلم أنه ما يزال غير قادر على الجلوس مجدداً إنْ وقع. ولكنه سيحاول وسيتعلم اللعب بنشاط بالدمى الموجودة مباشرة أمامه.
إنه لا يكتسب القوة والتنسيق فحسب، بل أيضاً يمضي قدماً في معرفته الفطرية لتركيبة العالم من حوله أي كيفية عمل الجاذبية والتوازن. قبيل تعلّم الطفل الجلوس، تطرف عيناه عندما يجتذب شيء ما يقترب منه بما يكفي ليدخل مجاله البصري. هذا ينفع إنْ اقترب الشيء بمعدل ثابت. إلا أن الباحثين في الجامعة النروجية للعلوم والتكنولوجيا اكتشفوا أن الأطفال الأكثر نضجاً يستطيعون معرفة سرعة اقتراب الشيء حدسياً، كما يستطيعون احتساب وقت التصادم الصحيح والنظر بعينين طارفتين في الوقت المناسب. ليس الجلوس بمهارة جسدية وحسب. إنه مباراة في الشطرنج، ودرس في الفيزياء، وتلاقٍ للمنعكسات على مستوى غير واعٍ.
وخلال بضعة أسابيع إضافية، سيبرع طفلك في الجلوس فيتحرك، ويستدير، ويبلغ الأغراض بثقة واستعداد للعب بلا مبالاة. إنْ أراد رفع نفسه، سيستطيع الوقوف باستقامة وجعل السقطة تبدو متعمدة. سيتعلم الطفل الجلوس مثلما يتعلم شخص الرقص أو الرسم بالأرقام. الآن، يجلس طفلك مثل رسم بيكاسو أو رقص أستير. لا أعتقد أن الجلوس سيكون أفضل من ذلك.
يا له من شعور بالحرية وبإنجاز الهدف! تحتاج البراعة في الجلوس إلى شهرين على الأقل من الجهد المتواصل والموجّه. وطفلك هو مَن سيبذل كل هذا الجهد. إنه مسؤول عن تعلم الفيزياء، وعلم الحركة، وتمارين القوى، والتصميم، والفشل، والدافع الداخلي. إلا أن دورك في هذه العملية مهم جداً، بحيث يتوجب عليك تأمين بيئة مغذية وآمنة له، والانتباه له، والاستجابة إلى مطالبه وحاجاته، وتأمين وجباته، وتنظيف حفاضاته، ولعب دور المدرب والشريك والمثال الأعلى. بإيجاز، ستكونين في الفريق الرابح إن فعلت الأمور نفسها التي قمت بها قبل ولادته.