يمكن مقارنة المخ بالبطارية – فعندما يكون المخ مشحونًا بالكامل، تكون انفعالاتنا طبيعية ومستقرة، ونشعر بالبهجة والانشراح، وإذا أصبح المخ “فارغًا”، فسوف يتصرف مثل البطارية الفارغة، وسنشعر بأننا منهكون ومتعبون، ونفطن إلى عدم استقرارنا الداخلي.
ونعرف أن من أجل أن تعمل بطارية السيارة بشكل مناسب يجب أن تكون مشحونة تمامًا، ويتم الحفاظ على الشحن الكهربائي داخل البطارية عن طريق تركيبة دقيقة من المركبات الكيميائية داخل البطارية، وبالمثل تُحفظ الطاقة الكهربائية أو “الشحن” داخل عقولنا عن طريق قدر دقيق ومتوازن من المواد الكيميائية داخل المخ، وتنتج خلايا المخ هذه المواد الكيميائية، والأكثر أهمية منها هي السيروتونين، والنورأدرينالين، والدوبامين؛ وتعرف هذه المواد الكيميائية بالناقلات العصبية، وإذا استنفدت هذه الناقلات العصبية، أو كان هناك إفراط في نشاطها، فسوف يحدث خلل وظيفي في النشاط الكهربي للمخ، وقد يؤدي ذلك إلى الاكتئاب، أو القلق، أو كليهما معًا.
وجدت أن هذا التشبيه بين المخ والبطارية مفيد للمرضى لديَّ، ويمكنهم ربطه بالأعراض المصابين بها، كونها ناتجة عن اختلال في التوازن الكيميائي، وليست ناتجةً فقط عن موقف، أو مشكلة نفسية.
السيروتونين Serotonin – مركب السعادة!
حين يتعلق الأمر بالحالات المزاجية، والطريقة التي نستمتع بها بمباهج الحياة بوجه عام، يأتي السيروتونين كأهم مركب كيميائي في المخ.
السيروتونين هو ناقل عصبي استثنائي داخل المخ، والكميات المناسبة من السيروتونين لازمة من أجل:
– استقرار الحالة المزاجية
– الشعور بالسعادة والرضا
– النوم المنتظم والمريح
– الرغبة الجنسية الصحية
– الوقاية من متلازمة ما قبل الحيض
– الوقاية من الصداع
– السيطرة على القلق
وغالبًا ما يحدث مرض الاكتئاب نتيجة الانخفاض غير الطبيعي في مستويات السيروتونين في المخ، وتزيد معظم الأدوية المضادة للاكتئاب من كميات السيروتونين المتاحة لخلايا المخ.
أعراض نقص السيروتونين
فيما يلي الأعراض المحتملة لنقص السيروتونين:
المزاج السيئ والعدوانية
– الانفعالية
– الأرق
– الاكتئاب
– اضطرابات الأكل
– الصداع، وخاصة الصداع النصفي
– حساسية زائدة للألم
– عدم القدرة على تذكر الأحلام
– الرغبة الشديدة في تناول الكحوليات أو النشويات، أو كلتيهما
– القلق ونوبات الهلع
– الاضطرابات العاطفية الموسمية (الاكتئاب خلال فصل الشتاء)
كيف يُصنَّع السيروتونين في المخ؟
يُصنَّع السيروتونين في المخ من حمض التريبتوفان الأميني، حيث يقوم إنزيم اسمه هيدروكسيلاز جنبًا إلى جنب مع فيتامين ب٦ والماغنسيوم بتحويل التريبتوفان إلى ٥-هيدروكسيتريبتوفان الذي يتحول بعد ذلك إلى السيروتونين.
الاسم الآخر للسيروتونين هو ٥-هيدروكسيتريبتامين.
الدوبامين Dopamine – مركب التركيز والحافز والمكافأة والمتعة
الدوبامين هو ناقل عصبي قوي يوجد في مناطق المخ المعنية بالمتعة والمكافأة.
ويتحكم الدوبامين الموجود في فصي المخ الجبهيين الكبيرين في تدفق المعلومات من مناطق المخ الأخرى، ويمكن أن تتسبب اضطرابات الدوبامين في هذه المنطقة من المخ في انخفاض في الوظائف العصبية المعرفية، خاصةً الانتباه، والذاكرة، ومهارات حل المشاكل، وهناك اعتقاد بأن تركيزات الدوبامين المنخفضة في المناطق الجبهية من المخ تسهم في الإصابة باضطرابات نقص الانتباه.
أعراض نقص الدوبامين
– الاكتئاب
– الإرهاق الذهني
– انعدام الدافع
– الدوار
– ضعف الذاكرة
– ضعف التركيز
– صعوبة في أداء المهام المعتادة
– انخفاض النشاط البدني
– إدمان الطعام أو المواد الأخرى
– الرغبة الشديدة في تناول أطعمة معينة
– الشهية المفرطة
– انخفاض الرغبة في العلاقة الزوجية
– عدم القدرة على الإحساس بالسعادة
– عدم القدرة على الشعور بالرضا
– عدم القدرة على الشعور بالتقدير من الآخرين
– الارتجاف
نقص الدوبامين
يمكن أن يؤدي نقص الدوبامين إلى حالات تتضمن البدانة، وإدمان الطعام، وأنواع أخرى من الإدمان، والاضطرابات الجنسية، ويسبب نقص الدوبامين الحاد في مناطق معينة من المخ في الإصابة بمرض الشلل الرعاش.
ويُعد الحمضان الأمينيان التيروسين والفينيل ألانين هما المادتين الخام اللتين يستخدمهما المخ لإنتاج الدوبامين. والفينيل ألانين هو حمض أميني يمكن أن يتحول في الجسم إلى التيروسين، الذي بدوره يُستخدم في تخليق الناقل العصبي الدوبامين.
ولأن التيروسين يتحول في المخ إلى دوبامين، فإنه في أغلب الأحيان يفيد في تخفيف أعراض نقص الدوبامين، ومن ثم يمكن أن يكون التيروسين مفيدًا في حالات علاج الإدمان والإرهاق العقلي والاكتئاب، وللأسباب نفسها يساعد التيروسين في الحد من الشهية وإدمان الطعام.
وتزيد بعض الأدوية المضادة للاكتئاب من كمية الدوبامين في المخ.
النورأدرينالين Noradrenaline – مركب التحفيز والإثارة والطاقة
يصنع هذا الناقل العصبي من الحمض الأميني التيروسين، والنورأدرينالين منبه طبيعي وقوي، ويمكن أن تؤدي الكميات الكبيرة منه إلى الشعور بالطاقة الهائلة، والقوة والنشاط والنشوة، وإذا تعاطى شخص الكوكايين أو الأمفيتامينات، فإن ذلك يتسبب في غمر الجسم بالأدرينالين والنورأدرينالين وهذا هو سبب أن الكوكايين والأمفيتامين يتسببان في الإدمان بشكل كبير.
والأدرينالين هو المادة الكيميائية التي تُعِد الجسم لاستجابة الكر أو الفر، إذا واجه الشخص خطرًا أو تحديًا بدنيًّا، أو عقليًّا هائلًا؛ وفي هذه الحالة يكون الأدرينالين تلاؤميًّا ومفيدًا.
وعلى النقيض من ذلك، إذا أفرز الجسم كميات كبيرة من الأدرينالين حين لا يواجه الشخص خطرًا أو تحديًا حقيقيًّا، فإن ذلك سوف يتسبب في حالة التحفيز المفرط في غير محله، ويمكن أن يَنْتُج عن ذلك قلق زائد، وضغط نفسي، وتسارع ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وآلام بالصدر، والإسهال، والعرق، والشد العضلي، والهياج، وضيق التنفس، والذعر، ويحدث هذا التهديد المتصور نتيجة الاختلال الكيميائي في المخ والجسم، وهو تهديد ليس حقيقيًّا، وهذا أمر مخيف للغاية، وينتج عنه شعور بفقدان السيطرة، وإذا تفاقمت حدة هذه الحالة، فقد تحدث نوبة هلع.
نقص النورأدرينالين
وتتسبب المستويات المنخفضة بشكل غير طبيعي من النورأدرينالين في المخ في الإرهاق الشديد، والاكتئاب، واللامبالاة، وفقدان الدافعية، وانعدام الاهتمام، وبعض الأدوية المضادة للاكتئاب، مثل مثبطات استرداد السيروتونين والنورأدرينالين، ومثبطات أكسيداز أحادي الأمين قادرة على زيادة كمية الأدرينالين والنورأدرينالين في المخ.